تنغمس وسائل الإعلام هذه الأيام في برامج فارغة المحتوي، حول إشكالية لا طائل من ورائها، سوي صب الزيت علي النار للاحتراق أكثر، فالمجتمع الموريتاني الواحد لا يفرقه اللون و لا العرق. متماسك بعامل الدين الإسلامي الواحد المذهب، الذي يدين له الجميع بدون تمييز، كما أن الحوار الفكري العقيم لن يولد سوي الحقد و الكراهية، إن لم نقل زيادة الفوارق بين المكون الواحد.مما يفرض الالتزام بالضوابط المهنية، بعيدا عن التطرف و العنصرية،بدل ثقافة التسامح و التآخي التي تقوي اللحمة الاجتماعية،توطيدا للوحدة الوطنية.
إن الأخذ بناصية القانون يظل هو السبيل الوحيد لتحقيق المطالب المشروعة، بإتباع خارطة الطريق التي رسمتها الحكومة الموريتانية، بعيدا عن الغلو والتطرف، عسي أن لا تنزلق السفينة في وقت قد يكون البعض قد فاته الأوان لاستدراك القيمة الحقيقية للأمن و الاستقرار، الذي يبدو أن البعض يتجاهل العواقب الغير محتملة لانهيار الدولة الوطنية،كأم حاضنة للجميع. من خلال العبث بمقدساتها و تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها الشرع و المنطق، سوى تعلق الأمر بالتفريط بحرية التعبير التي أصبحت فوضي متنامية أو نهج سلوك الدعوات ضد مقومات الدولة المركزية من جهة والمطالبة بالأحكام الذاتية شمالا و جنوبا من جهة أخري.
فالعالم اليوم يشهد تناقضات حادة،غير مسبوقة في تاريخ البشرية جمعاء، سواء على مستوي الأحادية القطبية التي تحكم العلاقات بين القوي الدولية، أو التحالفات السياسية المحلية والإقليمية لتشكيل أقطاب قوية ذات أبعاد إيديولوجية لخلق مصالح مشتركة، تتشابك أهدافها ومقاصدها البنيوية تارة والاقتصادية تارة أخرى.
هذا المناخ السائد، ولد مفاهيم متخالفة نتيجة الممارسة الفعلية للحقوق والواجبات الداخلية والخارجية، في إطار التنافس على منافذ النفوذ والهيمنة، لتسليط القوي وتشتيت منابر الدعاية الجديدة في ثوبها القديم، مما يتطلب اليقظة والحذر اتجاه عاصفة النوايا المبيتة للقيم القادمة، وما تولده من أخطار علي الانتماء الديني والأخلاقي لمجتمعاتنا العربية الإسلامية، علي ضوء تحولات جذرية في مسارها السياسي والاجتماعي انطلاقا من خصوصيتها الاجتماعية والثقافية وهشاشة وسطها البيئي المعرض للاختراق في أية لحظة.
أية مناعة لمجتمعاتنا تتطلب قدرا كبيرا من الحيطة والحذر بما يحدث في محيطنا من تقلبات قادرة علي أن تعصف بالكيان القائم،لولا تضافر الجهود وتماسك الأفكار مع اقترانها بالأفعال، حتى نصل إلي بر الأمان متماسكين وبإن أحداث الساعة العربية وما ولدته الثورات العربية من انتفاضة الشارع العربي وبروز فلسفة التغيير بأشكال متعددة ودامية في جل حلقاتها، يفرض علينا أخذ العبرة من مجريات الأحداث وقراءة صحيحة للتاريخ في حاضره مع استخلاص العبرة من الماضي القريب، انطلاقا من موقعنا داخل القرية الكونية الواحدة وما يفرضه ذلك الموقع من سلبيات الجغرافيا، قصد الحفاظ علي وجود الدولة والكيان، التي تشكل مركز اهتمام لقوي عدة خارجية نظرا للموقع الجيوبوليتيكي وقابلية التأثير المتبادل للأفكار والقيم، التي أصبحت تفرض نفسها بفعل تطور وأتساع وسائل الإعلام. فهل تبدو المواطنة الموريتانية بمنئ عن التجاذبات ومخاطرها؟
إن الهياكل الاجتماعية الموريتانية توفر معايير ايجابية،عند استغلالها العقلاني لدعم قوة الانسجام لمكونات الأمة في مجملها، أمام الوضعية السياسية الحالية وما يميزها من توجهات بعض الفاعلين السياسيين الهادفة إلي التنافر وبث روح الفتنة والشتات بين مكونات وشرائح المجتمع الموريتاني الواحد.
كما أن معايير التنمية في شتي المجالات بما فيها تقليص الفوارق الاجتماعية تظل مطلبا شعبيا وأمرا تطبيقيا ملحا، لضمان السلم المدني، أمام ما يوفره الجهل والبحث عن السلطة بأي ثمن كان، الشيء الذي يغذي النزاعات القائمة في البقاء على مسار الدول السائرة علي طريق النمو، المكونة الأساسية للنزاعات العرقية، في بلد يظل بحاجة إلي نسيج متكامل غير قابل للاندثار، بفضل الدين الإسلامي الواحد والمذهب العقائدي الواحد وروح الانتماء إلي الوطن الأم،علي الرغم من التجاذبات التاريخية بين الشمال والجنوب، والتي ظلت تصطدم بهوي الذات ومفارقات الأحداث بفعل الميول العرقية تارة والأطماع السياسية الضيقة تارة أخري.
إن التعاطي مع الشأن العام يملي علينا جميعا موالاة ومعارضة، التقيد بالانحياز إلي التفاهم حول القضايا الجوهرية المصيرية لتشييد دولة قابلة للبقاء، رغم انف الظروف المناخية الصعبة ونتائج الأزمات الدولية الاقتصادية والسياسية والتأثيرات المتبادلة، التي ولدها التطور التكنولوجي الفائق لوسائل الاتصال واختراق العقول البشرية.
*كاتب موريتاني/”أقلام حرة”