ليبيا تستدعي «الناتو»؟

حين يعجز الإسلام السياسي المتعسكر عن تجميد الثورة الليبية وخطف مؤسساتها الانتقالية ينفجر الوضع كما كان قبل ثلاث سنوات وأكثر. الجيش يجمع قطاعاته لمواجهة «المؤتمر» وحكومته المهتزّة، و «المؤتمر» يكلّف ميليشيا إسلامية الدفاع عن طرابلس لعدم ثقته بقطاعات الجيش التي لم تلتحق بعد باللواء المتقاعد خليفة حفتر، هو الذي أعلن صراحة هدفه: تحرير الثورة الليبية من «الإخوان» و «القاعدة».
ثلاث سنوات والإسلام السياسي يقبض على الثورة الليبية ويزرع أنصاره في مفاصل الإدارات العامة بهدف اكتمال تمكنه الصعب التحقق، فالاستفتاءات أفادت غير مرة وبوضوح بأن الشعب الذي تخلص من ديكتاتورية القذافي يفضل نظاماً ديموقراطياً تعددياً يحفظ وحدة ليبيا وحقوق جماعاتها في ذلك البلد الواسع ما بين الصحراء الإفريقية والبحر المتوسط.
في السنوات الثلاث جاهد الإسلام السياسي المتعسكر لعزل ليبيا عن محيطها وعن العالم كأنه يواصل عهد القذافي الأسوَد، ومارسَ العمل السياسي باعتباره لعبة مجانية لكسب الوقت، فالحكومات تؤلف وتستقيل في وقت قياسي، ويكون لليبيا أحياناً ثلاثة رؤساء حكومة الأول طرد نفسه أو طرده «المؤتمر» والثاني لم يستطع تأليف الحكومة والثالث استدُعي بسبب عجز الثاني عن التأليف.
ثمة حرب بين قطاعات من الجيش وإسلاميين مسلحين من «القاعدة» وأخواتها، في وضع متحرك يتراوح بين انضمام القبائل إلى حركة الجيش أو مزيد من الفوضى قد تستدعي تدخُّل «الناتو» ثانية لترجيح الثورة كما تدخّل للمرة الأولى، والحال أن «القاعدة» في ليبيا ليست أقل شأناً من القذافي بل ان التنظيم الإرهابي العالمي لن يترك ليبيا لأهلها بسهولة متخلياً عن موقعها على المتوسط.
حركة الجيش تستقطب الليبيين بالتركيز على وطنيتهم بما هي هوية ومصلحة مشتركة ضيّعها القذافي والمتطرفون الإسلاميون، كما تستند إلى ضيق الشعب بتجاوزات مسلحين إسلاميين مارسوا القتل والخطف والنهب في مناطق عدة، خصوصاً في الشرق، حيث يحتل عدد منهم مدينة لبدة الأثرية ويقيمون معسكراً على الطريقة الأفغانية.
كم يبدو «الإخوان» (وفي جوارهم المتطرفون) مجرد أنانيين معرقلين لثورات الربيع العربي، هكذا اخذوا مصر إلى خسارة ثورتها ويأخذون ليبيا الى قذافية جديدة أكثر خطورة. وهم مفتاح التطرف الإسلامي على رغم مخاطبتهم العالم كمعتدلين وسطيين، فيما يستدعون الإرهاب، ويهددون به ثم يأكلون معه إلى مائدة الفساد.
ليبيا على المفترق. إما أن ينقذها جيشها أو تستدعي «الناتو» مرة ثانية. أما الربيع العربي، فاضح التناقضات، فقد وضع «الإخوان» في حجمهم الطبيعي، خاطفي ثورات وهادمي قِيَم ومعرقلي تقدُّم.
“الحياة” اللندنية  

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *