مقدمة
اللغات هي وعاء الفكر الإنساني والتجارب والأحلام الإنسانية عبر التاريخ. وقد سجلت هموم الإنسان وتطلعاته في رحلة وجوده على هذا الكوكب من بدايتها إلى نهايتها. وهي من أَجَلِّ نِعَم الله على عباد. قال تعالى: {الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان}([1]). ولولاها، لما تحقَّقت النبوَّات، ولا قامت الحضارات، ولكان شأن الإنسان كما قال خالد بن صفوان: »ما الإنسانُ لولاَ اللّسانُ إلاّ صورة مُمثلة، أو بهيمة مهملة«([2]).
وهذه اللغات تمثل فكر الأمم، وعقول الرجال. وقد قيل: »عقل الرجل مدفون تحت لسانه«([3]). فالعقل مخزون وراء البيان، والعقل ـ كما هو معلوم ـ هو شرف الإنسان وجاهه، وزينته ومفخرته، وبه يتميز عما سواه من الكائنات. ولذلك يقول أبو الطيب المتنبي([4]):
لولا العقول لكان أدنى ضيغم
أدنى إلى شرف من الإنسان
والأمة العربية هي أكثر الأمم حظّاً في هذا الصدد، لأن لغتها هي لغة الكتاب الخالد المنزَّل من السماء وهو القرآن الكريم، وهو كتاب معجز ببيانه وأسلوبه في الدرجة الأولى، ناهيك عن إعجازه في تشريعه، وإخباره بالغيوب، وذكره للحقائق العلمية ونحو ذلك، مما جعل هذه اللغة لا تنفك عن الدين الحنيف، تنتشر حيثما وجد الدين، فتجاوزت بذلك صفة الإقليمية المحدودة، وصارت لغة عالمية، يعبر بواسطتها العربي والمسلم في أي بقعة من العالم عن ما يريد.
وقد شعر المسلمون جميعاً بأهمية هذه اللغة، ونهض العرب والأعاجم معاً لخدمتها بعد الإسلام. ولقد برع الكثير من الأعاجم في التقعيد لعلوم هذه اللغة النحوية والصرفية والبلاغية إلى جانب إخوانهم العرب، وذلك من أمثال: ابن المقفع (ت 143 هـ) وسيبويه (ت 180 هـ) وأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت 208 هـ) والجاحظ (ت 255 هـ) وابن قتيبة (ت 276 هـ) وابن جني (ت 392 هـ) وعبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) والزمخشري (ت 537 هـ) والسكاكي (ت 606 هـ)، وغيرهم من العباقرة الأفذاذ.
وقد حظيت هذه اللغة العربية وآدابها منذ الجاهلية وبعد الإسلام بجهود جبارة لم تحظ بها أي لغة أخرى في زمانها. فتم جمع مادتها المعجمية وتدوينها، وتم تأسيس علم النحو ومدارسه المتعددة: الكوفية والبصرية والشامية والمصرية والأندلسية، وحظيت بقية علومها بالتدوين والتقعيد كالصرف والأصوات وتم جمع الأدب ودواوينه. ثم جاء دور البلاغة بعد ذلك، فتم تدوين علومها والتقعيد لتلك العلوم. وبهذا اكتمل صرح البناء اللغوي العظيم، وإنه لإنجاز تفخر به هذه الأمة، ولا سيما أنه جاء في عصر لم تكن وسائل البحث العلمي فيه ميسرة ولا منشَّرة، ولكن الإرادة الصلبة لدى أولئك الأفذاذ من العلماء سيرت أمامهم الجبال. ونشير هنا إلى خبر يؤكد همة أولئك الرجال، وكان قد ذكره النضر بن شميل وهو يبين طرفاً من زهد الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ) وصبره، وهو صاحب معجم “العين” أول معجم بالعربية، ومؤسس علم العروض والقافية كما هو معلوم. قال النضر: »أقام الخليل في خُصٍّ ـ بيت من شجر أو قصب ـ له بالبصرة، لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال. وكان يقول: “إني لأغلق عليَّ بابي، فما يجاوزه همي”«([5]).
بل لقد قدموا العلم على كل حظوظ الدنيا وشهواتها. ولعل في شعر جار الله الزمخشري (ت 537 هـ) الإمام في العربية وعلومها خير شاهد على هذا. يقول([6]):
سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي
من وصل غانية وطيب عناق
وتمايُلي طرباً لحل عويصَة
أشهى وأحلى من مدامة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها
أحلى من الدوكاء([7]) والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها
نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته
نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي
ومما عني به السابقون: صفاء هذه اللغة، ونفي الغش والزغل عن مفرداتها: فهي لآلئ لا ينبغي أن تختلط بالحصى والتراب. يقول أبو العلاء المعري في هذا السياق([8]):
من الناس من لفظه لؤلؤ
يبادره اللقط إذ يلفظ
وبعضهم قوله كالحصى
يقال فيلغى ولا يحفظ
ويقول حافظ إبراهيم متحدثاً على لسان اللغة العربية([9]):
أنا البحر في أرجائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
أهمية البحث في التحديات التي تواجهها اللغة العربية
إن البحث في التحديات التي تواجه اللغة العربية في عصرنا الحاضر أمر في غاية الأهمية، وذلك للأسباب التالية:
السبب الأول: ويعود إلى الدين الحنيف. فهذه اللغة وعاء للفكر الإسلامي عبر خمسة عشر قرناً من الزمان، وهي الوسيلة لأداء العبادات وبخاصة الصلوات الخمس وتلاوة القرآن الكريم.
السبب الثاني: لأن اللغة العربية لها وظيفة اجتماعية. فهي التي نتواصل بواسطتها من المحيط إلى الخليج، والحفاظ عليها هو السبيل لبقاء التلاحم القومي بين الناطقين بها.
السبب الثالث: ويعود إلى تراثنا الأدبي المتنوع الذي هو مفخرة لنا، ولا نستطيع التواصل معه إلاّ من خلال اللغة العربية.
السبب الرابع: وهو سبب إنساني. فاللغة العربية ثروة ثقافية للإنسانية قاطبة، وقد استفادت منها اللغات الأخرى كالعبرية والفرنسية والإنكَليزية. واندثار هذه اللغة أو اضمحلالها معناه ذهاب أحد أهم الموارد المغذية للغات الإنسانية.
أبرز التحديات التي تواجهها اللغة العربية
والتحديات الجمة التي تواجهها اللغة العربية ترجع في مجملها إلى نوعين:
® النوع الأول: تحديات داخلية. وتتمثل في الأزمة الحضارية التي تعيشها الأمة العربية، حيث وجدنا من يدعو إلى هجر هذه اللغة الفصحى واستبدال العاميات المحكية بها أو مزجها بالعاميات بدعوى التسهيل والتيسير، أو الاعتماد على اللغات الأجنبية بديلاً عنها، وكأن التطور لا يكون إلاَّ بالانسلاخ من اللغة العربية، علماً أن هنالك أمماً كثيرة قد تطورت مع حفاظها على لغتها القومية كاليابان والصين وروسيا وسائر الدول الأوروبية. فليست اللغة إلاّ وسيلة للبيان، ولا يمكن أن نحملها مسؤولية الفوضى والتقهقر الحضاري الذي تعيشه الأمة على مختلف الأصعدة.
® والنوع الثاني: تحديات خارجية. وتتمثل في مزاحمة اللغات الأخرى لها، والغزو الفكري الوافد من الأمم الأخرى، والمتمثل أخيراَ في العولمة التي تريد ابتلاع ثقافات الأمم والشعوب، والقضاء على هذا التنوع اللساني في العالم، حتى وجدنا دولة عظمى كفرنسا تضج من زحف العولمة، ويقر زعماؤها بأن التنوع ضرورة، وذلك حفاظاً على لغتهم من الانحسار والضياع بعد ذلك. فما بالك باللغة العربية التي لا يروج لها أحد، بل صرت تمشي في مدن العرب وأسواقها فلا تجد إلاّ إعلانات ملحونة بالعربية، وربما لا تجد العربية أصلاً فوق بعض الحوانيت، وكأن اللغة العربية قد انقرضت من واقعنا الاجتماعي!
والتحديات الخارجية يمكن التغلب عليها إذا تمسكنا بثوابتنا الثقافية وقيمنا الدينية وشخصيتنا القومية، وخصائصنا النفسية والاجتماعية، ونحن لسنا ضد تعلم لغات الآخرين والاطلاع على ثقافاتهم، بل هذا عنصر أساسي من أي مشروع حضاري لنهضة هذه الأمة، ولكننا نرى أن الأولوية في التعليم ينبغي أن تكون للغة الأم وهي اللغة العربية، هذه اللغة التي كانت لغة العلم والحضارة في العالم ذات يوم، والتي يمكن لها أن تكون ذات مستقبل باهر، وذلك لأن أكثر من ربع سكان العالم يدينون بالإسلام الذي جاء كتابه بلسان عربي مبين. وقد وجدنا من الفقهاء من يأمر المسلمين بتعلمها حتى يفقهوا كتاب ربهم عز وجل.
ولكن الخطورة الكبرى على هذه اللغة هي في التحديات الداخلية، وهي تأتي من أناس يعيشون بيننا، وينطقون بلساننا، ولكنهم يدعون إلى نبذ هذه اللغة، أو استبدالها بالعاميات تحت شعار الواقعية، أو باللغات الأوروبية الحديثة تحت شعار الدعوة إلى التقدم والتطور.
الغرض من هذا البحث
يأتي هذا البحث لمناقشة بعض التحديات التي تواجهها اللغة العربية في العصر الحديث، وفي مقدمتها: التحديات الداخلية، والتي تتخذ من شعار تطوير اللغة العربية ستاراً لها. وقد عرض الدكتور محمد محمد حسين أبرز هذه التحديات، وهي عنده ثلاثة:
1 ـ منها ما يتعلق بإصلاح النحو والقواعد؛
2 ـ ومنها ما يتعلق بالخط العربي؛
3 ـ ومنها ما يتعلق بالأدب العربي.
يقول طيب الله ثراه:
فلنعد إلى عرض هذه الدعوات الهدامة التي تستهدف قتل العربية الفصيحة في شيء من التفصيل. نستطيع أن نحصر هذه الدعوات في شعب ثلاث: تتناول أولاها اللغة، فيطالب بعضها بإصلاحها، ويطالب بعضها الآخر بالتحول عنها إلى العامية. وتتناول ثانيتها الكتابة، فيدعو بعضها إلى إصلاح قواعدها، ويدعو بعضها الأخر للتحول عنها إلى الحروف اللاّتينية. وتتناول الشعبة الثالثة: الأدب فيدعو بعضها إلى العناية بالآداب الحديثة، وما يتصل منها بالقومية خاصة، ويدعو بعضها الآخر إلى العناية بما يسمونه »الأدب الشعبي«، ويقصدون به كل ما هو متداول بغير العربية الفصيحة، مما يختلف في البلد الواحد باختلاف القرى وبتعدد البيئات([10]).
لمحة تاريخية عن جذور الدعوة إلى تطوير اللغة العربية
وفي ما يلي موجز لتاريخ الدعوة إلى تطوير اللغة العربية أو هدمها واستبدالها:
1 ـ بدأت الدعوة في أواخر سنة 1881 م، حين اقترح “المقتطف” كتابة العلوم باللغة التي يتكلمها الناس في حياتهم العامة؛
2 ـ ظهرت المسألة في أوائل سنة 1902 م، حين ألف أحد قضاة محكمة الاستئناف الأهلية في مصر من الإنجليز، وهو القاضي وِلْمور، كتاباً عما سماه لغة القاهرة، وضع لها فيه قواعد، واقترح اتخاذها للعلم والأدب، كما اقترح كتابتها بالحروف اللاّتينية، وتنبه الناس للكتاب حين أشاد به “المقتطف”. وفي ذلك الوقت كتب حافظ قصيدته المشهورة([11]):
رجعت لنفسي فاتهمتُ حصاتي
وناديتُ قومي فاحتسبتُ حياتي
3 ـ أثيرت المسألة من جديد، حين دعا إنجليزي آخر، كان مهندساً للرّي في مصر، وهو السر ولْيَم وِلْكوكس سنة 1926 م إلى هجر اللغة العربية، وترجم أجزاء من الإنجيل إلى ما سماه: اللغة المصرية. ونوه سلامة موسى بالسير وليم ولكوكس وأيده.
4 ـ انتشرت الدعوة حين اتُّخذت اللهجة السوقية في المسرح الهزلي، ثم انتقلت إلى المسرح الجدِّي، حين تجرأت عليه فرقة تمثيلية تتخذ اسماً فرعونياً، وهي فرقة رمسيس. وظهرت الخيالة (السينما) من بعدُ، فاتخذت هذه اللهجة، ولم يعد للعربية الفصحى وجود في هذا الميدان.
5 ـ تسللت الدعوة إلى مجمع اللغة العربية، فظهرت سلسلة من المقالات عن اللهجة العربية العامية كتبها أحد أعضائه وهو عيسى إسكندر المعلوف، وكان يتبنى قبل فكرة الدفاع عن اللهجات السوقية، وقال إنه يشتغل بضبطها وتقييد شواردها لكتابة العلوم.
6 ـ تقدم أحد أعضاء المجمع وهو عبدالعزيز فهمي ثالث الثلاثة الذين بني عليهم الوفد المصري سنة 1943 م باقتراح كتابة العربية بالحروف اللاّتينية، وشُغل المجمع ببحث اقتراحه عدة جلسات، امتدت خلال ثلاث سنوات، ونشر في الصحف، وخصصت الحكومة جائزة مقدارها ألف جنيه لأحسن اقتراح في تيسير العربية([12]).
7 ـ وكان مصطفى كمال الذي أنهى السلطنة العثمانية هو الذي استبدل الحروف اللاّتينية بالحروف العربية التي كانت مستخدمة في اللغة التركية قبل ذلك([13]). يدفعه إلى ذلك عنصرية بغيضة وكره للعرب ودينهم. ثم جاء المقلدة في بلاد العرب يريدون أن يحذوا حذوه في ما فعل!
شعارات براقة لهدم علوم اللغة وتراث العرب
يتخذ دعاة التغريب والمهزومون فكرياً وحضارياً، وفي مقدمتهم دعاة هدم اللغة الفصحى، سيلاً من الشعارات البراقة، والكلمات الخلابة، بقصد لفت الأنظار نحوهم، ويوزعون اتهامهم في كل اتجاه. وقد حذّر من هؤلاء كثير من الأدباء والشعراء، ومنهم: الشاعر القروي رشيد سليم الخوري. فقد قال في مقدمة ديوانه محذراً من دعاة العامية الذين يريدون قتل العروبة والعرب ما يلي:
لغة العروبة هي هذه اللغة الخلاقة المطواع، لغة أهل الجنة، اللغة التي اتسعت لرسالة الرحمن، اللغة التي ملكت فصحاها ألسنة أفذاذ الأدب العربي، وألفت بين قلوبهم في كل قطر سحيق… كل عادل إلى العامية عنها، مبشر بها دونها، إنما هو كافر بها وبكم أيها العرب، دساس عليها وعليكم، كائد لها ولكم، عامل على قتلها وقتلكم([14]).
ويظن دعاة التغريب والعامية أنهم سيهدمون بادعاءاتهم صرح الدين، وهرم اللغة، وتراث الأمة العلمي والأدبي الذي تحدى عوامل الفناء. وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمود الطناحي كاشفاً زيوفهم وأغراضهم:
لقد تعرض أبناء هذا الجيل لسيل طاغ وموجات متلاحقة، من التشكيك في تراثهم وأيامهم. فالشعر الجاهلي غموض وانتحال، وتفسير القرآن مشحون بالإسرائليات، والحديث مليء بالوضع والضعف، والنحو تعقيد وتأويلات، والصرف فروض ومتاهات، والبلاغة تكلف وأصباغ، والعروض قيود ودوائر تدير الرأس، والتاريخ صنع للحكام والملوك، ولم يرصد نبض الشعوب وأشواقها… يسمع أبناؤنا هذا كله مدوياً عالياً، وتتجاوب أصداؤه المترنحة من أحلاس المقاهي، إلى قاعات الدرس الجامعي؛ ولا يستطيع الشباب لذلك دفعاً ولا ردّاً، لغرارتهم وجهلهم وقلة حيلتهم، ولأن كل هذه السموم إنما تساق في ثياب مزركشة، من المنهجية والموضوعية والتفكير العلمي وحركة التاريخ والموقف الحضاري والشمولية، ولا يعرف أثر هذه الألفاظ الغامضة إلاّ من ابتلى بشرها، وصلي جمرتها، ووجد مسها، وكل ذلك عرفت([15]).
مناقشة موضوعية للدعوة إلى تطوير اللغة العربية
إننا يجب أن نفرق بين تطوير اللغة وتطوير طرق تعليم اللغة بإعداد المدرس الجيد، والمنهج الصالح. فالثاني أمر لا غبار عليه؛ والخلاف هو حول تطوير اللغة، سواء كان بالخروج على قواعدها ونبذ القواعد القديمة، أو بإعادة التقعيد من جديد. فنحن نرى أن اللغة العربية بوضعها الحالي قادرة على استيعاب العصر، وليست بحاجة إلى صياغة جديدة لقواعدها، وليس أدل على قدرة العربية من وجود أدباء كبار نبغوا في هذا العصر، ومن بينهم شعراء المهجر. وقد عبر هؤلاء عن موضوعات عصرنا قاطبة، مستخدمين الفصحى، ولم نعرف واحداً منهم اشتكى من ضعف الفصحى، أو عدم قدرتها على التعبير، أو ثقلها على النفوس ـ فلا يشتكي من هذه الفصحى إلاَّ ضعيف العقل والثقافة ـ، لأنها تمثل روح هذه الأمة وفكرها، والأمم تعتز دائماً بتراثها وماضيها، ومن المفارقة العجيبة أنه:
بينما نجح اليهود في إحياء لغتهم العبرية الميتة، واتخاذها لغة للأدب والحياة، كان بعض المفتونين من العرب ينادون ولا يزالون بأن اللغة العربية الفصيحة لغة ميتة، وينشرون في ذلك المقالات الطوال، المكتوبة بالعربية الفصيحة التي يزعمون موتها([16]).
إنهم: يزعمون أن قواعدها صعبة معقدة، وفي اللغات الأوروبية الحية ما هو أشد منها صعوبة وتعقيداً كالألمانية، ويقولون إن الشاذ فيها من غير القياسي كثير، والشذوذ في صيغ الأفعال وفي صيغ الجمع والتأنيث وفي المصادر يملأ اللغات الأوروبية كلها، والشواهد عليه لا تحصى، وقالوا إن الكتابة فيها غير ميسرة، مع أن مطابقة الصوت المسموع للصورة المقروءة هي في العربية أوضح منها في الإنجليزية والفرنسية([17]).
وينادي المستغربون:
ويقولون إن اللغات الأوروبية قد تطورت. فيجب أن تتطور لغتنا كما تطورت لغاتهم، وهناك فرق بين التطور والتطوير: تتطور اللغة بأن تفرض عليها قوانينٌ قاهرةٌ هذا التطور؛ أما التطوير فهو سعي مفتعَل إلى التطور، وهو إرادة إحداث التطور دون أن تكون له مبررات تستدعيه، والتطور لا يُسعى إليه ولا يُصطنع، ولكنه يفرض نفسه، فلا نجد بدّاً من الخضوع له. وأي نعمة وأي مزية في تطور اللغات الأوروبية حتى نسعى إلى افتعال نظيره في لغتنا؟ إن هذا التطور كان نكبة على أصحابه، قطعهم أمماً بعدما كانوا أمة واحدة، ثم إنه لم يحكم على تراثهم القديم المشترك بالموت، بل هو لا يزال يقضي بين الحين والحين على التراث القومي لكل شعب من هذه الشعوب بالموت([18]).
كيف يكون التطوير بشكل إيجابي؟
إن تطور اللغة بلغ ذروته في العهد النبوي، حيث نزل القرآن والعرب في قمة الفصاحة وأعلى البلاغة. فجاء القرآن وتبوأ بإعجازه عرش البلاغة العربية. يقول مصطفى صادق الرافعي:
فقد بلغ العرب في عقد القرآن مبلغاً من الفصاحة لم يعرف في تاريخهم من قبل. فإن كل ما وراءه إنما كان أدواراً من نشوء اللغة وتهذيبها وتنقيحها واطِّرادِها على سنن الاجتماع، فكانوا قد أطالوا الشعر وافتنوا فيه، وتوافى عليه من شعرائهم أفراد معدودون، كان كل واحد منهم كأنه عصر في تاريخه، بما زاد من محاسنه، وابتدع من أغراضه ومعانيه، وما نفض عليه من الصَّبغ والرونق، ثم كان لهم من تهذيب اللغة، واجتماعهم على نمْط من القرشية يرونه مثالاً لكمال الفطرة الممكن أن يكون، وأخذهم في هذا السمت، ما جعل الكلمة نافذة في أكثرها، لا يصدها اختلافٌ من اللسان، ولا يعترضها تناكر في اللغة. فقامت فيهم بذلك دولة الكلام، ولكنها بقيت بلا ملك، حتى جاءهم القرآن([19]).
إن القرآن هو المثل والنبراس، وهو الدليل والهادي، وهو المنهج والدستور لهذه الأمة. وعلى جميع الدعوات التطويرية أن يكون هدفها الأول ـ لوكانت مخلصة ـ أن تقرب الناس من بلاغة القرآن، وأن تحطم كل الحواجز التي تعيق عن فهم القرآن، وأن يكون هدفها إعادة بناء الذوق العربي ليكون أهلاً للتفاعل مع مضمون الذكر الخالد، مستعداً لتلقي إشراقاته من جديد، ليكون المسلم المعاصر أهلاً لهداية البشرية في عصر الفلسفات المادية والإباحية، حيث يرنو العالم كله إلى من ينقذه من حلكة الدجى الذي هو فيه. فالعالم يرقد في التيه على حد قول الدكتور محمد إقبال([20]):
إن هذا العصر ليل فأنر
أيها المسلم ليل الحائرين
وسفين الحق في لج الهوى
لا يرى غيرك ربان السفن
أنت كنز والياقوت في
موجة الدنيا وإن لم يعرفوك
محفل الأجيال محتاج إلى
صوتك العالي وإن لم يسمعوك
فهل بعد مملكة القرآن مزيد لمجتهد؟ حتى يأتي المستغربون في هذا الزمن ليهدموا تلك المملكة بهدم اللغة والدعوة إلى العامية بحجة الإصلاح اللغوي، أو إلى هدم علوم اللغة التي أقل ما يقال فيها بأن الأئمة الذين دونوا تلك العلوم كانوا يعتقدون بأنهم يتقربون إلى الله بالتقعيد لتلك العلوم؟
إن التطور الإيجابي يكون بإحياء اللغة في الدرجة الأولى، ووضع نماذج الأدب القديم أمام المعاصرين ليحتذوها، وهو ما فعله إمام الشعراء في هذا العصر الحديث محمود سامي البارودي حين عمد إلى جمع المختارات الشهيرة “مختارات البارودي” لتكون زاداً وقبساً للشعراء والأدباء المعاصرين فيقتفوها. وأما ما سوى ذلك، فهو فوضى وضياع؛ وأما يفعله بعض المحسوبين على الشعر من التحرر من الوزن والقافية والنحو باسم التطور، فهو أمر يخشى أن يضيع اللغة وأهلها.
وبعد الإحياء، يمكن أن تأتي أمور أخرى منها التعريب والاستفادة من آداب الأمم الأخرى بالترجمة، ومن التقنيات الحديثة فيما يتعلق بعلم الأصوات، وغير ذلك مما قد يسهم بشكل فعّال في إصلاح واقعنا اللغوي المعاصر.
تأثر بعض الإصلاحيين بفكرة تطوير اللغة العربية
هناك بعض المدارس الإصلاحية والتجديدية التي ترغب في تطوير واقع الأمة والنهوض بمشروع إصلاحي حضاري يؤهل هذه الأمة لقيادة ركب الحياة من جديد. وقد تأثرت تلك المدارس بفكرة تطوير اللغة العربية، ولكن التطوير هنا لا يعني بالضرورة الهدم أو الاستبدال، وإنما هو تطوير إيجابي في الغالب، إذ يتعلق بفكرة التعريب للمصطلحات الأجنبية، والاستفادة من آداب الأمم الأخرى ولاسيما في مجالات النقد والمسرح والقصة ونحو ذلك، وتسهيل قواعد الكتابة والنحو، وهذه أمور يمكن الانتفاع بها. وهناك من يدعو إلى عمل معاجم جديدة تختلط فيها الفصحى بالعاميات العربية، وهي دعوة نتحفظ عليها ونرفضها ولو كان صاحبها يريد التسهيل والتيسير. وسنناقش هذه الأفكار جميعاً:
أولاً: الحاجة إلى تعريب المصطلحات الأجنبية
تعريب المصطلحات الأجنبية، وبخاصة في ميدان العلوم، أمر تقتضيه طبيعة العصر، وذلك حتى لا يضطر أبناء العرب إلى دراسة العلوم باللغات الأجنبية. يقول الأستاذ عمر الدسوقي:
إن اللغة العربية في حاجة إلى نهضة وتجديد وإحياء وتعريب كثير من العلماء، حيث انتشرت الحضارة ووجدوا أنفسهم إزاء آلاف من الكلمات والتعبيرات الأجنبية لا يستطيعون نقلها إلى اللغة العربية.
ويضيف ناقلاً عن الشيخ إبراهيم اليازجي:
يا ليت شعري ما يصنع أحدنا لو دخل أحد المعارض الطبيعية أو الصناعية ورأى ثمة من المسميات العضوية من أنواع الحيوان وضروب النبات وصنوف المعادن… وأراد العبارة عن شيء من هذه المذكورات، ثم ما هو فاعل لو أراد الكلام في ما يحدث كل يوم من المخترعات العلمية والصناعية، والمكتشفات الطبية والكيماوية، والفنون العقلية واليدوية وما لكل ذلك من الأوضاع والحدود، والمصطلحات التي لا تغادر جليلاً ولا دقيقاً إلاّ تدل عليه بلفظ مخصوص. ولا ريب أن الكثير من ذلك لا يتحرك به لسان، ولا يعهد له بين ألواح معجمات اللغة ألفاظاً يعبر بها عنه، ولا يغنيه في هذا الموقف كثرة أسماء الأسد والسيف والعسل والعبير([21]).
فاللغة إذاً بحاجة إلى تعريب كثير من الكلمات والمصطلحات الوافدة، وليس في الأخذ عن الأعاجم وتعريب مصطلحاتهم أي عيب في ذلك، فقد فعل ذلك السلف وهم في عز سلطانهم، وهو أمر تمليه ضرورة الحياة المعاصرة. يقول فتحي زغلول باشا في هذا الصدد:
أخذ العرب العلوم عن أهلها، ونقلوها إلى لغتهم. فلما وجدوا منها استعصاء في بعض المواضع، ذللوها وأخضعوا الغريب منها إلى أحكامها… فنسينا نحن أن زماننا غير زمانهم، فكانوا أصحاب حول وطول، وذوي مجد وسلطان، ونحن على ما نعلم من الضعف والانزواء. على أنهم في عزهم وبعد فخارهم وتمكنهم من أنفسهم لم يغتروا بلغتهم، فلم ينفروا من العجمة لأنها عجمة، بل استخدموها من حيث وجب الأخذ بها تمكيناً للغتهم، وحذراً من أن يصيبها الوهن إذا قعدوا عن مجاراة تيار التقدم وهم أولو الرأي فيه، وخوفاً من أن يعيقهم الجمود فيها عن حفظ مركزهم العظيم بين الأمم التي كانت تعاصرهم([22]).
ويضيف الكاتب محدداً غرضه من التجديد الذي يريده:
عليكم بالتقدم. فادخلوا أبوابه المفتحة أمامكم، ولا تتأخروا. فلستم وحدكم في هذا الوجود، ولا تقدم لكم إلاّ بلغتكم، فاعتنوا بها، وأصلحوها، وهيئوها لتكون آلة صالحة في ما تبتغون، ولكن لا تكثروا من الاشتقاق الخارج عن حد القياس والمعقول، ولا تشوهوا صورتها الجميلة بتعدد الاشتراك أو التجوز، ثم لا تقفوا بها موقف الجمود والعجمة تهددها على ألسنة العامة، وهي لا تلبث أن تدخل على ألسنة الخاصة، أقيموا في وجه هذا السيل الجارف سداً من الاشتقاق المعقول والترجمة الصحيحة، والتعريب عند الضرورة لتكونوا من الناجحين([23]).
ونتيجة لاهتمام العلماء بالتعريب، فقد بدأت جهود فردية بهذا الصدد، وانتهت تلك الجهود بعمل جماعي منظم انبثق عنه مجمع اللغة العربية. يقول عمر الدسوقي موجزاً ملابسات قيام المجمع في تلك الفترة:
وقد حاول بعض العلماء قبل الحرب العالمية الأولى تكوين مجمع لغوي يضع كلمات جديدة، أو يعرب أو يشتق من الكلمات القديمة لتساير اللغة موكب الحضارة الجارف، وقد تكون هذا المجمع فعلاً قبل الحرب العالمية الأولى برئاسة أحمد لطفي السيد، ووضع بضعاً وعشرين كلمة اشتهر بعضها ومات كثير منها، ثم انفض واجتهد كثير من المعربين في وضع كلمات جديدة، ولكن المسألة صارت فوضى، فقد توضع أكثر من كلمة لمدلول أجنبي واحد، وأخيراً أنشئ مجمع فؤاد الأول للغة العربية في 13 من ديسمبر 1932 م وقد سمي في سنة 1954 م مجمع اللغة العربية. وأهم أغراضه المحافظة على سلامة اللغة العربية، وجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون في تقدمها، ملائمة على العموم لحاجات الحياة في العصر الحاضر، وأن يقوم بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وأن ينظم دراسة علمية للهجات العربية الحديثة، وأن يبحث كل ما له شأن في تقدم اللغة([24]).
ثانياً: ترجمة آداب الأمم الأخرى والاستفادة منها
والتجديد لا ينحصر بالتعريب ونحوه، بل يشمل الاستفادة من آداب الأمم الأخرى والفنون الأدبية والنقد الأدبي. يقول الأستاذ عمر الدسوقي:
وهذا هو البستاني ينقل إلينا “إلياذة” هوميروس شعراً في مستهل هذا القرن… وقد أعطى البستاني بإخراجه “الإلياذة” شعراً نموذجاً قوي الأسلوب مشرق الديباجة للشعراء الذين يحاولون نظم الملاحم، أو نظم المسرحيات، وكيف يتصرفون ويتحللون من نظام القصيدة. ونحن لا يعنينا الآن الخوض في قيمة “الإلياذة” وأثر نقلها في اللغة العربية، بقدر ما يعنينا تلك الطريقة التي ترجمت بها، والمقدمة التي كتبت لها: فقد كانت درساً جديداً في مستهل هذا القرن لدراسة الأدب والنقد الأدبي، على غير ما ألف نقاد ذلك الوقت من الاهتمام بالألفاظ والمعاني([25]).
واللغات كثيراً ما تتشابه في قوانينها العامة. لذا فإن الاستفادة من آداب الآخرين وقوانين لغاتهم أمر لا بأس به، وقد فعله السابقون أمثال عبد الحميد الكاتب كما ذكر أبو هلال العسكري. يقول:
ومن عرف ترتيب المعاني واستعمال الألفاظ على وجوهها بلغة من اللغات، ثم انتقل إلى لغة أخرى، تهيأ له فيها من صنعة الكلام مثل ما تهيأ له في الأولى. ألا ترى إلى عبد الحميد الكاتب استخرج أمثلة الكتابة التي رسمها لمن بعده من اللسان الفارسي فحولها إلى اللسان العربي؟ فلا يكمل لصناعة الكلام إلاّ من يكمل لإصابة المعنى، وتصحيح اللفظ، والمعرفة بوجوه الاستعمال([26]).
واستفاد النحاة أيضاً من فلاسفة اليونان في تقسيم الكلام. يقول الدكتور إبراهيم أنيس في حديثه عن أجزاء الكلام: »قنع اللغويون القدماء بذلك التقسيم الثلاثي من اسم وفعل وحرف، متبعين في هذا ما جرى عليه فلاسفة اليونان وأهل المنطق من جعل أجزاء الكلام ثلاثة، سموها: الاسم والكلمة والأداة«([27]).
ولكن الاستفادة لا تعني بالضرورة أن نطبق على اللغة العربية كل القوانين والأحكام التي تخص غيرها من اللغات كالإنكَليزية مثلاً. فلكل لغة شخصيتها وقوامها وخصائصها التي تميزها عن غيرها في النهاية، والتشابه في بعض الأمور لا يعني التطابق في كل شيء، وما يسري على لغة ما قد لا ينطبق بالضرورة على غيرها، والأمر في الآداب والفنون والنقد كذلك.
ثالثاً: تسهيل قواعد الإملاء والنحو العربي
هناك من يدعو إلى تسهيل قواعد الإملاء العربي. جاء مثلاً في مقال بعنوان: »إسلامية المعرفة وتفعيل التعليم العالي بين النظرية والتطبيق« للدكتور الفاضل عبد الحميد أبي سليمان ما يلي:
صعوبة اللغة العربية: ومن الأمثلة على بعض مصاعب اللغة التي لا يبدو أن لها في عصر الثقافة للجميع حاجة هو تعدد قواعد كتابة الهمزة في الإملاء العربي، في أول الكلمة وفي وسطها وفي آخرها، حيث يشترط فيها معرفة حركتها وحركة الحرف الذي قبلها، وهو ما لا يشترط في كتابة باقي حروف الكلمات العربية. ولشدة تعقد هذه القواعد وصعوبتها حتى على من يصيب معرفة حركة الهمزة، فإن جلهم يخطئون في كتابتها صحيحة، وكأنما قد وضعت هذه القواعد لإثبات جهل الناس بها، لا لتقويم إملائهم في كتابتها… ولا فائدة من إثقال اللغة وعامة المتعلمين بها غير تعثر إملائهم والضغط على ذاكرتهم بسببها.
والكاتب الفاضل لا يدعو إلى إصلاح قواعد الإملاء فقط، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يضيف الكاتب داعياً إلى إعادة النظر في صياغة قواعد النحو:
ومن المهم كذلك إعادة النظر في بناء قواعد اللغة وتعليمها… ومثل هذا يدعو إلى إعادة النظر في أمر كثير من قواعد النحو. وما نراه أن تعطي حركة الإصلاح اللغوي الأهمية لبناء التراكيب وسياق الأداء الذي يؤثر على إدراك المعاني بعيداً عن الشكليات والتراثيات والمهنيات التي تتعلق بالمعاني في بناء قواعد اللغة وتعليمها في عصر الثقافة للجميع([28]).
ونناقش ما أثاره هنا. أما موضوع صعوبة كتابة الهمزة، فأمر يدركه المربون. وهم يحاولون تذليله لا بنسف قواعد الإملاء وتبديلها، وإنما بدراسات علمية ميدانية لمعرفة الصعوبات وأسبابها وطرق تقويمها، واقتراح الأساليب العملية لتلافي ضعف الطلبة في كتابة الهمزة على وجه الخصوص والإملاء بشكل عام. ونذكر في هذا الصدد ما قد عرضه الأستاذ فتحي الخولي الموجه التربوي للغة العربية، وهو تجربة تربوية لمعرفة الأخطاء في كتابة الهمزة وعلاجها، وذلك في الفصل العاشر ضمن كتابه “دليل الإملاء وقواعد الكتابة العربية”([29])، وذكر الحلول المقترحة والتي تتمثل في مجملها بكثرة الكتابة والتمارين والاستعمال، واقترح بشأن بعضها:
كتابتها بخط عريض لكل مجموعة من اللوافت تعلق على جدران الفصول المدرسية وفي الممرات وفي كل مكان يجتمع فيه التلاميذ في المدرسة، على أن تكون الكلمة في صورها الإعرابية المختلفة ويكون كذلك بالتقوية في قواعد اللغة العربية. فمن المظنون أن التلميذ إذا عرف الصور المختلفة لكتابة الكلمة وعرف الوضع الإعرابي لها، يكتب كتابة صحيحة، وخاصة إذا انتهى ذلك كله بقاعدة سهلة أو مجموعة سهلة من القواعد يمكن تطبيقها عليها([30]).
على أنه يمكن لنا الاستفادة من بعض الرخص في كتابة الهمزة. وقد ذكر الأستاذ الخولي قرار مجمع اللغة العربية بشأن كتابة الهمزة المتوسطة في بعض الحالات، وهو: »تعتبر الهمزة متوسطة إذا لحق بالكلمة ما يتصل بها رسماً، كالضمائر وعلامات التثنية والجمع، مثل جزأين وجزاؤه، ويبدؤون، وشيؤه«([31]). وقرر المجمع أيضاً أن الهمزة في وسط الكلمة إذا كان ما قبلها ساكناً »وكان هذا الساكن حرف مد، رسمت مفردة«([32])، وعليه كلمة سموءل تكتب هكذا كما في المثال: »أودع امرؤ القيس دروعه عند السموءل«([33]).
ولا شك أننا نحترم رأي المجمع، ونرى الالتزام به. ولكن تسهيلاً على الناس ودفعاً للحرج، نرى تجويز ما فعله القدماء أيضاً فلا نخطئهم، وإنما نجيز الوجهين. ففي الكتب القديمة، نجد »قرأوا« الهمزة فيها على الألف وزيدت وأو الجماعة، والواو ليست من أصل الكلمة، وكذلك نجد كلمة »السموأل« الهمزة فيها على الألف. وقد وردت مرات كثيرة في المعاجم بهذا الصدد. فإذا كتبت الهمزة على السطر، فهي على الصورة الجديدة لقواعد الإملاء المتطورة؛ وإذا كتبت على الألف. فهي على الصورة القديمة، ولا ينبغي تخطئة من كتبها على الألف، طالما أن القدماء فعلوا ذلك وارتضوه، فهو وجه مقبول. ومن ثم تكون هنالك سعة في حدود اللغة العربية.
وأما دعوة الدكتور أبي سليمان إلى مراجعة قواعد النحو، فهي دعوة جيدة، ومعمول بها لدى الوزارات والإدارات المعنية بتطوير المناهج في العالم العربي. فالمناهج في مراجعة مستمرة وتطوير مستمر. وينبغي أن نذلل الصعاب للناشئة ونحبب لهم النحو بعيداً عن الملابسات والتعقيدات والاختلافات بين مدارسه المختلفة. ولكن ينبغي أن نوضح هنا بأن تذليل الصعاب وتعليم النحو بأسلوب ميسر يقربه إلى نفوس الناشئة شيء، وتعديل قواعد النحو من جذورها وخلق نحو جديد غير ما يعرفه العرب في تاريخهم شيء آخر، وهو أمر مرفوض، ولا أظن أحداً يقبله من أبناء العرب الغيورين على لغتهم ودينهم.
رابعاً: إقحام العامي مع الفصيح في معجم واحد!
هناك من يدعو إلى إقحام الكلمات العامية مع الفصحى بحجة شيوعها والحاجة إليها. يقول إلياس أنطون إلياس، تحت عنوان »ضرورة التساهل في قبول الكلمات الجديدة«، ما يلي:
وخير لنا أن نجري على سنن العصر ونشايعه ولو على خطإ من أن نرتد إلى الماضي ونأخذ بلغته وأساليبه ولو كان على حق… ثم إن في اللهجات الكلامية للبلاد العربية المختلفة كثيراً من الألفاظ المشتركة التي تعبر أصدق تعبير عن حاجاتنا في العصر الحاضر، ولكننا درجنا على التنكر لها وعلى تسميتها عامية أو سوقية أو دخيلة أو مبتذلة، مع أنها قد وصلت إلينا منذ مئات السنين من عرب يحبون لغتهم كما نحبها. ولست أرى مبرراً لهذا التنكر إلاّ إذا كان الغرض جعل اللغة وقفاً على طائفة خاصة([34]).
ولا وجه لقوله بالأخذ بالشائع ولو كان خطأ، وترك الماضي ولو كان على حق، لأن الشائع اليوم قد يتغير غداً، ويصبح مهملاً ويشيع مكانه لفظ جديد. فالشيوع ليس أمراً ثابتاً ولا مستقلاً عن عوامل الزمن والبيئة والحياة. فلابد من شيء ثابت ترتكز عليه اللغة العربية، وهذا لن يكون سوى معجمها القديم الذي صفاه العلماء من الشوائب، فكان كالإبريز الخالص.
وفي خطوة أكثر جرأة، ذهب الدكتور بسام ساعي في بحثه: “نحو معجم جديد للألف الثالثة” إلى ضرورة وضع معاجم للعامية، حيث رأى:
أننا نحيط معاجمنا بهالة من القدسية القاتلة، وأنه لابد من فتح الحدود بين الفصحى والعامية. وعبر عن تقديره للبصريين لأخذهم بالقياس الذي رأى أن المجامع اللغوية قد أهملته، وأشار إلى أن تلك المجامع مطالبة باستقصاء العاميات من المحيط إلى الخليج، مع الاستناد إلى مجموعة من الضوابط… ودعا إلى تشكيل هيئات صغيرة في كل قطر لإعداد معجم لعاميته، وأخرى كبيرة تدرس تلك المعاجم وتنتقي منها، للخروج بمعجم جديد لتلك اللغة الوسيطة، وأشار إلى أن العامة هم المبدعون الحقيقيون للغة شئنا أم أبينا([35]).
وهذه الدعوة خطيرة جداً، لأن إقحام العامي مع الفصيح سيفسد الفصيح ولن يصلح العامي، مما يسبب فساد اللسان العربي الذي وحد العرب عبر آلاف السنين، وهو ما عبر عنه الشاعر هاشم الرفاعي بقوله([36]):
واختلفنا في الورى ألسنة
يجهل المصري لفظ الحلبي
فاللغة الفصحى السليمة تجعلنا نفهم القرآن والسنة والشعر الجاهلي ونلتحم مع التراث قبل آلاف السنين، كما تسهل التفاهم بين أقطار العروبة، وكافة الجاليات والأقليات العربية والإسلامية حول العالم، وهي اللغة التي يتعلمها ملايين المسلمين في البلاد التي تنطق بغير العربية، فكيف نفسد صفاءها بإقحام العاميات معها. يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي:
متى انتشرت اللغة في مناطق واسعة من الأرض تحت تأثير عامل أو أكثر من العوامل السابق ذكرها، وتكلم بها جماعات كثيرة العدد وطوائف مختلفة من الناس، استحال عليها الاحتفاظ بوحدتها الأولى أمداً طويلاً، فلا تلبث أن تتشعب إلى لهجات، وتسلك كل لهجة من هذه اللهجات في سبيل تطورها منهجاً يختلف عن منهج غيرها، ولا تنفك مسافة الخلف تتسع بينها وبين أخواتها حتى تصبح لغة متميزة مستقلة غير مفهومة إلاَّ لأهلها، وبذلك يتولد من اللغة الأولى فصيلة أو شعبة من اللغات يختلف أفرادها بعضها عن بعض في كثير من الوجوه، ولكنها تظل مع ذلك متفقة في وجوه أخرى… وقد اتسعت مسافة الخلف بين اللهجات المتشعبة عن العربية، حتى أصبح بعضها شبه غريب عن بعض. فلهجة العراق ولهجات شمال أفريقيا في العصر الحاضر مثلاً يجد المصري بعض الصعوبة في فهمها. غير أنه قد خفف من أثر هذا الانقسام اللغوي بقاء العربية الأولى بين هذه الشعوب لغة أدب وكتابة ودين([37]).
ثم إن لدينا أكثر من عشرين دولة عربية، والعاميات تختلف داخل القطر الواحد من مدينة لأخرى. يقول الأستاذ أحمد الشايب:
فأهل مصر لهم عاميتهم، وأهل العراق لهم عاميتهم، وكذلك المغاربة؛ كما أن لأهل الصعيد لغتهم العامية التي تخالف لغة سكان الشمال، الذين يختلفون هم أيضاً في اختلاف عاميتهم باختلاف الأقاليم. ومعنى هذا توشك أن تكون هي اللغة القومية لكل قطر من أقطار الشرق العربي([38]).
وكثيراً ما يحمل اللفظ أكثر من معنى، وقد يكون مساغاً في مكان ومرفوضاً في آخر. فأي عبء على دارس العربية أكبر من هذا، وهو أن يلم بلهجات الأمة العربية من المحيط إلى الخليج والعاميات التي فيها؟ ثم إن العاميات مختلفة من بلد إلى آخر ومن زمن إلى آخر. فكيف نختار منها ما نريد؟ وما مقياس الاختيار؟ أليست العودة إلى الفصحى هي الأفضل من التشتت وراء العاميات واللهجات الشائعة في الأقطار العربية؟
وياللأسف الشديد! بدأنا نجد جامعات ودور نشر ومؤسسات ثقافية وأكاديمية تتبنى مشاريع دمج الفصحى بالعامية، ووضع قواميس للعاميات في كل قطر وكل مدينة عربية، وذلك كما يقول أحمد الشايب: »إما لأنها طور من أطور التاريخ اللغوي والأدبي والاجتماعي، وإما لأنها قد تكون أساساً لهذه اللغات الإقليمية التي قد ينتفع بها فيما بعد كما يرى بعض المفكرين«([39]).
ولا أدري ماذا سيفعل طالب درس العربية إذا وضعنا أمامه عشرات القواميس المختلفة للهجات العربية والعاميات المنتشرة في الأقطار العربية ثم طلبنا منه أن يلم بها؟ بل ماذا سيصنع الطالب العربي إزاء هذا الركام من الكلمات العامية وقواميسها؟ ألا يعني هذا أن العربية الفصحى ستكون في خطر؟ بل إن الذوق العربي والبلاغة العربية والحس الأدبي سيكون في خطر، وذلك يعود لسببين يتعلقان باللغة العامية:
أحدهما: شيوع الخطإ اللفظي، والخروج على قوانين النحو والتصريف وعدم التحرج في قبول كل دخيل أو أعجمي من الألفاظ والتراكيب، حتى هجر فيها النحو العربي، وخضعت العبارات لصور أجنبية في تأليف الجمل وتكوين الأساليب؛ وثانيهما: ما غلب على معانيها من التفاهة والعرف، فأغلبها أوامر ونواه وأخبار عادية تتصل بالحياة الجارية، وتتكرر في كل وقت وكل يوم، مما لا يستحق درساً ولا تقييداً([40]).
إن الأمة العربية ـ بسبب الدعوة إلى العامية ـ مرشحة لتمزق ثقافي قد يكون أشد إيلاماً من تمزق وحدتها السياسية.
كيف نرفع من شأن لغتنا ونطور تعليم اللغة العربية
إن اللغة هي هوية الأمة الحضارية، والتمسك بها والسعي إلى إحيائها وتطوير الدراسات حولها دعامة من أولى دعائم النجاح الحضاري لكل أمة تسعى أن يكون لها مستقبل مشرق في الغد القريب. وإذا أردنا التقدم في استخدام اللغة وتعليمها، فنحن بحاجة إلى أمور، نذكر منها:
أولاً: إيجاد النص اللغويّ المعاصر الذي ينبغي أن يكون سهلاً وميسّراً في الخطوة الأولى؛
ثانياً: ينبغي الاستفادة من القرآن والحديث وخطب السلف الصالح؛ ففيها مدد عظيم للفصحاء والبلغاء. يقول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري في هذا الصدد: »فعلموا القرآن والحديث ونهج البلاغة في كل مدارسكم وجامعاتكم، لتقوم بالفصحى ألسنتكم، وتتقوى ملكاتكم، ويعلو نفسكم، وتزخر صدوركم بالحكمة، وتشرق طروسكم بساحر البيان«([41]).
ثالثاً: تنمية المهارات اللغوية لدى المتكلم الذي ينبغي أن يكون متلافياً لأخطاء الكلام، والاستفادة من تقنيات التعليم في هذا الصدد.
رابعاً: تعريب المصطلحات العلمية بشكل دائم وتوحيد جهود التعريب في العالم العربي، وتعريب آداب الأمم المتقدمة وعلومها للاستفادة منها في آدابنا وواقعنا المعاصر.
خامساً: إيجاد المعاجم والقواميس العصرية وتزويدها باللوحات والرسوم التوضيحية، وتطوير هذه المعاجم بشكل دائم.
سادساً: تعاون كافة أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في هذا الصدد، وإبعاد شبح العاميات التي تهدد الفصحى في العالم العربي.
سابعاً: التزام البلديات والمؤسسات وكافة أجهزة ومرافق الدولة والمجتمع على مستوى العالم العربي باستخدام العربية الفصحى، وبخاصة في أسماء الطرق والإعلانات العامة.
ثامناً: إعادة صياغة العقل العربي بما يعزز الشخصية الحضارية للإنسان العربي وتأكيد الهوية وعدم الانجراف الحضاري مع تيار العولمة الذي بات يهدد ثقافات الأمم والشعوب جميعاً.
تاسعاً: اللغة جزء من حياة الناس العامة وتراثهم الثقافي، وتفعيل الدور الحضاري للأمة مطلوب حتى تنهض اللغة وعلومها برفقة بقية العلوم الإنسانية والميدانية والمعملية والتجريدية. فلا يمكن أن تتم نهضة في جانب واحد من حياة الأمة دون بقية الجوانب، لأن النهضة حركة متكاملة، وكلٌّ يتقاسمه الأجزاء، وليس أجزاء بمعزل عن الكل. يقول الدكتور إبراهيم أنيس: »وتتبع اللغات الأمم في صعودها وهبوطها، وفي تطورها وتغيرها؛ إذ لا وجود للغة بغير المتكلمين بها، ولا تحيا إلاّ بحياة أبنائها. فكل تطور في حياة الأمة يترك أثراً قوياً واضحاً في لغتها«([42]).
وهذا يتطلب منَّا أموراً كثيرة، وفي مقدمتها العمل في فريق جماعي من أجل البحث في عيوب المناهج القائمة، وطرق تقويمها، والسبل النافعة لإعداد المعلم الناجح الذي يستوعب تحديات العصر ويتخلق بأخلاق المهنة، ويكون له من الصبر وقوة الإرادة ما يستطيع معه مواصلة رسالة نشر اللغة العربية. ثم يأتي دور الإرادة الفاعلة للأمة بأسرها، كل بحسب موقعه، من أجل نهضة شاملة تحتل الثقافة منها حصة الأسد، ويكون للغة العربية الحظ الأكبر من تلك الحصة، لأنها وعاء فكرنا الحضاري، ونبض حياتنا الاجتماعية، وأملنا المشرق في مستقبل حضاري واعد. والله ولي التوفيق.
المراجع
([1]) سورة الرحمن، الآيات 1 ـ4 .
([2]) الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بمصر، ط. 4، 1395 هـ/ 1975 م، ج 1، ص. 170.
([3]) المصدر نفسه، ص. 171.
([4]) مختارات البارودي، مشروع المكتبة الجامعة، مكة المكرمة، ط. 1، 1404 هـ/ 1984 م، ج 1، ص. 41.
([5]) ابن خلكان، وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، ج 2، ص. 224.
([6]) تفسير الكشاف، رتبه وضبطه وصححه مصطفى حسين أحمد، دار الكتاب العربي، بيروت، 1406 هـ/ 1986 م، ج 1، ص (ح) في ترجمة المصنف.
([7]) الدوكاء: نوع من أنواع النغم.
([8]) انظر: مختارات البارودي، المصدر السابق، ج 1، ص. 71.
([9]) ديوان حافظ إبراهيم، ضبط وتصحيح وشرح وترتيب أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأبياري، دار العودة، بيروت، ج 1، ص. 254.
([10]) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، دار النهضة العربية، بيروت، ط. 3، 1392 هـ/ 1972 م، ج 2، ص. 368.
([11]) ديوان حافظ إبراهيم، المصدر السابق، ج 1، ص. 253.
([12]) انظر: الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، ج 2، صص. 359 ـ 364.
([13]) المرجع نفسه، ج 2، ص. 376؛ عبد الله التل، جذور البلاء، المكتب الإسلامي، دمشق، ط. 2، 1398 هـ/ 1978 م، ص. 221.
([14]) ديوان الشاعر القروي رشيد سليم الخوري، دار المسيرة، الطبعة الكاملة، بيروت، 1978، ج 1، صص. 38 ـ 39.
([15]) الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1406 هـ/ 1985 م، صص. 8 ـ 9.
([16]) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، المرجع السابق، ج 2، صص. 364 ـ 365.
([17]) المرجع نفسه، ص. 366.
([18]) المرجع نفسه، ص. 367.
([19]) تاريخ آداب العرب، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. 2، 1392 هـ/ 1972 م، ج 2، ص. 156.
([20]) سليم عبد القادر، نشيدنا، دار السلام، القاهرة، ط. 5، ص. 122.
([21]) عمر الدسوقي، في الأدب الحديث، دار الفكر العربي، ط. 6، ج 2، صص. 180 ـ 181.
([22]) المرجع نفسه، ص. 181.
([23]) المرجع نفسه، ص. 182.
([24]) المرجع نفسه، صص. 182 ـ 183.
([25]) المرجع نفسه، صص. 183 ـ 184.
([26]) أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، تحقيق مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. 1، 1401 هـ/ 1981 م، ص. 84.
([27]) من أسرار اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط. 5، 1975، ص. 279.
([28]) مجلة إسلامية المعرفة، السنة السابعة، العدد 26، خريف 1422 هـ/ 2001 م، صص. 137 ـ 138.
([29]) المرجع نفسه، ص. 125 ـ 152.
([30]) دليل الإملاء وقواعد الكتابة العربية، ص. 150.
([31]) المرجع نفسه، ص. 74.
([32]) المرجع نفسه.
([33]) محمد أبو معطي وآخرون، قواعد الإملاء والخط للصف الأول المتوسط، وزارة المعارف السعودية، طبعة معدلة، 1411 هـ/ 1990 م، صص. 34 ـ 35.
([34]) القاموس العصري، دار الجيل، بيروت، 1986، صص. 6 ـ 7.
([35]) محمد أكرم سعد الدين، »قضايا اللغة العربية وتحدياتها في القرن الحادي والعشرين«، مجلة التجديد الماليزية، العدد الأول، رمضان 1417 هـ/ يناير 1997 م، ص. 260.
([36]) ديوان هاشم الرفاعي، جمع وتحقيق محمد حسن بريغش، مكتبة المنار، الزرقاء، ط. 2، 1405 هـ/ 1985 م، ص. 377.
([37]) علم اللغة، دار نهضة مصر، القاهرة، صص. 172 ـ 175.
([38]) الأسلوب، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، ط. 8، 1990، ص. 10.
([39]) المرجع نفسه.
([40]) المرجع نفسه، ص. 11.
([41]) رشيد سليم الخوري، ديوان الشاعر القروي، المصدر السابق، ج 1، ص. 39.
([42]) دلالة الألفاظ، مكتبة الأنجلو المصرية، ط. 4، 1980، ص. 146.
مجلة “التاريخ العربي”