التكلفة الاقتصادية للإرهاب

رغم كل ما يُقال ويُكتب حول ظاهرة الإرهاب وخطورتها، فإن المظهر الغالب على المجتمعات العربية الإسلامية هو حصر هذه الظاهرة في الجانب الأمني، وفي أفضل الحالات تحليلها فكريا وآيديولوجيا، والاقتصار فقط على محاولة فهم أسبابه وطبيعة الطرح الآيديولوجي الذي يتحكم فيه. وحتى النخب السياسية الحاكمة تعتمد في هذه المسألة الحساسة استراتيجية اتصال، قلما تكون قوية في تحديدها للأهداف، فهي – أي استراتيجية الاتصال – عامة وفضفاضة ولا تعكس بعمق خطورة الظاهرة من ناحية تداعياتها على حياة المواطن لا فقط الأمنية وإنما بالأساس حياته الاقتصادية وميزانيته.
لذلك ظل ملف الإرهاب في بلداننا واضحا وغامضا ومعقدا وبسيطا في الآن نفسه، وذلك باعتبار أن الطرح السياسي في بعض البلدان العربية لمسألة الإرهاب يفتقد إلى المقاربة والقراءة الاقتصادية، رغم أن منطق الأشياء يقول إن ذلك أهم ما يشغل بال المواطن وأكثر طرح يمكن أن يستميل اهتمامه ويجعل منه بالفعل سندا حقيقيا وجادا للدولة في محاربة الإرهاب، ذلك أن التكلفة الاقتصادية لظاهرة الإرهاب باهظة جدا ولا تعرف سقفا زمنيا ولا ماديا محددا للخسارة، وهي لا تخرب الاقتصاد في لحظته الراهنة فقط، بل أيضا تجر ما سبق من إنجازات ومكاسب.
فها هي تونس مثلا، التي وجدت نفسها ضحية الإرهاب بعد أن كانت آمنة من تجذره، مهدّدة بأزمات مالية قادمة (تحدث خبراء الاقتصاد والمال عن صعوبات مالية في سنة 2015 وأن عام 2016 سيشهد صعوبات جدية للغاية)، كما يشهد الدينار التونسي منذ أشهر هبوطا تاريخيا أمام الدولار واليورو.
ولم تقف تكلفة الإرهاب الاقتصادية عند هذا الحد فحسب، بل إن تونس التي لم يكن موضوع التسليح وتطوير معداتها الدفاعية من اهتماماتها الأولى على الأقل، ها هي أصبحت تغير من سياساتها تحت ضغط ضرورة محاربة الإرهاب، جاعلة من تطوير الجيش والمؤسسات الأمنية أولوية قصوى، أي أن محاربة الإرهابيين تقتضي الإنفاق ودون حساب من أجل كسب المعركة. وهو إنفاق يكون بالضرورة على حساب القطاعات التنموية والمقدرة الشرائية للمواطن.
دون أن ننسى تداعيات الإرهاب على قطاعي الاستثمار والسياحة، وهو ما يعمق الأزمة الاقتصادية ويجعل التكلفة الاقتصادية للإرهاب ليست فقط باهظة، بل إنها في تزايد لا يمكن ضبطه في ظل ما يعرفه الواقع من تعقيد «جغرا – سياسي».
ذلك أن ما يحدث في ليبيا رسالة خطيرة لدول الجوار، مفادها أن الحرب على الإرهاب ستكون طويلة ومنهكة على أكثر من صعيد. ويكفي في هذه الجزئية القيام بمسح لحجم الدمار والخراب الذي أصاب ليبيا.
ويبدو أيضا أن المثال التونسي بليغ جدا في تأكيد مدى قدرة الإرهاب على تغيير السياسات وإعادة ترتيب الأولويات، وذلك من منطلق أن تونس منذ الاستقلال وجهت ميزانيتها نحو التعليم وخصصت له ثلث الميزانية واهتمت بالصحة وبكل ما يسهم في تأمين مشروع تنمية الإنسان التونسي، الذي نظرت له نخبة الاستقلال الأولى كأهم ثروة ورأسمال في البلاد. وقد ساعدها – أي تونس – موقعها الجغرافي وطبيعة العلاقات بين دول منطقة المغرب العربي على المضي قدما في سياسة التنمية الاجتماعية دون إيلاء أهمية مخصوصة لمسألة التسليح، كما هو شأن كثير من الدول العربية، خاصة الإقليمية منها، التي اضطرها وجودها في منطقة الشرق الأوسط إلى أن تعمل على توفير أسباب الدفاع عن نفسها.
ولكن وصول الإرهاب إلى تونس، إضافة إلى ما تعيشه ليبيا من فوضى غير مسبوقة، وتفشي ظاهرة الإرهاب بقوة.. كل هذه المؤشرات جعلت سيناريوهات الإرهاب في تونس مفتوحة على الأسوأ. في هذا الإطار، بدأت تتعالى أصوات سواء من داخل الحكومة أو من المجتمع السياسي منادية بضرورة التسليح وتوفير ما يلزم من إمكانيات مادية للمؤسسات الأمنية في تونس.
إذن تعني محاربة الإرهاب بلغة المال الاقتطاع من المدخرات المبرمجة للقطاعات التنموية، وتعني أن الاستثمار الأجنبي سيؤجل إلى ما بعد انتهاء المعركة، وفي النهاية يعني أن المقدرة الشرائية للمواطن ستصبح صعبة أكثر من أي وقت مضى.
إن مسألة تحويل وجهة الخطاب السياسي العربي الرّاهن حول مسألة الإرهاب من مجال السياسة الضيق إلى الاقتصاد، المجال الأقرب إلى المواطن وتفاصيله اليومية أو على الأقل المزاوجة الواضحة والدقيقة بين الساسة والاقتصاد في بناء خطاب حل معضلة الإرهاب. ويمكن القول إن هذه المزاوجة إذا ما كانت موفقة، فإنه من شأنها أن تسهم بشكل عميق في توحيد صفوف مجتمعاتنا بشكل أقوى لأن الأمر عندما يمس خبز المواطن، فإن رد الفعل ساعتها يكون مختلفا. ومن ثم تكون عملية تضييق الخناق على الإرهابيين اجتماعيا أكثر فعالية.
“الشرق الاوسط”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *