جاء هجوم “بن قردان” في الجنوب الشرقي التونسي، غير بعيد عن الحدود الليبية، ليعضد المخاوف بخصوص تعاظم خطر داعش على تونس ليبيا معا.
وبالرغم من كون السلطات التونسية غير متأكدة بشأن كون مسلحي بن قردان، الذين اتضح أنهم تونسيون في غالبيتهم، عبروا الحدود من ليبيا إلى داخل تونس أم أنهم جاؤوا من داخل البلاد، إلا أن العملية شكلت مؤشرا على كون تهديد الفرع الليبي لتنظيم “الدولة الإسلامية” يزداد مع الوقت.
فتنظيم “داعش” في ليبيا هو مركز عمليات التنظيم في شمال إفريقيا حيث أصبح وجهة للشباب التونسي الراغب في الالتحاق بما يعتبرونه “جهادا في سبيل الله”، ما يجعل خطر داعش على تونس وليبيا كبيرا، حيث أنه يزيد من فرص تمدد التنظيم في ليبيا ويهدد الأمن التونسي بين الفينة والأخرى ويزيد من التوتر بين الجانبين التونسي والليبي من خلال تبادل التهم بخصوص من المسؤول عن تصدير الإرهاب.
ويؤكد المؤرخ والباحث الفرنسي المختص في شؤون العالم العربي، جون بيير فيلو، أنه بالرغم من كون “داعش” ليبيا تفتقد للتجذر المحلي الذي يتوفر للفرع المصري واليمني للتنظيم، إلا أن قربه من أوروبا وقدرته على استمالة المجندين في المنطقة يجعل منه مصدر الخطر الأكبر للتنظيم خارج معاقله التقليدية في سوريا والعراق.
إقرأ أيضا: الفترة الانتقالية بتونس.. معجزة سياسية أم سراب خادع؟
دخول ليبيا حالة في حالة من الصراع الداخلي المسلح ابتداء من مدينة بنغازي في 2014 سمح لتنظيم “داعش” بأن يجد لنفسه موطئ قدم في مدينة درنة خريف نفس السنة قبل أن يحط الرحال بمدينة سرت، معقل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مستفيدين من القمع الذي تعرض لها أنصار القذافي في أعقاب نجاح ثورة 2011 في إسقاط نظام العقيد.
عملية “داعش” في بن قردان، والتي قال المسؤولون التونسيون إنها كانت تهدف لإنشاء إمارة محلية، تعد تجسيدا لما سبق وأنه أعلنه التنظيم من رغبة في استهداف تونس، وهو ما أكده عدد سابق لمجلته “الإليكترونية” الناطقة بالإنجليزية، “دابق”، والعمليتين الإرهابيتين في باردو بالعاصمة وشاطئ القنطاوي بسوسة، والتي نفذتها عناصر تونسية تابعة للتنظيم تلقت تدريباتها في ليبيا بحسب ما أكدته الحكومة التونسية.
ومع أن تونس شيدت جدارا أمنيا يمتد على أزيد من 200 كلم لحماية نفسها مما تراه خطرا قادما من ليبيا، إلا أن هجوم بن قردان يثبت مدى محدودية هذا الخيار، خصوصا إذا صحت فرضية أن منفذي العملية لم يأتوا من ليبيا.
كما أن الدخول في جدلية اتهام الطرف الآخر بتصدير الإرهاب قد يدفع ليبيا، بحكومتيها وبرلمانيها المتصارعين، إلى تبني نفس المنطق والإشارة إلى كون غالبية مسلحي ”داعش” ليبيا هم تونسيون.
ومما يزيد الأمور تعقيدا في ليبيا هو تعثر مسار تشكل حكومة وحدة تبدأ مسار بناء الدولة ويكون تحت إمرتها أجهزة أمنية قادرة على التصدي لخطر تنظيم “داعش”.
استمرار الفوضى في ليبيا يعني فسح المجال أمام التنظيم ليكبر وربما يتمدد فوق التراب الليبي وتهديد الجارة تونس، سواء استطاع مقاتلوه التسلل عبر الحدود أم لا، مادام احتمال بروز موالين له داخل المجال التونسي قائما بقوة خصوصا اليوم.
فالمتأثرون بالدعاية الداعشية لم يعودوا بحاجة إلى التطلع للتنظيم في سوريا والعراق في الوقت الذي ينشط فيه الفرع الليبي على قريبا منهم، وهو ما يجعل البعض يتخوف من أن تكرر قريبا عمليات مشابهة بهجوم بن قردان في مناطق أخرى من تونس.