بسبب انعكاسات الحادث الإرهابي المروع في مدينة سدني الاسترالية وبعده حادث شارلي ايبدو، استجدت مخاوف وتهديدات ميدانية على الدوائر السياسية والعسكرية الغربية تمثلت في مستقبل الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي عليها في حال عودة آلاف الرعايا والمنخرطين في هذا التنظيم الذي يقاتل في سوريا والعراق وليبيا التابعين لها، فهل حقا يمثل هؤلاء الرعايا خطرا على مجتمعاتهم بعد عودتهم حسب ما تؤكده التقارير والأمنية والإعلامية، إذ ان العد التنازلي لعودتهم ابتدأ منذ بداية العام 2014م وهل تهديدهم يختلف من دولة إلى أخرى؟
في الإجابة على هذه التساؤلات لابد من التطرق إلى العلاقة بين هذه التنظيمات التكفيرية التي اختلفت وتعاقبت في التسميات واحتفظت بالمضامين التكفيرية ذات الأسس والمبادئ الفقهية والعقائدية والتاريخية المنحرفة وخاصة (تنظيم داعش) وبين العالم الغربي الداعم لها.
تعود بدايات هذه العلاقة إلى فترة الحرب الباردة حيث استطاع الغرب وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية اختراق المنظومة الفكرية والعقائدية والفلسفية لبعض الجماعات الإسلامية وتوظيفها بما يخدم مصالحها في المنطقة والعالم وخاصة في صراعها مع الاتحاد السوفيتي آنذاك، حيث وظفت هذه الجماعات في القتال ضد قوات الاتحاد السوفيتي التي اجتاحت أفغانستان عام 1980وسخرت لها الإمكانات المادية والبشرية والعسكرية لهذه الغرض بعد إسقاط حكومة طالبان التي تعدّ الحاضنة الكبرى للجماعات التكفيرية في العالم تعامل الغرب مع هذه الجماعات وفق عدد من القواعد:
1- إفراغ أفغانستان من الجماعات الأجنبية التكفيرية وإرجاعها إلى دول المصدر التي كانت اغلبها عربية حملت مصطلح (العرب الأفغان).
2- عدم القضاء على هذه الجماعات والاحتفاظ بقيادتها في المعتقلات وغيرها من الأماكن في العالم.
3- تطوير المنحى العدائي لهذا الجماعات وبما يتلاءم مع طبيعة المرحلة وذلك بتوظيف التكفير الطائفي والعرقي لهذه الجماعات ضد الآخرين وخاصة في بلدان الشرق الأوسط كتبرير لنشاطات هذه الجماعات.
تلك الخطوات تمثل الأبرز عند أي دراسة أو تحليل لتعامل الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية مع هذه الجماعات ومنها تنظيم القاعدة وتنظيم داعش اليوم آنذاك، بعد إسقاط النظام العراقي 2003م، وفي بداية عام 2004م استقدمت هذه الجماعات للعراق القابع تحت الاحتلال الأمريكي والتي اتخذت تسميات مختلفة واغلبها كانت من جنسيات عربية، وقد اتسعت هيمنة الجماعات التكفيرية هذه لتشمل دول المصدر العربي سابقا لهذه الجماعات في أفغانستان والعراق وبعض دول المصدر إلا أن إحداث الربيع العربي التي يصفها البعض بالعفوية أربكت هذا التحول ووضعته في موقف حرج لان إستراتيجية هذه الجماعات والدول الداعمة تقوم على أسس التحول من بلد إلى أخر وفق أزمان متباعدة نوعا ما وليس ممارسة أنشطتها في أكثر من بلد في آن واحد، أما صورة الاستراتيجية الغربية في تعاملها مع هذه الحركات المتطرفة خصوصا بعد أحداث ما يعرف بالربيع العربي فتمثلت بما يلي:
1- تعزيز حضور هذه الجماعات في دول الربيع العربي وذلك بدعمها بالعناصر البشرية من رعاياها أي تحول المصدر من العربي سابقا إلى الأجنبي وخاصة الغربي.
2- دعم بعض القوى والحركات التي تعرف بالإسلام السياسي التي لم تدخل بعد الجانب الميداني في التطرف والتكفير في الوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع ليكون الانقلاب عليها بعد ذلك وإبعادها عن هذا الكسب سبب في تحولها إلى ممارسة العمل الميداني التكفيري وهذا ما حدث في مصر مع جماعة الإخوان المسلمين.
نشاطات الجماعات التكفيرية في المنطقة العربية التي أصبحت جزء من إحداث ما يعرف بربيعه التي استطاعت أن تحرفه عن مساراته العفوية التي سار عليها في بادئ الأمر تميزت في ذلك الزخم العددي من المقاتلين الأجانب في صفوفها وخاصة الجنسيات الغربية، على اثر ذلك الساحة الميدانية لنشاطات هذه التنظيمات وخاصة تنظيم داعش فرضت صورة جديدة وهي أفول وذوبان العنصر المحلي ليحل العنصر الأجنبي مكانه أو في الصدارة وذلك لكثرة الجنسيات المختلف التي انضمت إليها، وهذا ما عكسته مجريات الإحداث في سوريا وليبيا والعراق أخيرا، احداث الربيع العربي ودخول الجماعات التكفيرية فيه والذي تمثل في جوانب عسكرية وأخرى سياسية ترك حقائق على الأرض لم تكن في حسابات الجميع وخاصة الغرب وهي:
1- العنصر المحلي في هذا التنظيم بدأ ينسحب شيئاً فشيئا بسبب طول أمد الصراع واليأس من تحقيق أهداف عسكرية انضموا من اجلها.
2- الكثير من الشرائح غرر بها للدخول بهذه التنظيمات بقصد الثورة والتغيير إلا أن الانحراف في مجريات الإحداث على الأرض جعلها تدرك فيما بعد أنها مخططات ابعد واكبر من ذلك.
3- في المقابل الجماعات الأجنبية في هذه التنظيمات ومنها تنظيم داعش أصبحوا أمام الحقيقة ذاتها وهي استحالة تحقيقهم أي من الأهداف التي جندوا للقتال من اجلها.
4- الإعدادات العسكرية لهذه التنظيمات تمثلت في الحرب الخاطفة والسريعة التي اعدوا للقتال وفق فلسفتها، حيث استطاعت أنظمة الدول المستهدفة معالجتها واستثمار تلك الاستراتيجية التي تميز العقيدة الأمنية والعسكرية الغربية لصالحها بإطالة أمد الصراع.
إنّ كل هذا خلق للعنصر الأجنبي الملل واليأس في التفكير بترك القتال والصراع الدائر والعودة إلى البلد الأم.
من هنا بدأ العد التنازلي لارتدادات داعش على الغرب والذي يتمثل في عودة تلك الآلاف من المقاتلين إلى مواطنهم الأصلية ومنها أوربا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا، هذه الدول أحست بهذا الخطر منذ أن تجاوز الصراع الفترة التي رسمت له أشهر أو اقل من ذلك، في عام 2011م حددت أشهر قليلة لسقوط دمشق بأيدي هذه الجماعات واليوم نحن في نهاية العام 2014م، ولم تسقط من سوريا الا تلك الصحاري والأرياف الضيقة المحاذية لتركيا، منذ بداية العام 2014م ونتيجة لهذه المعطيات التي افرزها هذا الصراع الدائر والغرب يحتبس أنفاسه قلقا وخوفا من عودة رعاياه الغارقين في هذا الصراع إليه وهم بالآلاف.
فحسب التقارير الأممية والأمنية والإعلامية المختلفة إن تنظيم داعش أصبحت اغلب عناصرها أجنبية وان نسبتهم تتراوح مابين (11 – 16 إلف مقاتل)، يتراوح عدد الأوربيين والأمريكان والاستراليين المنتمين إلى هذا التنظيم حوالي (2400) فهم كالتالي: من فرنسا 700، ومن بريطانيا 400، ومن استراليا 150، ومن الدنمارك 100، ومن الولايات المتحدة 70 مقاتل أما باقي الدول الأخرى لا تتوفر إحصائيات لعدد رعاياها المنتمين لهذا التنظيم في سوريا والعراق من كل منهما، إلى جانب المنتمين إلية من داخل بلدان المنطقة وبقية دولة العالم كأفريقيا واسيا ومن شتى بقاع العالم، الهجرة العكسية والعودة إلى الديار لهؤلاء المقاتلين أمر لا مفر منه فهم مواطنون كل منهم يحمل جنسية بلاده وبالتالي غلق الحدود بوجههم محال في ظل التشريعات والقوانين السائدة لدى بلدانهم التي تمنع من ذلك.
وفي النهاية لابد من الذكر ان عواقب صناعة وتبني تنظيمات إجرامية جهادية تخرج دائما من تلك الخطط الحمراء المحددة يعد من اكبر الحماقات الاستراتيجية الأمنية والسياسية وخصوصا عند إضفاء الصفة العالمية عليها وادلجتها دينيا وعقائديا، وهذا ما أقدم عليه الغرب في دعم وإيجاد هكذا تنظيمات في المنطقة وها هو اليوم يعاني من خطر ارتدادها عليه.
……………………………………..
مصادر معتمدة:
1- خلاصات الجماعات الإسلامية، مجموعة باحثين، مركز المسبار للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، دبي،2011م.
2- صحيفة الغارديان، تقرير الأمم المتحدة، الجمعة 31 / تشرين الأول / 2014م.
3- شبكة النت العالمية، http://www.shababek.de.
* باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية