خلال اجتماع رفيع المستوى نظمته مؤخراً لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن في نيويورك، حول موضوع «مكافحة التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية بدافع التطرف واللاتسامح: مقاربة المغرب وتجارب دول أفريقية أخرى»، كشف محمد ياسين المنصوري، المدير العام لإدارة الدراسات والمستندات المغربية، التزام المغرب بالانخراط في جميع جهود التعاون متعدد الأطراف والثنائي من أجل مكافحة ظاهرة الإرهاب بجميع أشكاله، مشيراً إلى أن «المغرب يعتزم مواصلة جهوده من خلال السهر على احترام التزاماته بمكافحة دقيقة للإرهاب والإيديولوجيات المتطرفة الظلامية، تماشياً مع الطريقة والرؤية التي سطرها العاهل المغربي الملك محمد السادس».
وذكر المسؤول الأمني المغربي أن الهجمات الإرهابية التي استهدفت مواقع لها رمزيتها بمدينة الدار البيضاء في 16 مايو 2003، كانت بمثابة «ناقوس خطر» على العلاقة القائمة بين الشبكات الإرهابية المحلية والدولية، مشيراً إلى أن هذه الهجمات كشفت «النوايا العدائية للقاعدة تجاه المغرب، لاسيما الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي أصبحت فيما بعد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي». وذكر المنصوري أن السلطات المغربية نجحت، منذ سنة 2005، في تفكيك شبكات إرهابية تابعة لتنظيم «القاعدة» بمنطقة الساحل، ولاسيما «فتح الأندلس» (2008)، و«المرابطون الجدد» (2009)، المكونة من أعضاء من جبهة البوليساريو، وجماعة أمغالا (2011)، التي مكن تفكيكها من حجز ترسانة من الأسلحة كان سيجري استعمالها ضد مصالح وطنية ودولية.
وهذا المنحى هو ما ذهب إليه الدكتور أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، بعرض حول الموضوع ذاته، موضحاً أن مناهضة الإرهاب تقتضي إرساء المشروعية السياسية ودعمها بالإصلاح في جميع الميادين، كما تستدعي وجود مؤطرين دينيين من علماء وأئمة مؤهلين وواعين بمقاصد الدين ومصالح الأمة في انسجام مع شروط السلم والمعروف. وشدد في هذا السياق على ضرورة توفير الخدمات الكافية بعيداً عن الاستغلال الإيديولوجي ومن ضمنها تأهيل التعليم الديني، «فالتيار الإرهابي يتحدر من تيار ديني يقرأ النصوص قراءة حرفية مقطوعة في الغالب عن سياقها الزمني والموضوعي»، مشيرا إلى أنه عند «انتقال أصحاب هذا التيار إلى النشاط السياسي يظنون أن هذه القراءة تجيز لهم استعمال العنف»! وتابع أن هذا الأمر «يدفعهم إلى تحطيم توجه الغالبية الساحقة من المسلمين في العمل بالثوابت العقدية التي بناها المؤسسون على قراءة شاملة رصينة للنصوص، ومن ثم يعادون التربية ذات البعد الروحي، ويتحدّون كل أسلوب في السياسة وفي الحياة عامة ينبني على الاجتهاد والتسامح».
وهذا الكلام القيم الذي تعمدت نقله وقد تحدثت عنه بعض الصحف العربية والدولية، تستوحى منه من خلال التجربة المغربية مسألتان اثنتان: المسألة الأولى هي أن عمل الدول بجميع أجهزتها لتطويق الإرهاب ومحاربة الملوثة قلوبهم محبي الدماء ومريضي الذهان بات من الأولويات لأن الإرهاب اليوم لا وطن له ولا ملة، ويقوض مبادئ التعايش وتختلط فيه الأغراض السياسية بالأغراض الدينية وتتداخل الغايات الشخصية مع الأبعاد العابرة للأوطان والقارات. والجماعات «الداعشية» و«القاعدية» وغيرها هي جماعات أمية لطبيعة أعضائها المضطربة وعقليتها المسطحة ونفسيتها المشوشة تقاد دائماً بمنظرين ضالين، يعملون على التهييج والإثارة والتلاعب بالألفاظ والكلمات، ونشر الأوهام، ورفع الشعارات والرموز المنحرفة. والعولمة جعلت الكرة الأرضية قرية صغيرة يسهل فيها عبور الحدود ونقل السلاح والعتاد وتمرير الخطابات والأوامر في سرعة البرق، ولذا تكون يقظة أجهزة وقطاعات الدول مسألة مصيرية لشعوبها ولا يمكن أن يسلم من التهديد أي بلد ما دامت لديه حدود ومطارات وموانئ وشبكة الإنترنت.. زد على ذلك أن البيئة الدولية المعاصرة أضحت أكثر ضبابية وتعقيداً وغموضاً مع ازدياد الفاعلين في الساحة الدولية ومن ضمنهم الإرهابيون مما يؤثر على قدراتنا الخاصة على قراءة العلاقات الدولية، ثم قدرتنا على التمييز بين المجال العقلاني والمجال اللاعقلاني في هذه العلاقات. وهذا ما نفهمه جلياً عندما أقرّ الرئيس أوباما بأن أجهزة الاستخبارات في بلاده أخطأت في تقييم وتقدير نشاط «داعش» في سوريا، وقال أوباما مؤخراً، خلال مقابلة مع شبكة «سي. بي. إس» التلفزيونية: «لقد أخطأت وكالات المخابرات الأميركية ولم تقدّر بالشكل الصحيح حجم نشاط «داعش» في سوريا التي تحوّلت إلى مركز للجهاديين». كما اعترف بمبالغة أميركا في اعتمادها وثقتها بقدرة الجيش العراقي على مواجهة المليشيات المسلحة من دون الحاجة إلى مساندة خارجية.
أما المسألة الثانية فهي إعادة التأهيل الديني، لأن المنظمات الإرهابية تقرأ النصوص «قراءة حرفية مقطوعة في الغالب عن سياقها الزمني والموضوعي» التي «تجيز لهم استعمال العنف»، وهو ما نبهنا إليه مراراً هنا في صحيفة «الاتحاد» الغراء.. فلحماية عقول الأجيال المقبلة يجب الاستثمار العاجل والدائم في التأهيل الديني وكل منظومة التعليم والتربية والتكوين في وطننا العربي، وإلا فإننا سنجد دائماً أنفسنا مع منظمات تأخذ كل مرة أسماء مختلفة والمقصد واحد، ومع إرهابيين لا يدركون طبائع الأمور ولا يتعقلون منطق الواقع ولا يتفهمون حركة التاريخ، ولا يتبعون أسلوب العلم ولا يتشربون روح الدين. يتقوقعون على ذواتهم وينعطفون على خيالاتهم وأوهامهم، وفيها جمود وحدّة وتعصب مقيت وهي إلى صلابة التحجر أدنى منها إلى شدة الحق، ومن دون هذا الاستثمار فإننا سنجد أنفسنا دائماً في مواجهة كوارث شديدة ونتائج وخيمة، مهما طالت أساليب التحالف الدولي العسكري لقصف الإرهابيين ومهما علا صخب الأقوال.
“الاتحاد” الإماراتية