تونس ودبلوماسيتها المرتبكة تجاه ليبيا

جاء حادثا القبض على 172 تونسيا من قبل “فجر ليبيا” بالقرب من طرابلس والهجوم الذي شنه وزير الإعلام الليبي في الحكومة المعترف بها دوليا، عمر القويري، على الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بسبب تصريحات هذا الأخير ضد ليبيا في اجتماع الجامعة العربية، جاءا ليعكسا الارتباك الحاصل في الدبلوماسية التونسية تجاه جارتها الشرقية.
فبالرغم من سعي تونس إلى اللعب على وتر التوازن في علاقاتها مع ليبيا وطرفي الصراع الدائر في البلاد والذي تمثله حكومتا طبرق وطرابلس والميليشيات الداعمة لهما، إلا أن تونس تواجه صعوبة في ضبط إيقاع علاقتها مع جارتها المضطربة، والتي تخاف أن تصدر لها القلاقل التي تعصف بها منذ الإطاحة بنظام العقيد عام 2011.
توقيف التونسيين من قبل “فجر ليبيا” جاء كرد على توقيف آخر تعرض له وليد القليبي، أحد قادة ميليشياتها، في مطار قرطاج لأنه كان مطلوبا من قبل العدالة التونسية في قضية ارتكاب أعمال غير مشروعة في تونس.
هذا الحادث جاء بعد أن كانت المؤشرات تفيد بتحسن العلاقات بين تونس وحكومة طرابلس، وهو الأمر الذي تجد تونس نفسها مضطرة إلى الدفع باتجاهه بحكم كون حكومة خليفة الغويل مسؤولة عن مراقبة الحدود بين البلدين. موضوع الحدود يشكل ضغطا أمنيا كبيرا بالنسبة لتونس خصوصا في ظل تواصل تدفق عدد من الفارين من الاقتتال الدائر في ليبيا، وكذلك بسبب عملية الهجوم على متحف باردو التي تلقى منفذاها تدريبهما في ليبيا.
من جانب آخر يأتي هجوم الوزير في حكومة عبد الله الثني على الرئيس التونسي ليخلخل سياسة التوازن التي كان يسعى هذا الأخير لإقامتها مع طرفي النزاع في ليبيا.
فتحسن العلاقات مع حكومة طرابلس، المدعومة من قبل إسلاميي “فجر ليبيا”، على حساب حكومة طبرق التي لا تخفي معاداتها للإسلاميين، يعكس أن التحول في السياسة التونسية لا تحكمه اعتبارات أيديولوجية بل براغماتية، وعلى رأسها هاجس تأمين الحدود.
التغير الحاصل في السياسة التونسية، على خلاف ما كان حاصلا إبان رئاسة مهدي جمعة للحكومة التونسية التي كانت تجمعها علاقات جيدة مع حكومة عبد الله الثني، لم يمر دون أن يزعج هاته الأخيرة التي تعتبر نفسها هي الحكومة الشرعية باعتراف المنتظم الدولي.
ويظهر ارتباك وتقلب الدبلوماسية التونسية تجاه ليبيا أن تونس لم تتمكن من نسجع العلاقات مع المرجوة مع أي من طرفي النزاع أو كليهما، وأن التقارب المضطرب مع حكومة طرابلس من شأنه يدفع الإمارات، التي قدمت دعما كبيرا للباجي قايد السبسي وحزبه من أجل النجاح في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد لقطع الطريق على الإسلاميين الذين يتوجس منهم حكام هذا البلد الخليجي، إلى الدخول على الخط من أجل تغيير دفة السياسة الخارجية التونسية مجددا في الملف الليبي.
ويبدو أن تقلب تونس ما بين نسج علاقات تتباين ما بين التقارب أو التباعد مع طرفي النزاع في جارتها الشرقية سيعرض الدبلوماسية التونسية، بحسب تعبير جريدة “لوموند” الفرنسية، إلى مزيد “من صداع الرأس الحاد”.

اقرأ أيضا

بايتاس يكشف مستجدات الحوار الاجتماعي مع النقابات

قال مصطفى بايتاس، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، اليوم الخميس، إن …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *