خذْ ثمانيةَ أعوامٍ من عمري، وصفْ لي الحرب
خذْ عشرين برتقالةً، وصفْ لي مروجَ طفولتي
خذْ كلَّ دموعِ العالمِ، وصفْ لي الرغيف
خذْ كلَّ زهورَ الحدائقِ، وصفْ لي رائحةَ شعرها الطويل
خذْ كلَّ البنوكِ والمعسكراتِ والصحفِ، وصفْ لي الوطن
خذْ كلَّ قصائدَ الشعراءِ، وصفْ لي الشاعر
خذْ كلَّ نيونِ مدنِ العالمِ وشوارعها الصاخبةِ،
وصفْ لي لذةَ التسكّعِ على أرصفةِ السعدون
خذْ كلَّ شيءٍ، كلَّ شيءٍ…
وصفْ لي نسيمَ بلادي
أما أنا فغير محتاجٍ لكلِّ هذا…
تكفيني قنينةُ حبرٍ واحدةٌ لأضيءَ العالم
يكفيني رغيفٌ ساخنٌ من تنورِ أمي
لأتأكدَ من حداثتي
أقرُّ أن الكلماتِ امتدادٌ لأصابعي
وأن الحدائقَ امتدادٌ لشعرها الطويل
أقرُّ أن القنابلَ علمتني الكثيرَ
أقرُّ أن القنابلَ مسحتْ الكثيرَ من أحلامي أيضاً
أقرُّ أن القنابلَ لا تكذبُ {كما تفعلُ البياناتُ والقادة}
خذْ إذن كلَّ القنابلِ وصفْ لي بشاعةَ الحربِ
خذْ كلَّ نزيفِ الحربِ… وصفْ لي سلامَ بلادي
أما أنا فغير محتاجٍ لكلِّ هذا
يكفيني أن أضعَ يدي في جيوبِ بنطالي
وأتمشى في الشوارعِ المشمسةِ
أصفرُ للأشجارِ والعابراتِ والبناياتِ العاليةِ وبائعي الصحفِ
لأتأكد من نهايةِ الحربِ…
يكفيني أن يخطيءَ ساعي البريد عنواني
فأتذكّرُ عشرات القنابلِ التي أخطأتْ عنواني
(أعرف أيضاً أن عنواني كثيراً ما ضاع في زُحمة أرقامكِ والأسماءِ والعناوين السريعةِ
فما عدتِ تتذكّرينه كثيراً..
أما أنا فما أن أضعَ أطرافَ أصابعي
على جانبي الأيسر
حتى تدلّني أنفاسُ الدروبِ عليكِ…)