عاشت موريتانيا جسداً واحداً

الوطن أغلى ما نملك، ولذا علينا أن نعمل معاً، ونعلم معا أننا مهما اختلفنا في الفكر السياسي، فإن الإسلام أكبر، وخير مرجع جعل العلاقة بيننا مودة ورحمة وتعاطفاً، ينبني على التفاضل، لكن بالتقوى والعمل الصالح، لا بالنسب والحسب والمال.
إخوتي، على جميع التحركات أن تطور ذاتها، ثم الوطن، وعلى كل إنسان أن ينصف أخاه. فنحن شعب واحد، سطرنا تاريخا يتجلى على كل منارة في خريطة إفريقيا. وإن كانت هناك تظلمات حصلت، فالعصر والفارق الزمني كفيلان بسترها، لأننا يجب أن نطلق من حاضرنا، عاش الوطن بكل أطيافه جسداً واحدا.
‏إذا كان الظلم فجميعنا مظلومون، وإذا كان التهميش فنحن أيضاً مهمشون، وإذا كانت البطالة فنحن كذلك، وإذا كان الفقر فنحن نعيش في الترحيل من دون مأكل أو مشرب أو ملبس، وإذا كانت السرقة، ففي كل يوم تنهب أموالنا وتسب كرامتنا، وإذا كان التعليم، فمعظمنا غير متعلم، وإذا كانت الوظيفة، فأكثريتنا عاطلة عن العمل، فهل ‫نخرج‬‬ غداً بميثاق البيظان، نطالب بحقوقنا وكرامتنا وبالعدالة والمساواة والأمن والأمان والصحة والتعليم والبنية التحية والماء والكهرباء و…. من يسعى إلى زعزعة النظام والخروج عن القانون وزعزعة الأمن والاستقرار وزرع الرعب في أذهان الضعفاء‫ ليس‬‬ مواطناً، ولا يحق له أن يحمل جنسية موريتانية.
الروابط التي تجمع بين لحراطين والبيظان قوية، روابط إخوة الإسلام الدين الوطن، لا يمكن استغناء أي منهم عن الآخر. لم نخلق أنفسنا، لا خيار لدينا لنختار ألوان الأفضل لدينا، أبيض كان أم أسود، ففي كل دولة أبيض وأسود، تلك مشيئة الله في عباده “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ، لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبير”. منهم التقي والنقي والعاصي والكافر والمصلح والمفسد. وليس من حقنا أن نمنع من أراد لنفسه العمل وجني المال، ولو على عربة وحمار، من العمل، فالعمل كله شرف، وذلك ما اختاره الله له. لا نفرض على أي كان شروطاً أو رسوماً. لا نملك السلطة، ولسنا أصحاب القرار، والظلم لا نرضى به لأنفسنا، لنرضى به للآخرين، وديننا يحرم علينا ذلك، وبين هذه مطالبات وتلك، يضيع شعب البلد الواحد، تضيع الأخوة، ويبدأ الحقد والحسد والعنصرية في الانتشار، ويجد الظالمين متسعاً من الوقت، ليزرعوا حقدهم في أحشاء بعضهم.
على الجميع أن يتقي الله في نفسه ووطنه، فهذا الوطن تحمل الكثير من الطيش والظلم العنصري الذي يتزعمه بعض قادة الفساد والرشوة، والذين يلتقون الدعم من أياد صهيونية يهودية، تسعى إلى تخريب موريتانيا، وزعزعة النظام والمس بكرامة الوطن، ومسح بها الأرض، وتعرض المواطن للخطر والعصيان المدني، ومثل هذه الأشياء التي يروجها كثيرون اليوم، شاهدنها في مصر وسورية.
ليكن في علمكم جميعا إنه لم ينزل أي كتاب أو دستور بظلم ما يسمونه “لمعلمين أو لحراطين أو البيظان أو الزنوج أو الشرفه أو الطلبة أو لعرب”، كل خلقه الله ورزقه وأعطاه قدره، كما أن الله لم يظلم أحداً. وليس قضاؤه وقدره على أي شريحة من شرائح المجتمع الموريتاني أن تظلم.
 وإذا كانوا لمعلمين ساهموا في النهضة الثقافية بشكل كبير، كما كانوا يقولون، فليسوا وحدهم، فهناك من حمل الوطن على أكتافه، وقاسم لمعلمين النهضة، وحمل السلاح في وجه المستعمر، ليحافظ على الحوزة الترابية، وعلى الثقافة الموريتانية. وإذا كان “لحراطين” قد ظلموا، فليسوا وحدهم، فهناك من يكدح للقمة عيش، وهناك من ينام وبطنه خاوية، ومن يمرض، ولا يجد ما يشتري به دواءه. وهناك من يعجز عن وصف معاناته، وهناك وهناك. وإذا كان الزنوج ظلوا أيضا، فليسوا وحدهم، فقد مات أو قتل آلاف من أبناء موريتانيا الشرفاء، من دون أي سبب، ومن دون أي ذنب، وهناك من لم يشاهد وطنه وأهله، إلى يومنا هذا. وتصنيف العنصري الذي تتحدث عنه بعض الهيئات غير الحكومية، مثل “إيرا” لا أساس له من الصحة، وما تسعى إليه هذه الهيئة هو زعزعة النظام وتخريب الوطن والعودة به إلى مائة سنة للوراء، وهذا لا نقبل به كمواطنين لهذا البلد العزيز.
ولا ننسى نصح وسائل الإعلام بالشفافية والوطنية، والوطنية معناها كبير، يجب تحري الصدق والموضوعية، بدل النفاق والكذب، فالإعلام مهنة النبلاء. جميعنا موريتانيون، وموريتانيا ليست لأحد دون أحد، وهي عظيمة ومجيدة، يفتخر بها كل من له علاقة بها، لاسيما أبناؤها. التاريخ لم يذكر، ولن يذكر، أن الأراضي الموريتانية شهدت يوماً استعباد أحد، أيا كان لونه أو عرقه أو نسبه. ولن تشهد، بحول الله وقوته، فاتقوا الله في أنفسكم، فكبريت واحد قادر على أن يشعل النار.
أخذوا ذهبها ونحاسها وحديدها ونفطها، ويريدون أن تشتعل نار الفتنة فيها. كلا، فنحن مواطنون عاديون، لنا ضمائر حية نتنفس، على الرغم من الصعوبات والآلام والمعاناة. والأوطان لا تأتي بالتسول، وهذه النعمة التي نحن فيها، علينا أن نحمد الله عليها، فهناك من لا ينام من كثرة أصوات الرصاص والصواريخ، وهناك من فقد أبويه من دون سبب، وهناك من يموت جوعاً وقهرا وظلما وعدواناً، فهل ترضون لأنفسكم هذا المصير. أليست لكم ضمائر حية، تأخذ العبرة مما يحدث حولها، فنحن ولله الحمد البلد الإفريقي المسلم الوحيد الآمن الذي يسلم من نار الفتنة والقتال. ونسأل الله أن نبقى على هذا الحال. علينا ألا نكون مع من يدعون للفتنة والتخريب، فكلنا مسؤول أمام الله، ونحافظ على الوطن، ونسعى إلى مصلحة الجميع. حافظوا على وطنكم، حفظ الله موريتانيا ورعاها، بلد العز والفخر.
بيظاني حرطاني كوري أنا موريتاني.
“العربي الجديد”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *