ما الذي يجمع بين محمد عطا وصلاح عبد السلام غير كونهما متهمين بالمشاركة في عمليات إرهابية كبيرة أودت بحياة آلاف ومئات الأبرياء وكرست الصورة النمطية للغرب حول الإسلام والمسلمين، وفسحت المجال أمام الغرب لتدعيم سياساته الإمبريالية في المنطقة العربية؟ الجواب على هذا السؤال من خلال إلقاء نظرة على هذا الإرهاب، وليد العلب والمراقص الليلية، والذي يراد أن يلصق عنوة بالإسلام.
بدا المتهم البلجيكي من أصل مغربي بالمشاركة في هجمات باريس 2015، صلاح عبد السلام، من خلال شريط فيديو في وضع لا يتوقع من شخص من المفترض أنه يدين بالولاء لأكثر التنظيمات “الإسلامية” تطرفا.
ويعود تاريخ شريط الفيديو الذي كشفت عنه شبكة CNN الإخبارية الأمريكية يوم أول أمس الإثنين، إلى 8 فبراير 2015، أي قبل حوالي 10 أشهر من تنفيذ هجمات العاصمة الفرنسية في 13 نونبر من العام الماضي.
وبدا صلاح عبد السلام وشقيقه إبراهيم في ملهى ليلى وهما يرقصان مع فتاة شقراء خلال حفل لمغني الراب الفرنسي الجزائري الأصل Lacrim.
وكان إبراهيم عبد السلام، شقيق صلاح، قد فجر نفسه خلال هجمات باريس بالضاحية الحادية عشر، في الوقت الذي كان من المفترض فيه أن ينفجر صلاح بملعب سان دوني الذي كان يحتضن حينها مباراة في كرة القدم بين المنتخب الفرنسي ونظيره الألماني.
ويأتي هذا الشريط ليؤكد ما يطرح بعض الباحثين المسلمين من تساؤلات حول حقيقة الشباب المسلمين الذي ينضمون إلى الجماعات المسلحة المتشددة بتعاليم الإسلام، خصوصا وأن عددا منهم ينتقلون 180 درجة من النقيض إلى النقيض، من حياة التحرر إلى التطرف الديني، أو يتهمون بالقيام بأعمال إرهابية في الوقت الذي لم يتغير فيه نمط حياتهم ولم يبد عليهم أي أثر للالتزام الديني.
إقرأ أيضا: شباب تونس ..بين فكي كماشة المشاكل الاجتماعية والتطرف
كما أن المثير في هويات بعض الإرهابيين ممن ارتكبوا أعمالا إرهابية باسم الإسلام أنهم من ذوي السوابق الإجرامية والمنحرفين الذين ارتكبوا جرائم تتعارض مع تعاليم الإسلام الذي ينهى عن السرقة والاعتداء على الغير والمتاجرة في الممنوعات، ناهيك عن ممارسات أخرى عدة قام بها هؤلاء.
مشهد صلاح عبد السلام وهو “يستمتع” بوقته داخل ملهى ليلي، وهو مكان لا يتوقع أن يكون فيه شاب مستعد للمشاركة في أعمال إجرامية باسم الدين، يدفع إلى التساؤل عن مدى حضور البعد الديني في ما يتم ارتكابه من إرهاب باسم الإسلام، وأحيانا التشكيك في الروايات الرسمية بخصوص هويات منفذي الأعمال الإرهابية في الغرب، والتي يرى البعض أنها تستخف بالعقول لأنه يعتريها ارتباك كبير.
ولعل شريط الفيديو الذي يظهر فيه صلاح عبد السلام وشقيقه، في صورة مغايرة تماما لصورة المتطرف الملتحي بلباس الأفغاني ويحمل سلاحا يتوعد به الغرب وأمريكا وإسرائيل ومن يقطن فيها، يعيد إلى الأذهان ما قيل عن كون منفذي هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في قلب الولايات المتحدة كانوا بدورهم يستمتعون بوقتهم داخل ناد للتعري، يتقدمهم أميرهم محمد عطا، في الليلة التي تسبق إقدامهم على خطف أربعة طائرات لتفجيرها في برجي التجارة العالمية ووزارة الدفاع الأمريكية والبيت الأبيض أو الكونغرس، وهو ما لم يتأتى للطائرة الرابعة التي سقطت في شانكسفيل في بينسلفانيا.
وبالتالي يطرح التساؤل عن أي علاقة للإسلام بإرهاب لا يقوم فقط بإزهاق أرواح الأبرياء في مخالفة صريحة لتعاليم الدين، بل يبدو أنه نتاج العلب الليلية ونوادي التعري وكازينوهات القمار سواء في باريس أو بروكسيل أو لاس فيغاس.
ومنذ سنوات، ما يزال الحديث يدور في الأوساط الإعلامية والأكاديمية حول الأسباب التي تدفع الشباب المسلم، خاصة في أوروبا إلى التطرف. في حين يتحدث فيه البعض عن ضرورة مراقبة المساجد وتكوين الأئمة وتلقينهم وتلقين الناشئة مبادئ العلمانية وضرورة مواجهة الخطاب المتطرف بآخر معتدل، تبقى بعض الجهات في الغرب مصرة على أن المشكل يكمن في الإسلام.
وأحيانا يبدو من غير المجدي محاولة إقناع الغرب بأن الإسلام ليس له علاقة بما يقترف باسمه، فسواء كان الانتحاريون من المتزمتين أو من ذوي السوابق، لا يبدو أن هؤلاء ممن يمثلون الإسلام خير تمثيل، وبالتالي فإن الإصرار على إلصاق التهمة بالدين نفسه يظهر أن أصحابها لهم مشكل مع الإسلام أو يجهلونه بالمرة على الأقل، إذ أحسن بهم الظن.
وفي حين يبدو من اللازم على البلدان والهيئات الإسلامية والجاليات المسلمة في الغرب التحرك من أجل الحيلولة دون سقوط الشباب المسلم في البلدان العربية ودول المهجر في شباك التطرف والإرهاب، وهو ما يساهم في تضرر صورة الإسلام، يبدو الغرب مدعوا إلى البحث عميقا في جذور التطرف سواء ارتبطت بالعنصرية والتهميش والإقصاء للجاليات المهاجرة، أو كانت راجعة للسياسات الخارجية للدول الغربية في البلدان الإسلامية.