في لقاء معه نشرته «الحياة»، قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إن «الربيع العربي اختراع أوروبي وليس عربياً»، ويبدو أن العرب في المغرب يرونه أوروبياً، في حين يراه عرب المشرق أميركياً، وتصريحات «الفوضى الخلاقة» وتقسيم المنطقة والشرق الأوسط «الكبير» حاضرة في الأذهان.
إلا أن رمي التهمة على الغرب فيه محاولة للتنصل السياسي من المسؤولية، الربيع العربي هو منتج عربي لظروف ومعطيات عربية رسختها الأنظمة السياسية العربية في عقول جماهيرها، فإذا جاء الغرب، سواء أكان أميركا أم أوروبا، وحتى إيران وروسيا، لاستغلاله، فإن المسؤولية عنه لا تتغير.
البيئة الخصبة التي سمحت لشرارة البوعزيزي بأن تنتشر في البلاد العربية ويحدث ما حدث من أهوال وقتل وهجرة وتهجير طائفي، تقع على الاستبداد والاستئثار بالسلطة والمال. هذا هو الذي زرع الأرض العربية بالقش فكانت الشرارة بمداها الإعلامي كافية لسقوط أنظمة وتهاوي دول.
إقرأ أيضا: هل كان الربيع العربي ثورة؟
لا يمكن أن نلوم الغرب إلا في أنه يعلن شعارات يطبقها داخل حدوده فقط، فحين يطبق نقيضها في البلاد العربية فهو في المؤكد ساعد في إنتاج البيئة الخصبة لحريق الربيع العربي، وهو لا شك ساهم بآلته الإعلامية وشعاراته في إيهام الحشود من الجماهير بأنها على حافة الخلاص من الاستبداد. الغرب بقدراته وأطماعه واستفادته من تراكم التجربة التاريخية ساهم في الربيع واستفاد منه مثلما استفاد من جمود قبله، لكن المسؤولية الرئيسة في ما وصل إليه العرب تقع على الساسة العرب أنفسهم.
لم يعد لذكر مصطلح «الربيع العربي» قيمة أو أثر يذكر في أذهان الجماهير العربية، ما بين من صحا على الفاجعة ومن يضع «الثورات المضادة» مسؤولية عن هذا الحصاد المر، والمعضلة الآن في أن الأرض العربية أصبحت أكثر خصوبة وتهيئة ومناسبة، ليس لزراعة «ربيع عربي جديد» بل لمزيد من الحرائق والتهجير والاستنزاف.
الغرب والشرق الذين كانوا يشتغلون بالإعلام والاستخبارات على البيئة العربية الخصبة، أصبحوا يشتغلون بالآلة العسكرية، والنوايا المبطنة صارت معلنة، والأدوات القديمة لمواجهة ذلك لن تحقق الدفاع المطلوب، مثلها مثل التنصل من المسؤولية.
*كاتب صحفي/”الحياة”