بقلم: مصطفى عبد الله الغاشي*
إن زيارة ابن عثمان المكناسي وأبي القاسم الزياني لمنطقة الشام وفلسطين جاءت بعد انتهاء مهمتيهما في إسطانبول، فكانت وجهتهما الثانية بعد ذلك الحجاز بهدف أداء مناسك الحج. وقد كان خروجهما مع الركب العثماني الذي كان يعبر مدن ولاية الشام قبل التوجه إلى ولاية الحجاز. وقد شكلت هذه المناسبة للسفيرين المغربيين فرصة للإطلاع على أحوال هذه الولاية وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.. وخلال طريق العودة أي من الحجاز إلى سوريا (دمشق) توجه السفيران إلى فلسطين لزيارة القدس الشريف ومدينة الخليل. وتعكس الملاحظات والمشاهدات التي دونها السفيران المغربيان حول ولايتي الشام وفلسطين الأهمية الكبرى التي كانت الولايتان تحتلانهما لدى الرحالين من حيث بعديهما التاريخي والديني والثقافي والصوفي(1).
1 – بلاد الشام(2):
أ – الأحوال الاجتماعية والاقتصادية
نظرا لموقع بلاد الشام القريب من اسطانبول وبلاد الأناضول عموما، ونظرا لموقعها على الطريق الرابط بين عاصمة الدولة العثمانية وولاية الحجاز، يبدو أن بلاد الشام كانت تحتل مكانة خاصة في سياسة الأتراك العثمانيين خصوصا وأن المرور كان يتم عبر منطقة الشام مما يعني أن المنطقة الواقعة على طول هذا الخط كانت تحظى برعاية الدولة، خصوصا وأن ركب الحاج الذي كان يعبر هذه الطريق سمى باسم المنطقة فعرف بالركب الشامي. وعلاوة على عناية الدولة بهذه المنطقة فقد استفادت أيضا من الرواج الاقتصادي والتجاري الذي يرافق مرور ركب الحاج.
إلا أن المنطقة استفادت أيضا من انفتاحها على التجارة الدولية خاصة بعد توقيع الدولة العثمانية على عدد كبير من الاتفاقيات التجارية مع بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا منذ النصف الأول من القرن السابع عشر، وهو ما أدى إلى تواجد عدد كبير من التجار الأوروبيين بالمدن الشامية خاصة حلب ودمشق وصيدا. وقد أدى ذلك إلى حدوث رواج تجاري كبير انتفعت منه المنطقة(3)، أخذا بعين الاعتبار أن المنطقة كانت تنتج موادا ذات قيمة تجارية دولية كثيرة الطلب عليها: كالقطن والحرير وغيرهما.
وقد زار ابن عثمان منطقة الشام في طريقه إلى الحجاز وترك شهادة حية عن الرواج التجاري الذي كانت تعرفه المنطقة، فقد قال عن مدينة حماة عند الدخول إليها: “وهي مدينة كبيرة فيها خمس وعشرون مسجدا للخطبة ولها بساتين وأجنات كثيرة، وهي مؤسسة أيضا على نهر العاصي المتقدم يشقها وعليه دواليب كثيرة لاستخراج الماء منه في غاية الكبر، علو الواحدة نحو الخمسين قدما، ويزرع بِها القطن الكثير وينسج على أشكال وألوان..”(4). ويبدو أن سكان المدينة قد جعلوا من مرور الركب الشامي موسما تجاريا ضخما، وهذا ما يؤكده ابن عثمان عندما حط الركب رحاله بالمدينة: ” ولما حططنا الرحال بظاهرها خرج أهل المدينة بجميع الأشياء للبيع والفواكه الموجودة في الوقت ولاسيما المشماش الحموي منسوب إليها في الغاية صادق الحلاوة، وكذا الأردية والإزر التي يحرم الناس فيها فمن هذه المدينة نشتري فاشترينا منها كما فعل الناس”(5).
وبعد مدينة حماة توجه السفير صحبة الركب الشامي باتجاه مدينة حمص التي قال بأنها “بقعة من بقاع الجنة لكثرة ما اشتملت عليه من الصحابة والأولياء رضوان الله عليهم أجمعين”(6). وحسب ابن عثمان فإن هذه المدينة اشتهرت بصناعة الحرير الذي شكل المادة الأساسية لتجارة أهالي المدينة. يقول ابن عثمان:
” وينسج بهذه المدينة الحرير الكثير فقد كان أهلها يجوسون خلال خيام الركب بثياب الحرير يبيعونها”، وذلك بالنظر إلى توفرها على ما يذكر السفير المغربي على ” أربعمائة منول تنسج الحرير”(7). ومعنى ذلك أن المدينة كانت تتوفر على إمكانيات كبيرة لإنتاج الحرير حيث يعرف رواجه مع قدوم ركب الحاج الشامي.
وفي مدينة دمشق التي أقام بِها ابن عثمان مدة إقامة الركب الشامي بِها فيقدم معطيات سوسيو اقتصادية غاية في الأهمية تعكس الديناميكية التي تعرفها المدينة مع حلول موسم الحج خاصة وأن دمشق كانت آخر مرحلة لاستراحة الركب داخل مجال حضري، ولذلك فقد كان على الحجاج التزود بحاجياتهم كالخيام والدواب والماء…الخ، بمعنى آخر تحول دمشق إلى سوق كبيرة ومجمع بشري ضخم نظرا للأعداد الكبيرة من الحجاج والتجار والجنود المرافقين للركب بالمدينة. يقول ابن عثمان:” وبعد صلاة العشاء وطلوع الفجر حملنا وركبنا الأتخات تحملها الإبل وسرنا وأسواق المدينة مسرجة كلها عامرة بالبيع والشراء والدكاكين مفتوحة والسكك ملئى بالناس رجالا ونساء بقصد توديع الحجاج…”(8).
وقد كانت مدينة دمشق خلال القرن الثامن عشر تعرف ازدهار صناعة وتجارة الحرير، وفي هذا السياق يذكر ابن عثمان نقلا عن بائع ثياب دمشقي بأن المدينة تتوفر على ما يزيد عن الخمسة عشر ألفا من مصانع الحرير(9). فبالإضافة لاشتغال الناس بهذه الصناعة، فقد كانت مدينة دمشق تعرف رواجا كبيرا كان له انعكاس واضح على المدينة وسكانها ومن ذلك ما ذكر ابن عثمان عن توسع المدينة عمرانيا وبشريا:
“الحاصل أن دمشق بلد كبير نعني بما أضيف إليه وأما خصوص مسور دمشق القديمة فليست غاية في الكبر وإنما هي متوسطة، وأما بما أضيف إليها وزيد فيها خارج السور فهي كبيرة جدا مستطيلة لناحية القبلة…”(10).
وقد أعجب أبو القاسم الزياني بمدينة دمشق وتراثها الحضاري، ومما قاله في هذا الصدد “بها ما لا يوصف من الحضارة والمباني العظيمة والبساتين المنمقة إلى ما لا غاية له… وبدمشق من المساجد للخطب ومن الحمامات ستون…”(11).
أما عن مدينة أنطاكية فيذكر ابن عثمان بأنها “مدينة كبيرة فيها نحو الخمسى عشرة خطبة، وأرضها أرض حراثة وفلاحة، وهي مؤسسة في بسيط مستندة على جبل وحولها بساتين ووادي عذب يقال له العاصي. وقد جرى لسان العامة في خرافة يحكونها أنه من النيل ولا أصل لذلك، فإن نبعه قريب من بعلبك. ولهذه المدينة سور عظيم محيط بالمدينة وبعض البساتين، وبالجبل مصعد في قنته ومصوب في شعابه، يستبعد الإنسان أن يكون ذلك من عمل الإنس، وهو من بنيان الروم الذين كانوا بِها قبل الإسلام، فلم تغن عنهم حصونهم من الله شيئا، إلا أنه اليوم به تهدم في عدة مواضع قيل ببعض الزلازل والأحداث وطول الزمان”(12). ويبدو من خلال ما نقله عنها السفير المغربي أن مدينة انطاكية ذات تاريخ حضاري قديم، وكانت تتميز بموقعها على السهل يخترقه نهر العاصي الشيء الذي جعل منها مدينة فلاحية، وقد كانت تنتج منتوجات عدة منها الدخان(13).
إلا أن هذه المدينة حسب ابن عثمان وخلال تواجده بِها تراجعت وضعيتها على مستويات عدة: فهي ” اليوم ليست بالحال الذي يناسب ذكرها وشهرتها، وإن كانت فيها حضرية فقد غيرها الزمان فهي اليوم ضعيفة جدا، إلا أن بناءها يدل على ضخامتها فكله مبني بالحجارة المنحوتة، وأزقتها وأسواقها كلها مرصفة بالحجارة”(14). وقد وجد ابن عثمان تفسير تغير هذه الوضعية في عاملين: الأول طبيعي ارتبط بالجفاف والقحط: “وقد تكلمت في ذلك مع بعض أهلها فقال لي غيَّرها توالي القحط والوباء وقد وجدنا بقيته، فقد وصلنا في فصل المصيف والزرع في سنبله قائم في فدادينه لم يحصد لقلة الناس فقد أبادهم الوباء…”(15). والثاني سياسي اجتماعي ارتبط بالظلم والاستضعاف اللذين كان يمارسانه الحكام والولاة على سكان المدينة: “وزادهم عمال الجور فقد أخبرت عن أحد الوزراء مر بهم فنزل على رجل من كبار البلد، فأضافه نحوا من أربعين يوما وهو يصرف عليه وعلى أتباعه وحشمة نحو مائة ريال رومي في كل يوم، وبعد ذلك نهب ماله كله وقتله… وهكذا هي أحوال عمال هذه الدولة يأكلون اللحم ويمتشون العظم جبر الله حال المسلمين”(16). وحسب ابن عثمان فقد كان لهذا النوع من السلوك الاستبدادي انعكاسات خطيرة على أوضاع المدينة اجتماعيا واقتصاديا وعمرانيا، الشيء الذي أدى إلى تقهقرها وتراجع دورها التاريخي.
وقد قدم السفير المغربي أكثر من شهادة على ما كان يتعرض له سكان بعض المدن والقرى الشامية من ظلم وجور على يد الحكام والولاة المعينين من طرف الباب العالي، فهو يذكر أنه عندما دخل قلعة المضيق بعد خروجه من انطاكية وجدها في حالة اضطراب وتمرد بسبب ظلم عاملها. يقول ابن عثمان: “… ولأهلها إباء وامتناع فقد وجدناهم ممتنعين من قبول عامل بعثه السلطان إليهم ومنعوه من الدخول إليهم لا خروجا عن الطاعة وإنما هو فرار من العامل لجوره هكذا يقولون”(17).
وفي نفس السياق ذكر السفير المغربي المكناسي ما عاينه بجزيرة قبرص المقابلة للساحل الشامي، فهي على الرغم من كبرها واستفادتها من البحر، فإنها كانت شبه خالية من السكان والسبب في ذلك ظلم واستبداد الولاة على الرغم من تبعيتها المباشرة للصدر الأعظم. “وهي جزيرة كبيرة كثيرة الخصب والرخاء والخير، وجددنا الماء وأخذنا منها بعض المؤن ونزلنا إلى برها في تلك المدة فاسترحنا من ميد البحر بِها يومين، إلا أنها خفيفة العمارة فأخبرني بعض أهلها أن سبب ذلك جور الحكام ولا حول ولا قوة إلا بالله. والذي يتصرف فيها الوزير الأعظم في الدولة العثمانية وهي معينة لمنصب الوزارة، فكل من يتولى الوزارة يتصرف في هذه الجزيرة ويأخذ خراجها مقطوعة من السلطان لمن يتولى ذلك”(18). ويفهم من كلام ابن عثمان استنكاره الشديد لهذا الوضع خصوصا وأن الجزيرة كانت تابعة للصدر الأعظم بمعنى آخر للدولة، فهو بذلك يحملها المسؤولية الكاملة عما يجري فيها.
والملاحظ أن الزياني الذي زار الجزيرة في نفس الفترة تقريبا تتناقض شهادته مع شهادة ابن عثمان حول أوضاع الجزيرة، إذ يفهم من كلامه عنها أنها كانت تنعم بالعدل والاستقرار والرخاء: “… وهي دار مملكة قاض الدولة أحمد بن مروان الكردي سلطان الجزيرة وكان رجلا مسعودا عالي الهمة حسن السيرة صاحب سياسة وحزم قضى وطرا من اللذات وبلغ الغاية القصوى من السعادات، ما صادر أحد في عماله قط إلا رجلا واحدا، ولم يترك صلاة الصبح في الجماعة منذ أدرك، مع انهماكه في لذاته، قسم يومه على أربع، ربع لمباشرة دعاوي الشكايات وربع لأكله وراحته، وربع لتدبير الملك والرعية، وليله لثلات: ثلث للعبادة، وثلث لعياله وثلث لنومه. وكان له ثلاثمائة وستون جارية، كل ليلة بواحدة، والرحبة والرما والموصل”(19). والواضح أن الزياني الذي كان يلازم كبار رجال الدولة في تنقلاته كان يتجنب الحديث عن الكثير من المساوئ الاجتماعية والسياسية داخل الدولة العثمانية، ولذلك فعند حديثه عن جزيرة قبرص اقتصر الحديث فيها عن حاكمها دون الإشارة إلى سكانها وأوضاعها. أما ابن عثمان فيظهر من خلال حديثه عنها أو عن باقي المدن والقرى الشامية أنه كان يسأل ويتقصى لمعرفة الأوضاع الحقيقية للدولة. وبناء على ذلك فقد جاءت “رحلته الإحراز” غنية بالمادة التاريخية من خلال تتبعه لأوضاع أنطاكية التي عانت من الجفاف والقحط والوباء والظلم والاستبداد، مما كان له الأثر الكبير على الوضعية الاجتماعية والديموغرافية، فقد أشار إلى ظاهرة خطيرة تتعلق بعدم وجود اليد العاملة الفلاحية لحصاد الزرع بالإضافة إلى خلو الحمام من العاملين به (صاحب الكيس) بعدما كان عددهم يصل إلى ستين رجلا قضى عليهم الوباء أو اضطروا إلى الهجرة.
واعتمادا على ما يقدمه ابن عثمان فيبدو أن منطقة الشام وعلى الرغم من الصورة التي حاول السفير المغربي أن يعكسها عنها كانت تعاني من وضعية جد صعبة، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره عن مدينة أنطاكية والجزيرة فإن عودة ابن عثمان إلى دمشق بعد الحج تزامنت وانتشار الوباء بِها والذي يبدو أنه تسبب في كارثة إنسانية حسب الأرقام التي يقدمها السفير: “وقد وقع في هذه السنة موت كثير بالشام في مدة غيبتنا بمكة، فقد حكي أنهم كانوا يدفنون نحو الخمسمائة في كل يوم، وقد وجدنا كثيرا ممن تلاقينا معهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى…”(20) ويقصد بذلك الفقهاء والعلماء الذين التقى بهم قبل خروجه من المدينة باتجاه الحجاز. ومما هو جذير بالملاحظة أن ابن عثمان تحدث في طريقه إلى الحجاز عن الوباء الذي ضرب مدينة أنطاكية، ثم عن الوباء الذي ضرب دمشق عند عودته من الحج ومعنى ذلك أن ظاهرة الوباء بالشام كانت تتزامن وفترات القحط والجفاف، بالإضافة إلى كونها كانت سريعة الانتشار، وهذا ما يفسر انتقال الكارثة من أنطاكية إلى دمشق خلال فترة غياب ابن عثمان في الحج، وقد تكون مناطق أخرى لم يزرها السفير المغربي قد أصيبت بدورها بهذه الكارثة.
ومن القضايا الحساسة التي انتبه لها ابن عثمان المكناسي خلال تواجده ببلاد الشام فساد القضاء وانتشار الفساد والرشوة بها، فقد قدم صورة لسلوك القضاة وظلمهم للأهالي: ” وقد نزلت نازلة بدمشق وذلك أن القاضي سجن رجلا حكم له حتى يؤدي عشر الشيء المتنازع فيه كما هي عادة قضاة المشرق نسأل الله السلامة والعافية من هذه الورطة التي وقعوا فيها، فقد عمت بِها البلوى في القسطنطينية وبلاد الترك والشام والعراق ومصر وجميع بلاد المشرق، وباعوا آخرتهم بدنياهم متفقين على ذلك من غير توقف ولا تأمل ولا تخوف ولا استحياء ولا تستر فليس للوعظ فيهم عمل ولا تأثر فكأنها عندهم جباية عن أصول فيسمونه بالمحصول فتجد القاضي يناضل على قبضه ويصول من غير ارتياء ولا استحياء ولا حشمة ولا اعتبار بعار أو وصمة كأنه حق واجب ويزاد للجليس والحاجب، فإن كانوا مع إظهارهم لهذا الأمر جليته معتقدين حليته فقد باؤوا بالصفقة الخاسرة وجوه يومئذ باسرة، فيا حسرتا على الأحكام الشرعية المرضية المرعية فقد ضاعت حقوقها وساغ عقوقها”(21).
ومن الصور الأخرى التي تعكس بشاعة القضاء في بلاد الشام ما حاكاه ابن عثمان من نفس القاضي خلال طريقه إلى الحج “… وذلك أنه مهما مات أحد من الحجاج إلا بعث أصحابه في الحين فيحصون متاعه ويأخذ عشره وورثته قائمون موجودون بل ربما مرض أحد فثقف متاعه قبل موته ويناضلون على هذا ويخاصمون عليه إن ظهر من يصدهم عنه ولو بشفاعة ويرون أنه حقهم نفذه لهم السلطان فإن كانوا مع هذا يعتقدون الحلية فهو كفر ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد ضاعت الأحكام الشرعية في هذه الديار المشرقية فلا تجد أحكامهم إلا بعادة أو قانون مصطلح عليه وإن سلكوا فيها على المنهاج الشرعي فبأقل رشوة يستمالون عن الحق”(22).
ب – الأحوال الثقافية والدينية:
إن الملاحظة الأساسية التي يمكن إبدائها حول رحلة ابن عثمان المكناسي وهو في طريقه إلى الحجاز هي أن خطابه يختلف عما كان وهو في حضرة اسطانبول، وإذا كان وراء كل خطاب شخصية، فإن الشخصية التي نكتشفها في خطاب ابن عثمان وهو في طريقه إلى الحج تختلف تماما عن شخصية السفير والدبلوماسي، إذ تحل شخصية المثقف والعالم والمتصوف، وهو ما ينسجم إلى حد بعيد وهدف الرحلة، فبعد انتهاء مهمته كدبلوماسي لم يعد هناك ما يبرر استمرار التقيد بالبروتوكول الدبلوماسي، ولذلك فإن حديث ابن عثمان كما هو الشأن لأبي القاسم الزياني سوف يركز على ما هو ثقافي وديني أكثر من أي شيء آخر. والواقع أن إرهاصات هذه الشخصية الصوفية بدأت مع ابن عثمان وهو في اسطانبول عندما قام بزيارة ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري من حيث كونه يشكل معلمة دينية وثقافية كبيرة بالمدينة، ولذلك حرص ابن عثمان على زيارته أكثر من مرة: “وكفاها شرفا وفخرا ما حازته دون غيرها تنية وذخرا قبر أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم”(23) وقد ذكر على أنه يوجد خارج المدينة وتشكلت حوله عمارة كثيرة. أما عن مدفنه فيصفه السفير المغربي بكونه عبارة عن “قبة حافلة مشتملة على ذخائر من الأواني الفضية والمنارات والحسك العظام لوقد الشمع وما أشبه ذلك”(24).
وواضح من الوصف الذي يقدمه ابن عثمان أن قبر أبي أيوب الأنصاري كان يحظى باهتمام كبير سواء على المستوى الرسمي من خلال الزينة التي يتوفر عليها، والتي تنسب إلى السلطان محمد الفاتح عقب فتح القسطنطينية أو على مستوى العامة الذين كانوا يزورونه من أجل التبرك(25).
وفي طريقه إلى الحجاز حرص ابن عثمان المكناسي على زيارة التبرك بقبور بعض المشاهير من العلماء وأقطاب الصوفية، ومن ذلك ما ذكره عندما حل بقرية “سيدي الغازي” القريبة من مدينة اسكشهير حيث زار قبر أحد الصالحين يدعى جعفر ولقبه الغازي: “وقد زرنا -يقول ابن عثمان- ضريحه وتبركنا بتربته وأخبرت أن الذي بنى ضريحه علاء الدين السلجوقي ولم أقف على من عرف به تعريفا شافيا”(26).
وعندما حل بمدينة قونية التركية حرص ابن عثمان على إشباع رغباته الصوفية والثقافية من خلال زيارته قبر أحد الأولياء يدعى ملا هنكار بهدف التبرك:”ولما فرغنا من الصلاة دخلنا ضريحه فإذا ضريح منور فيه تربة الشيخ وبعض ذريته”(27)، والملاحظ أن قبر هذا الولي كان عبارة عن زاوية، وهذا ما يفسر كثرة الأتباع الذين يسسهرون على ضريحه وعلى طريقته، يقول الزياني: “ولهم من يقوم بأمر زاويتهم في كل وقت ولهم وظيف على الدولة العثمانية، وعادة المتولي منهم على الزاوية أن يجعل وكيله مقام أبي أيوب الأنصاري، فكلما تعين السلطان للملك هو أول من يبايعه ويقلده السيف وحينئذ يبايعه أهل الدولة…”(28).
ويضيف ابن عثمان الذي تصادف تواجده بهذه المدينة أن الطقوس الصوفية لأهل الزاوية هي الأكثر انتشارا بالأناضول وخاصة العاصمة اسطانبول. فبعد تجمع الأتباع وحضور الشيخ: “وهو من ذرية هذا الولي القائم في الوقت بأمور الزاوية، فأتى بهيبة وسكينة ووقار وقعد بمقعد معين له وصعد رجل من فوق مرتبته وجعل يقرأ آيات من القرآن ويفسرها بلغة الترك، وذكر شيئا من التوحيد والوعظ وأخذ في ذلك مدة، ثم شرعوا في استعمال الحضرة فأخذوا في نقر دفوف ورنة مزامير جماعة منعزلون في ناحية، ثم قام الشيخ وجماعة من الفقراء وجعلوا يطوفون في ذلك المجال، ومهما سامتوا قبر الشيخ إلا أومأ واله برؤوسهم بسكينة ووقار، ثم دخل الفقراء الميدان وجعلوا يدورون وتركناهم على ذلك وانصرفنا لقرب وقت سفرنا…”(29).
ولقد تعددت زيارات السفيرين المغربيين إلى قبور الأولياء والصالحين والعلماء والشيوخ عندما حلا بولاية الشام على اعتبار أنها تشكل تراثا ثقافيا وصوفيا للمنطقة، فانطلاقا في إشباع رغبتيهما الروحية بعد ما كانا في اسطانبول يهتمان بالمظاهر الدنيوية والمادية.
بل ويمكن القول على أن الاهتمام المتزايد لابن عثمان المكناسي وأبي القاسم الزياني بالتراث الروحي والصوفي خلال تواجدهما ببلاد الشام يكشف في العمق عن شخصيتهما الصوفية. في حين لم تكن الشخصية الدبلوماسية إلا لباسا مظهريا فرضته المهمة السفارية، وسرعان ما تخلصا منه بعد انتهاءها. وعلى هذا الأساس أصر ابن عثمان عندما دخل مدينة حمص على البدء بزيارة من فيها من “المشاهير ساداتنا الصحابة الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام فبدأنا بتربة المجاهد الضرغام صاحب الفتوحات والمغازي العظام، سيف الله أبي سليمان خالد بن الوليد… فتبركنا بزيارته ومشاهدة تربته ومعه ولده عبد الرحمان بن خالد”(30).
ويذكر ابن عثمان على أنه بعد زيارته لقبر الصحابي خالد بن الوليد توجه لزيارة قبر عبد الله بن عمر بن الخطاب حسب زعم أهل المدينة. كما حرص على زيارة قبر التابعي كعب الأحبار (كعب بن مانع بن ذي هجن الحميري)، وقبر جعفر الطيار (جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم) وهو أخ على بن أبي طالب. بالإضافة إلى ذلك يذكر السفير ابن عثمان أنه زار قبر الخليفة عمر بن عبد العزيز، وعددا كبيرا من الصحابة: كعكاشة بن محصن، وعمرو بن أمية الضمري، وسعد بن أبي وقاص، وأبي موسى الأشعري، ثم توبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقبر دامس أبي الهول مولى كندة، وقبر عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق… الخ. وقد أنهى ابن عثمان زيارته لمدينة حمص بقوله: “الحاصل هذه البلدة بقعة من بقاع الجنة لكثرة ما اشتملت عليه من الصحابة والأولياء رضوان الله عليهم أجمعين”(31).
أما في مدينة دمشق فقد كانت زيارة السفيرين المغربيين لعدة معالم تاريخية وثقافية ودينية، وأول من بدء بزيارته قبر نبي الله يحيى عليه الصلاة والسلام: “أول ما بدأنا به بعد حط الرحال أن توجهنا لزيارة قبر نبي الله يحيى بن زكرياء على نبينا وعليه الصلاة والسلام”(32). ثم قام بزيارة قبر الصحابي عبد الله بن مرادس “فتبركنا بزيارته وبمشاهدة تربته نفعنا الله به”. كما تبرك السفيران “بمصحف سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- طلبناه من القيم عليه فأخرجه لنا من خزانته وقبلنا الموضع الذي سقط عليه -رضي الله عنه- ولا زال كما هو…”(33).
وقد حظي جامع الأمويين بزيارة ابن عثمان المكناسي والزياني، نظرا لبعده الروحي والثقافي والتاريخي. ومن كثرة إعجاب ابن عثمان بهذا الجامع قدم وصفا له يعكس درجة الافتتان به “وهذا المسجد من أعظم مساجد الإسلام وأجلها وأجملها وأكثرها عمارة، وهو كبير فطوله من الجدار الذي عن يمين المستقبل إلى جداره الذي عن يساره ستمائة قدم وربما تنقص أو تزيد بقليل لاختلاف الأقدام، وعرضه من محرابه إلى جدار آخر المسجد ثلاثمائة وسبعة وثلاثون قدما، له ثلاث بلاطات عرض كل بلاط اثنان وخمسون قدما وعرض الصحن مثل البلاطات ثلاثمائة وستة وخمسون قدما، وعرض بلاط آخر الصحن خمسة وعشرون قدما، وكله على أعمدة الرخام عالي السمك وله من الأبواب أربعة رحم الله بانيه ومطهره من رجس الشرك والشك ومنقذه من أيدي الكفرة المعتدين، وأبقاه عامرا بالملة الحنفية إلى يوم الدين”(34).
ولتأكيد انتمائه الصوفي كانت زيارة ابن عثمان المكناسي لضريح محيي الدين بن عربي (560-638هـ/ 1165-1240 م) فيلسوف التصوف. ويبدو السفير المغربي من خلال حديثه عن ابن عربي متصوفا بل ومدافعا عن فلسفة ابن عربي في التصوف: “… وأما جمهور العلماء والصوفية فقد أقروا بأنه إمام أهل التحقيق والتوحيد وأنه في العلوم الظاهرة فريد وحيد”(35).
وبالإضافة إلى ابن عربي يقدم الزياني أسماء مقابر ومقامات أخرى زارها في طريقه إلى الحجاز، ومن ذلك حسب ما يذكر في الترجمانة: مقام هود عليه السلام، وقبر بلال بن رباح، وقبر أسماء بنت أبي بكر، وقبر عبد الله بن جعفر، وسكينة بنت الحسين، وزينب بنت علي، وفاطمة بنت الحسين، وعبد الله بن زين العابدين، وأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم سلمة، وميمونة… إلى غير ذلك من الأسماء والأعلام(36).
وعلى الرغم من العدد الكبير للمزارات والأضرحة التي زارها السفيران المغربيان فإن ابن عثمان يتأسف لعدم تمكنه من زيارة مواقع أخرى إما لبعدها أو لخوفه من الافتراق عن الركب.
ومما هو جدير بالملاحظة في هذا الإطار أن ابن عثمان بالإضافة إلى القبور والأضرحة والمزارات التي حرص على زيارتها لإشباع رغباته الروحية والصوفية، فإنه يبدو أيضا مثقفا عالما ذا اطلاع واسع، وهذا ما تؤكده المصادر الإسلامية التي اعتمد عليها للتعريف بالكثير من الأسماء التي أشار إليها، ومن ذلك تعريفه بالشيخ عبد الغني النابلسي الذي حرص ابن عثمان على زيارة ضريحه، ومما قال فيه: “وهذا الشيخ كان من العلماء العاملين ومن أهل الطريقة العارفين من أهل الظاهر والباطن مشارك في العلوم…”(37).
ومن جملة الأسماء الأخرى التي عرف بِها ابن عثمان المكناسي نذكر: العارف بالله أرسلان الدمشقي الذي حرص ابن عثمان على زيارة قبره: “كان هذا الرجل من العارفين بالله تعالى من أهل المائة السادسة معاصر لسيدنا القطب مولانا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ونفع به، وكان من العلماء أهل الظاهر والباطن وله رسالة في علم التوحيد…”(38). كما عرف ابن عثمان بالملك نور الدين الشهيد محمود السلجوقي وقدم ترجمة له اعتمادا على عدة مصادر إسلامية.
وجريا على عادة المغاربة الذين زاروا الشرق بهدف الحج، كان لابن عثمان المكناسي لقاءات مع بعض علماء الشام، وقد ذكر أسماء البعض منهم “كالشيخ سعد الدين الحنفي حفيد الشيخ القدوة العمدة سيدي عبد الغني النابلسي رحمه الله تعالى ورضي عنه، وحفيده هذا سلك مسلك أسلافه في الدين والاعتكاف على قراءة العلم وله مشاركة في علوم صاحب وقار وسمت حسن. وقد توجهنا إلى زيارة جده سيدي عبد الغني المذكور فأدخلنا إلى مكانه وأكرمنا أكرمه الله وأراني رحلة له إلى بيت المقدس نحا فيها نحو جده، وأطلعنا على عدة تآليف لسيدي عبد الغني منها تأليف في حلية العشبة المسمات في الوقت بطابة ومنظومة عدد فيها منافعها وسماه الصلح بين الإخوان “(39).
كما التقى ابن عثمان “بالفقيه اللبيب الحبيب الأديب كمال الدين الشيخ محمد بن محمد الدمشقي المشهور بالغزي الشافعي، اجتمعت معه في جامع الأموية وأدخلنا إلى بيت له في المسجد كبير في ناحية الصحن يقعد فيه بقصد المطالعة والإفتاء “(40).
وقد كان لقاء السفير المغربي أيضا بمفتي الحنبلية الشيخ إسماعيل الجزاعي والذي دارت بينه وبين ابن عثمان نقاشات طويلة.
2 – فلسطين:
لقد جاءت زيارة ابن عثمان المكناسي وأبي القاسم الزياني إلى فلسطين في طريق عودتهما من أداء مناسك الحج. وتجدر الإشارة إلى أن هناك رحالة مغاربة آخرين زاروا فلسطين قبل السفيرين المغربيين وهما العامري التلمساني عام 1739م، وأبو سالم العياشي خلال منتصف القرن 17م. ويمكن القول على أن زيارة هؤلاء إلى الأراضي الفلسطينية لم تكن بهدف الإطلاع على أحوالها السياسية والاجتماعية بقدر ما كان الهدف الزيارة بغرض التبرك بقبور وأضرحة ومزارات مقدسة وعلى رأسها القدس الشريف، وقد صرح ابن عثمان بذلك قبل بدء الزيارة:” وأقمنا بعكة تسعة أيام حتى عين المركب الذي يحملنا في البحر وتعاقدنا مع صاحبه وعينا المدة للسفر واشتغل رئيسه بإصلاح شؤونه والاستعداد للسفر، وتوجهنا في خلال هذه المدة لزيارة القدس الشريف والتبرك بمشاهدة المسجد الأقصى وبمن هنالك من الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام…”(41)، بمعنى آخر أن الهدف هو روحاني أو صوفي، إلا أن ذلك لم يمنع رحالتنا من الإشارة بين الفينة والأخرى إلى بعض الصور الاجتماعية والسياسية ولو بشكل عابر، ومن ذلك ما أشار إليه ابن عثمان وهو في طريقه إلى القدس الشريف من سوء العلاقة بين ولاة فلسطين والباب العالي، وأعطى لذلك مثال صاحب قلعة سنور، يقول ابن عثمان:” وهذا الرجل صاحب هذه القلعة تحت نظر وزير الشام مولى عمل هذه الناحية على يده لكنه غير كامل الطاعة والانقياد فهو يميل إلى الاستقلال والاستبداد منفذا لأوامر أميره لكنه لا يتلاقى معه خوفا على نفسه. والوزير أيضا لا يقدر على نزعه فهو قانع بما يأتي منه فإذا أتى الوزير إلى ناحية بلاده يخرج منها إلى ناحية أخرى حتى يرجع الوزير ويرجع”(42).
وقبل أن يصل ابن عثمان إلى مدينة القدس حط رحاله بمدينة نابلس: “وهي بلدة متوسطة بين جبال مرآها حسن وبناؤها كله بالحجارة المنحوتة حسن المنظر، وماؤها كثير ذات بساتين إلا أن أزقتها كثيرة العفونات والطريق إليها من القلعة المتقدمة في صعود وهبوط وحجارة…”(43). وقد حرص ابن عثمان بهذه المدينة على زيارة مدافن “أولاد يعقوب عليه السلام فتبركنا بزيارتهم وقرأنا الفاتحة…”.
لقد شكلت مدينة القدس هدفا في زيارة ابن عثمان المكناسي والزياني نظرا لمكانتها الدينية والتاريخية، ولذلك فقد تعمدا في رحلتيهما ذكر تفاصيل زيارتيهما لهذه المدينة المقدسة، فبابن عثمان بدأ حديثه عنها بوصف عام لمعالمها: “وللقدس السور الحصين مبني بالحجارة في غاية الكمال والإتقان والأبواب الحصينة الغلق فعدد أبوابه ستة: الأول ومنه دخلنا بابا العمود، والثاني باب الزاهرة والثالث باب الأسباط، والرابع باب المغاربة، والخامس باب النبي داوود، والسادس باب الخيل…”(44).
على أن ابن عثمان -وبمجرد وصوله إلى القدس- بادر إلى زيارة المسجد الأقصى ونفس الشيء فعله الزياني: “ثم قصدنا الحرم الشريف والمسجد العظيم الحنيف، الذي بارك الله –تعالى- حوله، وعرفت كل أمة فضله، المسجد الأقصى ومع المعراج والأسر، وكفى بهذا شرفا وفخرا، فرأيت بقعة لها نور، وفضل مأثور، وشرف معلوم مذكور، مسجد له حرمات، ومقام تخطر فيه خطرات وتعرض مقامات، ومحل تفيض عليه بركات، وتستجاب به دعوات، ومكان لا يمكن عنه الالتفات، وتقصر عنه الصفات، ولكل في تصنيف محاسنه الباءات والألفات، قد جمع شرف المقدار، إلى طيب التربة وفضيلة الدار، وشهرة مفاخره، فأية البقاع تفاخره، وراقت محاسنه، فلا منظر يحاسنه، وفاقت مآثره جميع من يكاثره، وامنع بكل سليم الود سلم وحيا واطلع نور البشر في أفق المحيا”(45).
أما عن هندسة المسجد الأقصى فقد اجتهد السفيران المغربيان في تقديم معالمه مما يترجم إعجابهما بشكله وجماله. وأول ما بدأ به ابن عثمان المكناسي حديثه عن قبة الصخرة: “وهو بلاط واسع جدا في وسط مسور المسجد وفي وسط هذا البلاط قبة الصخرة المباركة وهي مثمنة الدائرة، لها أربعة أبواب عظام مجلدين بالصفر وفي داخل هذه القبة قبة أخرى مرفوعة على أعمدة الرخام دائرة بالصخرة وبين الأعمدة شبابيك من الصفر في علو نحو قامتين لها أربعة أبواب من نفس الشبابيك، فدخلنا من الشباك المذكور خالفينا الصخرة محيط بِها شباك من خشب علوه أقل من القامة. فأشرفنا منه على الصخرة ولمسناها على سبيل التبرك من طيقان بالشباك المذكور، ووضعت أصابع يدي في أثر أصابع الملك حيث أقام الصخرة لما مالت بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الإسراء…”(46).
وقد اعتبر أبو القاسم الزياني المسجد الأقصى “أعظم مباني الدنيا” فطوله سبعمائة وثمانون ذراعا وعرضه أربعمائة وخمسون ذراعا. أما سواريه أربعمائة وأربعة عشر سارية، “وأبوابه خمسون بابا يطوف به سور سعته ثلاث خطوات، قد أسس بالحجارة العظيمة وألواحها الكبار المنحوتة الهائلة بنته الجن لسليمان -عليه السلام-“(47)، غير أن الزياني يعقب على كلامه بأن “المفتوحة الآن من أبوابه إثنا عشر بابا كل باب منها له الوجه المنقش، المحسن المرقش، فيها باب مصفح بالعقيان واللجين مغمد بهما راق الأبصار، وأعجب النظار، ومنها باب الرحمة، وباب التوبة، وهما بابان من الجهة الشرقية”(48).
وقد لاحظ ابن عثمان أن القبة تقوم على أربعين عمودا من الرخام الفائق، ستة عشر منها دائرة بالصخرة، وستة عشر عمودا آخر تحمل السقف المحيط بالقبة. أما حيطان القبة فمكسوة بالرخام المصقول. ولذلك فقد اعتبر ابن عثمان أنه لم ير “في بلاد الإسلام أكثر تأنقا من صنعة هذه القبة”(49).
وقد أتيحت لابن عثمان المكناسي فرصة التجول أسفل القبة ليطلع على هندستها ومما لها “ومن داخل القبة الأولى انحدرنا إلى سفلي الصخرة بأربع عشرة درجة فصارت الصخرة فوقنا، وقد أحاط بجوانبها بناء متصل بِها وتحتها عمود من رخام قائم تحتها متصل بِها كأنه مقيم لها، وعند المدراج أيضا عمود طرفه في بعض المدراج وطرفه الآخر متصل بِها ترب لسانها”(50). وقد أحس ابن عثمان بسهو وروحانية المكان، فحرص على الصلاة وقراءة القرآن والدعاء فيه.
وقد أعجب السفيران المغربيان بالمحراب، والزينة التي زينت فيه الصخرة بالآيات القرآنية كآيات من سورة الإسراء بالإضافة إلى أقوال بعض المؤرخين. وبعد زيارة قبة الصخرة والتبرك بِها زار الرحالين جامع المسجد الأقصى حيث أعجبا بهيئته، ومحرابه الذي يروى أن “المهدي يصلي فيه وينزل عيسى عليه السلام فيجده قائما يصلي بالناس فيقتدي به…”(51).
وحرصا من ابن عثمان للتبرك بهذا المحراب أدى فيه الصلاة والدعاء. ولم ينس إيراد بعض العبارات التي كتبت في قبة المحراب والتي يبدو أنها تؤرخ لعمليات التجديد التي قام بِها بعض السلاطين: كالملك الناصر، “وعبد الله يوسف من أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين”.
ومن الأماكن المقدسة الأخرى التي زارها ابن عثمان المكناسي وأبو القاسم الزياني: محراب السيدة مريم ومهد السيد المسيح(52)، بالإضافة إلى تربة سليمان عليه السلام، والمكان الذي كان يحكم فيه نبي الله داوود عليه السلام، وتربة نبي الله داوود. ومقام السيدة مريم بنت عمران حيث تأسف ابن عثمان لتسليم مفتاح قبتها للنصارى واعتبر ذلك من مفاسد الدولة العثمانية.
ويضيف ابن عثمان إلى هؤلاء قبر “الشيخ محمد العلمي من ذرية سيدنا عبد السلام بن مشيش”، ثم ضريح نبي الله عزير… وغيرها من الأسماء والمواقع الدينية والتاريخية.
أما أسماء بعض العلماء والشيوخ الذين التقى بهم ابن عثمان المكناسي أثناء تواجده بالقدس الشريف، فقد أورد أنه التقى بشيخ الطريقة القادرية: “الشيخ البركة القدوة العارف بالله تعالى أستاذنا وشيخنا أبو السعود محمد المأذون بالخلوة القادرية والخلوتية، وقد أخذت عنه وصافحني بمصافحة شيخه في الطريقة السيد مصطفى كمال الدين الصديقي الدمشقي البكري الخلوتي قطب عصره، وأخذ أيضا عن السيد عبد القادر القادري شيخ السجادة القادرية ببغداد…”(53). وتتضمن رحلة ابن عثمان ترجمة مستفيضة للشيخ مصطفى البكري وهو أحد أقطاب الصوفية في فلسطين(54). كما اجتمع بالشيخ مصطفى بن الشيخ أبي السعود المشهور بقصائده الشعرية، وقد أورد ابن عثمان البعض منها.
وعلى الرغم من قلة الشيوخ والعلماء الذين التقى بهم السفير المغربي بفلسطين فإنه يبدو مرتاحا لما حققه خصوصا وأن الأسماء التي ذكرها كانت تشكل ظاهرة ثقافية وصوفية كبيرة بفلسطين. كما أن اختصار حديث ابن عثمان على رواد التصوف بهذه الولاية يعكس السيطرة التامة لظاهرة التصوف في الشرق العربي خلال القرن الثامن عشر.
وقبل مغادرة ابن عثمان لمدينة القدس أثنى على ساكنيها نظرا للمعاملة الطيبة التي عاملوه بها: “ولأهل بيت المقدس بشاشة وطلاقة وأخلاق حسنة وميل إلى مؤانسة الغريب ومسامرته والمحادثة معه ولاسيما إن كان من هذا الجنس العلمي، فلهم اعتناء به كثير حياهم الله وببابهم وأدام سقياهم ورياهم وإلى مكارم الأخلاق يسرهم وهيأهم”(55).
ويبدو أن السفير المغربي ابن عثمان قد انتبه إلى حضور الدولة العثمانية بالأراضي المقدسة الفلسطينية من خلال اعتناءها بالتراث المعماري في القدس، بإدخال الإصلاحات عليه وترميمه: “ولهذه الدولة العثمانية بهذا الحرم الشريف بل وكذا حرم مكة والمدينة اعتناء عظيم وأثر جسيم فمهما سقط شيء منه إلا أعادوه وما تلاشى جددوه صانهم الله تعالى وأبقاهم و أسماهم في معارج المآثر الحميدة وأرقاهم”(56). ولم يقتصر اعتناء الدولة العثمانية بالأماكن المقدسة فقط كما سبقت الإشارة، وإنما كان أهل بيت المقدس يلقون عناية خاصة من طرف الباب العالي وذلك من خلال الصدقات أو الوقف: “ولهم هنالك زيادة على إصلاح ما في الحرم من البناء الصدقة الجارية على من في القدس من الأباء والأبناء، وعينوا هنالك زاوية تظل على طول الآناء أعشارها تفور وآنيتها بالطعام على الفقراء تدور في العشي والبكور، ومن انحاز له من هذه الصدقة حظ أو نصيب صار ملكا يورث عنه بالفراض والتعصيب، فإن أراد بيعه في حياته فهو كبعض شيئاته. وهذه الحسنة جارية قد مضت عليها من الدهر أحقاب يتبع أثرها منهم صالح الأعقاب وكل من أتى من ملوكهم عن هذا النهج لا يحيد ولا ينقص بل يزيد أدام الله تعالى أيامهم ونصر جيوشهم وأعلامهم”(57).
إلا أن هذه الصورة التي قدمها ابن عثمان المكناسي عن الدولة العثمانية بالأماكن المقدسة الفلسطينية تواجهها صورة أخرى، وتتعلق بظلم واستبداد الوزراء والولاة، ومثال ذلك ما شاهده بقرية سنجيل التي أكرم أهلها السفير المغربي ” إلا أنهم -يقول ابن عثمان- كثيروا التشكي من الوزراء والولاة الذين يولون أمرهم من قبل الدولة العثمانية صانها الله، فإنهم أكلوا اللحم وامتشوا العظم واستفوا المخ ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذه سيرتهم في جميع الإيالة فكل من مررنا به يشتكي من جورهم”(58)، فقد كانوا يرهقون الفلاحين بالضرائب ويتعسفون في أخذ الزكاة والأعشار(59).
وبعد مدينة القدس كانت زيارة ابن عثمان لمدينة الخليل وهي المدينة التي تضم عددا كبيرا من المزارات المقدسة، إلا أن الملاحظ أن ابن عثمان وعلى طول الطريق بين القدس والخليل يحرص على زيارة عدد كبير من المواقع، ومن ذلك قبر راحيل أم يوسف عليه السلام، أما في بيت لحم فقد زار المكان الذي ازداد فيه نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام “فزرنا المكان عند مواجهته وقرأنا الفاتحة ودعونا الله هنالك”(60). كما زار في طريقه تربة نبي الله يونس. وقد شبه ابن عثمان مدينة الخليل بمكة المكرمة “وهو أشبه شيء مكة عند أول نظرة مؤسس على جبال”(61). وبهذه المدينة توجه ابن عثمان لزيارة:”… المقصد الأعظم والملاذ الأفخم أبى الأنبياء، سيدنا إبراهيم خليل الرحمان عليه السلام، فدخلنا المسجد وملنا ذات اليمين إلى قبته وتبركنا بالمقام عند ضريحه وقرأنا عليه سورة إبراهيم ودعونا الله هنالك…”(62). وفي نفس المسجد زار ابن عثمان قبر زوجته، وقبر نبي الله إسحاق عليه السلام، وقبر زوجته ريقة، ثم ضريح نبي الله يعقوب بن إسحاق عليه السلام، ثم تربة نبي الله يوسف الصديق عليه السلام. وفي كل هذه المقامات كان ابن عثمان يحرص على الدعاء والتبرك والصلاة.
ولم يفت ابن عثمان والزياني وصف أكبر وأقدس مسجد بالخليل، والذي يبدو من خلال حديثي السفيرين أنه كان يلقى عناية خاصة من طرف الباب العالي على اعتبار أنه مكان مقدس، كما تعكس زينته وجماله المكانة الرفيعة التي يحظى بِها هذا المسجد عند الفلسطينيين عامة والدولة العثمانية بشكل خاص. وعند بداية وصفه للمسجد يذكر ابن عثمان المكناسي بأنه: “ليس بالكبير فمساحته مقدار ما كتب في دائرة جداره”(63). غير أن اللافت للانتباه في مسجد الخليل زينته وجماله، ولعل هذا ما دفع أبو القاسم الزياني إلى القول فيه: “فرأيت من حسينه عجبا، ومن بناءه ما شئت فضة وذهبا، لا تدرك مبانيه السامية، ولا تلحق أثاره العالية، له أبواب حافلة من الحديد الرفيع وشباك بديع وبناء بالرخام، من الأحجار الضخام العظام الهائلة المنحوتة بالهندام عددت في طول الحجر الواحد أربعة وثلاثين شبرا وفيها أكبر، ومنها ما هو أقصر وأصغر، أسس ذلك المسجد العظيم عليها، وبناء ظاهرة وباطنة منها فجاء جامعا بديعا هائلا رفيعا، بديع الصنعة كبير المساحة والسعة، أحدق بجميع سور جليل وبناؤه من الصخر الجسيم، والصنع الوسيم، قد جمع الحسن والحصانة، والعلو والمتانة،… وداخل المسجد تجاه القبلة مبني بالرخام المجزع الرفيع المخترع المختلف الألوان، الغريب الترصيع صنوان وغير صنوان، قد افرغ فيه الذهب الإبريز الصوان…”(64).
وحسب الزياني فإن زينة المسجد طالة حتى قبور الأنبياء المدفونين بداخله:”وفي وسط المسجد الكريم التربة المقدسة تربة الخليل لنبينا إبراهيم عليه السلام، قد حف بِها من التعاليق المذهبة والستور الملكية، والحلل المطرزة، والمصابيح الفضية والذهبية والمموهة كل حسن رائع رائق”(65). والظاهر حسب الزياني أن المسجد كان يستقبل عددا كبيرا من الزوار من أجل التبرك والصلاة، وهو ما يعكس الاهتمام الكبير الذي يحظى به المسجد عند المسلمين قاطبة: “وما بين المسجد الكريم والقبة الجوفية صحن عظيم كبير جدا، يكون فيه، وفي المسجد مجتمع الوفود الواردين والمقيمين من الأغنياء والفقراء والأمراء والكبراء للضيافة المباركة، وضيافة الخليل عليه السلام في كل يوم بعد صلاة العصر، على توالي أحقاب الدهر…”(66).
ومما هو جدير بالملاحظة أثناء تواجد ابن عثمان بالشام وفلسطين إيلاؤه الأهمية القصوى للتصوف، بل الانتصار له مما جعل رحلته “الإحراز” زاخرة بالبعد الصوفي، ويتأكد لنا ذلك أثناء حديثه عن ابن عربي ودفاعه عنه. وعن الشيخ أبي السعود محمد شيخ الطريقة القادرية الخلوتية بالإضافة إلى إيمانه العميق بالكرامات والأولياء، وبل في بعض الأحيان بمعتقدات شعبية أسطورية لم يحكم فيها العقل والنقد(67).
ويفهم من إكثار ابن عثمان المكناسي الحديث عن التصوف بالمشرق العثماني انتشار الظاهرة به، والعناية الخاصة التي كانت تلقاها من طرف الباب العالي منذ تأسيس الدولة العثمانية، وهو ما يدفع إلى القول بأن الزوايا كان لها دور كبير في نشوء وتطور السلطنة، وما يفسر ذلك محافظة السلاطين العثمانيين على علاقتهم بالزوايا ورجال التصوف والاستعانة بهم في مواجهة الكثير من المحن والشدائد، وقد قدم ابن عثمان المكناسي أمثلة لذلك: كمساهمة دراويش التصوف في فتح القسطنطينية(68). وعلى هذا الأساس يبدو أن التصوف كان قد تمكن من الشرق العثماني خلال القرن الثامن عشر، مما يعني سيطرة نوع من التفكير الذي يؤمن بالكرامات والأولياء والصالحين ودورهم في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. وحوله تشكلت ثقافة العصر التي تفاعل معها السفير المغربي وبدا وكأنه جزء منها وهذا ما عكسته رحلته الإحراز.
وفي الختام فيبدو أن زيارة ابن عثمان المكناسي وأبي القاسم الزياني بالإضافة إلى العامري التلمساني إلى ولايتي الشام وفلسطين، كانت بهدف التبرك بالمقامات المقدسة التي تضمها المنطقة، وكذا التواصل الثقافي والفكري مع علماءها وشيوخها، ولذلك فإن الصورة التي عكسها الرحالة المغاربة عن الشام وفلسطين صورة ذات قيمة روحية أو بمعنى آخر ذات مضمون صوفي.
ويمكن التأكد على أن هذه الصورة كان لها تأثير كبير على طريقة حديث ابن عثمان المكناسي على الخصوص عن المدن التي زارها كدمشق وحلب وفلسطين والخليل، فعلى الرغم من إشارته المتكررة إلى الظلم والاستبداد اللذين كان يمارسهما ولاة الدولة العثمانية على الأهالي والسكان، فإن ذلك لا يرق إلى حجم حديثه عن الزيارات والكرامات والقبور والأضرحة التي زارها، بل إن ابن عثمان اعتبرها -أي المنطقة- “بقعة من بقاع الجنة لكثرة ما اشتملت عليه من الصحابة والأولياء رضوان الله عليهم أجمعين”(69).
إذا كان ابن عثمان يبدو سفيرا في اسطانبول بالنظر إلى الدبلوماسية التي كان يتعامل بِها مع رجال الدولة العثمانية، فإنه عندما غادر إسطانبول باتجاه الحجاز يبدو متصوفا روحانيا إلى حد يمكن القول بأن هناك شبه قطيعة بين الشخصيتين، مما يؤثر بدون شك في طريقة النظر إلى الأشياء كما في إعادة إنتاجها، وبناء على ذلك فإذا كانت إسطانبول تبدو كعاصمة للدولة العثمانية بما يحمله ذلك من أبعاد سياسية وحضارية فإن الشام وفلسطين والحجاز ومصر تبدو مناطق مقدسة، مناطق تؤرخ لعلاقة الإنسان بالله من خلال تاريخ الرسل والأنبياء، وهي أيضا مناطق العلم والتصوف والكرامات.
****************
الحواشي
1- بالإضافة إلى ابن عثمان والزياني هناك صاحب الرحلة العامرية (1739):محمد العامري التلمساني الذي زار عند عودته من الحجاز كل من الشام وفلسطين. كما كان العياشي قد زار القدس خلال منتصف القرن السابع عشر.
2- كانت بلاد الشام من الولايات العربية القريبة من إسطانبول، وقد كانت تتكون خلال تلك الفترة من إقليم سوريا والأردن وفلسطين وشمال الجزيرة العربية.
3 – EL GHACHI Mustapha, L’image de l’empire Ottoman à travers les récits de voyages français aux XVIIe-XVIIIe siècles, L’UPPA, Paris, 1993. P: 26.
– J.B.Tavernier, les Six voyages de J.B.Tavernier en Turquie et en Perse – Paris, 1981. PP.212-213
4- ابن عثمان المكناسي، “إحراز المعلي والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والتبرك بقبر الحبيب” خ. ح. رقم 4485 ص116.
5- نفسه، ص116.
6- نفسه، ص 143. أبو القاسم الزياني، الترجمانة الكبرى، تحقيق عبد الكريم الفيلالي، الرباط 1991، ص179 – 181.
7- نفسه.
8- نفسه، ص220.
9- نفسه، ص217.
10- نفسه، ص220.
11- الزياني، الترجمانة، ص181 – 183.
12- ابن عثمان، الإحراز، ص111- 112.
13- EL GHACHI Mostapha, L’image de l’empire Ottoman … OP.CIT. P.41
14- ابن عثمان، الإحراز، ص112.
15- نفسه.
16- نفسه، ص113.
17- نفسه، ص114.
18- نفسه.
19- الزياني، الترجمانة، ص183 – 184.
20- ابن عثمان، الإحراز، ص257.
21- نفسه، ص215.
22- نفسه، ص216.
23- نفسه، ص30.
24- نفسه، ص31.
25- لقد خصص ابن عثمان بعض الصفحات من كتابه للحديث عن حياة هذا الصحابي وقصة وفاته. انظر الصفحات: ص40–43 من الرحلة.
26- ابن عثمان المكناسي، الإحراز، ص102. الزياني، الترجمانة، ص157.
27- نفسه، ص104. الترجمانة، ص 176.
28- الزياني، الترجمانة، ص176.
29- ابن عثمان المكناسي، الإحراز، ص104.
30- نفسه، ص123 – 124.
31- نفسه، ص143.
32- نفسه، ص145. الزياني، الترجمانة، ص181.
33- نفسه.
34- نفسه، ص176.
35- الزياني، الترجمانة، ص182.
36- ابن عثمان، الإحراز. ص: 151.
37- نفسه، ص190.
38- نفسه، ص214.
39- نفسه.
40- نفسه، ص263.
41- نفسه.
42- نفسه، ص264.
43- نفسه، ص265.
44- الزياني، الترجمانة، ص266-267.
45- ابن عثمان، الإحراز، ص265.
46- الزياني، الترجمانة، ص 265.
47- نفسه.
48- ابن عثمان، الإحراز، ص266.
49- نفسه.
50- نفسه، ص267. الترجمانة، صص 268-274.
51- نفسه، ص269-270.
52- نفسه، ص286-287. الخلوتية طريقة صوفية عرفت انتشارها في البداية بالأناضول
خاصة إسطانبول خلال القرن السادس عشر. وقد تأثرت الخلوتية بطريقة ابن عربي في
التصوف بالإضافة إلى بعض أفكار التصوف عند الشيعة.
53- نفسه، ص287-288.
54- نفسه، ص 290.
55- نفسه، ص286.
56- نفسه.
57- نفسه، ص290.
58- نفسه، ص274.
59- نفسه.
60- نفسه.
61- نفسه، ص275.
62- الزياني، الترجمانة، ص265 – 266.
63- نفسه.
64- نفسه.
65- انظر الرواية التي يوردها ابن عثمان عن الشيخ المغربي الذي لقيه باسطانبول،
صص 92-94.
66- ابن عثمان، الإحراز، ص38-39.
67- نفسه، ص143.
68- نفسه.
69- نفسه.
——————————–
* باحث من المغرب/ مجلة التسامح