أخبار حرب الميليشيات المتسعة في ليبيا لا تسر أحداً، وبقدر ما يسقط من قتلى وجرحى وتدمر مقدرات الدولة هناك، بقدر ما تنصب كوابيس من القلق على دول الجوار والمحيط الإقليمي، وبالأخص على تونس المرشحة لتحمّل عبء ثقيل يضاف إلى ما تحملته من جراء كارثة “ثورة 17 فبراير”.
وزير الخارجية التونسي منجي حامدي لم يتجمل بدبلوماسية الضيافة المعهودة لدى التونسيين، وأبدى تخوف بلاده الكبير من تداعيات الحروب الليبية، وإذا كانت تونس قد استقبلت عام ،2011 بكل براءة الأخوة والإنسانية، مئات آلاف الليبيين والأجانب، وقدمت لهم كل مساعدة من دون طلب العون من أحد، فإن الموقف هذه المرة مختلف، وتم الطلب من الأمم المتحدة التدخل لتحمّل الأعباء ومواجهة الهجرات الجماعية المتوقعة، مع تهديد صريح بإمكانية غلق الحدود درءاً لأي خطر محتمل يمكن أن يتسلل إلى تونس بين قوافل الهاربين من معارك رفاق السلاح والثورة بالأمس القريب.
الحكومة التونسية ليست بحاجة للتأكيد بأن ظروف بلادها لا تسمح باستقبال لاجئين، فالأوضاع الاقتصادية منهكة والتحديات الأمنية متفاقمة والبلاد مقبلة على استحقاق انتخابي يتطلب توفير أجواء مناسبة، ولذلك فهي غير مستعدة لدفع ثمن أخطاء المتناحرين في الجوار. ولو يتعلق الأمر باستضافة لاجئين، هم إخوة في الدين والدم، لهان ذلك، ولكن الأوضاع المنهارة في ليبيا تجعل من الصعوبة تشخيص الحالة ومعرفة من هو اللاجئ فعلا ومن يتلبس بثوب اللجوء لتهريب ثقافة التخريب وخدمة أجندات مشبوهة تطفح بها البلاد الليبية وباتت تثير الهواجس والشكوك وتتطلب سياسيات وقائية حاسمة. وحين يصبح الأمن الوطني لأي بلد تحت طائلة التهديد، فمن حقه اتخاذ ما يراه مناسبا. أما سياسات التعالي على الجراح، فليست دائما حكيمة، إذا كان من تُصرف إليه التضحية غامضاً وغير محدد المعالم.
في ليبيا اليوم، الكل لا يفهم الكل، ولم تنجح الدعوات الحارة التي تعالت من أكثر من جانب للتصالح والتعفف عن الخلافات والصراعات العشوائية، ولكن كل تلك النداءات “ما أسمعت حياً”، وكأن البلاد أقفرت من حكمائها أو كادت. وأمام التصاعد المخيف للعنف والدموية، يزداد الوضع العام تأزماً ويتهاوى تدريجياً إلى ما هو أشد، ليكشف أن ليبيا سقطت ضحية العناد والاستكبار الأجوف لدى أمراء الحروب ودهاقنة المشاريع الطوباوية، حتى أفضى بها الأمر إلى أن تخاطفتها الجماعات الإرهابية وحوّلت ربوعها إلى معسكرات جريمة وقتل وأحالت أحلام شعبها إلى سراب يبتعد من أفق إلى آخر.
لا شك أنها حالة تستحق التعاطف، ولكن المشاعر الفياضة ما حلت قضية يوما، وربما الاستغراق فيها قد يقود إلى اتساع الأزمة أكثر من حصرها في ناحية معينة. وقد يكون على تونس العمل وفق هذه المعادلة. وفي زمن تخيم فيه الريبة على كل التحركات، يصبح التيقظ والتحفظ أسلم من الاسترخاء والتسليم بالنوايا الحسنة. واعتماد الحزم، لا يعني التنكر للقيم الإنسانية، ولكن الاتقاء من الضرر قد يفرض التخلي عن المصلحة، ولو بالإكراه.
“الخليج” الإماراتية
اقرأ أيضا
المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. فاعلون يضعون بطنجة خطوات لتعزيز القدرات التمويلية للجهات
دعا مشاركون في جلسة نقاش حول “تحديات تمويل البرامج الاستثمارية للجهات”، بطنجة، إلى الرفع من …
برسالة مؤثرة.. يسري بوزوق يودع مكونات الرجاء الرياضي
ودع المهاجم الجزائري يسري بوزوق جماهير ومكونات الرجاء الرياضي برسالة مؤثرة، وذلك بعد فسخ عقده …
قبل تنصيب ترامب.. إطلاق مفاوضات جديدة لإنهاء الحرب على غزة
أكدت مصادر إعلامية فلسطينية وضع شروط جديدة، فتحت الباب لاستمرار المحادثات بخصوص إنهاء الحرب في …