أجمعت وسائل الإعلام الاسبانية، في تقييمات أولية، طيلة صبيحة اليوم، لنتائج استحقاقات أمس؛ أن إسبانيا دخلت عهدا سياسيا جديدا، تتجه فيه البلاد مستقبلا نحو التحرر من ثقل القطبية بين الحزبين الكبيرين الاشتراكي والشعبي اللذين تداولا على السلطة منذ عام 1978.
وتحقق جزء كبير من التوقعات التي بشر بها المحللون السياسيون وأكدتها استطلاعات الرأي في وقت سابق، فقد تراجع الحزب الشعبي الحاكم وفقد حوالي مليونين من الأصوات رغم حصوله على أعلى نسبة من الأصوات، إلا أنه فقد السلطة في عدد من البرلمانات المحلية وكذا بلديات المدن الكبرى.
ويلزم الحزب الشعبي خوض معارك صعبة أثناء المفاوضات مع الأحزاب الجديدة والقديمة للاحتفاظ ببعض مراكز نفوذه في الأقاليم، أكثر من تلك التي سيواجهها غريمه الحزب الاشتراكي المعارض الذي خسر هو الآخر عددا من الأصوات والمقاعد مقارنة مع انتخابات عام 2011، غير أن الزعيم الاشتراكي الجديد، بيدرو سانشيث، كسب جزءا كبيرا من رهاناته السياسية، كونه خاض معركتين كبيرتين، على الأقل، منذ انتخابه أمينا عاما، تمثلتا في إعادة بناء الحزب وإقناع المنتسبين والرأي العام ببرنامجه السياسي، لإخراج إسبانيا من الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها حزبه؛ أما المعركة الثانية فتحددت في واجهتين اثنتين هما: تحقيق انتصار على الحزب الشعبي ووقف اكتساح حزب “بوديموس” وما يتبع ذلك من إثبات جدارته بزعامة الاشتراكيين.
وشرعت اليوم الاثنين، قيادات الأحزاب الرابحة والخاسرة والمقصية نهائيا، في تحليل النتائج وانعكاساتها على صورة الحكم المحلي في 13 إقليما إسبانيا، تتوفر على حكومات مستقلة ذات صلاحيات واسعة في تدبير الشأن المحلي.
وستتمحور المداولات في غرف القرار الحزبي بخصوص “التحالفات” لتشكيل بنيات الحكم المحلي، وما يستلزم ذلك من تنازلات متبادلة وتوافقات وإعلاء المصلحة الوطنية.
وبري أغلبية المحللين، لن يكون التمرين سهلا على كافة القيادات، بالنظر إلى أنها تنظر إلى شهر ديسمبر المقبل موعد الانتخابات التشريعية الوطنية، ما يعني أنها ستتصرف بحذر وتمعن في سيناريوهات المستقبل.
ويمكن القول، على ضوء النتائج الحالية، أن المشهد السياسي الإسباني سيشهد تغييرات جذرية، ستمس طبيعة وبنية الحكم الذي أرساه الدستور الحالي المتوافق عليه بين القوى السياسية بعد وفاة الجنرال “فرانكو.
ومن المتوقع أن تصبح إسبانيا، أكثر تعددية، وأن لا تكون صورة الحكم المحلي مطابقة لتلك التي تحكم من مدريد، ولكن البلاد مرشحة لاضطرابات قوية في الأجواء السياسية، ستكون امتحانا لاجيال السياسيين من مختلف الأعمار والتوجهات والمناطق
وفي هذا السياق، يرى محللون أن التغيير نحو التعددية الذي أبرزته صناديق الاقتراع ليلة 24 مايو، قد يساهم بشكل من الأشكال، في تحديث أسس الدولة الإسبانية على المدى المتوسط، كما يمكن أن يخفف من حدة النزعات الإقليمية الاستقلالية، بل ربما أفضى في النهاية إلى إجراء تعديل دستوري، يأخذ بعين الاعتبار المستجدات العميقة الحاصلة في نسيج المجتمع الإسباني خاصة وأن المدافع الشرس عن الإبقاء على الدستور الحالي هو الحزب الشعبي أكثر من غيره، وهو الخاسر نسبيا في الجولة الانتخابية الإقليمية والبلدية.
وبهذا الاعتبار، يعد تراجع الحزب، رغم ما حققه من إنجازات اقتصادية أخرجت البلاد من عنق الزجاجة، يعد مؤشرا على ضرورة إعادة هيكلة النظام السياسي وصياغة جديدة لأدوار المؤسسات الدستورية في البلاد، بهدف إحداث نقلة هادئة للملكية البرلمانية في إسبانيا في أجواء حوار سلمي بين الفرقاء، قبل أن تتقوى شوكة الاحزاب الفتية مثل، بوديموس، ذات الأجندة الرومانسية المدغدغة لأحلام الفئات الاجتماعية الراغبة في التغيير الجذري دون التفكير في العواقب.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن التغيير السياسي الذي مسّ سائر المناطق الإسباني،بدرجات متفاوتة، وصل قسط منه إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين حيث تمكن الحزب الشعبي، في الثغر المغربي الأول من الاحتتفاظ بالأغلبية المطلقة، وبالتالي فإن،خوان فيفاس، سيظل فوق كرسي رئاسة الحكومة المحلية، بينما فشل نظيره إيمبرودا في مليلية، في ضمان مقعده بفارق صوت عن الأغلبية المطلوبة.
والملاحظ أن حزب،بوديموس، لم يسجل نتيجة إيجابية في المدينتين،خلاف، ثيودادانوس، الذي ضمن حسب نتائج غير نهائية،مقعدا في كليهما.
لكن المعطى الانتخابي الأكثر اثارة هو نسبة مقاطعة التصويت في سبتة، إذ تجاوزت النصف وقاربت 51 في المائة، في حين وقفت في مليلية عند عتبة 40.5 في المائة.