بقلم: فراد بورتن*
عندما تضع السلطات المجرم وراء القضبان، فهي تفعل شيئا أكبر من مجرد تحقيق العدالة. بل هي تحاول إشعار عائلات الضحايا بالسلام. لكن في بعض الأحيان تفشل العملية؛ حيث أنه في بعض الأحيان يكون القتلة طلقاء. أحيانا إنزال طائرة تقل 270 راكبا بالإضافة إلى طاقمها المتكون من 16 شخصا ثم يقع تفجيرها على الأرض وبعد أكثر من عقدين من الزمن، لا أحد يقضي عقوبة السجن رغم فظاعة ما تم اقترافه؛ هذا هو الحال مع تفجير لوكربي لعام 1988.
في 21 ديسمبر، انطلقت الرحلة 103 التابعة لخطوط بان أميركان العالمية من مطار هيثرو في لندن متوجهة إلى مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك؛ متخذة طريقا يعتمده العملاء والدبلوماسيون والمسؤولون الحكوميون الأميركيون. في هذا اليوم كان من المقرر أن يكون على متنها السفير الأميركي في لبنان؛ لكنه تخلف عن رحلته ولم يكن من بين الركاب الأميركيين على متن الطائرة والذين بلغ عددهم 189 راكبا، عندما انفجرت عبوة ناسفة مخبأة داخل حقيبة، وتناثرت القطع المشتعلة للطائرة فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا.
للمزيد:العودة إلى جريمة «لوكربي»
إلى اليوم، لم يتم تقديم كل المتورطين في الهجوم إلى العدالة. وحاولت السلطات في الولايات المتحدة وبريطانيا إعادة فتح التحقيق في عام 2013، لكن دون جدوى، وفي شهر سبتمبر الماضي، طلب من مكتب التحقيقات الفدرالي إعادة النظر من جديد في القضية في ضوء الأدلة الجديدة.
لا شك أن هناك تخمينا في أن التفجيرات هي محاولة فاشلة لاغتيال السفير الأميركي في لبنان، وقد أرسلت لي الهيئة الأميركية للأمن الدبلوماسي لإجراء مقابلة مع الموظفين الدبلوماسيين الذين كانوا يعملون في السفارة الأميركية في بيروت. والتقيت مع موظفي السفارة في قبرص، وهي نقطة التقاء سهلة، للبحث عن أدلة عن كيفية حصول أي شخص على خطط سفر السفير الأميركي. وفي النهاية، لم يؤد هذا الخط من التحقيقات إلى أي مكان. وفي الوقت نفسه، كان مكتب التحقيقات الفدرالي يقود تحقيقا أكبر بالتعاون مع السلطات الاسكتلندية.
وهناك عدد من المنظمات التي من المرجح أن تكون وراء التفجيرات. ويبدو أن العالم كان ممزقا بين الصراعات ومليء بالتهديدات الإرهابية: حيث شهد العالم للتو انسحاب الاتحاد السوفييتي المنهك من أفغانستان، تاركا وراءه الدولة التي مزقتها الحرب تستعد لتصبح ملعبا للإرهابيين وأمراء الحرب. بالإضافة إلى 8 أعوام من الحرب بين العراق وإيران التي وصلت إلى نهايتها بصعوبة، مخلفة عداء كبيرا بين إيران ما بعد الثورة والولايات المتحدة التي دعمت الرئيس العراقي صدام حسين.
وقبل خمسة أعوام، شن تنظيم حزب الله، وكيل إيران في الشرق الأوسط، هجمات على قواعد لمشاة البحرية الأميركية في بيروت. وفي ليبيا، كان معمر القذافي مشغولا بتمويل الجماعات الإرهابية. كما أن وكالات المخابرات الأميركية كانت مهتمة بمتابعة أنشطة العديد من الجماعات الإرهابية، وكثير منها كانت طلائع أو خلايا المجموعات التي تحيط بنا اليوم.
في البداية، كان حزب الله المشتبه به الرئيسي لدينا؛ وحتى اليوم، ما يزال البعض مقتنعا أن الوكيل الإيراني هو مدبر العملية برمتها. ولكن كشفت التحقيقات التي أجراها مكتب التحقيق الفدرالي أن معظم الأدلة تشير إلى تورط ليبيا. وكانت بعض الأدلة التي تمثّل جزءا من الدورة تتعلق بتوقيت تفجير القنبلة، والذي كان متزامنا مع عودة عمل الهيئة الأميركية للأمن الدبلوماسي في الطوغو في عام 1986. وفي ذلك الوقت، كان الليبيون يدعمون الجهود التشادية الفاشلة لاغتيال رئيس البلاد.
وعلى الرغم من أن الأدلة التي تثبت تورط جهات ليبية في تفجيرات لوكربي، إلاّ أن التحقيق كان بطيئا وتعرقله الصراعات والأجندات الشخصية والسياسية المتناقضة. وفي النهاية، حتى عندما تم اتهام إثنين من المشتبه بهم وتقديمهما للمحاكمة في اسكتلندا، تم سجن واحد منهما فقط وهو عميل المخابرات الليبية عبدالباسط علي المقرحي، في حين بقي نظيره، الأمين خليفة فحيمة، طليقا.
وبعد أن أمضى سبع سنوات فقط في السجن، تم منح المقرحي عفوا بسبب إصابته بمرض السرطان. ليعيش ما تبقى من حياته بمثابة البطل في وطنه؛ وقد توفي في عام 2012 نتيجة لإصابته بالسرطان.
على الرغم من أن الحكومة الليبية لم تعلن رسميا عن مسؤوليتها عن الحادث، إلا أنها في عام 2003 دفعت مبلغا يقدر بـ1.8 مليار دولار كتعويضات لعائلات الضحايا التي ترى أن هذه التعويضات لا تعني حسم المسألة؛ فمازال هناك عدد كبير من الأسئلة التي تحيط بتفجير لوكربي، ولا يزال هناك شعور بأن هذه الجريمة مرت دون عقاب.
وقد يكون مكتب التحقيق الفدرالي ناجحا في محاولته الأخيرة لإعادة فتح ملف القضية ومقاضاة صانع قنابل الهجوم على طائرة بان آم 103. وربما تتحقق العدالة بالكامل وبشكل نهائي في هذه المرة ويغلق الملف على النحو الذي نصبو إليه جميعا.
*نائب رئيس مؤسسة ستراتفور الاستشارية الأمنية الأميركية/”العرب”