للحديث عن مهنة ساعي البريد، لابد من استحضار الفيلم الأجنبي الشهير ” THE POSTWOMAN” للمخرج والممثل العالمي “كييفن كوسنر” ،والذي تدور أطواره ، فترة ما بعد الحضارة الإنسانية ،وكيف أمكن للبطل الذي لم يكن سوى أحد الناجين من براثين أمراء الحرب، أن ينجح في إعادة نشر الوعي الإنساني، والعمل على توحيد الولايات المترامية التي ضاعت أخبارها ،حيث عمل بطل الفيلم على تجنيد مجموعة من النساء والرجال من المتطوعات والمتطوعين الذين ضحوا بحياتهم ،من أجل جلب أخبار العائلات وإعادة بعث ثقافة السلام بين مختلف الولايات من خلال إعادة زرع بذور العمل التطوعي في أبعاده الإنسانية .
واليوم سنتحدث عن مواطنة مغربية مسفيويةلايقل دورها أهمية , ويتعلق الأمر بساعية البريد ياقوتة ،سيدة من مواليد مدينة أسفي حاصلة على الباكالوريا سنة 2001 ,خريجة فوج ساعيات البريد لعام 2005 تعمل حاليا بمدينة آسفي، رفقة زميلتها الوحيدة ماريا ,كلما سنحت لهما فرصة اللقاء يتبادلان أطراف الحديث و أعباء المهنة وانشغالاتهما المهنية اليومية , وتتجول ياقوتة وكذلك مارية كل صباح بين شوارع وأزقة حاضرة المحيط ، حاملة الرسائل والطرود والحوالات ، لتوصلها الى بر الآمان , وأسماء الشوارع والأزقة، وحتى العناوين صارت منقوشة في ذاكرتها .
منذ أن تلتحق ياقوتة بعملها بداية كل صباح تعيش نفس قصة الرسائل التي تحملها ، وتعود آخر اليوم و قد أفرغت حقيبتها الجلدية من جميع محتوياتها .
ياقوتة، وهي تسرد لنا ، الصعوبات التي تعيشها كساعية بريد أنثى ،بعد ولوجها لمهنة طالما علقت بالأذهان ، بكونها مهنة تقتصر على العنصر الذكوري لعقود ، حيث سردت لنا أنها تعرضت لحادثة سقوط من على دراجتها النارية ،تطلب منها الأمر حينها الابتعاد عن مهنتها التي تحب لأيام .
كما سألناها عن الاكراهات التي تواجهها كامرأة عاملة ، تحدثت بأسف ، وأردفت بأن عملها ليس مفروشا بالورود ،وأن الأمر قد يصل أحيانا الى حد المضايقة في الشارع العام ، الشيء الذي دفعها لبعث رسالة واضحة تطالب من خلالها أن تحظى كامرأة بالاحترام أثناء مزاولتها لمهنتها ومعها جميع نساء المعمور ، وفي تعقيبها عن سؤالنا حول رداءة البنية التحتية الطرقية بالإقليم ، اعترفت بكون الحفر المنتشرة عبر شوارع المدينة تنضاف الى قائمة العراقيل التي تعيشها مع دراجتها النارية، وحينما سألناها عن الصفات المطلوب توفرها في المرأة لممارسة مهنة ساعية البريد،أكدت أن الأمر يتطلب فعلا مواصفات خاصة، وأجابت أي نعم لكون البنية الفيزيولوجية للمرأة لا تسعفها أحيانا وخاصة حينما يتعلق الأمر بالمرأة الحامل، لكنها أردفت بأنها تتغلب على كل الصعوبات من خلال ممارستها الرياضية بانتظام .
أما سؤالنا حول إمكانية التحاقها بالعمل المكتبي والإداري الصرف في حال طلب منها ذلك ، استطردت قائلة بأنها تحب القيام بمهنتها كما هي في الشارع العام ، لكنها تنتظر تفهم اﻵخرين وأن رسالتها واضحة هي التقدير والاعتراف بالجميل،عن طريق الاحترام مقابل الخدمات التي تسديها للمجتمع .