منذ أواخر التسعينيات من القرن المنصرم؛ وبينما كانت مختلف بلدان العالم في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.. تشهد تحولات سياسية واقتصادية.. متسارعة في عالم متغير ملؤه التحديات والمخاطر؛ أطلق النظام السياسي في دولة البحرين مجموعة من المبادرات السياسية؛ التي كانت تجسد انفتاحا للقيادة الجديدة؛ وتنبئ بتحول سياسي وبإصلاحات ديمقراطية في الأفق.
فقد تميزت هذه الفترة باتخاذ العديد من الخطوات التي هدفت في مجملها إلى إنهاء الأزمة التي كانت قائمة بين النظام الحاكم والمعارضة، وكان من مظاهرها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة المبعدين والمنفيين إلى البلاد، وتعيين عدد من المستشارين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى تغيير بعض رموز أجهزة الأمن ممن كانت تتهمهم دوائر المعارضة البحرينية بممارسة أعمال قمع ضد المواطنين؛ وإلغاء حالة الطوارئ المفروضة، وسمح أيضا بتنظيم الاعتصامات والمظاهرات؛ بعد أن تم إلغاء محاكم وقانون أمن الدولة وإصدار الميثاق الوطني، الذي تم الاستفتاء عليه في فبراير 2001..، وهو ما انعكس بشكل إيجابي ملحوظ على مختلف المجالات والقطاعات داخل الدولة والمجتمع.
أولاً – إصدار ميثاق العمل الوطني
انسجاما مع هذه التحولات؛ تمت صياغة ميثاق عمل وطني اعتبر كوثيقة عمل مستقبلية للبلاد؛ تضمنت مجموعة من المبادئ والتصورات، وجرى عرضها على استفتاء شعبي بتاريخ 14 فبراير 2001، حيث لقيت تجاوبا كبيراً وتأييداً واسعاً من لدن الشعب البحريني الذي صوت لصالحها بكثافة وصلت إلى نسبة 98.4 بالمائة.
وقد جاء هذا الميثاق حافلا بمجموعة من المبادئ والضوابط التي تشكل في تناسقها وتناغمها الفلسفة السياسية التي ستؤطر الدولة والمجتمع في البحرين فيما بعد، حيث أشار إلى السياق التاريخي لشخصية الدولة، وإلى المقومات الأساسية للمجتمع، وطبيعة نظام الحكم المستقبلي، وسلط الضوء على الحياة النيابية ومجالات اشتغالها، وتضمن بالإضافة إلى ذلك؛ مجموعة من المعطيات المرتبطة بالأسس الاقتصادية للمجتمع، والأمن الوطني، والعلاقات الإقليمية والدولية، وكيفية إجراء تعديلات على الدستور لتنسجم مقتضياته مع مختلف هذه المبادئ والمستجدات.
وأمام الالتباس الحاصل نتيجة لصعوبة التمييز بين الوثيقتين (الميثاق والدستور)؛ أصبح تفعيل المبادئ التي ورد ذكرها في هذا الميثاق يحتاج إلى إجراء تعديلات على الدستور القائم؛ ليتلاءم مع الأهداف الكبرى التي تضمنها الميثاق، والتي ستمكن البحرين من مواصلة مسيرتها في إطار تحديث مؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية.
وقد عهد الأمير بموجب المرسوم رقم 5 لسنة 2001 إلى لجنة فنية استشارية بوضع مشروع التعديلات الدستورية التي نص ميثاق العمل الوطني على ضرورة إجرائها؛ على أن تأخذ هذه اللجنة في اعتبارها الأسس والمبادئ التي وردت في هذا الميثاق([1])، وبخاصة وأنه يكتسي قوة إلزامية بالنظر إلى صدوره نتيجة لاستفتاء الشعب الذي يعتبر صاحب السيادة في الدولة، كما أن الصيغة التي وردت بها المبادئ والأسس التي تضمنها تحمل في طياتها معنى الإلزام، الأمر الذي يجعله مرتكزا لتعديل الدستور ووضع مختلف القوانين.
فالكلمة التي قدم بها الأمير الميثاق إلى الشعب قبيل الاستفتاء، والتي جاء فيها: «إن الميثاق يعتبر مرجعا لمسيرتنا الوطنية، نسير على هديه في عملنا الوطني ونواصل به مسيرتنا ونستكمل على أساسه تحديث مؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية، وننجز منه في كل مرحلة ما نراه متمشيا مع تطلعات المواطنين».
بالإضافة إلى ما ورد في الميثاق نفسه ضمن سياق استشرافه المستقبل؛ عندما أكد على أن: «هذا الميثاق وقد توافق الجميع على محتواه حكومة وشعبا، وأخذا في الاعتبار أنه يمثل وثيقة عمل مستقبلية للبلاد، وأن تفعيل الأفكار الأساسية الواردة فيه تتطلب بعض التعديلات الدستورية.. ».
كلها مؤشرات تحمل في طياتها ما يدل على أن الشعب قد عهد بوضع التعديلات الدستورية إلى الأمير([2]).
ومما يعزز هذا الأمر؛ وجود اتجاه فقهي يذهب إلى أن الإعلانات والمواثيق من هذا القبيل تعتبر ملزمة لواضعي الدستور، وتأخذ مرتبة أعلى منه؛ لأنها تمثل الاتجاهات الكبرى التي ارتضاها الشعب من خلال استفتاء مباشر، وتضمن المبادئ الدستورية المستقرة في الضمير الإنساني للمجتمع، ومن تم وجب أن يتقيد بها المشرع الدستوري والمشرع العادي على حد سواء([3]).
ويجد هذا الخيار أساسه في العديد من التجارب والممارسات التاريخية التي جسدتها إعلانات الحقوق الأمريكية، وإعلانات الحقوق الفرنسية، وميثاق العمل الوطني المصري وميثاق العمل الجزائري..
وفي ضوء هذه المعطيات انتهت اللجنة المكلفة بوضع الدستور إلى نتيجة مفادها أن السبيل الموضوعي لإعمال هذا التعديل هو إحالة المشروع على الأمير، تبعا لما ورد في الميثاق نفسه؛ بحيث تصبح التعديلات الدستورية التي يقرها الأمير معبرة عن الإرادة الشعبية التي منحته هذا التفويض بناء على الاستفتاء العام على مشروع الميثاق.
وهو ما علق عليه أحد الناشطين السياسيين المعارضين بأن: «الدستور وثيقة بين الحكومة والشعب؛ وأي تعديلات تتخذ يجب أن يتفق عليها الجانبان، أما إذا كانت من طرف واحد فتعتبر غير ذات معنى»([4]).
فيما دعت مجموعة من الجمعيات السياسية المعارضة كجمعية العمل الوطني الديمقراطي وجمعية الوفاق الإسلامية والمنبر الديمقراطي التقدمي وجمعية الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي.. إلى ضرورة الاستناد إلى دستور الدولة الصادر في سنة 1973 عند إعمال أي تغيير في هذا الشأن؛ وبخاصة وأنه نص في الفقرة الأولى من المادة 104 منه التي حددت إجراءات تعديله؛ على أنه: «يشترط لتعديل أي حكم من أحكام هذا الدستور أن تتم الموافقة على التعديل بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس الوطني، وأن يصدق الأمير على التعديل وذلك استثناء من حكم المادة 35 من هذا الدستور».
ثانياً – إعمال التعديلات الدستورية
بادرت السلطات العليا في البحرين إلى ترجمة العديد من المبادئ الواردة في ميثاق العمل الوطني إلى بنود دستورية؛ وبخاصة وقد عبرت بعض أطياف المعارضة عن تخوفها من إمكانية عدم تنفيذ الأمير لمختلف تعهداته المرتبطة بتعزيز الحقوق والحريات داخل المجتمع ودعم الحياة البرلمانية للبلاد..
وهكذا صدر الدستور المعدل لمملكة البحرين بتاريخ 14 فبراير 2002؛ وقد تضمن مجموعة من التعديلات التي انصبت في مجملها على مسألتين أساسيتين هما: النظام الملكي ونظام المجلسين.
وورد في ديباجة الدستور المعدل أن «هذه التعديلات الدستورية تعكس إرادة مشتركة بين الملك والشعب، وتحقق للجميع القيم الرفيعة والمبادئ الإنسانية العظيمة التي تضمنها الميثاق، والتي تكفل للشعب النهوض إلى المنزلة العليا التي تؤهله لها قدراته واستعداداته، وتتفق مع عظمة تاريخه، وتسمح له بتبوء المكان اللائق به بين شعوب العالم المتمدن».
كما جاء بعدد من المقتضيات التي تنحو باتجاه تعميق المسار الديمقراطي وتوسع من هامش الحقوق والحريات، وإعطاء الشريعة الإسلامية نصيبا من التطبيق أكثر مما كان عليه الأمر قبل التعديل؛ سواء على مستوى التشريع أو صيانة التراث الإسلامي ورعاية التربية الدينية في مختلف مراحل التعليم وأنواعه..
وتميز أيضا بتطوير ما أخذ به الدستور قبل تعديله من الجمع بين مظاهر كل من النظامين البرلماني والرئاسي، وإضافة بعض مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة على ذلك([5]).
وللوقوف على مضمون أهم هذه التعديلات؛ ندرج مقتطفات من بعض الفصول المعدلة، فقد جاء في المادة الأولى من الباب الأول التي تتعلق بتكريس النظام الملكي أن:
– «حكم مملكة البحرين ملكي دستوري وراثي..
– نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا..».
وضمن نفس المادة ومسايرة الاتجاهات السياسية المعاصرة، وما تطالب به الوثائق العالمية من ضمانات لحقوق الإنسان، جاء في الدستور المعدل أن: «للمواطنين، رجالا ونساء، حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقا لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقا للقانون».
وإعلانا باعتماد نظام الغرفتين في المجال التشريعي؛ جاء في المادة 51 من الفصل الثالث أنه: «يتألف المجلس الوطني من مجلسين: مجلس الشورى ومجلس النواب»؛ حيث يعين أعضاء مجلس الشورى بأمر ملكي؛ فيما ينتخب أعضاء مجلس النواب عن طريق الانتخاب العام السري المباشر، بعد أن كان الدستور السابق (لسنة 1973) وبموجب المادتين 42 و43 يحصر الهيئة التشريعية في غرفة واحدة.
وفي إطار خلق إطار لإعمال الرقابة الدستورية على القوانين؛ نصت المادة 106 من الباب الرابع على أنه: «تنشأ محكمة دستورية، من رئيس وستة أعضاء يعينون بأمر ملكي لمدة يحددها القانون، وتختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح».
وأكدت المادة 116 من الباب الخامس على أنه: «ينشأ بقانون ديوان للرقابة المالية يكفل القانون استقلاله، ويعاون الحكومة ومجلس النواب في رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية، ويقدم الديوان إلى كل من الحكومة ومجلس النواب تقريراً سنويا عن أعماله وملاحظاته».
ثالثاً- تفعيل الحياة النيابية
اختارت دولة البحرين نظام الشورى منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، انسجاما مع ما جاء في دستور البلاد الصادر في 6 ديسمبر 1973 الذي جاء فيه: «وإذ نتطلع بإيمان وعزم إلى مستقبل قائم على الشورى والعدل، حافل بالمشاركة في مسؤوليات الحكم والإدارة، كافل للحرية والمساواة، وموطد للإخاء والتضامن الاجتماعي.. ».
ويكتسي هذا النظام أهمية ملحوظة في الحياة السياسية، ويعتقد أحد الباحثين أن المشورة في الموضوعات التي يطلب إبداء الرأي فيها، وما تسفر المناقشات بشأنها من تبادل وجهات النظر حول ما تثيره من أفكار، تفتح الآفاق نحو بلورة الرأي السديد في شأن الموضوع المطلوب أخذ الرأي فيه، فالمشورة تخلق مناخا من شأنه أن ينير الطريق إلى الحق والصواب، ويسهم بالتالي في إضفاء القوة على ما ينتهي إليه الرأي، مما يجعل تنفيذه مقبولاً وسائغاً من الجميع([6]).
واعتبارا للدور الحيوي الذي يلعبه البرلمان ضمن مختلف المؤسسات التي تنبني عليها الممارسة الديمقراطية للدول؛ نص دستور 1973 على قيام هيئة تشريعية منتخبة تتجسد في المجلس الوطني([7]).
غير أن هذه التجربة الوليدة لم يكتب لها التطور والاستمرار، فنتيجة لبعض الأحداث التي أثرت على “استقرار” البلاد؛ صدر مرسوم أميري في غشت/ أغسطس 1975 يقضي بحل هذا المجلس وتجميد عدد من مقتضيات الدستور([8]).
وهو ما خلف ظهور عدد من الاحتجاجات التي قادتها فعاليات من المجتمع المدني وبعض الحركات السياسية التي كانت تشتغل خارج الاعتراف الرسمي.. مطالبة بتفعيل الدستور وعودة الحياة البرلمانية..
ونتيجة للمتغيرات الدولية التي أعقبت نهاية فترة الحرب الباردة، والإقليمية المرتبطة بالأحداث التي شهدتها الساحة الخليجية في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، تم في عام 1992 إنشاء مجلس الشورى، لتنتعش هذه التجربة البرلمانية من جديد، قبل أن تتعزز في ظل الإصلاحات التي أعقبت صدور ميثاق العمل الوطني والدستور المعدل.
ووفقا لأحكام المادة 32 (الفقرة ب) من هذا الأخير، يتولى مهام السلطة التشريعية كل من الملك والمجلس الوطني، الذي أصبح يتألف بموجب المادة 51 من الدستور المعدل من “مجلسين: مجلس الشورى ومجلس النواب”.
وبحسب المادة 52 من هذا الدستور: “يتألف مجلس الشورى من أربعين عضوا يعينون بأمر ملكي”.
فيما “يتألف مجلس النواب من أربعين عضوا يُنتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للأحكام التي يبينها القانون..” بموجب المادة 56 من الدستور وهو ما يمنع الوزراء بحكم مناصبهم من التمتع بعضوية هذا المجلس.
وقد تكفلت المادة 70 منه بالإشارة إلى أنه: «لا يصدر قانون إلا إذا أقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال، وصدق عليه الملك».
ومعلوم أن هذا النظام- الغرفتين- يقتضي ممارسة السلطة التشريعية بواسطة غرفتين قد تكون لهما اختصاصات متساوية أو قد تتفاوت لفائدة أحدهما([9]).
وتؤكد الممارسة التاريخية أن هذا الأسلوب جاء لوضع حد للسلطات المطلقة التي كان يحظى بها الملوك في أوربا، فإلى جانب المجلس الأرستقراطي الموالي للملك في بريطانيا والمعروف بمجلس اللوردات، تشكل مجلس ثان هو مجلس العموم الذي يتوفر على صلاحيات دستورية كبرى، ولذلك قيل خلال القرنين الثامن والتاسع عشر ضمن سياق الدفاع عن هذا النظام؛ بأن الإرادة الشعبية يتم التعبير عنها في المجلس الأدنى؛ بينما يتم تصحيح هذه الإرادة وتوضيحها في المجلس الأعلى.
وإذا كانت طبيعة شكل الدولة في ارتباطها بالنظام الفيدرالي تفرض من الناحية الموضوعية اعتماد هذا النظام، فإن هناك اتجاها قاده مجموعة من الفقهاء والباحثين الذين أعجبوا بهذا النظام، رأوا فيه العديد من العناصر التي تسهم في دعم الأسس الديمقراطية للدول؛ عبر خلقها تمثيلية لمختلف الوحدات الترابية والحيلولة دون هيمنة الغرفة الأولى، وتأسيس توازن على مستوى ممارسة السلط، وعقلنة العمل البرلماني وضمان اشتغاله بنوع من الهدوء وعدم الاندفاع.
فالمجلس الأعلى يلعب – بحسب هذا الرأي – دورا أساسيا في تمثيل الدويلات والولايات في الدول المركبة على قدم المساواة، فإرادة الشعب تمثل في المجلس الأدنى بينما يتم تمثيل إرادة هذه الولايات والدويلات في المجلس الأعلى (مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة ومجلس الولايات في الاتحاد السويسري..).
وحتى في الدول الموحدة أي البسيطة يظل نظام الغرفتين ضروريا بحسب هذا الاتجاه، فهو – في اعتقادهم – يضمن عملا تشريعيا هادئا وغير متسرع من الناحية الشكلية والموضوعية؛ عبر تعميق المناقشة لمختلف القوانين، بالشكل الذي يجعلها تستجيب لحاجات المجتمع بشكل أكثر دقة وفعالية.
كما أن هذا النظام ومن خلال اختيار أعضائه بشكل غير مباشر؛ يمكن من تمثيل المصالح المحلية ويقوي النظام المركزي، ويمكن من استثمار بعض القدرات عبر رفع مستوى كفاءة الهيئة التشريعية وتعزيزها بنخب وشخصيات مهمة لها خبرات في مختلف المجالات، وبخاصة إذا لم تتح لها إمكانية المرور عبر الوسيلة الانتخابية أو عزفت عن المشاركة أصلا.
ومن جانب آخر يعتبر المجلس الثاني بمثابة عامل استقرار للنظام السياسي والدستوري للبلد وذلك بالنظر لتكوينه ومدة عمله وصلاحياته، ودوره في منع حدوث احتكاك واصطدام أو أزمات مفترضة بين السلطة التشريعية ونظيرتها التنفيذية.
ويضيف رواد هذا الاتجاه؛ بأن المجلس الثاني اتجه تاريخيا لتطوير أدواره من خلال إعطاء أبعاد اقتصادية واجتماعية لصلاحياته إلى جانب الأبعاد التشريعية الأصلية؛ وذلك عبر تمثيل فئات مجتمعية منظمة في شكل نقابات مرتبطة بقطاعات معينة أو هيئات تمثيلية لموظفين وحرفيين.. حيث تصبح الغرفة الأولى فضاء لتمثيل إرادة الشعب، فيما تمكن الغرفة الثانية من تمثيل مصالح سياسية واقتصادية.
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الشورى الذي يتكون من أربعين عضوا؛ ضم في تشكيلته ست نساء وعددا من رجال الأعمال وبعض العسكريين وإعلاميين وفاعلين من المجتمع المدني، كما ضم أيضا عضوين من الأقليات المسيحية واليهودية واثنين من المصرفيين ومسؤولين حكوميين إضافة إلى ثلاثة أعضاء من العائلة الحاكمة.
رابعاً – توسيع هامش الحقوق والحريات
على امتداد سنوات عدة؛ قادت فعاليات من المجتمع المدني في البحرين حملات تطالب فيها بتعزيز الإصلاحات السياسية وإجراء الانتخابات وتوسيع هامش الحقوق والحريات.
وضمن تفاعل إيجابي مع بعض هذه المطالب؛ تم إدخال تعديلات على قانون الجمعيات بموجب المرسوم رقم 21 الصادر سنة 1989، والمرسوم رقم 1 الصادر سنة 1990 والمرتبط باللوائح الداخلية للجمعيات وعلاقتها بالدولة ومختلف أعمالها التي تتعلق بجمع التبرعات.
وفي شهر مايو من سنة 2001 أكد الأمير على وضع إطار قانوني للنقابات العمالية المستقلة بمساعدة اللجنة العامة لعمال البحرين، وتم في صيف 2001 تأسيس “اتحاد نساء البحرين” و “جمعية البحرين النسائية”؛ كما تحدث تقرير لوزير العمل والشؤون الاجتماعية عن تأسيس 65 جمعية أهلية جديدة خلال سنة 2002، بما فيها 11 جمعية سياسية([10]) و13 جمعية للمهن الحرة.
وبذلك أصبحت الدولة تكفل حق تأسيس النقابات والجمعيات الأهلية والعلمية والثقافية والمهنية على أسس وطنية ولأغراض مشروعة وبالوسائل السلمية وفقا للشروط والأوضاع التي ينص عليها القانون([11]).
واستجابة لمطالب المعارضة؛ وتعبيرا منها عن حسن نيتها وجدية توجهاتها الإصلاحية؛ قامت السلطات الحكومية البحرينية في فبراير 2001 بإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة، وسمح بتنظيم الاعتصامات والمظاهرات.. كما أصدر العفو في حق المعتقلين السياسيين؛ وسمح بالعودة للمبعدين والمنفيين في الخارج إلى أرض الوطن، فيما نشطت الندوات واللقاءات السياسية بشكل ملحوظ..
كما قامت الحكومة بإحداث لجنة لحقوق الإنسان ضمن مجلس الشورى سنة 1999؛ وهو ما لقي ترحيبا من لدن مجموعة من المنظمات الدولية الحقوقية غير الحكومية كمنظمة “مراقبة حقوق الإنسان”.
وأسهم صدور الميثاق الوطني بشكل ملموس في توسيع هامش الحقوق والحريات؛ وجاء الدستور المعدل ليؤكد على منع القبض على أي إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء، وليكفل الحق في التعبير والاعتقاد.
ففي الباب الثالث “الحقوق والواجبات العامة”؛ نصت المادة 22 على أن: «حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقا للعادات المرعية في البلد».
أما المادة 23 فأكدت على أن: «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما.. »؛ فيما كفلت المادة 24 حرية الصحافة طبقا لأحكام القانون.
ورغبة في تحقيق المساواة بين المتمتعين بالجنسية البحرينية، سواء كان ذلك بصفة أصلية أو عن طريق التجنس، نصت المادة 17 من الدستور في فقرتها الأولى على أن: «الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى والأحوال الأخرى التي يحددها القانون..».
وبعدما كان حق الاقتراع منحصرا على فئة الذكور الذين تجاوزوا الثامنة عشر من أعمارهم؛ تميز الاستفتاء على الميثاق الوطني سنة 2001 بمشاركة المواطنين البحرينيين، نساء ورجالا، ممن تجاوزوا سن الواحد والعشرين من أعمارهم.
وضمن نفس الإطار؛ تبين أن هناك تعامل ومقاربة جديدة لبعض الملفات المعقدة كما هو الشأن بالنسبة لموضوع السنة والشيعة؛ حيث سجل نوع من التراجع عن مظاهر الفصل والتمييز بين هاذين المكونين الاجتماعيين([12]) ضمن مجموعة من التدابير والإجراءات التي توخت توسيع مجال الحقوق والحريات([13]) وهو ما سمح بفتح حوار إيجابي بين السنة والشيعة.
خامساً – مبادرات لتأهيل المرأة
من المؤكد أن النهوض بأوضاع المرأة هو مدخل مهم لمعالجة مختلف الإشكالات والمعضلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتفشية داخل المجتمعات.. وهو ما تنبهت له العديد من المنظمات الدولية التي تعتبر أن ممارسة التمييز ضد المرأة يعد مؤشرا على تخلف الدول.
استفادت المرأة البحرينية من هامش الانفتاح والإصلاح التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة؛ حيت تمكنت من ولوج مجموعة من المهن والقطاعات الحيوية بالبلاد؛ فشغلت مناصب حيوية: وزيرة، رئيسة الجامعة، سفيرة.. وهو ما سيؤهلها للمشاركة في الحياة السياسية والمساهمة في صناعة القرارات وتدبير الشأن العام.
ولقد كانت البحرين سباقة إلى الاهتمام بشؤون المرأة في منطقة الخليج؛ حيث كتب لها التمتع بحق التعليم في مرحلة تاريخية مبكرة، وبخاصة وأن أول مدرسة للفتيات أحدثت في البحرين سنة 1928.
وفي عام 1951 كان للمرأة البحرينية نصيب من المشاركة في انتخابات المجلس البلدي، وخلال سنة 1955 تم الإعلان عن أول جمعية نسائية في الخليج العربي، وهي جمعية نهضة فتاة البحرين تلتها جمعية رعاية الأمومة والطفولة في العام 1960، قبل أن تظهر جمعية أوال النسائية والرفاع الثقافية الخيرية سنة 1970، ثم جمعية النساء الدولية سنة 1974.. وقد اقتصر العمل النسائي في بدايته، خاصة في فترة الخمسينيات والستينيات على العمل الخيري.. مما جعل المرأة البحرينية بعيدة عن المشاركة السياسية الفاعلة([14]).
وفي 22 من شهر غشت/أغسطس لعام 2001 تعززت وضعية النساء البحرينيات بإصدار أمر أميري يقضي بإحداث المجلس الأعلى للمرأة الذي عهد إليه بالمساهمة في اقتراح السياسة العامة المتعلقة بتنمية وتطوير شؤون المرأة وإشراكها في الحياة العامة؛ وصياغة مشروع وطني كفيل بنهوضها؛ ومراجعة التشريعات والنصوص القانونية الخاصة بها لمواجهة كل المعيقات والمشاكل التي تعترض نهوضها؛ ثم المساهمة في تكوينها وتأهيلها وتوعيتها بمختلف حقوقها..
وقد كانت المرأة حاضرة أيضا داخل تشكيلة اللجنة الوطنية العليا التي كلفت بتحضير مشروع ميثاق العمل الوطني؛ حيث مثلت بست نساء من ضمن بين 46 عضوا في هذه اللجنة التي عكست مختلف الأطياف والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية..
وجاء ميثاق العمل الوطني في بنوده الخاصة بالمرأة ليقر بأهميتها في تنمية المجتمع من خلال عدد من بنوده؛ ويؤكد على حقها المشروع في ممارسة الحقوق السياسية والمشاركة في الشؤون العامة، وهو ما عززه الدستور المعدل؛ عندما نص في مادته الأولى (الفقرة هـ) على أن: «للمواطنين، رجالا ونساء، حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح… ».
بينما أشارت الفقرة الثانية من المادة الخامسة منه على أنه: «تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية».
وقد سمحت هذه المقتضيات القانونية وما رافقها من ظروف سياسية منفتحة بإنشاء مجموعة من الجمعيات النسائية الجديدة؛ حيث شهدت سنة 2001 ظهور أربع جمعيات نسائية من بينها: اتحاد نساء البحرين، جمعية البحرين النسائية…
وبتاريخ 13 فبراير 2002 أقر المجلس الوزاري في جلسة استثنائية مشروع قانون الانتخابات سمح فيه للنساء بالتصويت والترشيح؛ وهو ما مكن المرأة من المشاركة في الانتخابات البلدية التي شهدتها البحرين في مايو 2002، وفي الانتخابات التشريعية التي تنافس خلالها 174 مرشحا، من بينهم ثمانية نساء على مقاعد مجلس النواب في أكتوبر من نفس السنة.
وقد كانت المرأة ممثلة أيضا من خلال سيدتين محاميتين ضمن 16 عضوا؛ داخل لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني التي أحدثت بموجب مرسوم للأمير، من أجل مراجعة القوانين والتشريعات البحرينية؛ حتى تصبح منسجمة مع مقتضيات الميثاق.
وكتتويج لهذه المجهودات؛ انضمت البحرين بتاريخ 18- 06-2002 إلى
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ التي تدعو إلى المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية
والاقتصادية والمهنية..
واستأثرت المرأة بالاهتمام عند إحداث مجلس الشورى، الذي أصبح يضم عشر سيدات (سنة 2006) ضمن صفوفه؛ كما تم تعيين أول سفيرة
للبحرين في دولة أوروبية؛ وتعيين وكيلتي وزارة مساعدتين، وبعد إنشاء المجلس الأعلى للمرأة تم تكليف سيدة باعتلاء منصب أمين عام للمجلس برتبة وزير؛ ولأول مرة في تاريخ البحرين تمكنت المرأة من اعتلاء منصة القضاء الدستوري([15]).. قبل أن تحظى بحقائب وزارية في قطاعي الصحة ثم التنمية الاجتماعية.
ولعل المراكز المتقدمة التي حققتها البحرين على صعيد تقرير التنمية الإنسانية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي([16])؛ تبرز الاهتمام والعناية التي حظيت بها المرأة في البرامج التنموية المختلفة؛ وبشكل خاص تلك المتعلقة بالبنية التحتية الاجتماعية والمتمثلة في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
فقد كان نيل المرأة البحرينية لحقوقها السياسية ولحقها في المشاركة في صنع القرار، أحد العناصر الأساسية التي أخذت عند تقييم النوع الاجتماعي كمؤشر أساسي في حصول البحرين على مراكز متقدمة بحسب تقرير التنمية البشرية لعام 2001([17]).
ومع ذلك فإن المرأة البحرينية كما هو الشأن بالنسبة للنساء في مختلف البلدان العربية؛ لا زالت بحاجة إلى مزيد الاهتمام الذي يسمح بنهوضها وتطورها في مختلف الميادين والمجالات.
سادساً – سلوك دولي متوازن
إن السياسة الخارجية هي كل السلوكيات السياسية الهادفة والناجمة عن عملية التفاعل المتعلقة بعملية صنع القرار الخارجي للوحدة الدولية؛ فالسلوك السياسي الخارجي لأية وحدة دولية هو عبارة عن حدث أو فعل ملموس تقوم به هذه الوحدة الدولية بصورة مقصودة وهادفة للتعبير عن توجهاتها في البيئة الخارجية([18])، فيما يعرفها البعض الآخر بأنها عبارة عن برنامج عمل للتحرك الخارجي، يتضمن تحديدا الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، والمصالح التي تحرص على تأمينها وصيانتها، والوسائل والإجراءات التي تراها ملائمة لذلك، وفقا لما تعتنقه من مبادئ ومعتقدات، ويضيف نفس الباحث أن رسم السياسة الخارجية تبدأ ببيان الأهداف التي تسعى الدولة إلى بلوغها؛ وفق ما تؤمن به من معتقدات، وتنتهي بتحديد الوسائل والإجراءات الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف، وتعتمد هذه العملية على عنصرين رئيسيين: المعلومات المتعلقة برسم السياسة الخارجية وصانعو تلك السياسة([19]).
وقد حدد الدستور البحريني المعدل مجموعة من المرتكزات والمبادئ التي ترسم الخطوط العريضة لسياسة الدولة على الصعيد الخارجي؛ فالفقرة (أ) من المادة الأولى منه تؤكد على أن «مملكة البحرين عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمة العربية، وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير…».
كما نص في مادته السادسة على أنه: «تصون الدولة التراث العربي والإسلامي، وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية، وتعمل على تقوية الروابط بين البلاد الإسلامية، وتحقيق آمال الأمة العربية في الوحدة والتقدم».
إن السياسة الخارجية لبلد ما؛ هي انعكاس طبيعي لمجموعة من الشروط والإمكانيات والقدرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية.
وضمن هذا السياق؛ حرصت البحرين على استثمار مجمل مواردها وإمكانياتها المتاحة في سبيل بلورة سياسة واقعية متزنة؛ تسمح باحتلال مكانة مؤثرة على الصعيد الإقليمي والدولي وتضمن أمنها ووجودها في محيط إقليمي ودولي سمته الاضطراب والتحديات.
وكسبيل لتحقيق هذه الأهداف؛ انطلقت السياسة الخارجية البحرينية في دوائرها المختلفة لتعزيز سبل الحوار والأمن والسلم الدوليين، وبناء علاقات شراكة وتعاون مع مختلف دول العالم([20]).
فعلى المستوى الجهوي؛ تكتسي الدائرة الخليجية أهمية كبرى ضمن التحركات الدبلوماسية للبحرين بحكم الامتداد الطبيعي وعامل القرب؛ ولهذا وإيمانا منها بأهمية العمل المشترك في مواجهة مختلف التحديات الداخلية والمخاطر التي يفرضها المحيط؛ كانت من بين الدول الداعية لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية سنة 1981، قبل أن تنخرط بجدية في تعزيز هذا التكتل الواعد على طريق تحقيق التكامل الاقتصادي والتعاون الدفاعي والتنسيق الإعلامي.. وتقديم الدعم والمساندة للقضايا العادلة لأعضائه، والحرص على المشاركة المنتظمة والفاعلة في مختلف مؤتمراته ولقاءاته..
ومعلوم أن هذا التوجه ينسجم مع ما ينص عليه دستورها؛ بخصوص دعم المجلس باعتباره خيارا استراتيجيا.
حيث نص في الفقرة (ب) من المادة العاشرة منه على أنه: «تعمل الدولة على تحقيق الوحدة الاقتصادية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول الجامعة العربية، وكل ما يؤدي إلى التقارب والتعاون والتآزر والتعاضد فيما بيننا».
وعلى صعيد الدائرة العربية؛ وإيمانا منها بأهمية وحيوية الوحدة والتكامل العربيين كمطلب ملح في زمن التكتلات الكبرى؛ وتجسيدا لانتمائها العربي؛ المدرج ضمن الدستور المعدل (الفقرة (أ) من المادة الأولى)؛ حرصت البحرين على نسج علاقات طيبة مع الأقطار العربية؛ وتفاعلت بشكل إيجابي مع مختلف قضاياها (دعم المطالب القاضية باستعادة الأراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان والأراضي المتبقية في جنوب لبنان ومزارع شبعا..؛ والحرص على سيادة السودان على أراضيه..)؛ وبذلت قصارى جهدها في سبيل دعم التعاون العربي- العربي وتطوير مؤسسات العمل المشترك بين هذه الدول.
ولا تختلف الدائرة الإسلامية عن هذا السياق (المادة السادسة)، حيث حرصت على نسج علاقات متينة مع مختلف البلدان الإسلامية من منطلق الإيمان بالقيم الإسلامية المشتركة وتعزيز التعاون ضمن تكتلات؛ تسمح بإيجاد موطئ قدم في عالم متغير وشائك، ولعل هذا ما يجد تفسيره في الحضور الإيجابي والوازن في مختلف لقاءات وأنشطة منظمة المؤتمر الإسلامي؛ وسعيها الحثيث لمواجهة مختلف الحملات المغرضة التي تحاول الربط بين الإرهاب من جهة وبين الإسلام والمسلمين من جهة ثانية..
وعلى مستوى الصراع العربي- الإسرائيلي؛ حظيت القضية الفلسطينية باهتمام واسع في أوساط الدبلوماسية البحرينية التي قامت بمجموعة من المساعي الحميدة في هذا الشأن؛ وتحركت بفاعلية ضمن القمم والمؤتمرات العربية والإسلامية والدولية، مؤكدة على الحق الفلسطيني منذ نكبة 1948؛ ومنددة بالسلوكات الإسرائيلية الظالمة المرتكبة في الأراضي العربية المحتلة.
كما بادرت بتقديم الدعم المادي والسياسي للشعب الفلسطيني، ودعت غير ما مرة إلى بناء سلام شامل وعادل في المنطقة؛ يكفل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في حدود ما قبل الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وعودة اللاجئين، وذلك وفقاً لقرارات الشرعية الدولية 242 (1976) و338 (1973) وقرار الجمعية العامة 194 (د-3) المتخذ في عام 1948 ومبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام؛ ومرجعية مؤتمر مدريد وخارطة الطريق.. وأكدت على احترام السلطة الوطنية الفلسطينية.. باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني([21]).
أما فيما يتعلق بتطورات الأوضاع في العراق؛ فقد أكدت البحرين منذ بداية ظهور الأزمة سنة 2003 (قبيل احتلال العراق) على أهمية التوصل إلى حل سلمي لتجنيب العراق والمنطقة ويلات حرب جديدة.
وعقب اندلاع الحرب سنة 2003 طالبت المملكة بتجنيب المدنيين القتل والتهجير والتدمير، وعملت في نفس الوقت على تقديم المساعدات الغذائية والإنسانية للشعب العراقي..
وبعد سقوط النظام العراقي السابق؛ أكدت على ضرورة الحفاظ على أمن العراق واستقراره ووحدة أراضيه، وحق شعبه في اختيار النظام الذي يحكمه؛ دون وصاية أو تدخل من أحد، إلى جانب الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية له لتجاوز محنته..([22]) وعبرت غير ما مرة عن رفضها للأعمال الإرهابية والإجرامية التي تستهدف الأماكن المقدسة ودور العبادة وضحاياها الأبرياء من المدنيين العراقيين والدبلوماسيين العاملين في بغداد([23]).
وعلى الصعيد الدولي وانسجاما مع الأهداف الكبرى التي حددها الدستور الذي نص في الفقرة الأولى من المادة 30 منه على أن «السلام هو هدف الدولة…»؛ ومن منطلق تمسكها بمبادئ القانون الدولي المرتبطة بالتسوية السلمية للمنازعات وحظر استعمال القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية..؛ تولي البحرين أهمية قصوى للسلام العالمي والإقليمي.
ولذلك فهي عضو نشيط داخل الأمم المتحدة وتسهم بفعالية في مختلف أجهزتها؛ وتربطها علاقات جيدة مع القوى الكبرى الولايات المتحدة التي اعتبرتها سنة 2002 حليفا رئيسيا لها خارج حلف شمال الأطلسي، ومع فرنسا وروسيا وبريطانيا وألمانيا والهند واليابان..
خاتمة
استطاعت دولة البحرين بجغرافيتها الصغيرة وبتنوعها المجتمعي؛ أن تؤسس لتجربة سياسية واعدة في منطقة الخليج العربي؛ في أفق بناء دولة حديثة ومتطورة؛ رغم إمكانياتها الاقتصادية الخاصة.
وقد كان من ثمرات هذا التحول أن تمكنت من إحراز تقدم كبير بحسب مؤشرات التنمية؛ حيث احتلت في السنوات الأخيرة مراتب متقدمة على امتداد ست سنوات متتالية في تقرير التنمية الإنسانية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
مراجع
([1]) الوثيقة (دورية)، مركز الوثائق التاريخية بمملكة البحرين، العدد الثاني والأربعون، السنة الحادية والعشرون، ربيع الآخر 1423 ﻫ/ يوليو 2002، ص. 79.
([2]) المرجع نفسه، ص 82.
([3]) المرجع نفسه، ص 80.
([4]) انظر في هذا الصدد: البحرين.. من إمارة لمملكة دستورية، بتاريخ 14-02-2002، الموقع الإلكتروني لإسلام أون لاين www.islamonline.net.
([5]) الوثيقة (دورية)، مركز الوثائق التاريخية بمملكة البحرين؛ المرجع السابق، ص. 88.
([6]) منصور العريض، الشورى في دولة البحرين، 1996، ص. 86؛ المصدر: الموقع الإلكتروني لمجلس الشورى لمملكة البحرين www.shura.gov.
([7]) بناء على المادة 43 من دستور 1973: يتألف المجلس الوطني على النحو التالي:
أ- ثلاثون عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر، وفقا للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب، ويرفع هذا العدد إلى أربعين عضوا ابتداء من انتخاب الفصل التشريعي الثاني، ويكون تحديد الدوائر الانتخابية بقانون.
ب – الوزراء بحكم مناصبهم.
([8]) لمزيد من المعلومات في هذا الصدد؛ يراجع: دة. ريا يوسف حمزة، التجربة البرلمانية الأولى في البحرين المجلس التأسيس والمجلس الوطني 1972-1975، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، مملكة البحرين، 2002.
([9]) لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، يراجع: محمد أبو زيد محمد على، الازدواج البرلماني وأثره في تحقيق الديمقراطية، الهيئة المصرية للكتاب، 1994.
([10]) من المعلوم أن دولة البحرين – وكشأن العديد من دول الخليج العربي – تحظر عمل الأحزاب السياسية؛ غير أنها في المقابل سمحت لعدد من الاتجاهات السياسية (ليبرالية، إسلامية، وحكومية ومستقلة..) بتأسيس عدد من الجمعيات السياسية؛ مما أسهم في تراجع حدة المعارضة في الخارج.
([11]) مركز الدراسات والبحوث: ورقة عمل حول التجربة الديمقراطية في مملكة البحرين ودور البرلمانيين في الحكم الديمقراطي، بتاريخ 27-01-2007 المصدر: الموقع الإلكتروني لمجلس النواب لمملكة البحرين: www.nuwab.gov.bh.
([12]) من المعلوم أن الشيعة يشكلون حوالي سبعين بالمائة من السكان، ومع ذلك يلاحظ البعض أن الحكم والسيطرة في معظم شؤون البلاد للسنة، مما تسبب في اعتراضات كثيرة من الشيعة على هذا الوضع، حيث وصلت تلك الاعتراضات إلى حد إثارة بعض القلاقل والاضطرابات من حين إلى آخر. (أنظر في هذا الشأن؛ سامح راشد: البحرين: تغيير مثير للجدل؛ المرجع السابق).
([13]) في إطار تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين؛ أقرت الحكومة البحرينية خلال منتصف شهر شتنبر من سنة 2007 زيادة هامة في رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين بنسبة وصلت إلى 15 بالمائة. (أنظر في هذا الشأن: جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 17-09-2007 عدد 10520).
([14]) مريم الجلاهمة، المرأة البحرينية؛ مشاركتها في العمل السياسي ودورها في التحول الديمقراطي، ورقة عمل مقدمة في ورشة العمل الإقليمية حول: “النوع الاجتماعي والتحول الديمقراطي في الوطن العربي” المركز الإقليمي للأمن الإنساني 11-13 آذار/ مارس 2002 عمان، الأردن، المصدر: الموقع الإلكتروني لمركز الدراسات أمان (الأردن) www.amanjordan.org.
([15]) جريدة أخبار الخليج، البحرين، بتاريخ 26 يونيو 2007 .
([16]) احتلت البحرين المركز الثاني عربيا بعد الكويت والمركز 41 عالمياً من بين 174 بلدا؛ ضمن تقرير التنمية البشرية لعام 2000.
([17]) مريم الجلاهمة، المرأة البحرينية: مشاركتها في العمل السياسي ودورها في التحول الديمقراطي، المرجع السابق.
([18]) زايد عبيد الله مصباح، الدبلوماسية، دار الجيل، بيروت/ دار الرواد، ليبيا، 1999، ص. 31.
([19]) عطا محمد صالح زهرة، في النظرية الدبلوماسية، منشورات جامعة قار يونس، بنغازي، ليبيا، 1993، ص. 20.
([20]) مملكة البحرين، وزارة الإعلام، شئون الإعلام الخارجي، ملك وخمس سنوات من الإنجازات 1999-2004، المطبعة الحكومية في البحرين 2004، ص. 89.
([21]) وزارة الخارجية لمملكة البحرين، مواقف مملكة البحرين من القضايا العربية، الموقع الإلكتروني للوزارة www.mofa.gov.bh.
([22]) مملكة البحرين، وزارة الإعلام، شئون الإعلام الخارجي، ملك وخمس سنوات من الإنجازات 1999-2004، المرجع السابق؛ ص 99.
([23]) وزارة الخارجية لمملكة البحرين، مواقف مملكة البحرين من القضايا العربية، المرجع السابق.
*أستاذ العلاقات الدولية والحياة السياسية كلية الحقوق – مراكش/مجلة “التاريخ العربي”