مصر وليبيا والعرب.. والسياسة الأميركية

غزلان جنان
وجهات نظر
غزلان جنان1 سبتمبر 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
مصر وليبيا والعرب.. والسياسة الأميركية
مصر وليبيا والعرب.. والسياسة الأميركية
2d1426c22e2d2d5ff665f14d79e4ba39 - مشاهد 24

هل مطلوب إنقاذ ما يمكن انقاذه من ليبيا، تفاديا لمأساة أكبر، أم المطلوب الاستسلام للتطرّف والمتطرّفين الذي يعتقدون أنّ في استطاعة ليبيا أن تكون ملاذا آمنا لـ”القاعدة” وما كلّ ما هو متفرّع عنها من إخوان وأخوات وأبناء شرعيين وغير شرعيين.
هناك مشاكل في غاية التعقيد في ليبيا. هناك أوّلا الانقسامات ذات الطابع المناطقي بين شرق وغرب ووسط وجنوب.. وهناك خلافات عشائرية وانتشار للتنظيمات الإسلامية المسلحة التي لا تؤمن بغير التطرّف. هناك ما هو أهمّ من ذلك كلّه. هناك السلاح الذي تركه نظام معمّر القذّافي في كلّ أنحاء ليبيا وعناصر إرهابية قادرة على الوصول إلى هذا السلاح وتصديره إلى خارج الأراضي الليبية.
هذا السلاح المخزّن في الأراضي الليبية يهدّد مصر والجزائر وتونس وكلّ الساحل الصحراوي الذي تسرح فيه العناصر المتطرّفة وتمرح في كلّ الاتجاهات. تستفيد هذه العناصر من غياب التعاون الإقليمي بهدف التصدّي للإرهاب من جهة ووجود أنظمة، مثل النظام في الجزائر، تعتقد أنّ في استطاعتها الاستثمار في التنظيمات الإرهابية التي تعمل خارج أراضيها من جهة أخرى.
تحوّلت ليبيا مشكلة على الصعيد الإقليمي وذلك في غياب من يسعى إلى الاستثمار في الاستقرار فيها. على العكس من ذلك، هناك من يعتقد أن في الإمكان استخدام ليبيا كقاعدة لـ”القاعدة” بغية ابتزاز دول معيّنة على رأسها مصر بعدما تخلّص شعبها قبل سنة وشهرين من نظام الإخوان المسلمين. ولذلك، ليس أمام مصر سوى السعي إلى لعب دور في ليبيا تفاديا لدور ليبي في مصر يأخذ شكل عمليات إرهابية تستهدف القوات المسلّحة المصرية. وقد حصلت مثل هذه العمليات مرّات عدّة وذهب ضحيتها عدد لا بأس به من المصريين.
فضلا عن ذلك، يمكن لليبيا أن تتحوّل مصدرا لإغراق مصر بالسلاح دعما للإخوان المسلمين، على غرار ما فعلته “حماس” في الجانب الآخر من الحدود. هل من يريد أن يتذكّر العمليات الإرهابية التي وقعت في سيناء واستهدفت القوات المسلحة ورجال الأمن المصريين؟ هل من يتذكّر أنّه في كلّ مرّة من المرّات، تبيّن أنّ مصدر هذه العمليات قطاع غزّة الذي تسيطر عليه “حماس”؟
يمكن لمصر أن تنفي التدخّل المباشر في ليبيا. ولكن لمصر مصلحة ليست فوقها مصلحة في دعم الاستقرار في البلد الجار نظرا إلى أن غياب هذا الاستقرار يمسّ أمنها بشكل مباشر.
في الواقع، تمرّ مصر بمرحلة انتقالية. بعد “ثورة الثلاثين من يونيو”، هناك محاولة ذات طابع جدّي لاستعادة الدور المصري بما يصبّ في استعادة التوازن الاقليمي المفقود. من يدعم حاليا مصر، إنّما يدعم استعادة التوازن الإقليمي بحدّه الأدنى. هذا ما لم تستوعبه الإدارة الأميركية الحالية التي لم تدرك في أيّ وقت من الأوقات خطورة ترك مصر تغرق تحت حكم الإخوان المسلمين الذين لم يمتلكوا في أيّ وقت مشروعا اقتصاديا أو اجتماعيا قابلا للحياة باستثناء تغيير طبيعة المجتمع الصري في اتجاه مزيد من التخلّف والبؤس والجهل بغية تسهيل السيطرة عليه.
من أراد ترك مصر تغرق تحت حكم الإخوان المسلمين، كان يريد في واقع الحال سدّ كل الطرق التي يمكن أن تؤدي إلى استعادة التوازن الإقليمي بوجود إدارة أميركية لا تعرف شيئا عن الشرق الأوسط. هناك بكلّ بساطة إدارة على رأسها باراك أوباما لا همّ لها سوى التوصل إلى اتفاق مع إيران في شأن ملفّها النووي وكأنّ هذا الملفّ يختزل كلّ مشاكل الشرق الأوسط، بما في ذلك النتائج المترتبة على الزلزال العراقي الذي لا تزال المنطقة تعيش على وقعه.
كان الشرط الأوّل لمساعدة مصر تجاوز السياسة الأميركية. عندما هبّت مجموعة من الدول العربية، على رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن من أجل دعم مصر وثورة شعبها، كانت الإدارة الأميركية في واد آخر. لم تستوعب إدارة أوباما معنى إنقاذ مصر ومساعدتها على التخلّص من حكم الإخوان.
ما حصل في مصر يتكرّر اليوم في ليبيا حيث لا وعي أميركيا لمعنى مساعدة القوى التي تدعم الاستقرار في هذا البلد بدل تركه في عهدة الميليشيات المتطرّفة التي عبّر الليبيون غير مرّة عن رفضهم لها.
ماذا فعلت الإدارة الأميركية لمصر؟ الجواب أنّها لم تفعل شيئا. إنّها إدارة حائرة لا تزال تتساءل هل كان عليها دعم الثورة السورية أم لا؟ بسبب الحيرة الأميركية، استطاعت الحركات الإرهابية مثل تنظيم “داعش” ملء الفراغ الذي خلقته السياسة الأميركية أكان ذلك في سوريا أو في العراق.. وحتّى في لبنان.
ما شهدناه في سوريا أمس واليوم، نشهده في ليبيا. من دون دعم حقيقي للقوى المعتدلة التي تعادي التنظيمات المتطرّفة وتحاربها بشكل جدّي، سيكون سقوطا لهذا البلد في يد الإرهابيين. مصر بعيدة عن سوريا، لكنّ ليبيا على حدودها، وهذا يجعل أمنها يتأثّر مباشرة بما يحدث في في البلد الجار. أين المشكلة، إذا كان بين العرب من قرّر مساعدة مصر في الدفاع عن نفسها وعن ثورتها بغض النظر عن الموقف الأميركي؟
ساعدت الولايات المتحدة في التخلّص من نظام معمّر القذّافي. لكنّ هذا لا يعني ترك ليبيا للفوضى وللإرهابيين. لا يمكن التخلّص من نظام مجرم مثل نظام القذّافي قضى على النسيج الاجتماعي لليبيا ثم الانصراف. كان ترك القذّافي في السلطة جريمة. كان هناك دور عربي في عملية التخلّص من هذا النظام. ما يمثّل جريمة أكبر من جريمة عدم مساعدة الليبيين في استعادة حريّتهم هو تركهم تحت رحمة العصابات المسلّحة تتلطّى بالشعارات الدينية لتنفيذ مآربها.
ما حصل يتلخّص بأن الإدارة الأميركية تخلّت مع معظم الأوروبيين عن دورها في مرحلة ما بعد التخلّص من القذّافي. هناك مصر ومعها دول عربية عدّة لا تستطيع أن تحذو حذو إدارة أوباما، خصوصا عندما يصبح أمنها مهدّدا. هذا كلّ ما في الأمر.
لدى إدارة أوباما نظرة خاصة بها للتوازن الإقليمي في الشرق الأوسط. ليس هناك بين العرب من هو مضطر للسير في ركاب السياسة الأميركية، خصوصا عندما يكتشف أنّ هذه السياسة يمكن أن توصله في يوم من الأيّام إلى الاختيار بين من هما وجهان لعملة واحدة، أي بين “داعش” و”حزب الله” أو بين “داعش” والنظام السوري ذي الطبيعة المعروفة…
“العرب”
  

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق