اليوم.. أحاول أن أنقل لكم صورة أخرى من صور خرق الدستور في أبسط قواعده الأساسية، وهي حرية المواطن وحقه في العيش الكريم. حدثني من أثق في صدق قوله أن الدكتور أحمد بن محمد قد دفعت به السلطة إلى الانخراط في المجموعة البشرية من المواطنين التي تتواجد تحت خط الفقر بسبب مواقفه السياسية:
1 – تم توقيف المعني عن العمل في الجامعة منذ 10 سنوات تقريبا، بسبب مواقفه السياسية التي اتخذها بلسانه وليس بلسان المحشوشة أو الكلاش، كما فعل من تصالحت معهم السلطة، ومنحت لهم أكثر ما يستحقون من امتيازات.
2- الدكتور بن محمد خريج جامعة السربون في الاقتصاد، يوقف عن العمل لأسباب سياسية تعسفية، ويُسحب منه جواز السفر، حتى لا يسعى في الأرض طلبا للرزق، وكل ذلك يتم بقرارات إدارية وخارج سلطة القضاء، وتحت الرعاية السامية لحامي وراعي الدستور وقوانين الجمهورية وضامن حقوق المواطنين.
3 – أشهد أنني نشرت حديثا صحفيا لافتا للدكتور أحمد بن محمد في سنوات الثمانينات، أنجزه الزميل عز الدين ميهوبي، مراسل جريدة “الشعب” من سطيف آنذاك، طرح فيه قضايا اقتصادية وثقافية وفكرية وحضارية مثيرة، شغلت الرأي العام آنذاك، وكان وقتها عائدا لتوه من جامعة السربون إلى جامعة باتنة.. اليوم الصحفي المحاور وزيرا والدكتور المحاضر بطّالا، بل ومسلوب حتى الحقوق المدنية والدستورية التي تمكنه من “الحرڤة” والبحث عن لقمة العيش خارج هذه البلاد التي تهين الرجال بهذه الصورة!
4 – ما الذي يحمل هذه السلطة على أن تتصرف هذا التصرف مع نخبها بهذه الصورة البائسة؟! فرجل مثل فرحات عباس أو بن خدة أو حتى عبان رمضان كانوا يناضلون بشراسة ضد الاستعمار الفرنسي لأجل الاستقلال… ولكن الاستعمار كان يسمح لهم بالعمل والعيش.. فالصيدلي يمارس الصيدلة والإداري يمارس عمله في الإدارة.. هل أصبح حال بلادنا في مجال صون حقوق الإنسان والمواطن أسوأ من حال هذا المواطن في عهد الاستعمار؟!
إقرأ أيضا: تعديل الدستور ولعبة النظام الجزائري النمطية
لا جواب عندي، ولكن المظالم التي تمارسها السلطة باسم الحق والقانون والدستور لا إنسانية.
5- أشهد أن هذا الأستاذ الجامعي أيقونة في عزة النفس والاستقامة الأخلاقية، فقد سافرت معه إلى إيران سنة 1990… وعرفت من تصرفاته كيف يعشق هذا النموذج الجزائري الحرية والكرامة وعزة النفس إلى حد الهوس.. فقد أخذنا مضيّفونا إلى لقاء الإمام علي خامنئي… وأجلسونا في قاعة تحضيرا لمقابلة الإمام، فأشار عليّ الدكتور بن محمد أن نبقى وقوفا حتى يأتي الإمام… وعندما سألته لماذا؟! قال لي “نحن نمثل الجزائر، والجزائر لا تقف لأحد”! بمعنى أننا إذا جلسنا فسنضطر للوقوف عند مجيء الإمام خامنئي. وكان رئيس التشريفات يطلب منا من حين لآخر الجلوس حتى يدخل علينا الإمام. ولكنه كان يجيبه: نحن أريح لنا الوقوف!
هذا الرجل الذي يتمتع بمثل عزة النفس هذه يصل به الحال لأن يجوع بسبب الممارسات التي ارتكبت ضده طوال عشر سنوات.. لا عمل ولا جواز سفر بلا سبب.. حتى أصبح يفكر في الحرڤة مع الحراڤة… وهو الذي تخرّج من السربون، وكانت كل أبواب أوروبا وأمريكا مفتوحة أمامه.. هذا نموذج لخرق الدستور بصور أخرى غير مرئية.
كاتب صحفي/”الخبر”