نفذ رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج وعده ودخل طرابلس معلناً بدء عمل فريقه الوزاري في الميدان، وبمجيئه يرتفع عدد الحكومات في ليبيا إلى ثلاث على الأقل، لكل واحدة أرض وأنصار، أما في نظر المجتمع الدولي فلا حكومة بعد الآن إلا الحكومة الجديدة المولودة من اتفاق رعته الأمم المتحدة على مدى أشهر.
ما أقدم عليه السراج وفريقه، كان خطوة مطلوبة ليثبت للمراهنين عليه أهليته للقيادة وتولي مهمته في أصعب الظروف.
أما وصوله بحراً فيحمل دلالة على قبوله التحدي من اليوم الأول بعدما أغلقت ما تسمى «حكومة الإنقاذ» أجواء طرابلس آملة في قطع أي سبيل أمام عودته، ولكنه فاجأها قادماً على ظهر فرقاطة ليبية أقلته من تونس المجاورة بمعية سبعة من أعضاء المجلس الرئاسي. ولا يخطر بالبال مطلقاً أن عملية الوصول المحفوفة بترحيب دولي حار لا سيما من العواصم الغربية والأمم المتحدة، جاءت من باب الحيلة والخداع والتمويه في مواجهة الميليشيات المسيطرة على العاصمة، وإنما يظهر من خلال ما رافقها من إجراءات أمنية وبيانات محلية مرحبة أن العملية مرسومة بدقة ووضعت لها ضمانات أمنية وسياسية.
فعلى بعد أميال من القاعدة البحرية التي نزل بها السراج يرابط أسطول بقيادة إيطالية في حالة استنفار قصوى، وكان يمكن لهذه القوة أن تقوم بكل شيء، ولكن لحكمة ما رفض السراج هذا العرض واستطاع بفعل اتصالات مع قوى وتشكيلات مسلحة ليجعل من هذه العودة ليبية خالصة ولا تترك لمن يعارضون الركوب على الحدث واتهامه بأنه يمثل حكومة وصاية غربية، مثلما ذهبت إلى ذلك حكومة خليفة الغويل التي تسيطر على طرابلس منذ أن انقسمت البلاد بين شرق وغرب قبل نحو عامين من الآن.
إقرأ أيضا: ليبيا .. تحديات الوفاق
بعد هذه الخطوة السياسية الجرئية، تشرئب الأنظار إلى الآتي وسط تكهنات وتوقعات متضاربة بين مرجح لنشوب حرب أهلية متعددة الجبهات، ومن يميل إلى أن اللعبة انتهت وأن حكومة الوفاق برئاسة السراج ستطوي صفحة الانقسام وتوحد السلطة الليبية تحت مرجعية واحدة.
وبقطع النظر عن الميولات والمخاوف، لا شك في أن الوضع معقد وصعب ويلف كثير من الضباب السياسي واقع العاصمة طرابلس، ولكن ما يبدو من بعض المؤشرات أن الوضع سيتجه بعد فترة من الاضطراب إلى الامتثال إلى الأمر الواقع، فالقوى التي تعارض التطور الجديد سواء في طرابلس أو طبرق، تعرف أن حكومة السراج ليست كأي حكومة ليبية سابقة بعد إسقاط نظام القذافي، فهذه الحكومة تحظى بدعم مطلق من الدول الكبرى ودول الجوار، ولذلك فإن المعركة العسكرية أو السياسية ضدها لن تنتهي بالنصر حتما. ومن غير المرجح أن تتخلى الأمم المتحدة عن حكومة توصلت إليها بأدوات دبلوماسية وبعد مؤتمرات ماراثونية أشرف عليها أكثر من وسيط دولي.
أما بالنسبة إلى المواطنين الليبيين الذين عرفوا أتعس عهد في تاريخهم الحديث طوال السنوات الخمس الماضية، سيدعمون بمسؤولية عالية أي قوة سياسية تثبت لهم القدرة على حماية ما تبقى من الدولة وتعيد بناء مؤسساتها. وأغلب الظن أن حكومة السراج ستكون مجبرة على خوض معركة مصيرية يجب أن تثبت فيها وتحقق الآمال المعقودة عليها وطنيا ودوليا.
لقد وصف وسيط الأمم المتحدة مارتن كوبلر حكومة السراج بأنها الفرصة الوحيدة لإنقاذ ليبيا. وعند النظر إلى السياقات المحتملة في حال فشلت هذه الخطوة، يبدو أن هذه الحكومة هي فعلا الفرصة الوحيدة التي توفرها الظروف الراهنة بعد محنة تجاوزت مداها سياسياً وأمنياً.
كاتب صحفي/”الخليج”