هناك سؤال مهم يطرح على الإضراب العام الذي تخوضه بعض المركزيات النقابية اليوم، فأي رسالة تريد توجيهها إلى الحكومة بهذه الخطوة النضالية؟ وما الهدف الذي تريد تحقيقه من ورائه؟
حسب الخطاب الذي ساد في لغة هذه المركزيات، فإن قضية إصلاح صناديق التقاعد هو النقطة الأساسية التي بررت هذا الإضراب، ولأن الاحتجاج قائم على خلفية اجتماعية، أي رفض الإجراءات الثلاث المكلفة التي سيعتمدها الإصلاح: الزيادة في سن التقاعد، والزيادة في الاقتطاعات الخاصة بالانخراط في صناديق التقاعد، وتخفيض المرتب التقاعدي الذي سيفضل للمتقاعد من جراء اعتماد نسبة 2 في المائة بدل 2.5 ومن جراء اعتماد قاعدة ثمانية سنوات بدل آخر سنة المعتمدة حاليا.
من حيث المضمون، يبدو أن الفعل الاحتجاجي له ما يبرره، فالنقابات في العادة ما تدافع عن مصالح وحقوق الشغيلة في جميع مستوياتها، لكن السؤال اليوم لا يطرح فقط على مستوى المضمون، وإنما على مستوى حتمية الإصلاح من جهة، والخيارات الممكنة لهذا الإصلاح من جهة أخرى.
فعلى مستوى الجواب عن السؤال الأول، فليس أمام الحكومة والمعارضة والشركاء الاجتماعيين اليوم أي خيار في تأجيل إصلاح صناديق التقاعد بحكم عملية الاستنزاف للصناديق التي يشكلها الاستمرار في الوضع الحالي من غير إصلاح، وبحكم المستقبل المجهول الذي يترتب عن تأخير الإصلاح بعد أن يتم استنفاذ الاحتياطات الموجودة.
من هذه الجهة، الحكومة والمعارضة والشركاء الاجتماعيون يحملون نفس الخطاب الذي يركز على حتمية الإصلاح وضرورته الملحة.
أين المشكلة إذن؟
المشكلة، تكمن في السؤال الثاني، أي سؤال الخيارات الممكنة لإصلاح صندوق التقاعد؟
لحد الآن، لم ترس الحكومة على أي مشروع باستثناء الحديث عن المبادئ العامة للإصلاح التي تتضمن الحلول الثلاثة الإشكالية، والنقاش الذي لا يزال مستمرا عن حجم دعم الدولة لصناديق التقاعد، في حين لم تقدم المركزيات النقابية والمعارضة السياسية اي بديل لما قدمته الحكومة، مع طلب الحكومة لذلك، ولم تعبر الحكومة عن أي رفض لمناقشة المقترحات المعروضة عليها بهذا الصدد، هذا في الوقت الذي تنتظر فيه الحكومة رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي وكذا تقييم المجلس الأعلى للحسابات.
المغرب اليوم لا يتحمل أن يكون الاحتجاج بدون مضمون إيجابي، ولا يتحمل أيضا غياب وفاق بين مختلف الشركاء السياسيين والاجتماعيين على مضمون هذا الإصلاح الضروري والحتمي.
الخيار المتبقي اليوم، والذي يعطي للممارسة السياسية والنقابية رشدها، أن يتم الانتقال من جو المناكفة السياسية إلى طرح البدائل والمقترحات والنقاش عن أفضل الخيارات لإصلاح صناديق التقاعد.
مؤكد أن هناك اختلافا كبيرا في التشخيص بحكم أن المعطيات المتوفرة عن صناديق التقاعد توفرها المؤسسات التي تشرف على هذه الصناديق، لكن، مع ذلك، فالاقتراحات العملية لا يمكن أن يكون هناك خلاف كبير على درجة فعاليتها ونجاعتها.
فباستثناء الخلاف الذي يمكن أن ينشأ عن حجم تدخل الدولة والإمكانية التي تسمح بها التوازنات المالية، كل الخيارات المطروحة من السهل اختبار نجاعتها وفاعليتها، إن اجتهدت الأطراف لطرح خياراتها ومقترحاتها.
لندع الإضراب جانبا، ولندع جانبا أيضا معادلة نجاحه أو فشله، ولندع معها المقاربات السياسوية المرتبطة بهذه المعادلة، ولنمض إلى مربط الفرس، المرتبط بسؤال: وماذا بعد الإضراب العام؟
الحالات محدودة، فسواء نجح الإضراب أو فشل، فإن الشركاء سيضطرون إلى الجلوس إلى الطاولة لمناقشة الخيارات والبدائل. وسواء نزلوا من موقع قوة أو من موقع ضعف، بحسب نسبة نجاح الإضراب، فإنه لا محيد عن طرح البدائل والخيارات، وهي القضية الجوهرية في الموضوع، وهي التي ستحدد في نهاية المطاف مضمون الإصلاح بل ومضمون التوافق عليه.
* كاتب مغربي/”جديد بريس”