فرصة لوقف تهميش القضية الفلسطينية

بقلم: صبحي غندور*

ما تحتاجه القضية الفلسطينية الآن هو أكثر من حراك بطولي شبابي فردي في القدس والضفة الغربية، فهي تحتاج إلى انتفاضة شعبية فلسطينية شاملة تضع حدّاً لما حصل في العقدين الماضيين من تحريفٍ لمسار النضال الفلسطيني، ومن تقزيمٍ لهذه القضية التي كانت رمزاً لصراع عربي/صهيوني على مدار قرنٍ من الزمن، فجرى مسخها لتكون مسألة خاضعة للتفاوض بين «سلطة فلسطينية» في الضفة الغربية وبين «الدولة الإسرائيلية» التي رفضت الاعتراف حتّى بأنّها دولة محتلّة، كما رفضت وترفض إعلان حدودها النهائية.
إنّ المشكلة الأساسية تكمن الآن في الانقسام الفلسطيني الذي ازداد حدّةً بعد توقيع اتفاقيات «أوسلو» والتي ثبت، بعد أكثر من عشرين عاماً، عجزها عن تأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وتستفيد إسرائيل طبعاً من تداعيات الحروب الأهلية العربية، ومن الموقف الأميركي الذي يساهم الآن في تهميش القضية الفلسطينية بعدما تراجعت إدارة الرئيس أوباما عن مطلب تجميد الاستيطان، وامتنعت عن ممارسة أي ضغط فعلي على حكومة نتانياهو طيلة السنوات الماضية من عمر العهد الأوبامي.
أهمية ما يحدث الآن في القدس والضفة هي إعادة الحيوية لقضية فلسطين، التي جرى تهميشها عمداً في السنوات الماضية، وبالتالي تصحيح «البوصلة» العربية، بعدما تسبّبت «معارك التغيير الداخلي» بفقدان معيار معرفة الصديق من العدوّ!
لقد أوقفت السلطة الفلسطينية التفاوض مع إسرائيل، لكن ما البديل الذي طرحته؟ وهل أعلنت مثلاً التخلّي عن نهج التفاوض لصالح أسلوب المقاومة المشروعة ضدَّ الاحتلال؟ هل تّمت إعادة بناء «منظمة التحرير الفلسطينية» لكي تكون «جبهة تحرّر وطني» شاملة توحِّد الطاقات والمنظمّات الفلسطينية المبعثرة؟ ثمَّ ماذا لو استجابت حكومة إسرائيل لمطلب «تجميد الاستيطان» لبضعة أشهر، فهل يعني ذلك برداً وسلاماً في عموم المنطقة؟
إنّ مسألة المستوطنات هي رمزٌ لمدى العجز العربي والضعف الأميركي من جهة، والاستهتار الإسرائيلي من جهةٍ أخرى بمن يمدّ إسرائيل بالسلاح والمال والدعم السياسي لعقود طويلة. فإذا كانت الإدارة الأميركية (ومعها كل أطراف اللجنة الرباعية) غير قادرة على إجبار إسرائيل على وقف بناء المستوطنات، فكيف ستجبرها إذن على إخلاء الأراضي الفلسطينية المحتلّة وتسهيل بناء الدولة الفلسطينية المستقلّة؟!

المزيد: المغرب يُدين بشدة اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى

إذا كانت الأوضاع السائدة في المنطقة حالياً واضحة جداً في كيفيّة خدمة المشروع الإسرائيلي، فإنَّ مقارنة حال الوضع الإسرائيلي مع الوضع العربي والفلسطيني تجعل الرؤية أيضاً واضحة لكيفيّة الخروج من المأزق الذي هي عليه الآن السلطة الفلسطينية.
فلِمَ لا تحسم السلطة الفلسطينية أمرها بإعلان أنّها أمام خيارين: إمّا التحوّل إلى إدارة مدنية تخدم إسرائيل وأمنها واحتلالها، أو الانتقال الفعلي إلى صيغة «جبهة تحرّر وطني» تجمع وسطها كل التيارات والقوى التي تنسجم مع إستراتيجيةٍ واحدة، تطالب بالحدّ الأدنى من حيث الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشريف، وبناء دولة فلسطينية مستقلة على هذه الأراضي (وعاصمتها القدس)، ثمّ تفاوض هذه الدولة حين قيامها على مصير اللاجئين الفلسطينيين دون التخلّي عن حقوقهم المشروعة التي نصّت عليها القرارات الدولية.
واقع الحال الآن أنَّ السلطة الفلسطينية تتصرّف وكأنّها دولة مستقلة ذات سيادة بينما هي مؤسسات مستباحة يومياً تحت الاحتلال الإسرائيلي، والأجدر بها (أي السلطة) أنْ تتصرّف وكأنّها جبهة وطنية لمقاومة الاحتلال حتّى لا تصل إلى مستوى الإدارة المدنية للاحتلال. عند ذلك، ستعود الحيويّة إلى الشارعين العربي والفلسطيني، وسيجد الإنسان العربي أملاً في جهةٍ ما تسير على طريقٍ سليم يجمع بين وضوحٍ في الرؤية، وبين أسلوبٍ سليم في التعامل مع مسألتيْ المقاومة والتفاوض.

* مدير مركز الحوار العربي في واشنطن /”البيان”

اقرأ أيضا

غزة

غزة.. إسرائيل تقاوم ضغوطا لبدء المرحلة الثانية من الإتفاق وحماس تؤكد التزامها

يواصل جيش الاحتلال خروقه لوقف إطلاق النار في غزة، في وقت تحدثت مصادر في وسائل إعلام إسرائيلية عن استمرار ممانعة حكومة بنيامين نتنياهو في الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق،

غزة

غزة.. حماس تحمل إسرائيل مسؤولية الظروف المأساوية وواشنطن تقترح ممثلا لمجلس السلام

تتواصل المعاناة الإنسانية في قطاع غزة رغم دخول وقف إطلاق النار يومه الثالث والستين، حيث زاد المنخفض الجوي الذي يضرب المنطقة من صعوبة الأوضاع.

غزة

غزة.. ترامب يكشف موعد إعلان “مجلس السلام” ومرشح جديد بدلا من بلير

دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يومه الـ62 على وقع أزمة إنسانية متواصلة في القطاع الذي تعرض أخيرا لمنخفض جوي فاقم مأساة النازحين الذين يعيشزن في الحيام.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *