كنت مثابرا في دعوتي أهل الحراك السياسي الليبي للوصول إلى اتفاق حول الحكومة لتباشر إعادة الحالة الليبية إلى سياقها الطبيعي وإخراج الوطن من أزمته، ومازلت مع إقرار الحكومة التي تعسرت ولادتها بفعل من أوكل إليهم أمر تشكيلها.
الحل الأسهل ليس دائما أنجح الحلول وأنجعها، ويبدو أن مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني اختار الحكومة الموسعة كثيرة العدد باعتبارها الطريقة الأسهل لإرضاء كل الأطراف، وبدلا من الاقتراح الذي قدمه عضو هذه الحكومة عمر الأسود، واستمعت إلى ما قاله من اعتراضات وجيهة على طريقة تشكيلها، وما أبداه من ملاحظات تحظى بقبول لدى الرأي العام، لأن صفحات التواصل الاجتماعي تضج سخرية، بحكومة ضربت رقما قياسيا في عدد الحقائب، دون اعتماد على أصحاب الكفاءة والتجربة، ممّن لهم خبرة في الإدارة والمجالات التي يتولون إدارتها، وكأن الهدف، كما تقول هذه المواقع، هو إرضاء كل القبائل وإرضاء كل المدن، وإرضاء كل ألوان الطيف السياسي. فما هو الحل إذن؟
وقلت ردا على السؤال الذي طرحه أمامي أحد المذيعين، بأن أعضاء المجلس الرئاسي لا يملكون تخويلا شعبيا، وإنما جاءوا نتيجة تفاوض بين أطراف صراع، ولن تتأكد شرعيتهم، إلا بالمصادقة عليهم من أصحاب التفويض الشعبي، وهم أعضاء مجلس النواب. إذن فمجلس النواب بما له من بقايا تفويض، وبقايا صلاحية، وتمثيل لأهل البلاد، هو الموكول إليه تعديل هذا الحال المائل.
وبداية لا بد من الاعتراف بأن جانبا من الضغوط جاء من أعضاء مجلس النواب، الذين رابطوا في تونس يبحثون عن مناصب لأنفسهم، أو لأهل الولاء من لونهم السياسي، وأقصد هنا قلة من أعضاء مجلس النواب، خاصة من ذوي الهويات الحزبية والولاءات العشائرية، ولكن أغلب الأعضاء ظلوا ينتظرون ما ستسفر عنه الأحداث، ويراقبون الموقف ويتوخون صالح البلاد، بحسب رؤيتهم وفهمهم، وسأتجه بالخطاب إلى كل أعضاء مجلس النواب، بمن فيهم أولئك الذين دخلوا المنافسة للحصول على نصيب من كعكة الحكومة. أطلب من الجميع أن يرتفعوا إلى مستوى الولاء للوطن ومصلحته، وهو ما يحتم عليهم القبول بالتشكيل الحكومي، ولكن ليس في شكله الحالي، وإنما في شكل معدّل لا يزيد عن 15 حقيبة، يتولاها الأكثر كفاءة من أهل البلاد دون أن يكون فيها شبهة إرضاء لعشيرة أو حزب أو لون سياسي وإنما إرضاء للوطن.
إقرأ أيضا: فرصة للمصالحة في ليبيا
وأقترح أن مجلس النواب يجب أن يطلب من المجلس الرئاسي أن يكون هذا الفريق الوزاري من أهل الكفاءات دون اللجوء إلى المحاصصة العشائرية أو الحزبية، كما أطالب بأن يستفيد المجلس الرئاسي من إلغاء قانون العزل، وليتفضل بإعطاء حقائب لوزراء سابقين، إذ ماذا يضر ليبيا الاستعانة بأستاذ كبير في مجاله مثل الدكتور فتحي بن شتوان، أو الدكتور الطاهر الجهيمي، على سبيل المثال، وهناك من أهل السياسة مخضرمون انضموا للثورة منذ أول يوم فيها، مثل السفير والوزير السابق عبدالقادر غوقة وأمثاله كثر.
إنني أضرب أمثلة فقط للكفاءات التي لا نعرف لها قبيلة، ولا حديثا باسم جهة وإنما ليبيا أولا وأخيرا، مع تجديد الثقة في الفريق الرئاسي بكامل أعضائه، ويكفي أنه يحتوي تمثيلا لمناطق البلاد الرئيسية، وهذا ما حصل فعلا. فقد أعاد مجلس النواب الأمر إلى المجلس الرئاسي، وقام هذا المجلس الآن بتقديم تشكيلة جديدة يصل مجموعها بما في ذلك المجلس الرئاسي إلى 23 منصبا وزاريا، مراعيا أن تكون الكفاءة هي المعيار الأول مع مراعاة الاعتبار المناطقي، بحيث تغطي التشكيلة المناطق الثلاث الرئيسة في البلاد وهي طرابلس وبرقة وفزان، وأن يعتمد في الوضع الإداري لبقية القطاعات على تشكيل هيئات وليست وزارات، مثل هيئة للأوقاف وهيئة للإعلام وهيئة للاتصالات وغيرها، وسيتم دعم هذا الوضع الإداري باستحداث تغيير في صلاحيات البلديات قبل أن يصدر التنظيم الخاص بالمحافظات التي سوف تمنح له صلاحيات واسعة، والمفروض أن يكون قد تم تقديم هذه التشكيلة الجديدة إلى مجلس النواب، الأربعاء، وستكون أمامه بضعة أيام لإقرارها بعد إجراء التعديل الدستوري الذي تحتمه وثائق اتفاق الصخيرات، ويكون بعد ذلك الطريق ممهدا لحكومة الوحدة الوطنية. وأعتقد أنه مهما ظهرت بعض الاعتراضات، فإن حكومة الوفاق الوطني صارت واقعا لا سبيل أمام أي طرف من أطراف النزاع إلا الاعتراف به وإيجاد صيغة لاستيعاب الحقائق الجديدة للمشهد السياسي الليبي، وإلا فلن يكون له وجود في هذا المشهد بعد الآن.
كاتب ليبي/”العرب”