لم تخل منافسات استضافة كأس إفريقيا للأمم من صراعات سياسية ورياضية، أقلها أن المغرب المنسحب من «منظمة الوحدة الإفريقية» سابقاً رغب في إضفاء بُعد إفريقي على توجهاته الرياضية والديبلوماسية. وما تعجز عنه المبادرات السياسية لا يستعصي أمام غلبة الروح الرياضية. فقد انفتحت أبواب الحوار بين الصين والولايات المتحدة الأميركية بعد مباراة في كرة الطاولة. ولم يتوقف الرياضيون السوفيات إبان الحرب الباردة عن قطف ثمار المنافسات، حتى داخل أميركا. وكان انشقاق الرياضيين والمثقفين أكثر أثراً من معاكسات الحرب الباردة التي خبت نارها ولم يتبدد رمادها بعد.
تنافس المغرب منذ أكثر من أربع سنوات مع جنوب إفريقيا لاستضافة مونديال كرة القدم بآليات سياسية أكثر منها رياضية. لذلك يبدو من الغرابة أن تنشأ أزمة بين الرباط والاتحاد الإفريقي لكرة القدم، على خلفية طلب إرجاء استضافة التظاهرة الرياضية. وإذا كان هناك من طرف أبدى المزيد من الحماس والاستعداد لاحتضان الحدث الرياضي إفريقياً فهو المغرب الذي يعتبر الموقف امتداداً لالتزامات انفتاحه المتواصل على دول القارة السمراء اقتصادياً وسياسياً. غير أن المخاوف الناشئة حيال تفشي فيروس «إيبولا» حدّت من ذلك الحماس. ولا يضعف المشاعر إلا خشية الإنسان من انتشار عدوى الأمراض التي لم يتوصل العلم إلى وسائل علاجها. لذلك يبقى الاحتراس من قبيل التحوّط الذي لا مفرّ منه.
لا خلاف في أن قرار الإرجاء لم يسلك الطريق الأسهل. أي ضرورة إشعار الاتحاد الإفريقي وسلطة القرار الرياضي دولياً بدوافع اتخاذ قرار صادم من هذا النوع. لأن أجندة الشركاء الأفارقة في تظاهرة بهذا الحجم تخضع لاعتبارات تخص كل دولة وكل فريق. غير أن الأهم أن إلغاء حدث تلفه أخطار محتملة أفضل من مغامرة ليس في إمكان أي جهة أن تتوقع مضاعفاتها على الأمدين القريب والمتوسط. فالأحداث الرياضية يمكن تأجيلها، فيما التداعيات الصحية يصعب احتواؤها. في وقت يقف فيه العلم عاجزاً عن التصدي للعدوى التي انتشرت في بلدان غرب إفريقيا، وأصبحت هاجساً يؤرق جوارها القريب والبعيد.
أن تكون أزمة الثقة التي بدأت فصولها بين المغرب والاتحاد الإفريقي لكرة القدم مجرد حادث عارض، من حيث الشكل الذي اتخذه قرار الإرجاء، فالمسألة لا تزيد عن حساسيات قابلة للاستيعاب. لكن أن تكون لذلك تداعيات أكبر على مستوى تدخل اعتبارات سياسية فالقضية ترتدي بعداً غير رياضي. وما من طرف يبدو في وارد تلغيم الأجواء التي تسود العلاقة بين الرباط والدول الإفريقية، ولعل أهم مؤشر إلى ذلك أن المغرب انتخب رئيساً لاتحاد البرلمان الإفريقي في دورته المنعقدة في الرباط. ما يبدّد المخاوف الناشئة إزاء تمدّد الأزمة في أفق آخر. فالرياضة تجمع ولا تفرّق، وتقبّل نتائج المنافسات يجب أن يوازيه تقبّل الضرورات التي تبيح المحظورات في المواقف الرياضية على الأقل.
قبل تفشي الفيروس القاتل، اعتلت القارة الإفريقية صدارة الاهتمام. قمة أميركية – إفريقية في واشنطن، وحوار إفريقي – أوروبي متعدد الأطراف والاتجاهات انشغل به الاتحاد الأوروبي. وقمة يابانية – إفريقية سبقتها قمة الكويت العربية – الإفريقية. فيما النفوذ الصيني الاقتصادي والتجاري يتغلغل في أدغال القارة السمراء. ماذا حدث حتى تحول الانفتاح إلى جفاء، وأصبحت المعابر والمرافئ والمطارات تدقق في هويات القادمين من إفريقيا.
إنه الخوف من الفيروس الفتاك، قفز على بقية الاهتمامات والأسبقيات، ومنذ كان الإنسان وهو يحتمي من الأخطار القادمة من الطبيعة أو الحيوان بإقامة ملاذات آمنة تقيه ملاحقة العدو الذي لا وجه له. المسألة غريزية ترتبط بحب البقاء والارتقاء. فماذا فعل العالم المتحضر من أجل التخفيف من الرعب الذي انطلق من عقال لا أحد يتبين مصدره؟ إنه السؤال الكبير الذي كان يتعين طرحه بدل الإمعان في المشاحنات حول استضافة تظاهرة رياضية من عدمها.
لا يحتمل الموقف أكثر من لحظة تأمل، تعاود إلى الأذهان فكرة الاستقطاب الذي يركز على الموارد ومخزونات الثروات التي تزخر بها القارة السمراء، من دون الالتفات إلى العنصر البشري الذي يواجه المآسي والأزمات. فقد اهتدى العالم المتحضر إلى أكثر من صيغة لإعمار أوروبا بعد الحربين الكونيتين… والحاجة اليوم ماسة إلى خطة موازية لإنقاذ الدول الإفريقية من أخطار تفشي إيبولا. ليس لأن عدواها لن تستثني أي طرف أو دولة أو قارة، ولكن لأن واجب التضامن الإنساني يحتم تسخير العلم ومظاهر التقدم لفائدة الإنسان الإفريقي هذه المرة.
إن لم يكن لسواد عيونه، فمن أجل تبديد مخاوف المتعاملين معه. ولا مستقبل لنظرة الاستعلاء بعد اليوم.
*كاتب وصحفي مغربي “الحياة” اللندنية