مجد مكلل بالعار!!

هيثم شلبي
سلايد شوهكذا نراها
هيثم شلبي16 مايو 2016آخر تحديث : منذ 8 سنوات
مجد مكلل بالعار!!

عندما تغيب البوصلة، من الطبيعي أن تطيش السهام في كل اتجاه، بما فيها جهات لم يكن ممكنا أن تطالها لو امتلك الرامي أدنى إحساس بالانتماء إلى ما يتجاوز شخصه!!. الغريب، أننا كإعلام ومواطنين، نواكب السهام التي ترشق في كل اتجاه، دون أن يستشعر معظمنا أن الإثارة التي تتضمنها هذه المعارك الهامشية قد فقدت جاذبيتها منذ زمن بعيد، وأصبحت من الخطورة بحيث تهدد بإصابة أماكن تشكل مصدر اعتزاز لنا جميعا؛ وعليه، وجب الطلب ممن يقذفون هذه السهام دون أدنى إحساس بالمسؤولية، التوقف فورا عن عبثهم اللامسؤول، تحت طائلة تعريتهم، وتجريدهم عمليا من شبهة الانتماء إلينا، وطنا ومواطنين.

مناسبة الحديث، هي تزايد الخرجات الإعلامية في منابر دولية، للعديد من “المناضلين” على اختلاف ميادين اشتغالهم، بعد أن استنفذت الخرجات المحلية غرضها، لعدم اهتمام الجمهور بموضوع هذه الحملات، التي في الغالب الأعم ترفع شعارا لها الدفاع عن حقوق الإنسان “المهدورة” في المغرب، والتباكي على “الفقدان المتزايد للحريات”، كحرية “الإبداع” والتعبير والصحافة والتظاهر وغيرها. حملات إعلامية يمكن أن نرصد فيها بعض السمات المشتركة، رغم الانطباع الخادع باختلافها أو تباين غايات محركيها:

  • أن القائمين على هذه الحملات، هم مغاربة الهوية، لا يملك أحد حق سلبهم إياها، وإن امتلكنا حق التساؤل حول معنى وقيمة هذه الهوية عمليا، عندما لا تترجم التزاما تجاه ما يعتبره المغاربة “مقدسا”، ولا انتماءا لما يعتبرونه عناصر لحمة وطنية جامعة، وهو ما يستبطن حالة استصغار عميق لكونهم مغاربة، مقابل احساس أعظم “بكونيتهم” كمواطنين “عالميين” يؤمنون بمنظومة قيم “عابرة للانتماءات”.
  • يتفرع عن النقطة السابقة كون معظم القائمين على هذه الحملات، هم ممن يحلو لهم تعريف أنفسهم “فرانكوفونيين” ثقافيا، ويعادون بالتالي العربية لغة وانتماءا حضاريا، وبالتبعية الإسلام الذي يعتبر العنصر الجامع الأهم بين كل المغاربة على اختلاف أعراقهم، بجانب الملكية والوحدة الترابية. وعليه، فمن غير المستغرب أن تكون وسائل الإعلام الفرانكوفونية المغربية، والفرنسية تحديدا خارج المغرب، هي الساحة التي يصول ويجول “فرساننا” فيها، رغبة في تحقيق انتصار موهوم.
  • حساسيتهم تجاه كل ما هو “مقدس”، على ما في الكلمة من معاني فضفاضة أضفتها عليها الممارسة التاريخية دون أن تكون ذات قداسة بالضرورة. وعليه، تتجاوز معاركهم حدود مفهوم الإسلام للحريات والحرمات، عبر المطالبة باستبدالها بمنظومة قيم “كونية” وتشريعات دولية “فوق-وطنية”، إلى مناهضة الملكية أو محاولة إفراغها من محتواها الذي توافق عليه المغاربة عبر البيعة على مدى أزيد من اثني عشر قرنا، وصولا إلى اعتبار قضية مغربية الصحراء مجرد “وجهة نظر” يقبلها من يقبلها ويرفضها من شاء، وعليه يجب أن تخضع لاستفتاء يعلم الخارج قبل الداخل استحالة تنفيذه؛ بل ويتجاوزون إلى رفض الطابع المقدس للحياة بطلب إباحة الإجهاض دون ضوابط، وللجنس برفض تقنينه داخل الحياة الزوجية، وللطبيعة التي تعتبر كل علاقة مثلية خروجا عن الفطرة النباتية والحيوانية والبشرية، دون فهم أو احترام حقيقيين، لحاجة المغاربة، كباقي البشر، لهذه المقدسات، والتي تحفظ صلاتهم على الأرض، وتصون صلاتهم بالسماء.
  • رفعهم لقميص “الحريات وحقوق الإنسان” عنوانا لمعاركهم، لجاذبيته أولا، ولقابليته للتسويق والاستغلال ثانيا، ولما يتيحه لهم من إمكانية التعامل معهم “كشهداء”، مع ما يفتحه ذلك أمامهم من فرص للشهرة والتكريم لدى المؤسسات الدولية الناشطة في هذا المجال. إن استسهال غض الطرف عن كل تقدم محرز في المغرب على هذه الأصعدة، والرفض العدمي لكل إنجاز إيجابي في هذه المجالات، وإن فتح أمامهم المنابر التي تترصد المغرب، وتسعى لابتزازه في هذه المجالات، وأمن لهم مساحة ضئيلة على بعض صفحات الجرائد ونشرات الأخبار الفرنسية والأمريكية، فإنه يفقدهم بالمقابل مشروعية الحديث باسم المغاربة الذين يدعون الحديث باسمها، والذين بذل المناضلون الحقيقيون الدماء والعرق من أجل إيصال أوضاعهم الحقوقية إلى الحالة المتقدمة التي هي عليها الآن، لا مقارنة بمحيطها فحسب، بل ووفق المعايير الدولية الموضوعية.
  • معظمهم ممن يتمتعون ب “أنصاف مواهب”، إذ يصعب تخيل إمكانية الفصل بين الإبداع والانتماء. فهذه سيدة فرضت على المغاربة ك”ممثلة”، دون أن تمتلك حتى هذا النصف، بواسطة “مخرج” منحه اجتراؤه على الحرمات أكثر مما منحته إياه موهبته؛ وذاك “صحفي” لم يكتف بما راكمه من رصيد مهني داخلي وسعى خلف اعتراف دولي ب”نضالاته” في سبيل حق تقرير المصير للصحراويين، وآخر “حقوقي” هرب إلى معركة الامعاء الخاوية عندما اقتربت يد العدالة من ملفات تسييره المالي المشبوهة، مع تطويبه “قديسا” للصحافة الاستقصائية، التي تعرضت لمقتل بعد فضيحة نبييها الفرنسيين اللذين حاولا ابتزاز الملك محمد السادس، كل هؤلاء تحت مظلة جمعيات “حقوقية” تضم “شهداء” الحرية الحداثيين “الهاربين من جحيم الإسلاميين الظلاميين، والرافضيين لعقلية المغاربة الغيبية وتعلقهم بالتاريخ والتراث”..

إن إغفال كون القضايا الحقوقية قد تحولت إلى وسيلة ابتزاز في يد الدول الغربية تستخدمها في حق حكومات العالم الثالث هو أمر مخل، بمقدار خلل اتخاذ هذا الابتزاز حجة للتستر على واقع الانتهاكات الحقوقية التي تمارسها هذه الحكومات تحت ذرائع شتى. وعليه، فلا يجب أن يفهم أحد أننا ممن يدافعون عن استثناء مواطنينا في العالمين العربي والإسلامي، والمغرب من بينها، من المعايير الكونية لاحترام الكرامة الإنسانية، والحق في التفكير والتعبير والاعتقاد، بل ونقف وقفة إجلال لكل المناضلين الحقيقيين الذين ساهموا بنضالاتهم في إضاءة هذا الدرب، من أجل أن نحيا في الهوامش التي تتسع يوما فيوما للحرية والكرامة الإنسانية.

ما ندينه ونقف ضده بشراسة، أن يتخذ بعض من فقدوا القدرة على التمييز بين معاركهم الشخصية ومعارك مواطنيهم، هذه القضايا العادلة وسيلة للحصول على مجد شخصي حتى لو جاء عبر إهانة ما يعتبره المغاربة مقدسا، أو الطعن في كل تقدم حقوقي وقانوني يتمتع به المغاربة بواسطة نضالاتهم الحقيقية، في ممارسة قبيحة لوصاية ممجوجة لا تستند إلى أي سند أخلاقي. وما يزيد من حدة مقاومتنا لهؤلاء، هو أن هجومهم غير الموضوعي يأتي عبر منابر وجهات يعلم القاصي والداني عداءها السافر والمستتر للمغرب، ومعاندتها لكل ما يمثله من قيم حضارية كبرى.

shame

وإذا كان إيمان هؤلاء “المناضلين” بالديمقراطية حقيقيا، فعليهم الرضوخ لما يعتبره غالبية المغاربة موطن إجماع، كالإسلام والملكية والوحدة الترابية، وأن يظهروا ما يكفي من احترام لمنظومة القيم الحية التي يوجد الإسلام في مركزها ويشكل عمقها الحقيقي، والتي توارثوها جيلا بعد آخر، وأضفوا عليها من روحهم وخصوصيتهم الكثير، بدل أن يستبسلوا في محاولة فرض منظومة قيم “افتراضية”، لا تستند إلا إلى إجماع كوني موهوم، ولا يستسلم لها إلا كل مجتمع فقير روحيا وبدون تجربة حضارية مميزة، وحاشا أن يكون المغرب كذلك.

أخيرا، فالسعي للمجد والشهرة لا يجب أن يكون بأي ثمن، ولنؤمن بما آمن به ألبير كامو بحق وعبر عنه بعبقرية: “كل هدف تستخدم في الوصول إليه وسيلة غير مشروعة، هو هدف غير مشروع”. وعليه، فعلى “مناضلينا” الحقوقيين، و”فنانينا” الموهوبين، و”صحفيينا” المتحمسين، أن ينتبهوا، أن لا ينتهي بهم سعيهم إلى الاعتراف الخارجي، إلى نيل “مجد مكلل بالعار”!! وأن يختاروا بدل ذلك، استكمال معاركهم وسط أهلهم ومن أجلهم، ويرفضوا أن يستخدموا ضد وطنهم ومواطنيهم، مهما بلغ الإغراء المادي أو المعنوي. وإذا اختلط عليهم الأمر، بمكنهم ببساطة أن يعودوا إلى جادة الطريق بالإجابة على هذا التساؤل البسيط والصادم: من الذي يدفع ثمن مجدهم، ومن يستفيد من وصولهم إليه؟؟!!

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق