المعرفة الاستعمارية: الأدوات والعراقيل (موريتانا نموذجاً)

تقديم
نجحت البورجوازية الأوروبية في عقد قران بين الرأسمالية الناشئة والمعرفة حينما احتضنت مفكري الإصلاح وفلاسفة التنوير وتبنّت آراءهم ونشرت مؤلفاتِهم، فساهم ذلك التزاوج في التعجيل بالقضاء على بقايا النظام الإقطاعي القديم وأعطى دفعا للظاهرة الاستعمارية التي كانت محصلتها هي غزو الرأسمالية الأوروبية لمناطق شاسعة من العالم.
وقد قاد ذلك المسار إلى استعمار مناطق متسعة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث تم تعطيل نظمها السياسية وتفكيك بناها الاجتماعية وتحطيم مؤسساتها الاقتصادية سبيلا إلى ربطها بالديناميكية العامة للرأسمالية الأوروبية وضمانا لتكريس مواردها ومقدراتها لخدمة اقتصاديات الدول الاستعمارية.
وبقدرما ساهمت المعرفة الأوروبية في التعجيل بالقضاء على النظام القديم، ساهمت أيضا في دفع الظاهرة الاستعمارية من خلال الأدوار التي اضطلع بها المستكشفون والرحالة والضباط والإداريون والعلماء فضلا عن الجمعيات الجغرافية (Sociétés de géographie)، حيث تم إنتاج عدد هائل من الدراسات والبحوث السوسيولوجية والأنتروبولوجية والأتنولوجية، مهدت للاستعمار ورافقته عبر محطاته المختلفة.
وتسعى هذه الورقة إلى تناول المعرفة الاستعمارية من خلال الأدوات التي استخدمتها والعراقيل التي واجهتها مع التركيز على نموذج البلاد الموريتانية أثناء القرن التاسع عشر.
ففور انتهاء الحروب النابليونية استأنف الفرنسيون مهماتهم الاستطلاعية نحو القارة الإفريقية التي غدت تستحوذ على المزيد من اهتمامات الأوروبيين في مجال الاكتشافات الجغرافية. ولئن كانت مناطق أحواض الأنهار (النيل، الكونغو، النيجر، السنغال…إلخ) قد استقطبت، في البداية، جل اهتمامات المستكشفين والرحالين الأوروبيين عموما، والفرنسيين على الخصوص، فإن المناطق الداخلية الإفريقية، ومن ضمنها البلاد الموريتانية، حظيت بدرجة لا بأس بها من حركة الاكتشافات تلك وخاصة منها الفرنسية. فما هي أهم الوسائل والأدوات التي استخدمها هؤلاء المستكشفون؟ وأي عقبات انتصبت في وجوههم؟ وأي دور اضطلعت به الهوية في مواجهة الظاهرة الاستعمارية؟

أولاً: الأدوات

تعددت طرق ووسائل وأدوات المعرفة الاستعمارية الأوروبية في تعاملها مع شعوب وبلدان العالم الأخرى. وعلى العموم فإن استفحال حركة التوسع الاستعماري ارتبط على حد كبير بالثورة الصناعية وما رافقها من تطور وسائل النقل والمواصلات وتحسن تقنيات النشر والطباعة وظهور الجمعيات الجغرافية.

1 – تطور وسائل النقل والمواصلات

كان استخدام الطاقة البخارية في تحريك آلات المصانع وفي تسيير القاطرات والسفن إنجازا كبيرا من إنجازات الثورة الصناعية. وقد شجع هذا التطور على مد آلاف الكيلومترات من السكك الحديدية محدثا قفزة كبرى في مجال المواصلات البرية.
ولم تبق المواصلات البحرية بمنأى عن هذه التطورات، إذ أن توليد الطاقة البخارية مكّن من استخدامها في مجال تسيير السفن والبواخر وفي صناعتها أيضا. فعرفت المواصلات البحرية وثبة لا تقل أهمية عن ما عرفته المواصلات البرية. وتطورت تقنيات ووسائل صناعة السفن حيث رأت النور سفن وبواخر تسير بالقوة البخارية وتتسع لآلاف المسافرين وباستطاعتها نقل عشرات آلاف الأطنان.
وكان استخدام الطاقة البخارية المتولدة من الفحم والطاقة الكهربائية المتولدة من البترول عاملا شجع تطور الصناعات الحديدية فبدأ الحديد يحل تدريجيا محل الخشب في صناعة السفن. وأخذت السفن الجديدة، وهي أكثر قدرة على مواجهة كوارث الطقس، تحل محل السفن الشراعية، فبات الربط بين مختلف أنحاء المعمورة يتم بصورة أكثر سرعة وفي ظروف أكثر أمانا وبأسعار أقل تكلفة.
وكان من الطبيعي أن يساهم تطور وسائل النقل في أوروبا وشيوع انتشار الآلة البخارية وكذلك استخدام الكهرباء والبترول ومشتقاته واختراع المحرك ذي الاحتراق الداخلي في تشجيع وتسهيل حركة الكشوفات الجغرافية وبالتالي الرحلات الاستكشافية والحركة التجارية التي سعت إلى الاستحواذ على الأسواق وقادت في نهاية المطاف إلى السيطرة الاستعمارية.

2 – الطباعة

ومن التطورات الناجمة عن الثورة الصناعية أيضا ما يرتبط بوسائل وتقنيات الطباعة والنشر. إذ انتشرت المطابع وأدخلت تحسينات تقنية مهمة على الطباعة. كما تطورت صناعة الورق والحبر. وقد أدى كل ذلك إلى تخفيض تكاليف الطباعة وانتشارها مما سهل وسرع نشر الكتب والمجلات والجرائد.
وقد سارعت البورجوازية الأوروبية بتقديم الدعم للمؤلفين والأدباء مشجعة نشر وتعميم أفكارهم الداعية إلى التجديد والتغيير لأن ذلك يتطابق وفلسفة تلك الطبقة وطموحاتها، وهي طبقة صاعدة حينئذ وتسعى إلى تبوؤ المكانة التي يخولها لها امتلاك ناصية العلم والسيطرة على الموارد الاقتصادية.
وقد استفادت كتابات الرحالين والمستكشفين من هذه الوضعية، فتم الإسراع بنشرها لتتلقفها الأيدي وتتداولها بسرعة مما منحها شعبية كبيرة وساهم في ربط الرأي العام الغربي بالمستكشفين والرحالين وبالتالي بالتوسع الاستعماري.

3 – الجمعيات الجغرافية

بدأت هذه الجمعيات الجغرافية في الظهور خاصة منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر وارتبطت إلى حد كبير بظاهرة التوسع الاستعماري([1])، وكما يتضح من تسمياتها فإن هذه الجمعيات التي أسسها بعض العلماء والباحثين والساسة كانت تهتم في المقام الأول بالدراسات والكشوفات الجغرافية عبر مختلف بقاع المعمورة متذرعة -حسبما يقال- بالسعي إلى ملء الفراغات الموجودة -حتى ذلك الحين- في خرائط العديد من أجزاء الكرة الأرضية وخاصة في المناطق الإفريقية الداخلية.
وبعد هزيمة فرنسا سنة 1871 في حربها مع ألمانيا، يبدو أن استيقاظ الشعور القومي -ربما بدافع الثأر- قد ولد موجة جديدة من الجمعيات الجغرافية في مختلف المدن الفرنسية([2]) كان لظهورها دوره في دفع حركة الكشوفات الجغرافية والتوسع الاستعماري. فقد اضطلعت هذه الجمعيات بدور كبير في هذا المجال، حيث دعمت واحتضنت المستكشفين والرحالين مقدمة لهم الدعم والتشجيع من خلال منح التمويلات اللازمة وتخصيص بعض الجوائز المالية لمن يسبق إلى اكتشاف منطقة ما([3])، فضلا عن تأطيرهم علميا بإسداء التوجيهات الضرورية والإرشادات اللازمة وبتوفير الأدوات العلمية المختلفة.
وقد ساهمت هذه الجمعيات مساهمة فعالة في تغطية أنباء الكشوفات الجغرافية فكانت تتلقف تقارير ورحلات المستكشفين وتسارع إلى نشرها على نطاق واسع.

4 – المجلات

منذ مطلع القرن التاسع عشر بدأت الأجنحة المعرفية في مختلف الدول الاستعمارية إصدار مجلات علمية متخصصة اهتمت بمجالات عدة من ضمنها التاريخ والجغرافيا والسوسيولوجيا، إلخ..
فبالنسبة للمعرفة الفرنسية التي تهمنا أكثر من غيرها في هذا البحث، يمكننا أن نشير إلى صدور إحدى أهم تلك المجلات وهي “حوليات الرحلات” (Annales des Voyages) التي رأت النور سنة 1816 واستمرت في الصدور حتى سنة 1865. غير أن أهم تلك المجلات تبقى “مجلة الجمعية الجغرافية الباريسية” (Bulletin de la Société de Géographie de Paris) التي بدأت الظهور سنة 1821 لتستمر حتى سنة 1865.
وفي بداية العقد السادس من القرن التاسع عشر، برزت إلى الوجود مجلتان لا يقل شأنهما عن المجلتين السابقتي الذكر. وهاتان المجلتان هما “حول العالم” (Tour du Monde) التي انتظمت بين سنتيْ 1860 و1914 و”المجلة الجغرافية” (Revue Géographique) التي صدرت من 1861 إلى 1875.
كما لا يقل شأن “المجلة الاستعمارية” (Revue Coloniale) عن شأن المجلات السالفة الذكر. وكانت تلك المجلة قد بدأت في الظهور منذ سنة 1843 وأخذت تسميات متعددة على مدار القرن التاسع عشر فاصبحت تدعى “المجلة الجزائرية الاستعمارية” (Revue Algérienne et Coloniale) بين سنتي 1859 و1860 فـ “المجلة البحرية الاستعمارية” (Revue Maritime et Coloniale) بين سنتي 1860 و1895 ثم “المجلة البحرية” (Revue Maritime) ابتداء من سنة 1896.
وقد أصدرت غالبية الجمعيات الجغرافية مجلات خاصة بها على غرار مجلة “الجمعية الجغرافية الباريسية”، فساهمت مختلف هذه النشريات في تغطية وتشجيع حركة الاكتشافات التي أصبحت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر مسألة تسابق مع الزمن بغية بسط السيطرة الاستعمارية على العالم.
وإذا كانت هذه العوامل المختلفة قد شجعت ودفعت حركة الاستكشاف تلك، فإن ذلك لا يلغي الصعاب والعراقيل التي واجهها أولئك المستكشفون وهم يجوبون مناطق يشكل الدين والتاريخ، فضلا عن الجغرافيا حواجز منيعة تفصلهم عن أرضها وسكانها.

ثانياً: العراقيل

تنوعت العراقيل والعقبات التي اعترضت الرحالين الفرنسيين وهم يحاولون النفاذ داخل البلاد الموريتانية. ومن تلك العراقيل ما هو طبيعي مرتبط بالموقع وبمعالم سطح الأرض الموريتانية وتكويناتها، ومنها ما هو سوسيو/ثقافي نابع من طبيعة المجتمع الموريتاني نفسه.

العوائق الطبيعية

تكاد المنطقة تكون محمية من الناحية الطبيعية. وقد تفطن الأوروبيون إلى ذلك، يقول الفرنسي بول أيدو (Eydoux) متحدثا عن المنطقة: «إن سواحلها الأطلسية القاحلة وغير المضيافة كانت على مر العصور مقبرة للبواخر»([4]). فكم من سفينة جنحت وتحطمت على هذه السواحل فهلك ركابها أو وقعوا في أسر القبائل الموريتانية([5])، فهذه السواحل اضطلعت بدور الحارس الأمين للمنطقة من جهة الغرب.
فقد ظل الأوروبيون حتى القرن الخامس عشر يخشون المخاطرة في هذه السواحل التي تمتاز بقوة التيارات المائية وقلة الأماكن الملائمة لرسو السفن، إذ يشير كاتب الحوليات البرتغالي فالانتيم فرنانديس (Valentim Fernandes) إلى مخاوف الملاحين البرتغاليين والإسبان من اجتياز رأس بجدور، لأن من اجتازه لن يعود، فقد كانوا يعتقدون «أنه لا يوجد بشر وراء هذا الرأس، ولا مكان مأهول، ولا أشجار، ولا أعشاب خضراء»([6]). ويؤكد هذا البرتغالي: «أن التيارات المائية قوية إلى درجة أن أي سفينة مرت من هناك [تجاوزت رأس بجدور جنوبا] لن تتمكن من العودة»([7]).
أما اختراق الصحراء الكبرى من الشمال فكانت تصاحبه من جانب ثان صعوبات طبيعية أهمها ندرة -إن لم نقل انعدام- المياه وقساوة المناخ حيث ترتفع درجات الحرارة لتصل حدا لا يستطيع الأوروبيون تحمله إلا بشق الأنفس، إذ تتجاوز الخمسين درجة في بعض الأحيان. هذا فضلا عن عزلة المناطق الداخلية وبعدها وصعوبة التنقل عبر المنطقة لانعدام الطرق الآمنة والمسالك المعروفة.
وطبيعي أن يكون هذا المناخ وبالا على المستكشفين الأوروبيين ذلك «أن رياح السموم التي تهب في إفريقيا وصحاريها القاحلة حيث لا ماء ولا مرعى، والعواصف الهوجاء قد أهلكت معظم الرحالين الذين حاولوا اجتياز هذه القارة»([8]). فـ«الصحراء -كما يقال- تفترس من لا تعرفه».
وعندما يحاول الأووربيون النفاذ إلى المنطقة عن طريق الأنهار (السنغال، النيجر، الكونغو …إلخ.)، فإن عوامل طبيعية أخرى تقف لهم بالمرصاد. فأحواض تلك الأنهار ملأى بالبرك القذرة والمياه الملوثة وبالتالي بالحشرات الضارة والجراثيم والميكروبات التي تسبب أمراضا قاتلة كحمى الملاريا والحمى الصفراء والإسهالات المتنوعة…إلخ. فإذا أخذنا الحمى لوحدها مثالا فإن الدور الذي لعبته في عرقلة الاكتشافات في إفريقيا حسب ما يذكر إيبر ديشان (Hubert Deschamps) كان أهم من الأدوار التي لعبتها السيول العارمة والحيوانات المفترسة والنبال المسمومة. فنسبة 87 % من مرافقي مانغو بارك (Mungo Park) هلكوا متأثرين بالحمى قبل الوصول إلى نهر النيجر([9]).
وقد ظلت الحمى حتى منتصف القرن التاسع عشر تفتك بالأوروبيين الذين قد تسول لهم أنفسهم التوغل في إفريقيا. ولن تكف إفريقيا عن أن تكون “مقبرة للرجل الأبيض” إلا فى سنة 1854، حينما استخدم الدكتور وليام بالفور بايكى (William Balfour Baikie) الكينين للمرة الأولى أثناء رحلته إلى النيجر([10]).
ويجزم الرحالة الفرنسي كاسبار-تيودور موليين([11]) (Gaspard-Théodore Mollien) في مقدمة رحلته بأن المناخ يعتبر ألد عدو يواجه زائر المناطق الإفريقية الداخلية.
ولم يكن المستكشفون الغربيون عرضة لمواجهة الظروف الطبيعية القاسية فقط، بل إن التعامل مع السكان المحليين كان، في بعض الأحيان، أدهى وأمر.

2 – العوائق السوسيوثقافية

تظافرت جملة من العوامل الثقافية والبشرية بعضها يتعلق بالدين وبعضها الآخر باللغة لتشكل حواجز ساهمت في غلق إفريقيا أمام التوغل الأوروبي. «فالإفريقيون كانوا دائما يخشون الاتصال بالأوروبيين الذين لا يمثلون في نظر الأفارقة [كما يقول ماجو (Mageau)] سوى تجار سيستغلونهم وصيادي بشر سيبيعونهم. ومع الأسف [يضيف ماجو] فقد كان لتخوفاتهم تلك ما يبررها»([12]).
ومما زاد الأمر تعقيدا بالنسبة للتوغل الأوروبي داخل الصحراء الإفريقية «كون هذه المنطقة محاطة من جميع الجهات ببلدان اعتنقت شعوبها الإسلام ومن منطلق التزمت [?] والخوف من الغزاة واجهت تلك الشعوبُ الغزاةَ الأوروبيين ممثلةً عقباتٍ كأداء لم تمكن إزاحتها إلا باستخدام العنف»([13]).
ويدعم بول كافارل (Paul Gaffaral) هذا الرأى زاعما «أن هذا الحقد [حقد الأفارقة على الأوروبيين?] نما أيضا مع انتشار الإسلام في إفريقيا. فهذا الإسلام مثل بالفعل وما يزال يمثل في الوقت الراهن سدا منيعا أمام إدخال الحضارة [!] الأوروبية إلى القارة السمراء»([14]).
وهذا ما جعل جل الأوروبيين الذين يحاولون دخول المنطقة يتظاهرون باعتناق الإسلام ويتبنون أسماء عربية ويزعمون الانتماء إلى أصول شرقية مخافة التعرض للتهلكة.
ولعل عدم إرسال الفرنسيين لأي مستكشف “مبشر” أثناء القرن التاسع عشر إلى البلاد الموريتانية كان شكلا من أشكال التكيف مع خصوصيات السكان وتشبثهم بهويتهم.
ومع ذلك فإن اكتشاف الصحراء قد كلف أوروبا نسبة مرتفعة من الخسائر البشرية الناجمة عن مقاومة السكان. «فحوالي نصف الرحالين الكبار الذين حاولوا استكشاف تلك الصحراء قد اغتيلوا من طرف السكان المحليين»([15]).
وقد ظلت المحاظر([16])، وهي مؤسسات التعليم الأهلي، تنشر المعارف العربية والإسلامية بمختلف فنونها في ربوع الصحراء وفي المناطق الإفريقية المجاورة متزعمة مقاومة ثقافية دائمة تعود جذورها إلى بدايات الاحتكاك مع الفرنسيين، إذ نجد الفرنسي شامبونو المعاصر لحرب شرببه التي عرفتها المنطقة خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر يعترف ببعض تجليات هذه المقاومة حين يقول: «أما رجال الدين فيفخرون بتجنبهم لنا (….) كما أنهم يزدروننا كثيرا بسبب الاختلاف بين ديننا وشعوذتهم موهمين قومهم أننا نشتري العبيد لكي نأكلهم. ومنذ أن سيطروا على البلاد فإن عبدا واحدا لم يصل إلى سفننا»([17]).
وقد مثلت هذه المحاظر قلعة حصينة للصمود والمناعة الثقافية. يقول أحد الفرنسيين: «لقد انتصب في مواجهتنا عدو قديم وقوي هو تعليم المحاظر الذي يتطلب قهره تبني سياسة مدرسية حكيمة وبذل مجهودات كبيرة»([18]). ويضيف أن «المحاظر قد تمكنت، على العموم، من الصمود في وجه الغزو الثقافي الأجنبي واضطلعت برسالتها المتمثلة في صيانة تراث ثقافي يمثل بالنسبة لها مدعاة فخر واعتزاز»([19]).
وقد اضطلعت المحظرة بدور متميز في مجال مقاطعة المدرسة الاستعمارية التي رأى شيوخ المحاظر في تعليمها الوافد خطرا يهدد البلاد فتصدوا له بكل ما أوتوا من قوة، وأفتى بعضهم بعدم جواز الانتساب إليه.
واستمرت مقاطعة المدرسة الحديثة -جزئيا- حتى في ظل الدولة المستقلة لأن هذه المدرسة بالنسبة لبعض شيوخ المحاظر ربيبة المدرسة الاستعمارية.
وكان للمحظرة الموريتانية -وما يزال- إشعاع متميز في المنطقة عموما وفي ربوع إفريقيا الغربية على وجه الخصوص، ذلك أن “سفراء المحظرة” كانوا يجوبون أصقاع تلك المنطقة داعين بالتي هي أحسن ناشرين عقيدتهم الإسلامية ولغتهم العربية بأخلاقهم الفاضلة التي كانت تلاقي رواجا كبيرا في صفوف السكان وحتى داخل البلاطات، إذ «كان الأمراء الأفارقة الذين يعتنقون الإسلام يتخذون شيوخا من البيضان يعلمونهم أحكام الدين ويقرئونهم القرءان ويؤمون بهم الصلاة ويبذلون النصح للمسلمين»([20]).
وقد تفطن الفرنسيون إلى هذه الأدوار التي يضطلع بها البيضان. يقول المستكشف الفرنسي الأب لابات (Le Père Labat) الذي تجول في المنطقة في ملتقى القرنين السابع عشر والثامن عشر: «إن مشايخ البيضان هم الذين نقلوا الإسلام إلى الزنوج، ولذلك كان لهم تأثير قوي على تلك الشعوب التي تعتبرهم أساتذة مرشدين في كل مسألة لها صلة بالدين وتستشيرهم في معظم أمورها»([21]).
ويؤكد الإداري الفرنسي بول مارتي انتشار الدعوة الإسلامية في المنطقة على أيدي الموريتانيين قائلا: «توجد أعداد مهمة من مشايخ البيضان في كافة القرى والمدن السنغالية حيث يسيرون مدارس لتعليم القرءان واللغة العربية، إنهم دعاة أشداء للإسلام»([22]).
ويتعجب هذا الإداري الفرنسي، وهو من زعماء المدرسة الاستعمارية، من كون الموريتانيين قد تمكنوا حتى خلال فترة السيطرة الاستعمارية من “غزو إفريقيا” متجاوزين السنغال إلى أقطار عديدة من الغرب الإفريقي رغم الاحتلال الفرنسي المباشر. يقول: «إن مشايخ البيضان قد أقبلوا على غزو إفريقيا في ظل الاستعمار، وشملت فتوحاتهم هذه السنغال، غامبيا، غينيا، ساحل العاج، الداهومي، السودان [مالي] مستغلين ظروف الأمن التي وفرها الفرنسيون»([23]).
وفضلا عن الحواجز الطبيعية والدينية فقد مثلت اللغة بدورها عقبة أمام المستكشفين الأوروبيين الذين يجهلون في غالبيتهم العظمى اللغة العربية، مما جعل تفاهمهم مع السكان المحليين مسألة مستعصية. ولم تسلم محاولات تجاوز هذا الحاجز -عن طريق اكتتاب مترجمين أفارقة- من الكثير من التعثر ذلك أن أكثرية أولئك المترجمين لم تكن تتقن العربية في أي مستوى من مستوياتها، بل إن بعضهم لا يجيد الفرنسية ذاتها([24]).
ولتذليل هذه العراقيل حاول الفرنسيون التكيف مع الخصائص المحلية للبيضان. فهذا البارون روجي (le Baron Roger) الوالي الفرنسي على السنغال (1821-1827) يقترح إرسال رني كايي (René Caillié) وليوبولد باني (Léopold Panet) إلى البلاد الموريتانية لتعلم العربية والتقاليد المحلية قبل القيام برحلتيهما عبر الصحراء الكبرى.
كما أن الجنرال فيدرب (Faidherbe) اختار ابن المقداد وعليا صل
-وهما سنغاليان مسلمان- من بين مستطلعيه عبر المجال الموريتاني أثناء حملة التوسع التي تزعمها خلال منتصف القرن التاسع عشر.

ثالثاً: التوسع الاستعماري والهوية

1 – أهداف السياسة الاستعمارية

تأتي في طليعة أهداف السياسة الأوروبية في المنطقة دراسة السكان والمكان سبيلا إلى بسط السيطرة الاستعمارية.
وقد استهدفت دراسة السكان سبر أغوار المجتمعات لمعرفة مكوناتها ونقاط ضعفها بحثا عن منفذ يمكن المتسعمرين من النفاذ إلى نقاط الضعف تلك لتفكيك هذه المجتمعات من الداخل سبيلا إلى إبعاد أية مقاومة من شأنها أن تواجه بجدية مشاريع التوسع الاستعماري.
أما دراسة المكان فقد سعت، في المقام الأول، إلى جمع ما يمكن من المعلومات عن الطرق والمسالك والمواقع الاستراتيجية لتمركز ومرابطة الوحدات العسكرية في المستقبل. ويرتبط بهذه المسألة التنقيب عن المياه وتحديد مواقعها نظرا لدورها في تموين أية بعثة أو فرقة عسكرية تنوي عبور المجال. واهتمت هذه الدراسة كذلك بالموارد الاقتصادية للمنطقة وخاصة ثرواتها المعدنية المحتملة.
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار المعرفة الناتجة عن هذه الدراسات جزءا أساسيا من الاستشراق الذي نظر إليه إدوارد سعيد([25]): «كأسلوب غربي للسيطرة على الشرق» معتبرا أن معرفة الأعراق المحكومة هي التي تجعل حكمها سهلا ومجديا، فالمعرفة تمنح القوة، ومزيد من القوة يتطلب مزيدا من المعرفة، وهكذا في حركة جدلية للمعلومات والسيطرة متنامية الأرباح باستمرار([26]).
وعلى ما يبدو فإن السياسة سيكون لها حضور أكثر بروزا في المهمات الاستكشافية بالمنطقة ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر. فإشكالية عبور المنطقة ضمانا للربط بين الجزائر والسنغال قد بدأت بالفعل تشغل بال الأوساط السياسية، بل والعلمية. يقول فيفيين دو سان-مرتين (Vivien de Saint Martin): «لقد أصبحنا أصحاب الأمر والنهي في الجزائر والسنغال. وإذا نجحت مجهوداتنا الحالية الهادفة إلى ربط هاتين المستعمرتين المهمتين بطريق آمن ودائم سيصبح كل شمال غربي إفريقيا في قبضتنا»([27]).
وفي رسالة موجهة إلى وزير البحرية في 27/11/1848 نجد البارون روجي وهو وال سابق على السنغال، ويشغل حينئذ منصب نائب رئيس الجمعية الجغرافية الباريسية ورئيس لجنة الجزائر والمستعمرات بالبرلمان الفرنسي يقول: «إن القيام برحلة استكشافية بغية معرفة وسائل الربط بريا بين الجزائر والسنغال ستكون له أهمية بالغة للتجارة والعلوم والسياسة معا»([28]).
وقد وجد البارون روجي ضالته المفقودة لحل معضلة الربط بين هاتين المستعمرتين، حيث اقترح على الوزير تكليف ليوبولد باني، وهو سنغالي/ فرنسي (هجين) بالقيام بهذه المهمة الصعبة لأن الفرنسيين الخلص لا يستطيعون في ذلك الوقت اجتياز المنطقة.
وبرر البارون روجي اقتراحه ذاك بأن: «ليوبولد باني يعرف القليل من العربية الدارجة [الحسانية]، وبإمكانه أن يتكلم تلك اللغة بسهولة إذا قضى شهرين في أحد مخيمات الزوايا حيث سيتعلم السلوك والتقاليد المطلوبة كي لا يثير تخوف وانزعاج القبائل البيضانية التي سيقابلها أثناء تلك الرحلة»([29]).
وكان البارون روجي متحمسا لهذا المشروع، فلم ينتظر جواب وزير البحرية، بل بدأ مناقشته مع باني الذي أبدى استعدادا وارتياحا لهذه المهمة. كما ناقش البارون روجي مشروعه هذا مع وزير الحربية الذي كان بدوره «يعلق آمالا كبيرة على هذا المشروع ويؤكد استعداده لدعمه بالوسائل المتوفرة»([30]).
وفعلا كُلف باني رسميا بتلك المهمة وحصل على دعم وزارتي البحرية والدفاع والجمعية الجغرافية الباريسية والوالي الفرنسي على السنغال شارل بودين (Charles Baudin)، مما مكنه من تشكيل قافلة مرافقة تضم اثني عشر شخصا وثلاثين جملا محملة بالبضائع والمؤن فضلا عن اقتناء بعض الأدوات العلمية الضرورية([31]).
ومع تظاهر باني باعتناق الإسلام، ومعرفته السطحية -طبعا- للغة العربية فإن رحلته عبر الصحراء لم تخل من العراقيل والمضايقات، إذ نهبت قافلته جزئيا وتعرض للضرب والشتم والشك في صدق إسلامه واتهم -كما اتهم رني كايي قبله- بأنه جاسوساً لـ”النصارى” جاء ليحمل إليهم أسرار البلاد والعباد([32]). فإذا كانت «المجتمعات ترغب دائما في إخفاء ما تصنعه وما هي عليه»([33])، فإن ذلك ينطبق أكثر على المجتمع الموريتاني التقليدي المحافظ.
وقد أرغم باني على تغيير خط رحلته فتوجه إلى الجنوب المغربي بدل التوجه إلى الجزائر حسبما كان مقررا في الأصل. وقد نشرت رحلة باني في السنة التي تمت فيها وذلك تحت عنوان: “قصة رحلة من السنغال إلى الصويرة”([34]).
وفي سنة 1847 كلفت وزارة البحرية الفرنسية رافنل (Raffenel) بمهمة تتمثل في عبور القارة الإفريقية من الغرب إلى الشرق لاكتشاف منابع النيل الأبيض. ولإنجاز هذه المهمة الصعبة قدمت له الوزارة مبلغ 24000 فرنك. كما زودته أكاديمية العلوم بتعليمات واضحة تتمثل في وصف التقاليد والمؤسسات والأجناس والأراضى ونباتاتها، وأعطته بعض الأدوات الضرورية (بوصلات، مقاييس، خرائط…إلخ). وتم نشر هذه الرحلة تحت عنوان: «رحلة جديدة إلى بلاد الزنوج، مشفوعة بدراسات حول مستعمرة السنغال وبوثائق تاريخية، جغرافية وعلمية»([35]).
ومع أن موريس دو لافوس([36]) (Maurice Delafosse) يحلو له الجزم «بأن هذه المهمات [الاستكشافية] لم يكن لها أي طابع سياسي، إذ اقتصرت على جمع المعلومات»، فإن هذا الطابع يبدو بارزا عندما يقدم رافنل اقتراحات محددة بشأن الموقف الذي يجب انتهاجه من الجماعات السكانية المختلفة([37]).
وإذا كان الضابط كايي (Caille) قد سبق الإداري كوبولاني (Coppolani) إلى إطلاق تسمية موريتانيا على المنطقة([38])، فإن رافنل قد سبق كوبولاني إلى فكرة الدمج والاستقطاب التي ستشكل في مطلع القرن العشرين حجر الزاوية في سياسة ذلك الإداري الهادفة إلى إخضاع البلاد الموريتانية.
وسيكون حضور السياسة أكثر بروزا مع الجنرال فيدرب الذي شغل منصب الوالي الفرنسي على السنغال للمرة الأولى بين سنتيْ 1854 و1861 وانصبت مجهوداته على السعي إلى تغيير شروط وطرق التبادل مع السكان المحليين خاصة إمارة الترارزة التي يعتبرها روجي باسكيي (Roger Pasquier) «القوة المهيمنة في المنطقة حينئذ، إذ تهدد استقلال إمارة البراكنة وتعتبر منطقة والو [السنغالية] ملكية لها وتحاول عن طريق أحد أمرائها تسيير سياسة كايور [السنغالية]»([39]).
فقد وصف فيدرب، بعيد وصوله إلى السنغال، تلك الهيمنة قائلا: «إن الترارزة [يعني إمارة الترارزة الموريتانية] يضربون من حولنا [يعني الفرنسيين في السنغال] طوقا خانقا»([40]). وهكذا فإن أولى الأولويات هي إزاحة ذلك الطوق، لأن «هيمنة البيضان الموريتانيين [على السنغال] لم تعد محتملة في وقت يضاعف فيه تجار الميتروبول مجهوداتهم لتوسيع نشاطهم التجاري حتى يشمل كل السنغال»([41])، وذلك بهدف إخراج هذه المستعمرة من حالة الركود التي عرفتها طوال النصف الأول من القرن التاسع عشر. فتطور مستعمرة السنغال مرتبط في الأساس بحرية العبور وبالتالي بإخضاع البيضان والفلان وهي المهمة المركزية الملقاة على عاتق الجنرال فيدرب([42]).
وقد أثارت سياسة فيدرب تلك إعجاب أوساط سياسية فرنسية عديدة، بل إن بعض الأوساط العلمية لم تخف التنويه بها. فهاهو فيفين دو سين مارتين، وهو نائب رئيس الجمعية الجغرافية الباريسية، يشيد بتلك السياسة قائلا: «إن حملة الإجراءات الذكية والصارمة تلك قد جعلت مستعمرتنا السنغالية في وضعية متميزة لم تصل إليها منذ زمن بعيد»([43]).
أما الأستاذ الجامعي بول كافارل، فيشيد بإجرءات فيدرب تلك تحت عنوان جانبي هو “طرد الموريتانيين” (من السنغال طبعا) معتبرا سياسة فيدرب تلك «سياسة حازمة ووطنية [?] انتهجت الهجوم بدل الدفاع لتضع حدا للتنازلات المؤسفة السابقة. وقد تمكّنا [يضيف كافارل] بفضل هذه السياسة، ليس فقط من البقاء أسيادا في المناطق المحتلة من طرف قواتنا، بل من وضع حد للتبعية المذلة[([44])]التي قبلناها حتى ذلك الحين»([45]).
ويعتبر موريس دولافوس: «أن أولى محاولات اكتشاف المجال الموريتاني قد جرت في عهد فيدرب شأنها في ذلك شأن إلغاء الضرائب العرفية»([46]).
وهكذا فابتداء من الربع الأخير من القرن التاسع عشر ارتبطت الاكتشافات الجغرافية بالسياسة وأصبحت مكرسة تقريبا لخدمة الأغراض الاستعمارية التوسعية للدولة المعنية مما ينقص من موضوعيتها وقيمتها التاريخية. «فبقدرما أصبحت الاكتاشافات منذ سنة 1870 أكثر علمية برزت كذلك نزعتها القومية وأصبحت أقل موضوعية ما دامت تسبق في غالب الأحيان الاستيلاء على المستعمرات»([47]).
ومع مطلع القرن العشرين تبرز الأهمية التي بدأت فرنسا تمنحها لاكتشاف ودراسة المجال الموريتاني. وستتجسد تلك الأهمية في اختيار الأشخاص الذين سوف تسند إليهم تلك المهمة. فلم تعد دراسة هذه البلاد لتوكل إلى مغرمين بالصحراء كبول صوليي (Paul Soleillet) وشارل صولير (Charles Soller) ولا إلى صحفيين مثل غاستون دوني (Gaston Donnet) وليون فابير (Léon Fabert)، وإنما أصبحت مسألة من الأهمية والخطورة بحيث لا يمكن إسنادها إلا لشخصيات أكثر تخصصا ودراية بمختلف مجالات الدراسة والعلم. فكان هذا العقد عقد العلماء والباحثين الأكاديميين([48]).

2 – تمثُّلُ السياسة الاستعمارية “فرق تسد”

عزف الفرنسيون على وتيرة الصراعات العرقية مقسمين البيضان إلى عرب وهم “محاربون” و”نهابون” يرفضون التعاون مع السلطات الفرنسية وبربر وهم “مسالمون” و”معرضون للإبادة” ويقبلون التعاون مع الفرنسيين.
وقد بالغ الفرنسيون في التركيز على تفكك المجتمع البيضاني والاضطراب السائد داخله وعجز الأمراء وشيوخ القبائل عن توفير الأمن والاستقرار؛ كل ذلك خدمة لتهيئة الرأي العام الفرنسي وإقناعه بقبول الإقدام على عملية غزو البلاد الموريتانية وتحمل ما قد يتطلبه ذلك من الخسائر البشرية والمادية.
يلاحظ تمثُّلُ السياسة الاستعمارية الشهيرة “فرق تسد” من حديث الضابط كاي عن «الإهانات المستمرة والظلم الاستبدادي الذي تعرض له السكان ذوو الأصول البربرية»([49]) في إشارة إلى الصراعات التي اندلعت بين القبائل العربية الوافدة على المنطقة والقبائل الصنهاجية القديمة العهد بها نسبيا، وذلك في نطاق التنافس على “المجال الحيوي” وإعادة تشكل الخريطة الاجتماعية والسياسية للمنطقة([50]).
ومعلوم أن فرنسا قد تبنت، منذ احتلالها للجزائر، سياسة مبنية على اختلاق صراع عرقي بين البربر والعرب طبقا للسياسة الاستعمارية “فرق تسد” خدمة لصراعها مع الحضارة العربية الإسلامية، وهي السياسة التي تعرض الجابري لها بالتحليل في بحث رصين([51]) تناول أبعادها ونتائجها في المغرب الأقصى من خلال ما يعرف بـ”الظهير البربري”.
وبعد مضي أزيد من نصف قرن على إيماءة الضابط كايْ إلى «الإهانات المستمرة والظلم الاستبدادي الذي تعرض له السكان ذوو الأصول البربرية» نجد مزيدا من شرح ذلك الموقف مع أحد منظري ومنفذي السياسة الاستعمارية الفرنسية بمنطقة المغرب العربي هو بول مارتي (Paul Marty). يقول هذا الإداري الفرنسي في حديث صريح ومنحاز: «إن غياب البربر شيء يؤسف له، ذلك أنهم لو أرادوا الصمود أمام الغزاة العرب فإن أعدادهم وثرواتهم تخولهم بسهولة قهر مجموعة النهابين هذه وطردها بعيدا أو استيعابها. إن الحضارة البربرية العملية والتقدمية أفضل من العادات العربية السلبية والعدوانية المتأتية من بداوة مستحكمة غير صالحة لأي تقدم جدي»([52]). وبديهي أن هذا الموقف ناجم عن السعي إلى إثارة النعرات داخل المجتمع الموريتاني لتفكيكه من الداخل، وليس ناتجا عن وقوف فعلي إلى جانب البربر.
وهكذا فإن الأوروبيين الذين تزعموا جمع المعلومات وصياغة المعارف العلمية الحديثة لم يكونوا دائما مجرد علماء حياديين «يمّحون أمام الأحداث والظواهر»([53])، بل كانوا، على العموم، يضعون معرفتهم في خدمة بلادهم، مما دفع البعض إلى اعتبارهم ينتجون «علما في صالح الكولونيالية».
غير أنه من الضروري أن نفصل بين المستوى المعرفي والتراكم الحاصل في وصف الظواهر والمعطيات من جهة، والمستوى الإيديولوجي من جهة أخرى لأن تجاهل هذا الفصل قد يؤدي إلى إضاعة مادة علمية ثمينة([54]). ذلك ما تفطن إليه إدوارد سعيد الذي أكد على القيمة المعرفية للدراسات الاستشراقية حين قال: «في اعتقادي أننا سنكون على خطأ إذا قللنا من أهمية مخزون المعرفة الموثقة وتقنيات السنة الاستشراقية». فهذه الدراسات أنجزت في أفق تيار العقلنة الذي سعى إلى تحرير العقول من قيود الأساطير والخرافات المتراكمة عبر الحقب الماضية مما أعطى قيمة كبيرة لجزء من معطياتها المصدرية التي أصبحت تميل إلى الموضوعية والدقة وتنأى عن المبالغة والأسطورية، وإن كانت ستتأثر -كما رأينا- بالإيديولوجيا الاستعمارية المشحونة بعقد التعالي والذات المركزية الأوروبية، فتحاول أن تشوه جوانب من حياة هذه المجتمعات التي تصفها([55]).
وجملة القول أن المقاومة الثقافية التي عرفتها هذه الربوع بقيادة وتأطير شيوخ المحاظر قد أسهمت إسهاما كبيرا في صيانة التراث الثقافي والحضاري للأمة ورفعت اسم البلاد بأعلام كان لهم حضور بارز على مستوى العالمين العربي والإسلامي، ومكنت بالاعتماد على إمكانيات محدودة من الصمود في وجه التغريب والمسخ الثقافي وساعدت في التشبث بالهوية الخاصة، حيث يؤكد فرانسيس دو شاسي (Francis de Chassey) «أن حماسا دينيا عارما صاحب الاستعمار، إذ ازداد الموريتانيون خلال الفترة الاستعمارية تمسكا بالإسلام وتطبيقا لشعائره، فانتشر التدين بين مختلف المراتب والفئات الاجتماعية»([56]). والمهمة نفسها اليوم تقتضيها تحديات العولمة الثقافية ودعوات التعصب وإلغاء الآخر التي ترتفع من وقت لآخر مبشرة بنهاية التاريخ لصالح صيغة واحدة مهيمنة حينا، وبتصادم الحضارات البشرية حينا آخر وما انجر عنها من التباس الحق بالباطل وانتشار تيارات الغلو والتكفير ومحاولات إلصاق مختلف التهم والنعوت السلبية بالدين الإسلامي واللغة العربية حيث يصر جزء كبير من منتوج المعرفة الاستعمارية الراهن على ربط هذا الدين حيفا بالإرهاب ووصف هذه اللغة ظلما بالخمول والعجز عن استيعاب التطورات العلمية المتلاحقة.

البيبليوغرافيا

أولاً: باللغة العربية

• إدوارد سعيد، الاستشراق، المعرفة-السلطة-الإنشاء، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1991، 366 ص.
• باسكون (بول)، “مقابلة مع بول باسكون”، ضمن: “ملف بول باسكون وعلم الاجتماع القروي”، بيت الحكمة، العدد 3، 1986، الدار البيضاء،
120 ص.
• بوطالب (إبراهيم)، “البحث الكولونيالي حول المغرب العربي: حصيلة نقدية”، ضمن: البحث فى تاريخ المغرب. حصيلة وتقويم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 14، الرباط، 1989، صص. 173-107.
• الجابري (محمد عابد)، “يقظة الوعي العروبي في المغرب: مساهمة في نقد السوسيولوجيا الاستعمارية”، ضمن: المغرب المعاصر، الخصوصية والهوية.. الحداثة والتنمية، بنشره للطباعة والنشر، الدار البيضاء، الطبعة 1، 1988، صص. 75-110.
• جماعة من الباحثين، الأنتروبولوجيا والتاريخ، حالة المغرب العربي، ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1988، 130 ص.
• محمدو (محمدن أمين)، “الرحالة الفرنسيون في القرن التاسع عشر ودورهم في تشويه التاريخ الموريتاني”، حوليات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة نواكشوط، العدد 2، نواكشوط، 1990، صص. 21-35.
• محمدو (محمدن أمين)، المجتمع البيضاني في القرن التاسع عشر (قراءة في الرحلات الاستكشافية الفرنسية)، معهد الدراسات الإفريقية، جامعة محمد الخامس، مطبعة النجاح الجديدة، 2001، 475 ص.
• محمدو (محمدن أمين)، وثائق من التاريخ الموريتاني (نصوص فرنسية غير منشورة)، ترجمة وتحقيق وتعليق، منشورات جامعة نواكشوط، المطبعة الجديدة، نواكشوط (موريتانيا) 2000، 358 ص.
• النحوي (الخليل)، بلاد شنقيط، المنارة.. والرباط. عرض للحياة العلمية والإشعاع الثقافي والجهاد الديني من خلال الجامعات البدوية المتنقلة (المحاضر)، تونس، 1987.
• ولد السعد (محمد المختار)، شرببه أو أزمة القرن 17 في الجنوب الغربي الموريتاني، المعهد الموريتاني للبحث العلمي، نواكشوط، 1993.
• ولد عبد الله (ددود)، الحركة الفكرية في بلاد شنقيط خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر (17-18 م)، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1992-1993.

ثانياً: باللغة الفرنسية

• BLOCH (Marc), Apologie pour l’histoire ou métier d’historien, Paris, Armand Colin, Cahier des Annales, 1949, 111 p.
• BROC (Numa), Dictionnaire illustré des explorateurs français au XIXème siècle, I, Afrique, Paris, Editions du Comité des Travaux Historiques et Scientifiques (CTHS.), 1983, 316 p.
• CAILLE (Jean-François), «Notes sur les peuples de la Mauritanie et de la Nigritie, riverains du Sénégal » Revue Coloniale, Paris, T. IV, 3ème série, septembre 1846, pp. 1-10.
• CHASSEY (Francis de), La Mauritanie 1900-1975, l’Harmattan, 1984.
• DELAFOSSE (Maurice), L’Afrique Occidentale française, in Collection Histoire des colonies françaises et de l’expansion de la France dans le monde (G. Hanotaux et A. Martineau), T.IV, Paris, Plon, 1931, 611 p.
• DESCHAMPS (Hubert), L’Europe découvre l’Afrique. Afrique Occidentale (17941900), Editions BergerLevrault, Paris, 1967, 282 p.
• EYDOUX (Henri-Paul), L’exploration du Sahara, Paris, Gallimard,1938, 242 p.
• FAIDHERBE (Louis), Notice sur la Colonie du Sénégal et sur les pays qui sont en relation avec elle, Paris, Bertrant, 1859, 100 p.
• FERNANDES (Valentim), Description de la Côte d’Afrique de Ceuta au Sénégal (1506-1507). Introduction, texte portugais, traduction et notes de Pierre de Cenival et Théodore Monod, Paris, Larose, 1938, 216 p.
• GAFFAREL (Paul), Histoire de l’expansion coloniale de la France depuis 1871 jusqu’en 1905, Marseille, Barlatier, 1905, 426 p.
• HALL (R.), Découverte de l’Afrique, traduit de l’Anglais par S. Dubois, Paris, Librairie Larousse, 1971, 160 p.
• JOMARD (Edmé-François), Remarques et recherches géographiques sur le voyage de Caillié dans l’Afrique centrale, Imprimerie Royale, Paris, 1830, 406 p.
• LABAT (Jean Baptiste, Le Père), Nouvelle relation de l’Afrique occidentale, Paris, Théodore le Gras et G. Cavalier, 1728, 5 volumes.
• LECOURTOIS (André), Etude expérimentale sur l’enseignement islamique traditionnel en Mauritanie, Entreprises et développement, 1978.
• LEJEUNE (Dominique), Les sociétés de géographie en France et l’expansion coloniale au XIXème siècle, Paris, Albin Michel, 1993, 236 p.
• MAGEAU (A.), Exploration en Afrique pendant le XIXème siècle (Introduction de Paul Gaffarel), Paris, Librairie générale de vulgarisation illustrée, Alfred Degorce, 1913, 207 p.
• MARTY (Paul), L’Emirat des Trarza, Paris, Editions Larose, 1919, 483 p.
• MOLLIEN (Gaspard-Théodore), Voyage dans l’intérieur de l’Afrique et aux sources du Sénégal et de la Gambie, fait en 1818 par ordre du Gouvernement français, Imprimerie de Madame Veuve Courcier, Paris, 1820, 2 volumes, 337 319 p.
• OULD CHEIKH (Abdel Wedoud), Nomadisme, Islam et Pouvoir politique, op.cit., pp.136 et suivantes.
• PANET (Léopold), “Relation d’un voyage du Sénégal Soueira (Mogador)”, Paris, RM, novembre 1850, pp.379-445 et décembre 1850, pp. 473-554.
• PANET (Léopold), Voyage dans l’intérieur de l’Afrique, ANFCAOM: Série: Missions, Carton 1, 1850, 18 p.
• PASQUIER (Roger), Le Sénégal au milieu du XIXème siècle. La crise économique et sociale, thèse pour l’obtention de Doctorat Es lettres, Paris IV-Sorbonne, 1987, 5 vol., 2397 p.
• RAFFENEL (Anne), Nouveau voyage dans le pays des nègres, suivis d’études sur la Colonie du Sénégal et de documents historiques, géographiques et scientifiques, Paris, Imprimerie et librairie centrales des chemins de fer, 1856, 2 t., 512 et 456 p.
• SAINT-MARTIN (Vivien de), «Le Sénégal. Les progrès de notre colonie depuis 1854. Le Gouverneur Faidherbe», L’Année géographique, 1ère année, 1863, Paris, Hachette, pp. 92-96.

• YAKONO (Xavier), Histoire de la colonisation française, Paris, collection: que sais-je?, 5ème Edition, 1988, 127 p.

([1]) يلاحظ هذا الارتباط حتى من عنوان دراسة دومينك لوجين (الجمعيات الجغرافية والتسوسع الاستعماري في القرن التاسع عشر):
Dominique Lejeune, Les societés de géographie en France et l’expansion coloniale au XIXème siècle, Paris, Albin Michel, 1993, 236.
([2]) نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
الجمعية الجغرافية لمدينة ليون (Lyon) وقد أصدرت مجلتها سنة 1874؛
الجمعية الجغرافية لمدينة مارسيليا (Marseille) وقد أصدرت مجلتها سنة 1877؛
الجمعية الجغرافية لمدينة مونبليي (Montpellier) وقد أصدرت مجلتها سنة 1878؛
الجمعية الجغرافية لمدينة روشفور (Rochefort) وقد أصدرت مجلتها سنة 1879؛
الجمعيات الجغرافية لمدن نانت (Nantes)، تولوز (Toulouse) وليل (Lille)، وقد أصدرت مجلاتها الخاصة سنة 1882.
([3]) خصصت الجمعية الجغرافية الباريسية جائزة عشرة آلاف فرنك لأول أوروبي يصل تنبكتو ويعود منها ببعض المعلومات المهمة. راجع:
Edmé-François Jomard, Remarques et recherches géographiques sur le voyage de Caillié dans l’Afrique centrale, Imprimerie Royale, Paris, 1830, 406 p., pp. 355-357.
([4]) . Henri-Paul Eydoux, L’exploration du Sahara, Paris, Gallimard,1938, 242 p., p. 12
([5]) محمدو محمدن أمين، المجتمع البيضاني في القرن التاسع عشر (قراءة في الرحلات الاستكشافية الفرنسية)، معهد الدراسات الإفريقية، جامعة محمد الخامس، مطبعة النجاح الجديدة، 2001، 475 ص.، صص. 73 وما بعدها.
([6]) Valentim Fernandes, Description de la Côte d’Afrique de Ceuta au Sénégal (1506-1507). Introduction, texte portugais, traduction et notes de Pierre de Cenival et Théodore Monod, Paris, Librairie Larose, 1938, 216 p., p. 41.
([7]) Fernandes, Description de la Côte…, op.cit., p. 43.
([8]) A. Mageau, Exploration en Afrique pendant le XIXème siècle, Paris, Librairie générale de vulgarisation illestrée, Alfred Degorce, 1913, 207 p (Introduction de Paul Gaffarel), p. 8.
([9])Hubert Deschamps, L’Europe découvre l’Afrique. Afrique Occidentale (17941900), Berger Levrault, Paris, 1967, p. 249.
([10]) R. Hall, Découverte de l’Afrique, traduit de l’Anglais par S. Dubois, Paris, Librairie Larousse, 1971, 160 p., p. 95.
([11]) Gaspard-Théodore Mollien, Voyage dans l’intérieur de l’Afrique et aux sources du Sénégal et de la Gambie, fait en 1818 par ordre du Gouvernement français, Imprimerie de Madame Veuve Courcier, Paris, 1820, 2 volumes, 337 et 319 p., p. VIJ.
([12]) .A. Mageau, Exploration en Afrique, op.cit., p. 9
([13]) H. P. Eydoux, L’exploration du Sahara, op.cit., pp.12-13.
([14]) A. Mageau, Exploration en Afrique… (Introduction de Paul Gaffarel), op.cit., p. 9.
([15]) H. P. Eydoux, L’exploration du Sahara, op.cit., p. 21
([16]) للمزيد من التفاصيل عن مدلول هذه التسمية وأدوار هذه المؤسسات الثقافية، تمكن مراجعة:
الخليل النحوي، بلاد شنقيط، المنارة.. والرباط. عرض للحياة العلمية والإشعاع الثقافي والجهاد الديني من خلال الجامعات البدوية المتنقلة (المحاضر)، تونس، 1987، صص. 48 وما بعدها.
المختار بن حامد، حياة موريتانيا، الحياة الثقافية، الدار العربية للكتاب، تونس، 1990،
ص. 197 وما بعدها.
ددود ولد عبد الله، الحركة الفكرية في بلاد شنقيط خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر (17-18 م)، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ (دكتوراه السلك الثالث)، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1992-1993، صص. 70 وما بعدها.
محمدو محمدن أمين، «المحاضر الموريتانية (الجامعات البدوية المتنقلة)»، مجلة التاريخ العربي، العدد الثاني والعشرون، الرباط، 2002، صص. 339-361.
([17]) الخليل النحوي، بلاد شنقيط، المنارة.. مرجع سابق.
([18]) André Lecourtois, Etude expérimentale sur l’enseignement islamique traditionnel en Mauritanie, Entreprises et développement, 1978, p. 32.
([19]) André Lecourtois, Etude expérimentale sur l’enseignement islamique, op.cit.
([20]) الخليل النحوي، المنارة والرباط، مرجع سابق، ص. 259.
([21]) J. B. Labat, Le Père, Nouvelle relation de l’Afrique occidentale, Paris, Th. le Gras et G. Cavalier, 1728, 5 vol.
([22]) Paul Marty, L’Emirat du Trarza, Paris, Editions Larose, 1919, p. 17.
([23]) Paul Marty, L’Emirat du Trarza, op.cit., pp. 18.
([24]) لم تكن غالبية المترجمين السنغاليين الذين اكتتبتهم الإدارة الفرنسية بالسنغال تتقن العربية ولا الفرنسية، مما انعكس أحيانا على دقة وصحة الوثائق المترجمة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن اثنين من أفراد أسرة ابن المقداد (التى احتكرت وظيفة الترجمة للولاة الفرنسيين على السنغال منذ منتصف القرن التاسع عشر) هما عبد الله سك ودود سك، قد عيّنا مترجمين لدى الوالي الفرنسي وهما يجهلان -وقت تعيينهما- الفرنسية نفسها، راجع: Bou El Mogdad, Notes autobiographiques de Doudou Seck, 35 p.
([25]) إدوارد سعيد، الاستشراق، المعرفة-السلطة-الإنشاء، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، الطبعة 3، 1991، ص. 39.
([26]) المرجع نفسه، ص. 68.
([27]) Vivien de Saint-Martin, Le Sénégal. Les progrès de notre colonie depuis 1854. Le Gouverneur Faidherbe”, L’Année géographique, 1ère année, 1863, Paris, Hachette, pp. 92-96, op.cit. , pp. 95- 96.
([28]) Léopold Panet, Voyage dans l’intérieur de l’Afrique 1850, ANFCAOM.: Série Missions, Carton 1.
([29]) Voyage de M. Panet dans l’intérieur de l’Afrique, ANFCAOM: Série: Mission, Carton 1: 1850, (dossier Panet).
([30]) Voyage de M. Panet dans l’intérieur de l’Afrique, ANFCAOM: Série: Mission, Carton 1: 1850, 18 p., (dossier Panet).
([31]) Numa Broc, Dictionnaire illustré des explorateurs français au XIXème siècle, I, Afrique, Paris, Editions du Comité des Travaux Historiques et Scientifiques (CTHS.), 1983, 316 p., pp. 249-250.
([32]) René Caillié, op.cit., t.-1, pp. 90-91.
([33]) “مقابلة مع بول باسكون”، ضمن “ملف بول باسكون وعلم الاجتماع القروي”، بيت الحكمة، العدد 3، 1986، الدار البيضاء، 120 ص.، ص.15.
([34]) Léopold Panet, «Relation d’un voyage du Sénégal Soueira (Mogador)», Paris, Revue maritime, novembre 1850, pp.379-445 et décembre 1850, pp. 473-554.
([35]) Anne Raffenel, Nouveau voyage dans le pays des nègres, suivis d’études sur la Colonie du Sénégal et de documents historiques, géographiques et scientifiques, Paris, Imprimerie et librairie centrales des chemins de fer, 1856, 2 t., 512 et 456 p.
([36]) Maurice Delafosse, L’Afrique Occidentale française, in Collection Histoire des colonies françaises et de l’expansion de la France dans le monde (G. Hanotaux et A. Martineau), T. IV, Paris, Plon, 1931, 611 p., p. 255.
([37]) تتلخص تلك المقترحات في:
عدم الضغط على السكان أو السيطرة عليهم قسرا؛
انتهاج سياسة الاستقطاب؛
الاعتماد على الوثنيين واللامبالين؛
إرسال المبشرين إلى المنطقة.
([38]) محمدو محمدن أمين، وثائق من التاريخ الموريتاني (نصوص فرنسية غير منشورة)، ترجمة وتحقيق وتعليق، منشورات جامعة نواكشوط، المطبعة الجديدة، نواكشوط، 2000، 358 ص.، صص. 52-55.
([39]) Roger Pasquier, Le Sénégal au milieu du XIXème siècle. La crise économique et sociale, thèse pour l’obtention de Doctorat Es lettres, Paris IV-Sorbonne, 1987, 5 vol., 2397 p., t.-3, p. 1180.
([40]) تقرير مدير الهندسة الحربية فيدرب بتاريخ 3 يوليو/تموز 1854، راجع:
Faidherbe, Rapport de M. le directeur du génie, 3 juillet 1854, ANFCAOM, Sénégal et Dép.- IV-19: Expansion territoriale et politique indigène (1840-1854), chemise 19 b, , 6 p., p.2
([41]) Pasquier, op.cit., p. 1181
([42]) راجع بهذا الخصوص:
ü Vivien de Saint-Martin, “Le Sénégal…”, op.cit.., p. 96.
ü Xavier Yakono, Histoire de la colonisation française, Paris, collection: que sais-je?, 5ème Edition, 1988, 127 p., p.39.
ü Louis Faidherbe, Notice sur la Colonie du Sénégal et sur les pays qui sont en relation avec elle, Paris, Bertrant, 1859, 100 p.
([43]) Vivien de Saint-Martin, “Le Sénégal….”, op.cit., p. 96.
([44]) يشير كافارال هنا إلى قبول الفرنسيين لبعض أشكال تبعية بلاد السنغال للبيضان وإلى الأتاوات والرسوم التى كان الفرنسيون حتى ذلك الوقت يقدمونها لهؤلاء البيضان مقابل تأمين التجارة بالمنطقة.
([45]) Paul Gaffarel, Histoire de l’expansion coloniale de la France depuis 1871 jusqu’en 1905, Marseille, Barlatier, 1905, p. 75.
([46]) Maurice Delafosse, L’Afrique Occidentale française…, op.cit., p. 255.
([47]) Noma Broc, “Les explorateurs français…”, op.cit., p. 239.
([48]) أرسلت إلى البلاد الموريتانية في هذه الفترة بعثات تزعمها ثلاثة باحثين هم المؤرخ الأركيولودي بول بلانشي (Paul Blanchet)، والأستاذان الجامعيان أبل كروفل (Ebel Gruvel) ورنى شودو (Paul René Chudeau).
([49]) راجع: تحقيقنا لهذا النص، ص. 72.
([50]) بخصوص هذه الصراعات والحروب تمكن مراجعة:
ولد السعد محمد المختار، حرب شرببة أو أزمة القرن 17 فى الجنوب الغربي الموريتاني، المعهد الموريتاني للبحث العلمي، نواكشوط، 1993، 195 ص.
Abdel Wedoud Ould Cheikh, “Nomadisme, Islam et Pouvoir politique, op.cit., pp.136 et suivantes.
([51]) محمد عابد الجابري، “يقظة الوعي العروبي في المغرب: مساهمة في نقد السوسيولوجيا الاستعمارية”، ضمن: المغرب المعاصر، الخصوصية والهوية.. الحداثة والتنمية، مؤسسة بنشره للطباعة والنشر، الدار البيضاء/المغرب، الطبعة الأولى، 1988، صص. 75-110.
([52]) Paul Marty, L’Emirat des Trarza, Paris, Editions Larose, 1919, 483 p., p. 23.
([53]) يطالب مارك بلوك (Marc Bloch) العالم “بالامحاء أمام الأحداث” حين يقول: «إن المؤرخ، أي العالم يجب أن يمحي أمام الأحداث»:
«L’historien, le savant en d’autres termes doit s’effacer deavant les évenements», Marc Bloch, Apologie pour l’histoire ou métier d’historien, Paris, Armand Colin, Cahier des Annales, 1949, 111 p.
([54]) جماعة من الباحثين، الأنتروبولوجيا والتاريخ، حالة المغرب العربي، ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1988، 130 ص.، ص. 7.
([55]) محمدو محمدن أمين، “الرحالة الفرنسيون في القرن التاسع عشر ودورهم في تشويه التاريخ الموريتاني”، حوليات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة نواكشوط، العدد الثاني، نواكشوط، 1990، صص. 21-35.
([56]) Francis de CHASSEY, La Mauritanie 1900-1975, l’Harmattan, 1984, p. 136.

* أستاذ تاريخ بجامعة نواكشوط/ مجلة “التاريخ العربي”

اقرأ أيضا

اتحاد كتاب المغرب

اتحاد كتاب المغرب يتضامن مع الروائي عزيز بنحدوش

عقب صدور حكم قضائي في حق الكاتب عزيز بنحدوش، بالحبس شهرين موقوفي التنفيذ، بمناسبة صدور روايته " جزيرة الذكور"، أصدر اتحاد كتاب المغرب بيانا للتضامن معه.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *