في أحد الأكشاك بتونس العاصمة، دلفنا لنقتني الجرائد اليومية لمعرفة ما يدور في فلك المجتمع التونسي، ونحن في صدد الدخول صادفنا رجلا بلحية مسدولة، يتصفح بتمعن شديد جديد الحادث الذي ضرب تونس خلال الجمعة الماضية، وذلك عندما أقدمت مجموعة إرهابية على قطع رأس طفل صغير بطريقة “داعشية”.
هذه الواقعة، تزامنت مع الأحداث الدامية التي شهدتها باريس. كلها سيناريوهات مرعبة أثارت فضول الرجل لمعرفة جديدها وتطوراتها. بمرارة شديدة ينطق وجدي النقروس قائلا: “لم يعد هناك أمل، إنها ضربة موجعة للعالم، وأيضا لنا، وتكرس ما يروج عن كوننا بلد غير آمن، عندما نسمع بجماعات إرهابية موجودة بيننا”، تبادلنا مع الرجل الظريف أطراف الحديث، وعندما علم أننا جئنا من المغرب، علق قائلا: “أنتم محظوظين، لديكم الأمن والاستقرار، وملك عطوف ومتواضع، لمسنا ذلك عندما زارنا وتجول بيننا بدون بروتوكول وكأنه واحد منا..”.
كانت عبارات وجدي حول المغرب جد غزيرة ومؤثرة، تعكس تطلعه كي تصبح تونس أكثر أمنا مثلها. ثم استطرد قائلا: “نحن في تونس لم نستوعب بعد ما حصل في باردو وسوسة، فقدنا معها نكهة العمل، ونحن كتجار، ننظر إلى بعضنا البعض من دون القدرة على فعل شيء، فالإرهاب لا نعرفه وليس منا”.
دخل صبري الأبهة، صاحب الكشك في نقاش معنا، والذي وبدوره ينظر للمغرب وكأنه نموذج يحتدى بها في الأمن والاستقرار، كلامه لم يأتي من فراغ، فالرجل سبق له أن زار مدينتي مراكش وأكادير في رحلة سياحية، ثم أردف قائلا: “كل شيء جميل في المغرب، مناخه الرائع وطبيعته المتنوعة.. هناك كل شيء موجود وكأنك في جنة، وفي الحقيقة نحسدكم على الإقلاع الاقتصادي الذي وصلتم إليه والاستقرار السياسي”.
خرجنا من الكشك الصغير الموجود بشارع الحبيب بورقيبة، باتجاه منطقة بحرية تدعى “حلق الوادي”، كانت الساعة تشير إلى الواحدة زوالا، كما تظهر في “المونجالا” وهي معلمة منتصبة وسط الشارع المذكور. بمجرد أن نطقنا أول جملة مع سائق الطاكسي الذي تكفل بإيصالنا، أدرك أننا غرباء ولسنا تونسيين، في البداية ضحك وقال: “أنتم الشعب الجزائري ظرفاء”، فأجبناه أننا لسنا جزائريين وإنما أشقائهم، فرد قائلا: “آه مغاربة.. شرفتونا والله شرفتونا، ودائما ما نتذكركم فعندنا شارع يحمل اسم الراحل محمد الخامس”.
ونحن في طريقنا صوب منطقة “حلق الوادي” السياحية، لم يهدأ بال محمد (السائق)، فبين جملة وأخرى يردد عبارات تلخص أحوال تونس في الأشهر الأخيرة، وقبل أن نسأله عن رأيه في المغرب، سبقنا وقال: “بالمقارنة معنا أنتم “باهيين”، والملك بتاعكم جد رائع، ودائما ما أرى في وسائل الإعلام أنكم تتطورون بسرعة في جميع القطاعات”، ثم صمت قليلا ليقول مازحا، “إحنا قوين بس في الكورة، ديما نربحوكم”.