لن تمر سياسة الحكومة الألمانية في استقبال 800 ألف لاجئ دون أن تؤدي إلى تغير الخريطة السياسية في بلاد ما وراء نهر الراين.
ففي حين ساهم تدفق اللاجئين بعشرات الآلاف على ألمانيا في زيادة شعبية المستشارة أنجيلا ميركل في العالم العربي والإسلامي، إلا أن استطلاعات الرأي تظهر انخفاض منسوب هذه الشعبية بين مواطنيها بسبب هذه السياسة.
قدوم اللاجئين يفسح المجال أمام حركات وأحزاب اليمين المتطرفين والنازيين الجدد لتمرير خطابها العنصري والمعادي للأجانب وتوسيع قاعدتها الشعبية، وربما حتى اختراق البرلمان الفيدرالي بعد أن اقتصرت نجاحاتها على المجالس المحلية والجهوية خاصة في الجزء الشرقي من ألمانيا.
حركة “الوطنيين الأوروبيين ضد أسلمة الغرب”، المعروفة اختصارا باسم “بيغيدا”، بدأت تجد امتدادا حزبيا لأفكارها بعد أن شرع حزب “البديل من أجل ألمانيا” في استقطاب أنصارها.
هذا الحزب الذي تأسس قبل سنتين فقط وفشل في تجاوز عبتة 5℅ من الأصوات من أجل ضمان ممثل له بالبرلمان الفيدرالي، بدأ مؤشر شعبيته يرتفع حيث تشير استطلاعات الرأي إلا أنه يمكن أن يكسب 7℅ من الأصوات لو أجريت الانتخابات الآن.
صعود شعبية “البديل من أجل ألمانيا” يرافقه تراجع في في شعبية “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” و”الاتحاد الاجتماعي المسيحي” اللذان يقودان الحكومة حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن نوايا التصويت للحزبين هي في أدنى مستوياتها منذ 2012 حيث وصلت إلى 36℅ مقابل 44℅ قبل أسابيع.
شعبية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تضررت بدورها. فبالرغم من كون المرأة الحديدة ما تزال تنعم بثقة 54℅ من المواطنين الألمان ما يضعها في مرتبة مريحة مقارنة بعدد كبير من الزعماء الأوروبيين، إلا أن ميركل فقدت مع ذلك 9 نقاط في غضون أسابيع قليلة.
إقرأ أيضا: ألمانيا تترجم دستورها إلى العربية من أجل اللاجئين
البعض اعتبر أن خروج تدفق اللاجئين عن السيطرة يفسر هذا التراجع في التأييد الذي تحظى به المستشارة الألمانية.
من جانب آخر، يخشى البعض في من كون صعود الأفكار اليمينية والمتطرفة داخل ألمانيا يتم بصورة كبيرة خارج الإطار المؤسساتي خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الصفحات أصبحت تعج بدعوات الكراهية ضد الأجانب وثقافتهم وكذا التحريض على المسؤولين والمواطنين الألمان الذي يرحبون بقدوم اللاجئين معتبرة إياهم “خونة” قاموا ببيع الوطن.
تنامي هذه الأفكار لا يقتصر على الواقع الافتراضي، وهنا مكمن الخطورة، حيث انتقل الأمر إلى شن اعتداءات ضد مراكز إيواء اللاجئين والمواطنين الألمان الذين تطوعوا لمساعدتهم.
معظم هذه الاعتداءات وقعت في ألمانيا الشرقية سابقا، لكن أخطرها وقع في غرب البلاد بمدينة كولونيا بعد أن قام يميني متطرف بطعن المرشحة لمنصب عمدة المدينة، هنرييت ريكر، بدعوى الاحتجاج على تدفق اللاجئين.
تكرار مثل هذه الأفعال وصعود التيارات اليمينية والمتطرفة الرافضة لحضور اللاجئين ولدور ألمانيا في استقبالهم وإيوائهم من شأنه أن يشوه الصورة التي روجت عن البلاد باعتباره الأرض الموعودة للفارين من جحيم الحرب والدمار والطائفية نحو الجنة الموعودة.