نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أنّ سفراء الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أجروا في بروكسل مؤخرا نقاشات أدت إلى قرار بإيصال رسالة حول خطوط حمراء لا يجوز للإسرائيليين تجاوزها في الأراضي المحتلة العام 1967. وإذ يؤكد الخبر تزايد الاستياء الأوروبي من السياسات الإسرائيلية، فإنّ السؤال هو عن مدى الجديّة الأوروبية، ثم لماذا هذه الخطوط الحمراء دون غيرها؟ ولماذا تقتصر المقاطعة على المستوطنات؟
طُلب إلى ممثل الاتحاد الأوروبي لدى الإسرائيليين توصيل الرسالة التي تحدد رفض السياسات التي تُهدد حل الدولتين، ثم تحدد مجموعة مشاريع استيطان كبرى، تشكل خطوطا حمراء. وطلبت أثناء النقاشات الأوروبية من دول، منها فرنسا، أن تحدد عقوبات ستمارس ضد المستوطنات، يتم توضيحها للإسرائيليين أثناء مفاوضات بهذا الشأن، حتى لا تدّعي الحكومة الإسرائيلية المفاجأة والاستغراب (كما حدث سابقاً).
أول المؤشرات للإجابة عن مدى الجدية الأوروبية، نأخذه من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وحكومته التي يتسارع إعلانها عن مشاريع استيطانية جديدة؛ بمعنى أنّ هذه الحكومة لا تأخذ الأوروبيين على محمل الجد، أو أنّ تقييمها هو أنّ الإجراءات الأوروبية المحتملة غير مهمة وغير مؤثرة. ولعل السبب في ذلك أنّ هذه الإجراءات تقتصر على المستوطنات، بينما تعتبر المساس بدولة الاستيطان ذاتها، خطاً أحمر.
وطبعاً، يساعد في هذا أنّه حتى المستويات الرسمية الفلسطينية، متذرعة بالاتفاقيات المبرمة مع الإسرائيليين، لا تطالب بمقاطعة أو معاقبة سوى المستوطنات وبضائعها. وبالتالي، يبقى الردع الأوروبي محدوداً في إطار المستوطنات، يسهل تجاوزه؛ ويستمر التعاون والاتفاقيات مع دولة الاحتلال في باقي المجالات كالعادة. وهناك مشاريع طرحت سابقا في الإعلام باعتبارها مشروعات أوروبية ممكنة، مثل منع المستوطنين أو جزء منهم من السفر للاتحاد الأوروبي ولم يتبلور شيء عملي عن المشروع.
لم تتبلور بعد الخطوط الحمراء الأوروبية المطلوبة تماماً. والواقع أنّ الأصل أنّ كل حضور ووجود إسرائيلي في الضفة الغربية يمثل خطا أحمر. لكن من المفهوم أنّ ما يريده الأوروبيون هو تجميد الاستيطان، من أجل العودة للمفاوضات؛ أي ذات المطلب الرسمي الفلسطيني. والسؤال: هل يمكن أن يكون الموقف الأوروبي واضحاً في رفض أي وجود إسرائيلي من حيث المبدأ على الأقل؟ لأنّ تحديد خطوط حمراء، قد يعني أنّ هناك أمورا (ومستوطنات) مقبولة، وأخرى غير مقبولة. وهل يمكن خوض حوار فلسطيني وعربي وأوروبي، لتصبح عبارة “إنهاء الاحتلال” جزءا من الخطاب الأوروبي، ولا يصبح أي نشاط في الأراضي المحتلة العام 1967 خاضعا للمفاوضات، لأنّ تحديد شيء مقبول وآخر غير مقبول في هذه المنطقة هو انتصار للإسرائيليين؟ وإذا اقتصرت العقوبات على هذه الأجزاء، فكأنما يعني هذا اعتراف أوروبا بأنّه في الماضي كانت تقدم دعما أو تغض النظر عن عمليات تدعم عملياً الاحتلال.
يجسّد تبلور الموقف الأوروبي على هذا النحو خطوة إيجابية، تعد انتصاراً للحركة الوطنية الفلسطينية، والحركات المتضامنة مع الفلسطينيين، خصوصاً حملات المقاطعة الدولية؛ كما يجسد مؤشرا على الرفض المتزايد للعنجهية الإسرائيلية. لكن الكثير يمكن فعله لإعطاء هذه المواقف معناها. ويمكن خوض حوار فلسطيني وعربي على هذا الأساس. فمثلا، باتت الكثير من المنظمات غير الحكومية الأوروبية المعنية بالبحث والمجتمع والتنمية، تعمل في المناطق المحتلة العام 1967، ولكنها أيضاً تعمل في المناطق المحتلة العام 1948، مع الإسرائيليين؛ فهل يمكن البدء بخطوات تسمح لهذه الجمعيات وتشجعها على عدم العمل هناك؟ ثم إنّ كثيرا من الهيئات الأوروبية تلتزم بما تعتبره بنود اتفاقيات “أوسلو”؛ من منع أو تقليص أي مساعدات وأعمال في المناطق (ج) في الضفة الغربية، رغم أنّ الإسرائيليين يضربون عرض الحائط بالتزاماتهم باتفاقيات أوسلو، فهل يمكن تغيير مثل هذه السياسة أيضاً؟
تقطع المقاطعة للإسرائيليين شوطاً كبيراً. ومن العقبات أمام تطورها الخطاب الفلسطيني الرسمي الذي يميز بين المستوطنات والدولة التي تقيمها. ولعل النقطة الأولى على الأجندة التي يمكن للفلسطينيين تبنيها، بما في ذلك حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات، هي ترك فكرة مقاطعة المستوطنات وحسب، إلى مقاطعة شاملة للإسرائيليين. ويمكن البناء على إنجازات من نوع توصية البرلمان البريطاني بالاعتراف بدولة فلسطين، ونقاش الاتحاد الأوروبي الراهن للدفع بهذا الاتجاه.
* رئيس برنامج الدراسات العربية والفلسطينية في جامعة بير زيت