تقاسم الأوروبيون العالم العربي ووضعوا أقطاره تحت الانتداب بقرارات سايكس بيكو 1916، ونقضوا بعد الحرب العالمية الأولى وعودهم بدولة عربية موحدة، ومع ذلك ظل العرب متمسكين بصداقة الغرب وأثروه على الاتحاد السوفيتي القريب من تطلعاتهم، ولم يحمل العرب ضغينة للشعب الأمريكي ولا كرها لأوروبا، ولن يجد الغرب صديقا محبا أوفى من العرب تلبي صداقتهم مصالحه، لكن الظلم والتجبر والقهر والمواقف التعسفية والكيل بمكيالين وفق ازدواجية المعايير أعاقت نمو العلاقات وتطورها، وأوجدت الأرض الخصبة لنمو الإرهاب وعرض المنطقة لأخطار محدقة. ولا نؤاخذ على الصراحة إذا قلنا يجب أن تبدأ مسيرة مكافحة الإرهاب في العالم العربي بتعديل مواقف السياسية الغربية وجعلها منصفة اتجاه القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتصفية بقايا الاستعمار.
فحتى اليوم لا يعرف المثقفون والمتعلمون العرب كيف يبررون مواقف الغرب في تعامله المتفاوت الإبعاد، فالبريطانيون الذين يلتحقون بالجيش الإسرائيلي ويقصفون غزة أبطال يكرمون، والذين يتطوعون مع المعارضة السورية بدوافع إنسانية للخلاص من وحشية الأسد ونظامه إرهابيون يجرمون وتسحب جنسياتهم انتقاما! وتعاطفت أمريكا وأوروبا مع الأقلية الكردية والمسيحية والأزيدية بحماس، مدوهم بالسلاح وسخروا طائراتهم لقصف داعش وحسنا فعلوا، لكنهم لم يلقوا بالا لشأن ملايين العرب الأكثرية المهجرة في ديالى والأنبار وصلاح الدين، ولا مع المهجرين السوريين الذين طال أمد محنتهم، ولم يتعاطفوا مع تهجير الشعب الفلسطيني واجتثاثه وحرمانه من حق العودة إلى وطنه، ولا مع قصف غزة وتدميرها.
الغرب ينظر بعين واحدة، ويكيل بمكيالين، يرى لإسرائيل حق بناء مفاعل نووي وامتلاك قنبلة نووية، وإقامة دولة دينية يهودية، ولا يحق للشعوب العربية ما يحق لإسرائيل! يحق لإسرائيل الاحتفاظ بالأراضي المحتلة بالقوة عام 67 ومعها القدس، ويحق لأسبانيا الاحتفاظ بسبته ومليليا المغربيتين في الجانب العربي من البحر الأبيض المتوسط حتى بعد تصفية الاستعمار! ولإيران احتلال الجزر الإماراتية وفرض الأمر الواقع كما احتلت من قبل الأهواز العربية! لكن ضم جزيرة القرم إلى روسيا باستفتاء أهلها جريمة تهدد السلام العالمي! الفلسطينيون يأسرون جنديا إسرائيليا واحدا يعد الغرب احتجازه جريمة، واحتجاز إسرائيل أسرى فلسطينيين بعشرات الآلاف أمرا طبيعيا، فكيف أصبح: قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر، وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر؟
لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن الإرهاب في البلاد العربية لم ينشأ من فراغ، ولا عن رفاهية، وإنما دفع إليه الشباب تحت وطأة القهر وتسلط سياسات الدول الغربية، والإحساس بالغبن بعد انتهاك الحرمات وتدنيس المقدسات والنيل من الثوابت. ولا نختلف إن جرائم الإرهابيين ومنهم داعش فضيعة وبشعة ترفضها كل الشرائع وتأباها كل القيم، ولكن إرهاب الزعماء والدول أشد فضاعة وأكثر بشاعة وعنها يصدر الإرهاب ولاسيما تلك التي ترتكب بحق الأبرياء باسم مكافحة الإرهاب، أو سياسات الاستكبار التي تمارسها الدول العظمى بحق الدول الصغرى، وقد اعتادت الدول العظمى ألا تأبه بالإرهاب إلا حينما تتعرض مصالحها للخطر، فلم نجد للغربيين باعتبارهم دول متقدمة استخباراتيا ومعنية بمكافحة الإرهاب قبل غيرها خطة محكمة لاحتوائه فكريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا ولا حتى عسكريا فخططهم آنية، وهم دائما يفضلون الضرب بالمليان، بطائرات تحكم من بعد، تخيب الضربة أو تصيب، لا فرق لديهم بين الإرهابي والمواطن المسالم، فتارة يقصفون موكب عرس وأخرى شبابا يشتبه أنهم إرهابيون، الأمر الذي يشيع البلبلة ويوتر المشاعر ويشجع على الإرهاب أكثر مما يقضي عليه. وحصل هذا بكثرة في العراق واليمن وليبيا وأفغانستان وغيرها.
لقد تخلفت الدول المتقدمة المعنية بمكافحة الإرهاب قبل غيرها عن أداء دورها والنهوض بمسئولياتها، حين تركت نظام الأسد وزمر الشبيحة يقتلون مئات الآلاف ويشرد الملايين حتى نمت الجماعات المتطرفة من رحم إرهاب الدولة الفاشية، واكتفى الغرب بمحاربة القاعدة وتغاضى عن حزب الله، لينشأ في كل دولة إرهاب وإرهاب آخر مواز ومقابل له، واليوم يسعى السيد أوباما لإيجاد تحالف دولي لمحاربة داعش والنصرة ويتغافل عما ترتكبه المليشيات الموالية لإيران في العراق، فإذا أردنا مكافحة الإرهاب بصدق وعزم، ينبغي أن نسهم جميعا في مكافحته بكل أشكاله وطوائفه وفروعه أين ما كان، لا فرق ولا تمييز بين شمال ويمين، ولا بين دولة وأخرى، مكافحة الإرهاب لا تقتصر على قصفه من الجو وإنما تترافق مع مقاومته على الأرض بسلاح العلم والفكر والحوار والتربية. إن المعركة مع الإرهاب في العراق لتخليصه من داعش ينبغي أن تشمل أشكاله ومصادره كافة بلا استثناء بما فيها مليشيات العنف الطائفي المتطرفة وتلك الوافدة من الجوار بنفس الوقت والقوة. وإلا أصبح الخلاص من مجموعة إرهابية قوية يسهم في صناعة أخرى أقوى منها وأكثر تشددا وتطرفا واشد خطرا على المجتمع.
“البلاد” البحرينية
اقرأ أيضا
بعد غياب.. مهدي مزين يعود بـ”مابقيتيش شيري” من أول ألبوم له
يستعد الفنان المغربي مهدي مزين، لطرح أول أغنية من ألبومه الغنائي الجديد، والذي يحمل اسم "ماراطون"، وذلك بعد فترة من الانتظار والتأجيل.
هند سداسي تفرج عن جديدها “Monotone”
أفرجت الفنانة المغربية هتد سداسي، مساء أمس السبت، عن أغنيتها الجديدة "Monotone"، وذلك عبر قناتها الرسمية بموقع رفع الفيديوهات "يوتيوب".
مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي
سلط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الضوء أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على إطلاق المغرب والولايات المتحدة لمجموعة الأصدقاء الأممية بشأن الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز وتنسيق الجهود في مجال التعاون الرقمي، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.