برجاحة ترتقي إلى درجة النباهة، اختارت المملكة السعودية أن يرافقها بلدان مغاربيان في مساعي حل الأزمة اللبنانية، هما المغرب والجزائر. وعندما تشكلت لجنة الحكماء الثلاثية المنبثقة من قمة عربية طارئة استضافها المغرب، تنبّه كثر إلى أن البعد الجغرافي الذي يفصل بين لبنان ومنطقة الشمال الأفريقي تقلّصت مسافته، لأن الرياض تعمدت الإيحاء بأن أزمة لبنان وقتذاك قضية عربية تذوب فيها جغرافية الحدود والولاءات والانتسابات.
أبعد من دخول أهل المغرب على خط أزمات المشرق، أن فضائل السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ألغت الشعور بالتناسي أو الإهمال. فقد سبقت تشكيل اللجنة الثلاثية، مبادرة من ثلاثة أضلاع أقدم عليها ملك المغرب الحسن الثاني، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. وروى من عاشر المرحلة، أن العاهل السعودي كان يتنقل بين ثلاث خيام نصبت على الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر، عند ملتقى قرية العقيد لطفي. وفي كل مرة ينزع الأشواك والتعقيدات إلى أن تصافح القادة الثلاثة تحت مظلة خيمة سعودية زيّنتها أعلام الدول.
في بعض التفاصيل، أنه كلما تراكمت مشاعر الإحباط، وكلما وصلت مساعي لجنة الحكماء إلى الباب المغلق، كان السعوديون يلحون على شريكيهما المغرب والجزائر بالتسلّح بالصبر والثقة والإقدام. فالحل العربي للأزمة اللبنانية كان وحده المفتاح السري القابل لفتح آفاق جديدة. ونقل عن الحسن الثاني قوله، إنه لم ير دولة أكثر حماسة ونصرة لقضية لبنان، من أجل استعادة عافيته ومصالحة أبنائه، كما هي مواقف المملكة السعودية. وأفصح أن مساعيها النبيلة عاودت الاعتبار للعالم العربي الذي يستطيع أن ينهض من كبوته، ولا يخسر غير الأنانيات والحساسيات الضيّقة من معطفه.
من أقرب الجوار إلى أبعده، التزمت الرياض مواقف مبدئية صريحة وحازمة. وإذ تلتفت إلى المشاكل وأنواع التحديات، تصفها دائماً في سياقها ونسقها الذي لا يتجزأ. وكما اعتاد اللبنانيون على صدور مزيد من مبادرات الإنقاذ والتضامن والأخوة من الشقيقة الكبرى السعودية، كذلك سعد المغاربيون في ذروة الأزمات والانكسارات بما يثلج الصدور. لا تخفت خطوة على طريق رأب الصدع وتنقية الأجواء إلا لتظهر أخرى ساطعة في سماء المودة والإخاء. وحين أوصدت الأبواب أمام الأفق المغاربي الذي كان يعول عليه الأشقاء في المشرق ذرعاً وسنداً لتقوية التضامن، أطلقت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، مبادرة ضم المغرب إلى شراكة متميزة، ليس يهم أنها أقل من الانضمام الكامل، بل الأهم أنها أكبر من أي شراكة، تربط دول الشمال الأفريقي بالاتحاد الأوروبي، أو حتى الولايات المتحدة الأميركية في نطاق ما عُرف بالتحالفات الاستراتيجية.
إقرأ أيضا: السعودية تحتضن أضخم مناورة عسكرية بمشاركة المغرب
لم يحدث على امتداد شراكات بلدان الخليج مع جوارها الأقرب والأبعد، أن استخدمت هذه الأفاق في غير السياسات الإيجابية التي تنشر لواء التضامن والتآزر ونصرة القضايا العادلة. واهتمت السعودية في غضون ذلك، بأن جعلت من اليد الممدودة سياسة قائمة الذات. غير أن للصبر كما المرونة سقفاً لا يجب تجاوزه. وعندما أقرّت الرياض خيار «عاصفة الحزم» للدفاع عن الشرعية في اليمن، كان ذلك إيذاناً بأن إضفاء منطق الحزم سيشمل مواقف وملفات لم تعد تحتمل الغبار تحت السجاد.
الشرعية مفهوم وسياسة ومبادئ لا تنفصل أو تتجزأ عن بعضها البعض، فهي اليمن كما لبنان أو سورية أو أي منطقة أخرى، تلتقي عند حتمية الانتماء الذي لا يمكن تجييره أو الالتفاف عليه. كان اتفاق الطائف لحل الأزمة اللبنانية تكريساً لشرعية لبنانية وجدت امتدادها في الأفق العربي، وأي انقلاب عليه يعتبر تجاوزاً لشرعية القرار والاختيار.
ولم يكن لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أن يلوح وينفذ مفهوم الحزم، إلا لأنه مطلوب في لحظات الاختبار الحاسمة. ولا أفضل من شرعية محلية تدعمها أوفاق الشرعية العربية والدولية.
كاتب صحفي/”الحياة”