اعتبر الباحثان كريم مزران وماتيا طوالدو أن الهجوم المسلح على متحف باردو بتونس الشهر الماضي يوضح بجلاء الخطر الذي أصبح يشكله تنظيم “داعش” الذي يكبر في ليبيا.
وأكد مزران وطوالدو في مقال لهما بصحيفة “نيويورك تايمز” أن هناك إحساسا لدى الغرب بضرورة التحرك قبل أن يصل العنف الذي يمارسه “داعش” والمجموعات الموالية لها إلى أوروبا.
وبالرغم من أن مجلس الأمن قد صوت الأسبوع الماضي لصالح توسيع الحرب ضد “داعش” ليشمل ليبيا إلا أنه من غير الواضح كيف سيتم تطبيق هذا القرار.
ويواجه المبعوث الدولي في ليبيا، برناردينو ليون، صعوبة في حمل الأطراف المتصارعة على وقف إطلاق النار والمضي في اتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية.
فحكومة طبرق، مدعومة من قبل الإمارات ومصر، تصر على أنها تحارب التطرف الإسلامي، فيما تروج حكومة طرابلس لكونها تقاتل من أجل عدم عودة أنصار نظام العقيد معمر القذافي.
استمرار القتال يعني أن المفاوضات لن تنجح كما أن الحوار لن يكون فعالا ما دامت الأطراف المتصارعة تفضل استمرار الوضع القائم.
ويرى الباحثان أن هدف إنهاء الحرب الأهلية في ليبيا يتقاطع مع هدف إضعاف تنظيم “داعش”، وهو اما يفرض على الغرب تبني استراتيجية جيدة.
مزران وطوالدو يؤكدان أنه لا يمكن للولايات المتحدة وأوروبا تحقيق أهدافهما في ليبيا إذا كانتا على خلاف مباشر مع مصر والإمارات، وهما لاعبان إقليميان، هامان. بالمقابل فإنه لا يمكن ترك هذين البلدين يتصرفان كما يشاءان في ليبيا لأن ذلك لن يقود بالتأكيد إلى أي حل يخرج البلاد من أزمتها.
الحل في نظر الباحثين هو الجمع بين العمل السياسي والعمل العسكري المحدود ومضاعفة الجهود من أجل الضغط على كل الأطراف بغية الخروج بتسوية سياسية. في قلب هاته الاستراتيجية الجديدة سيكون إقناع الميليشيات المتحاربة في ليبيا بمواجهة “داعش” بدل الاقتتال فيما بينها.
كما سيكون في صلب اهتمام هاته الاستراتيجية تهدئة المخاوف المصرية بخصوص تزايد حدة التطرف في ليبيا ومواجهة المخاطر التي تؤرق الغرب وعلى رأسها تهريب البشر وإمكانية تحول ليبيا إلى حاضنة أخرى للتطرف بالنسبة للشباب الأوروبي المسلم.
ويشدد كاتبا المقال على ضرورة أن توضح الولايات المتحدة وأوروبا بأنهما سيمتنعان عن تقديم الدعم العسكري ورفع الحظر المفروض على بيع السلاح للأطراف الليبية المتصارعة ما لم تتحد هاته الأخيرة في محاربة “داعش” وتتوقف عن قصف المدن والمطارات الليبية.
هذه الاستراتيجية يقول، مزران وطوالدو، ستشكل تحولا مغايرا لتجربة التدخل العسكري الغربي المباشر في ليبيا والعراق حيث سقط الآلاف من الضحايا الغربيين قبل اتخاذ القرار بوضع عبئ القتال على عاتق السلطات المحلية.
ويرى أن الباحثان أن الأطراف المتصارعة في ليبيا مدعوة للالتفات إلى محاربة “داعش” لأنها تشكل “خطرا وجوديا” عليها.
لذلك يدعو طوالدو ومزران إلى اشتراط محاربة “داعش” مقابل تقديم الدعم السياسي والعسكري إلى ليبيا. هذا الإجراء يجب أن يكون مدعوما باتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة وهو ما يمهد لإمكانية التوصل لحل سياسي ويفتح الطريق أمام تدخل دولي من نوع آخر.
ويقترح الباحثان نشر قوات أممية في بعض المناطق في ليبيا وتشكيل حرس وطني في ليبيا ووضع آليات لنظام قضائي، في حين يمكن لمسألة بناء جيش أن تنتظر مادامت ليبيا لا تواجه خطر الغزو الأجنبي كما أن القيام بهاته الخطوة يجب أن تسبقه عملية لنزع السلاح المنتشر في البلاد بكثرة.
ويختم الكاتبان بالقول إن الولايات المتحدة وأوروبا مدعوتان لتغيير استراتيجيتها في ليبيا وإلا سينتهي بهما المطاف في الاصطفاف إلى جانب حكومة طبرق في الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد، وهو ما سيفتح المجال أمام مزيد من الفوضى والتطرف وعدم الاستقرار في المنطقة.