لن تكون السنة الجديدة سهلة ومريحة بالنسبة إلى الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، فهو بذل أقصى الجهد خلال 2016 من أجل المحافظة على مصداقيته التي يمكن القول إنها تعرّضت للاهتزاز خلال العام المنقضي، وهو عامه الأول في السلطة، وفي قصر قرطاج.
ظن، في البداية، أنه قد تغلب على معضلة التحالف مع حركة النهضة. حاول أن يقنع أعضاء حزبه وأنصاره بأن ما حصل ليس اختياراً، بقدر ما كان اضطراراً أملته نتائج الانتخابات، وأن ما تم ليس تحالفاً، وإنما تقاطع مصالح، وأن مشروع “نداء تونس” مختلف عن مشروع الإسلاميين، لكن هذه التبريرات وغيرها لم تقنع كثيرين من كوادر الحزب والأنصار، وأكدت الأحداث أن العلاقة بحركة النهضة كانت من الأسباب الرئيسية التي فجرت الحزب الحاكم.
من جهة أخرى، لم ينجح الرجل في المحافظة على وحدة الحزب الذي أسسه، على الرغم من قوله المتكرر إن أزمة “نداء تونس” الداخلية ليست سوى “سحابة صيف”. عرّض نفسه لموجة من الانتقادات الحادة من المعارضة، عندما تحدث عن أزمة حزبه في كلمةٍ توجّه بها إلى الشعب، وهو ما اعتبره خصومه مخالفة دستورية. ومع ذلك، لم تفلح مساعيه، ولم يعد رأيه مسموعاً لدى كثيرين، كما أصبحت سلطته المعنوية داخل الحزب مجروحة من بعض المؤسسين والأنصار.
إقرأ أيضا: قايد السبسي يتوقع سنة أفضل من سابقتها للتونسيين
فشل السبسي في تأسيس حزب نموذجي، يجمع، في صلبه وقيادته، أعضاء ينحدرون من مسارات سياسية وفكرية مختلفة ومتعددة. وعلى الرغم من أن الانقسام الذي حصل ليس بالضرورة أيديولوجيا، يبدو أن خيبة السبسي من اليسار عميقة وقوية. وليست هذه التجربة الأولى التي تفشل في توحيد الصف العلماني المعتدل سياسياً. لكن، تعتبر هذه التجربة الأخيرة التي تمنى بفشل ذريع ومؤلم. والأخطر من ذلك أن تشظي حزب نداء تونس لم يقف عند الفرز بين ما سميت الروافد الأربعة التي شكلته، وإنما اتسعت رقعة الخلاف، لتخترق كل رافد على حدّة، مما جعل الوحدة أصعب بكثير مما كان عليه القول من قبل.
المشكلة الأخرى التي يواجهها اليوم الرئيس الباجي قايد السبسي أن وعوداً كثيرة قدمها للتونسيين في حملته الانتخابية لم تتحقق في الواقع، ما جعل بعضهم يذكّره بها في “فيسبوك”، أو بتوجيه رسائل مفتوحة إليه تم نشرها في صحف ومواقع إلكترونية عديدة، ولعل أشهرها تذكيره بالمرأة التي لم تأكل لحما منذ أشهر، والتي تحدث عنها، في إحدى زياراته الانتخابية وسالت دموعه بسببها، وبدل أن يتوفر لها اللحم الرخيص، ازدادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سوءاً بعد توليه الرئاسة.
لا يعني ذلك أن السبسي فشل كلياً، وعلى جميع الجبهات، فالتحالف مع “النهضة” وفر استقراراً سياسياً لا يمكن إنكاره، كما أن وجوده على رأس الدولة مكّنه من بذل جهودٍ كبرى من أجل تحسين صورة تونس على الصعيد الدولي. لكن، مع ذلك لا يزال الرجل يواجه ملفات معقدة مع أكثر من دولة عربية وغربية. وقد مد يده إلى دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، ويخشى أن تبقى رسائله بدون إجابات فعلية وملموسة.
أدرك السبسي أن وصوله إلى قصر قرطاج ليس ضماناً كافياً لتغيير الأوضاع نحو الأفضل. حالة البلاد صعبة، وتزداد تعقيداً، وحصيلة عام من الحكم ليست مطمئنة، وهو ما جعله أكثر استعداداً للتفاعل مع الأصوات التي ترتفع، هنا وهناك، محذرة من خطورة ما تخفيه الأيام المقبلة. استقبل مثقفين انتقدوه بشدة، واستمع لشخصيات مختلفة، قدّموا له نصائح متعددة. وهو يعتزم أن يخصص، خلال السنة الجديدة، زيارات ميدانية لمناطق عديدة لم يزرها منذ انتخابه. الحمل ثقيل، والتونسيون يكاد صبرهم ينفد، والنخبة مستمرة في صراعاتها الصغيرة، والتافهة أحياناً. لا يتحمل السبسي وحده مسؤولية إخراج البلاد من النفق، لكنه يبقى رئيساً للبلاد، والرئيس مسؤول، حتى لو قلص الدستور من صلاحياته.
* كاتب من تونس/”العربي الجديد”