تسلم بسمارك السلطة في بروسيا عام 1862. وكان قد شغل قبل ذلك مناصب دبلوماسية رفيعة ممثلا لبروسيا في الدييت الجرماني، وسفيرا في سانت بطرسبورغ وفي باريس. وقد ساعده ذلك على اكتساب خبرة كبيرة في المسائل الألمانية وفي السياسة الروسية والفرنسية، فعرف نقاط القوة كما عرف نقاط الضعف. وساعده هذا كله في تحقيق الاتحاد الألماني، بعد خوضه ثلاث حروب ناجحة ضد الدانمارك ثم النمسا ثم روسيا، وقد ساعدته خبرته الدبلوماسية على الانفراد بكل من النمسا وفرنسا دون أي تدخل خارجي من دولة أخرى. و ما من شك في أن هذا النجاح الضخم وقيام هذه الدولة القوية في وسط أوربا سبب القلق والخوف لدى جيرانها المباشرين، كذلك لدى انكلترا الحريصة على المحافظة على توازن القوى في القارة، والمعارضة لهيمنة أي دولة فيها.
وقد أدرك بسمارك ذلك، فسعى لإزالة هذا القلق وهذه المخاوف. كان يدرك أن هذه الإمبراطورية التي كانت ثمرة الحرب يمكن أن تنهار للسبب نفسه. ولذلك كان حريصا على اتباع سياسة سلم ومداراة، وتجنب كل ما يثير الخلاف مع الدول الأخرى. كان يرى أن السلام ضروري لألمانيا، لأنه يسمح بتوجيه الرساميل نحو التنمية الاقتصادية التي سترسخ الوحدة الألمانية(1) .
وقد استفاد بسمارك من اختلاف المصالح بين الدول الكبرى للاحتفاظ بالتفوق القاري. وكان يسعى لأن تكون ألمانيا أقوى دولة في أوربا بما تملكه من قوى عسكرية وسياسية واقتصادية، وأن يلعب بهذا دور الحكم الذي يسعى الجميع إليه.
كان أكثر ما يخشاه بسمارك نهوض فرنسا وسعيها للانتقام من ألماني واسترجاع الألزاس واللورين. وكان يدرك أن فرنسا التي سعت أكثر من مرة لفرض الهيمنة على القارة، والتي كانت في أغلب الأحيان تعتبر نفسها القوة الرئيسية في أوربا، لن تستكين لهده الهزيمة المنكرة التي لحقتها في “سيدان” والتي حولتها إلى دولة من الدرجة الثانية. كان واثقا أن فرنسا ترغب في حرب انتقامية، وأنها لن تقبل خسارة الألزاس واللورين. وكان هذا يبدو له منطقيا ومحتما. قال هذا بصراحة للقائم بالأعمال الفرنسي في برلين في آب 1871: “سأقول لك بصراحة ما أفكر فيه: لا أعتقد أنكم ترغبون الآن في خرق الهدنة القائمة. إنكم ستدفعون لنا المليارين، ولكن في 1874 حيث عليكم تسديد المليارات الثلاثة الباقية ستعلنون الحرب”(2). وكان تيير من جهته، يرى أن سنة 1872 أنه “إذا حدث اضطراب في أوربا، فسيكون من الطبيعي جدا أن نرغب في استغلال الفرصة التي تتاح لنا”(3). وبانتظار اللحظة المناسبة، فإن على فرنسا – حسب رأي تيير – أن تعيد تكوين جيشها، وأن تهيئ الجو لتحالفات مقبلة(4) . وكان تيير وخلفاؤه في جمهورية الدوقات “يرون أن حلفاءهم في المستقبل: النمسا وإنكلترا، وبخاصة روسيا. وقد كتب جول فافر وزير خارجية تيير: “نحن نعرف إلى أي درجة كانت العلاقات بين سانت بطرسبورغ وبرلين وثيقة، ونحن لا نستطيع – دون أن نتعرض لخيبات أكيدة – أن نطلب من روسيا خدمة ما، يمكن أن تجر إلى برود حاد بين الدولتين… إن بذرة الشقاق الحاد في المستقبل موجود بالتأكيد”(5).
كان بسمارك يسعى إلى إبقاء فرنسا على حالة من الضعف لا تسمح لها بالتفكير في حرب انتقامية. فرض عليها في معاهدة فرانكفورت 1871 – عدا سلخ الألزاس واللورين – غرامة حربية باهضة (خمس مليارات) سيؤدي سدادها إلى الإضرار بالاقتصاد الفرنسي. كما فرض بقاء القوات الألمانية في الأراضي الفرنسية المحتلة حتى سداد الغرامة. وعند أي محاولة فرنسية لإعادة تنظيم قوتها العسكرية، كان يلجأ إلى التهديد بحرب وقائية. ولكنه بالرغم من أنه لم يهمل التخطيط لحرب وقائية، فإنه لم يكن يرغب بعد علم 1871 في اللجوء إلى السلاح. فقد كان يرى أن ألمانيا قد أصبحت مكتفية ووصلت إلى حد الإشباع، وأنه ليس هناك ما تكسبه من حرب أخرى. وكان يعتقد أن حربا فرنسية ألمانية جديدة تهدد هذه المرة بألا تبقى محصورة بين الدولتين(6) . ولكن فشل سياسة التهديد وإسراع فرنسا في تسديد الغرامة قبل موعدها، واتخاذ التدابير لاستعادة قوتها العسكرية – قوانين 1872 و 1875 العسكرية – جعل بسمارك يعتمد على السلاح الدبلوماسي، أي عزل فرنسا وإحاطة ألمانيا بسور من التحالفات. كان يدرك أن فرنسا لن تفكر في حرب انتقامية لوحدها، إذ قال لسفيره في باريس : “نحن بحاجة لمنع فرنسا من إيجاد حلفاء إذا كانت لا ترغب في السلام؛ ومادام ليس لها حلفاء، فلن تكون خطرة علينا”(7) .
سعى بسمارك لجذب النمسا وروسيا اللتين كان موقفهما أكثر أهمية في نظر بسمارك من بريطانيا، ذلك لأنه ليس لبريطانيا جيش؛ ولأنه كان يخشى أن تجد فرنسا – التي كان يحكمها في هذه الفترة أكثرية ملكية تدعمها أقلية ليبرالية محافظة أبعدتها ثورة الكومون عن الجمهورية – بسبب نظامها تعاطفا من النمسا التي لا تزال متأثرة بجراح عام 1866، أو روسيا القيصرية التي أزعجها قيام ألمانيا القوية على حدودها.
نجح بسمارك في جذب هاتين الدولتين إلى فلكه وإبعادهما عن فرنسا، وذلك باتفاق الأباطرة الثلاثة عام 1873. وقد ظهرت بدايات هذا الاتفاق في صيف سنة 1872 بلقاء الأباطرة الثلاثة في برلين، أي في الوقت الذي أظهر تيير رئيس الدولة الفرنسي رغبته في دفع الغرامة الحربية بأسرع مما نصت معاهدة فرانكفورت. وقد رافق توقيع هذا الاتفاق تغيير حصل في فرنسا لصالح اليمين الملكي في أيار 1873 : فقد حل مكماهون الملكي محل تيير و بدأ في فرنسا ما عرف ب»جمهورية الدوقات”. وقد وصف جاك بيرين هذا الاتفاق بأنه “حلف مقدس جديد” للمحافظة على السلم والنظام القائم تحت رعاية الدول الثلاث الموقعة على الاتفاق(8). كان هناك تضارب مصالح بين روسيا والنمسا في البلقان يضعف هذا الاتفاق، ولكن بسمارك عرف كيف يربط الدولتين بعربته. فقد كانت النمسا بحاجة إلى ألمانيا لدعم سياستها التوسعية في البلقان. وكانت روسيا التي تواجه مشاكل كبيرة مع إنكلترا في الشرق الأسيوي، ومع النمسا في البلقان بحاجة إلى ألمانيا أيضا.
وكان بقاء هذا الاتفاق مرتبطا بعدم قيام أزمة بلقانية تهدد بتغيير الوضع الراهن وتفجر الخلاف بين النمسا وروسيا كما سيحدث في أزمة 1875 – 1878.
وكانت أوربا تمر الآن بمرحلة الإمبريالية، وكان هناك تسابق بين الدول للسيطرة على آسيا وإفريقيا. وقد سبب هذا توترا في علاقات الدولة المتنافسة. كان بسمارك يدرك مخاطر السياسة الاستعمارية على ألمانيا، وفي الوقت نفسه فوائدها عليها. ولهذا اتبع بسمارك سياسة قارية، وكان يرى أن المسائل الاستعمارية التي بقيت ألمانيا بعيدة عنها، وبخاصة تلك التي تستدعي المواجهة بين الدول الأخرى، ليس لها أي قيمة إلا من جهة أنه يمكن أن تتيح له الفرص لتعزيز نظامه القاري.
ولم يكن بسمارك يرى أنه من المفيد لألمانيا الحصول على ممتلكات ما وراء البحار. فهذا يحتاج لأسطول قوي، كما سيزج بألمانيا في مشاكل مع الدول المتنافسة؛ مما يتيح لفرنسا العثور على حلفاء. وترك لفرنسا أن تبدد قواها وأموالها في حملات بعيدة، مما يزج بها في مشاكل مع إنكلترا ويحقق لألمانيا أمنا على”الرين”.
سياسة بسمارك المغربية
لم يكن لألمانيا حتى السبعينيات من القرن التاسع عشر سوى علاقات بسيطة وغير منتظمة مع الغرب. ولم تعر الدول الألمانية، حتى عام 1869، المغرب سوى اهتمام بسيط.
كان لمدن الهانس نشاط تجاري في البحر المتوسط. وقد جرت محاولة لعقد معاهدات مع المغرب في أواخر القرن الثامن عشر، ولكن ضآلة المبادلات لم تكن تبرر دفع جزية كبيرة. وكذلك فعلت بروسيا في آخر القرن الثامن عشر.
وفي سنة 1805، اضطرت هامبورغ إلى عقد معاهدة مع المغرب، وتبعتها مدن الهانس الأخرى. ولكن سريان المعاهدات توقف على أثر استيلاء نابليون على مدن الهانس. وبعد فشل المحاولة الدولية للقضاء على القرصنة، استؤنفت المفاوضات لعقد معاهدات جديدة لم يعد لها مبرر بعد نزول الحملة الفرنسية في الجزائر.
كانت المبادلات التجارية بين ألمانيا والمغرب شبه منعدمة، ولم تجد أي دولة من دول الاتحاد الجرماني من حاجة لإقامة علاقات دبلوماسية مباشرة ومستمرة. واعتمدت مدن الهانس على بريطانيا للدفاع عن مصالحها متى تطلب الأمر ذلك. واكتفت بروسيا بدءا من 1838 باعتماد قنصل السويد ممثلا لها في المغرب(9) . وفي 1852، زار “مينوتالي”، قنصل بروسيا في برشلونة، طنجة ووضع تقريرا يبين فيه المزايا التجارية والسياسية، وذكر فيه أنه سيكون من الممكن استخدام المغرب للحصول من فرنسا وإنجلترا على تنازلات مفيدة للسياسة البروسية في أوربا(10) . وبهذا يكون “مينوتالي” أول من طرح فكرة ستكون فيما بعد دليلا في أغلب الأحيان للسياسة الألمانية المغربية، وهي استخدام المغرب ورقة في لعبتها الدبلوماسية.
وفي 1852، تعرضت سفن بروسيا لهجوم على شواطئ الريف وقتل عدد من بحارتها. فشلت بروسيا في الحصول على تعويض أو على ترضية. وفي 1856، وبمناسبة رحلة تدريب في المتوسط، مر الأميرال البروسي أدالبرت ابن عم الإمبراطور أمام المكان الذي تم فيه الهجوم الريفي، ونزل على رأس قوة لمعاقبة الريفيين. فأجبر الريفيون الحملة على الانسحاب بعد أن خسرت عددا من القتلى بينهم الأميرال وأمير ألماني آخر. ورفض السلطان طلب الغرامة الذي تقدم به قنصل السويد باسم بروسيا. وحينئذ، توجهت برلين نحو باريس ولندن ومدريد. وأعلن نابليون الثالث رغبته في اتخذ تدابير بالاتفاق مع إنكلترا وإسبانيا لمنع تجدُّد هذه الحوادث، ولكن لم يتخذ أي قرار في هذا الصدد(11) . وردا على موقف المغرب، أعلنت بروسيا تأييدها لإسبانيا في الحرب التي شنتها على المغرب 1859 – 1860، وحضرت بعثة روسية عسكرية هذه الحرب. وقد كتب أفراد هذه البعثة مذكراتهم التي أسهمت في تعريف الألمان بالمغرب(12) . وقام عدد من المستكشفين الألمان بزيارة المغرب، شكا أن الزولفراين لم يفعل شيئا حتى الآن لفتح سوق له في المغرب، وأبدى أسفه على عدم وجود قنصل هناك. وفي العام نفسه، استطلع هنريخ بارت موانئ الشمال وأبرز أهمية طنجة في السياسة الأوربية. وفي 1858، استطلع كارل فون مالتزن الريف ووصل إلى مراكش وقابل السلطان عبد الرحمن. وكان جرهار رولفس أهم المستكشفين الألمان. إذ قام رولفس بعدة رحلات شملت شمالي المغرب وجنوبه، حيث وصل في الرحلة الأولى إلى أغادير ومراكش ثم الجزائر عبر تارودانت وواحات درعة وتافيلالت وفجيج. وفي الرحلة الثانية عبر الأطلس ووصل إلى واحة توات وتيديكلت وانتقل إلى طرابلس عبر عين صلاح وغدامس. ومول ملك بروسيا الرحلة الثالثة إلى لاجوس عبر الهجار. وهكذا أصبح رولفس شخصية أوربية بارزة. فاستقبله ملك بروسيا وبسمارك، ودعاه قيصر روسيا إلى سانت بطرسبورغ، ومنحته الجمعية الجغرافية في باريس ميدالية ذهبية، ومنح دكتوراه شرف من عدة جامعات. أصبح رولفس حجة في كل ما يمس إفريقيا؛ وسيكلف بمهمة خاصة في شمالي إفريقيا خلال حرب 1870. ولقيت مؤلفات رولفس نجاحا كبيرا، وكان لا يفتأ يثير في مقالاته الاهتمام بالسلطة المغربية التي وصفها بأنها جنة حقيقية للاستعمار الأوربي؛ وكان متعطشا لرؤية المغرب من نصيب ألمانيا(13) .
لم يكن رجال الأعمال البروسيون يعيرون المغرب اهتماما باستثناء هامبورغ التي طالبت فيها غرفة التجارة ومجلس الشيوخ بافتتاح قنصلية في المغرب عام 1869. ولكن بسمارك لم ير ضرورة لذلك في ذلك الوقت، لأن اهتمامه كان منصبا آنذاك على إتمام الوحدة الألمانية وإعداد العدة للحرب مع فرنسا.
كشفت الحرب البروسية – الفرنسية سنة 1870 عن الأهمية السياسية والاستراتيجية لبلد مجاور للجزائر. فمنذ بداية الحرب، رغبت الحكومة الألمانية في تجنب إمكان استدعاء جيش إفريقيا الفرنسي إلى أوربا، وذلك بإثارة الاضطراب في الجزائر. وقد أرسل لاجئون جزائريون في إستنبول اقتراحات بهذا المعنى إلى المفوضية الألمانية.
جذب المشروع اهتمام مولتكه، رئيس الأركان العامة الألماني. عرض رولفس خدماته لإثارة الجزائر، وقبل بسمارك العرض. وحاول رولفس بمرافقة أستاذ اللغة العربية وتيزشتاين ومحي الدين عبد القادر الجزائري إثارة القبائل الجزائرية القريبة من الحدود التونسية. ولكن المحاولة فشلت، لأن الباي أسرع بإبعادهم بضغط من الحكومة الفرنسية. أرسل بسمارك بعد ذلك وتيزشتاين إلى جبل طارق للقيام بمحاولة جديدة من المغرب.
وبالرغم من فشل المحاولتين في إثارة الاضطرابات في الجزائر، فإنهما حققتا جزئيا الهدف الذي اقترحته الأركان العامة الألمانية. ذلك بأن الحكومة الفرنسية، بسبب قلقها من هذه المحاولات، قررت أن تترك في الجزائر قوات كانت تفكر في نقلها إلى فرنسا. كذلك أدت هذه المحاولة إلى إدراك بسمارك أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب في العلاقات الفرنسية الألمانية. إذ سيكون من الممكن، انطلاقا من المغرب، تهديد الجزائر والحصول على أداة ضغط على فرنسا. وهذه الفكرة ستقود معظم الجهود الألمانية لمد نفوذها في المغرب(14) .
سياسة بسمارك المغربية الفرنسية
ترتبط سياسة بسمارك المغربية بعلاقته مع فرنسا. فتوتر العلاقات أو تحسنها ينعكس على سياسته المغربية. وفي الواقع، لم يكن المغرب غاية في حد ذاته؛ بل كان وسيلة ضغط أو إغراء تخدم سياسته الأوربية بعامة والفرنسية بخاصة. فقد كان المغرب أحيانا قاعدة يستطيع منها إثارة اضطرابات في الجزائر ليجمد القوات الفرنسية الموجودة هناك، ويحول دون نقلها إلى ميدان الحرب الأوربية، إذا ما نشبت حرب ألمانية فرنسية. وفي أحيان أخرى، كان المغرب وسيلة إغراء لتحويل أنظار فرنسا عن الراين، كما كان أيضا ورقة يلعبها الساسة الألمان في المنافسات الاستعمارية للحصول على تعويض ثمنا للتخلي عن المغرب(15) .
مرت العلاقات الألمانية الفرنسية في عهد بسمارك بثلاث مراحل:
1- مرحلة التوتر في العلاقات (1871 – 1878)؛
2- مرحلة التحسن في العلاقات (1878 – 1884)؛
3- مرحلة عودة التوتر (1885 – 1890)؛
1 – مرحلة التوتر (1871 – 1878):
كان الخوف يسيطر على بسمارك من سرعة نهوض فرنسا، كما بدا من القوانين العسكرية التي أقرها البرلمان الفرنسي (1872 و 1875) والهادفة إلى إعادة تنظيم الجيش وزيادة عدد أفراده؛ ومن دفعها الغرامة قبل موعدها المحدد في معاهدة فرنكفورت، مما أجبر بسمارك على سحب قواته من الأراضي الفرنسية المحتلة، وفقد بذلك ميزة إستراتيجية هامة. كما كان يخشى أن تستطيع فرنسا، في ظل حكومة محافظة تعتمد على أكثرية ملكية، أن تجد لها حلفاء من بعض الدول الملكية المحافظة، أو على الأقل تعاطفا من قبل هذه الدول. وفشل أسلوب التهديد بحرب وقائية 1875 بسبب تدخل إنجلترا(16) وروسيا(17) . ومن هنا برزت أهمية المغرب بما هو قاعدة لإثارة الاضطرابات في الجزائر تؤثر في قرار فرنسا في موضوع حرب انتقامية، أو على الأقل يضعف قدرتها العسكرية بتجميده القوات الفرنسية في الجزائر والحيلولة دون نقلها إلى ميدان الحرب الأوربية. في سنة 1872، أعلن تيودور ويبر – قنصل ألمانيا في بيروت – أن القبائل الثائرة في الجزائر تأمل في مساعدة ألمانيا لها بالسلاح. وعد بسمارك بتزويد هذه القبائل بثلاثين ألف (30.000) بندقية لو استؤنف النزاع بين فرنسا وألمانيا(18). وفكر بسمارك في كسب نفوذ عدة شخصيات متنفذة في الغرب كشريف وزان، أو أعيان جزائريين لاجئين إلى المغرب عند الحاجة للتحرك ضد الجزائر أو إجبار فرنسا بهذه التوقعات على التخلي عن فكرة الحرب الانتقامية(19).
كل هذا أقنع بسمارك بالإسراع إلى إقامة تمثيل دبلوماسي في المغرب. صرح بسمارك بقوله: “إن إيجاد مركز طنجة الذي هدفه خدمة المصالح التجارية الألمانية له أهمية سياسية لدى احتمال حرب جديدة مع فرنسا”. وكان الفرنسيون يدركون هدف بسمارك هذا : “إن إنشاء بعثة دبلوماسية ألمانية لا يمكن أن يفسر إلا فكرة كامنة. لقد أقامت ألمانيا على الجنب الأيسر من مستعمرتنا الإفريقية وبدأت تهيئ يدا طويلة لتجميد قسم من القوات التي يسمح لنا الهدوء على حدودنا الغربية باستخدامها في حالة نشوب حرب أوربية”. وأكدت الصحف الألمانية هذا التفسير قائلة: “إن إرسال وزير ألمانيا معركة حقيقية من أجل التأثير في الحكومة المغربية، معركة بين ألمانيا وفرنسا، وسيصبح المغرب قريبا مسرح حرب. فإما أن نضع حدا للسيطرة الفرنسية في إفريقيا وإما أن تتوسع هذه السيطرة حتى الأطلنطي”(20) .
كان الجو ملائما للوجود الدبلوماسي الألماني. فقد أثار الانتصار الألماني دهشة المغاربة وإعجابهم، وأعطى ألمانيا سمعة كبيرة لديهم. وقد وجد الرحالان الألمانيان فريتشن ورين سنة 1872 ترحيبا من المسؤولين المغاربة وسمعا منهم: “لقد ابتهج كل الشعب أن الله أعطى السلطان غليوم النصر على فرنسا، تلك الأمة التي تسعى لفرض قانونها على جيرانها”(21).
أبدى السلطان الحسن اهتماما شديدا بالجيش الألماني، وسعى للاستعلام عن أسباب تفوقه، ورأى أنه يمكن أن يستفيد من دعم ألمانيا ضد مطامع الدول الأخرى. وكان هناك اعتقاد في المغرب بأن الدعم الألماني سيكون نزيها، لأن ألمانيا لم تكن دولة استعمارية، وليس لها ماض تاريخي في شمال إفريقيا، ولا حدود مع المغرب كفرنسا، ولا تملك مركزا تستطيع تهديد المغرب منه كإنجلترا في جبل طارق؛ كما أنه ليس لها مطالب لصالح مواطنيها – وعددهم كان لا يزال بضعة أفراد – وليس لها محميون.
كان بسمارك يريد من ممثليه أن يتعاونوا تعاونا كاملا مع ممثلي إنكلترا التي كانت لها أهداف ألمانيا نفسها في معارضة فرنسا. وكان هذا يتجاوب مع محاولات بسمارك التي استمرت حتى عام 1880 في جذب إنكلترا إلى حلف أو اتفاق مع ألمانيا. ويرى مييج أن هذا الحلف كان قائما عمليا في المغرب: فقد كان ممثلو ألمانيا حتى عام 1880 يقفون صفا واحدا مع ممثل إنكلترا. وفي فترة غياب ممثل ألمانيا، كان ينوب عنه في تمثيل المصالح الألمانية الوزير المفوض الإنجليزي(22.
طلب بسمارك من جوليش، ممثل ألمانيا الأول، دراسة إمكان جر السلطان إلى مهاجمة الجزائر في حالة نشوب حرب في أوربا. وطلب منه أن يقدر إمكانات المغرب العسكرية قائلا : “إن لعلاقاتنا مع المغرب أهمية عسكرية في حالة حرب مع فرنسا؛ إنها كذلك عام 1874″(23).
كان اختيار جوليش، الوزير المفوض، غير موفق. فقد كانت تنقصه الخبرة بالعالم الإسلامي. فوقع الاختيار على تيودور ويبر قنصل ألمانيا في بيروت. وكان ويبر قد أمضى سنوات طوالا في البلاد العربي، وكان يتقن جيدا اللغة العربية، وصحب معه ترجمانا سوريا مسلما،
هو منصور ملحم، مما كان له وقع طيب لدى المغاربة الذين كانوا يرون فيه واحدا منهم. وكان لهذا الترجمان فضل كبير في نجاح مهمة ويبر في المغرب.
أكد بسمارك لويبر أهمية إقامة علاقات وثيقة مع الحكومة المغربية. وكان بسمارك يعتقد أنه بفضل مساعدة ألمانيا للمغرب قي تطوير قوته الاقتصادية والعسكرية يمكن أن يصبح حليفا ثمينا لألمانيا مخيفا لفرنسا. وطلب من ويبر أن يدرس بعناية هذا الاحتمال وأن يجيبه بدقة على مسألة “هل الدولة المغربية في تنظيمها الحالي قادرة على التحسن، وما أهمية مواردها إذا نجحت في تطويرها، وهل بالإمكان أن تكون حليفا محتملا؟”.
كانت العادة المألوفة أن يذهب الوزراء المفوضون المعينون حديثا إلى البلاط المغربي ليقدموا أوراق اعتمادهم. لكن لم يتح لجوليش أن يقوم بهذه المهمة. وكان من المفروض أن يقوم بها ويبر عام 1875؛ ألا أن الأزمة الفرنسية الألمانية في هذا العام، وما أثارته من مشاعر في أوربا دعت بسمارك إلى تأجيلها. تمت السفارة سنة 1877، وكان تشكيلها يعكس الأهمية المعلقة على هذا الاتصال الأول. فقد اصطحب ويبر سبعة ضباط اختبروا من أحسن عائلات النبلاء الألمان، وصحافيين اثنين ومصورا وسكرتيرا وترجمانين واثنين من صف الضباط. وفي تقرير إلى الإمبراطور، بين بسمارك: “أن نفوذنا سيصبح كبيرا، إذا نحن أقمنا مع السلطان علاقات مباشرة. إن هذا لموكب الرائع والهدايا الثمينة التي يحملها ويبر لابد من أن تؤثر في المخزن، وأن تقنع السلطان الحسن بأن ليس له من حليف أفضل من الإمبراطور غليوم، وتجعله يقبل عقد معاهدة تجارية ومساعدة ألمانيا له في إعادة تنظيم جيشه”(24) .
و في أيار، وصلت سفارة مغربية وعلى رأسها حاكم آسفي الطيب بن هيمة إلى برلين. قوبلت هذه السفارة بحفاوة وسعى بسمارك إلى إبهارها بفخامة البلاط الإمبراطوري. قابل الإمبراطور بن هيمة كما قابله بلوف، سكرتير الدولة للشؤون الخارجية. صرح بن هيمة بأن سيده “لديه ثقة كبيرة بألمانيا أكثر من أي دولة أخرى”. وإذا كانت هذه السفارات قد وثقت العلاقات، فإنها لم تحقق ما كان بسمارك يسعى إليه: عقد معاهدة تجارية وإرسال بعثة عسكرية ألمانية. ويرى مييج أن الاهتمامات السياسية والاستراتيجية لم تكن غائبة، ولكن الهدف الرئيس هو وضع أسس النفوذ الألماني في المغرب وتهيئة السبل لهجوم اقتصادي لمؤسسة “كروب” الذي كان يرغب في أن يكون له موطئ قدم في المغرب(25). وقد حصل ذلك.
فشل ويبر في الحصول على موافقة السلطان على عقد معاهدة تجارية، لأنه لم يكتف بطلب الحصول على منافع المعاهدات القائمة مع الدول الأخرى، بل قدم مطالب أكثر لم يكن السلطان مستعدا للموافقة عليها، لأنه كان يفكر في أن يستخدم هذه التنازلات – وخاصة مل يتعلق بتصدير الحبوب والمواشي وتحديد رسوم التصدير – في مجالات التجارة عملة تبادل مقابل تنازلات في مجالات أخرى، كمسألة الحماية التي كان يسعى للتخلص منها أو للحد منها وإزالة مفاسدها.
وكان على ويبر أن يقترح تزويد المغرب بالسلاح وبمدربين ألمان لتدريب الجيش المغربي. وكانت فرنسا قد قدمت عروضا مماثلة ونجحت في الحصول على موافقة السلطان على مجيء بعثة تدريب عسكرية فرنسية، وستكتفي ألمانيا ببيع كمية من الأسلحة. جاء هذا الفشل عشية التغيير الذي طرأ على سياسة بسمارك نتيجة التغيير الذي حدث في فرنسا بعد فوز الجمهوريين المعتدلين في انتخابات 1877.
2 – المرحلة الثانية: مرحلة السعي للتقارب مع فرنسا (1878 – 1884):
رحب بسمارك بانتصار الجمهوريين المعتدلين والليبراليين الذين يمثلون البورجوازية المحافظة التي كانت أكثر اهتماما بالمحافظة على النظام العام وحسن الإدارة المالية من المغامرات الخارجية. قال للسفير الفرنسي الجديد دوساتت فالييه: “قيل كثيرا إنني مؤيد للجمهورية في فرنسا لأني أرى فيها سببا لضعف بلادكم. والحقيقة أن الجمهورية الحكيمة والمعتدلة كجمهوريتكم الآن هي – في نظري – ضمانة للسلام، للأسر المالكة التي لا جذور لها كما هو حال تلك التي كانت لديكم”(26) .
وكان بسمارك يرى في نجاح الجمهوريين أن فرنسا لن تجد تعاطفا في سانت بطرسبورغ أو في فيينا. وكان يرى أن الجمهورية هي ضمانة السلام؛ ذلك لأن هذا النظام عاجز عن الإيحاء بالثقة للدول الأخرى(27). وعمل بسمارك على تشجيع الحكومة الفرنسية على المشاريع الاستعمارية التي ستحول – في رأيه – أنظار فرنسا عن الألزاس واللورين وتعطيها ترضيات في حقل عمل ليس لألمانيا مصالح مباشرة فيه(28) . وكان يأمل في أن تصطدم فرنسا بهذه المبادرات مع مصالح بريطانيا أو مصالح إيطاليا، مما يجعل هاتين الدولتين تشعران بالحاجة إلى التقارب مع ألمانيا(29). كان بسمارك يفكر على هذا النحو منذ سنة 1875. فقد قال للسفير الألماني في باريس في بداية 1875: “أن تسعى السياسة الفرنسية لتجد في إفريقيا الشمالية أو في المشرق التركي مجالا لنشاطها، ليس بأمر أو ميل يحارَب في نظرنا”(30).
وليبدد بسمارك الشكوك التي كانت تخامر السياسيين الفرنسيين الذين كانوا يعيشون في خوف من ألمانيا، ويخشون أن يكون هناك فخ تنصبه مكيافيلية بسمارك، أكد للسفير الفرنسي في برلين في بداية 1879 أن رغبته هي: إعطـاؤكـم برهانــا علـى حسـن نيتي من المسائـل التي تخصكم، والتي ليس فيها مصلحة ألمانية متعارضة مع مصالحكم. إن مصلحة سياستي تدفعني إلى هذا السلوك، لأني كالإمبراطور الذي يرغب في أن يموت بعظمة وهدوء. أنا لا أكترث أن أرى في حياتي حربا أخرى، إني لا أرغب في ضم… وأرفض المغامرات وأتمسك بالهدوء وبالأمن المضمون بالعلاقات الودية مع جيراننا، وبخاصة معكم. هذا هو سبب كوني مستعدا لدعمكم في مشاريعكم غير المعاكسة لمصالحنا الخاصة. ولكني أكرر أني أعتقد أنه يلزم للشعب الفرنسي ترضية لكرامته. وأنا أرغب بإخلاص في أن أراها تحصل على تلك التي تسعى إليها في حوض المتوسط، مجال توسعها الطبيعي. فكل نجاح في هذه الناحية يقلل من الصعوبات بيننا والآلام التي لا أناقش شرعيتها، ولكن لدينا إمكان تهدئتها…(31)
وعاد بسمارك في تشرين الثاني 1880، فكرر قائلا: بدعمكم في تونس وفي حوض المتوسط، ليس لدي مقصد خفي لتشجيعكم على مغامرات اغتنمها لمهاجمتكم واقتطاع جزء آخر من أرضكم؛ ليس لدي أفكار مكيافيلية تعزى إلى هدفي البسيط، ومصلحتي ليست معقدة. لدي الاعتقاد أن بلدا عظيما كفرنسا بحاجة لأن يحصل على إرضاءات في سياسـتـه الخارجية. وبما أني – مع الأسف – لا أستطيع إرضاءها في مجال الألزاس واللورين، فإني أرغب في أن أرضيكم في أي مكان لا تكون فيه مصلحة ألمانيا متعارضة مع مصلحة فرنسا. وأعتقد أنكم إذا وجدتم في المتوسط ما يتجاوب مع حاجيتكم الطبيعية والمشروعة في التوسع، فإن أفكاركم ستتحول مع قليل من المرارة نحو أقاليمكم المفقودة، وسيصبح السلام والعلاقات الطيبة بيننا وبينكم أكثر أمنا وأكثــر سهولة. هذا هو سر حسن النية الذي أظهره لكم دوما سواء في تونس أو في المغرب أو في مصر أو في اليونان. لا تبحثوا إذن عن أسبابي الخفية، أحب أن أقول لكم بصراحة إني أرغب وآمل في أن أتوصل إلى تحويل أنظاركم عن متز وستراسبورغ، وذلك بمساعدتكم على أن تجددوا ترضيات في مكان آخر.(32)
و بالرغم من أن تصريحات بسمارك للسفير الفرنسي كانت تقصد تونس وأنه لم يثر موضوع المغرب إلا عرضا، فمن المؤكد مع ذلك أن السلطة المغربية بدأت تظهر له منذ الآن مجالا خاصا بالنشاط الاستعماري. وبالرغم من أنه وصف المغرب بأنه “هند ممكن أن تصبح أكثر غنى ومجالا أكثر ربحا من الهند الإنكليزية”، فإنه قرر أن يطلق يد فرنسا هناك. وذكر شارل رو أن بسمارك كان يفكر سنة 1879 – 1880 في مشروع تقسيم شمالي إفريقيا: مصر لإنكلترا وليبيا لإيطاليا وتونس والمغرب لفرنسا(33) . وفي موضوع إطلاق يد فرنسا في المغرب، حدث خلاف بين القادة العسكريين وبسمارك. كان القادة العسكريون، وعلى رأسهم مولتكه، يرغبون في تعزيز قدرات المقاومة المغربية لشغل فرنسا أطول مدة ممكنة. أما بسمارك فقد كان – على العكس – يريد أن يساعد فرنسا على تحقيق أهدافها: “لا يمكننا إلا أن نكون مسرورين إذا امتلكت فرنسا المغرب؛ فعليها الكثير مما يمكن أن تفعله هناك، وسيكون في وسعنا منحها توسعا في مجالها تعويضا عن كونها خسرت الألزاس واللورين”. وكان يرى في ذلك تحويلا لاتجاهاتها العدوانية ضد ألمانيا. واتفق الطرفان أخيرا على حل وسط: ألا تعارض ألمانيا السياسة الفرنسية، ولكنها تعمل على تقوية المغرب سرا. فإذا ما شرعت فرنسا في احتلال المغرب، فستنشغل فيه لمدة طويلة؛ وإذا تخلت عن ذلك، فإنه ستضطر – في حالة قيام حرب أوربية – إلى الاحتفاظ بقوات كبيرة في الجزائر لحماية مستعمرتها من هجوم محتمل من قبل الجيش المغربي الحديث(34) .
بالغ بسمارك في محاولة التقريب من فرنسا، ووصل إلى حد التحالف: إذا رأى أن على الدولتين الاتفاق لمجابهة إنكلترا أو تحطيم سيطرتها على البحار. وبلغ به الأمر سنة 1882 إلى حد أنه تلفظ بكلمة “التحالف”، وذلك في مقابلة مع السفير الفرنسي بين له ضرورة إقامة ما يوازن الهيمنة البحرية الأنكليزية: “على بريطانيا العظمى أن تعتاد فكرة أن التحالف الفرنسي الألماني ليس أمرا مستحيلا”(35). كان هنالك شك لدى بعض السياسيين الفرنسيين في أن أهداف بسمارك هي الإيقاع بين فرنسا وانكلترا. وفي الحقيقة لم يتوقف بسمارك لحظة عن الاتصال بإنكلترا. وقد وجد مؤرخ ألماني في أوراق بسمارك في 2 آب 1884 أنه “ينبغي أن نسعى إلى زرع الشقاق بين فرنسا وانكلترا”، وأن بسمارك “حين كان يقدم عروضه لفرنسا، كان لا يأمل في نجاحها، بل كان يرغب في أن يثير قلق إنكلترا لدفعها للسعي للتقارب مع ألمانيا”(36) .
شجع بسمارك في مؤتمر برلين سنة 1878 وزير الخارجية الفرنسي وارينجتون على احتلال تونس، وللكنه في الوقت نفسه عرضها على وزير الخارجية الإيطالي كورتي الذي كان حاضرا في مؤتمر برلين.
كان هذا يعني أن بسمارك يريد الاستفادة من الخلف الفرنسي الإيطالي(37) . وفي حين رفضت إيطاليا العرض، استغلت فرنسا التأييد الألماني المقرون بالتشجيع الإنكليزي، فذهبت إلى تونس واضطرت إيطاليا إلى أن تذهب إلى برلين. ويبدو أن بسمارك أراد للمغرب أن يلعب بين فرنسا وإنكلترا الدور الذي لعبته تونس بين فرنسا وإيطاليا (38) .
انعكس موقف بسمارك من فرنسا في أوربا على المغرب. هذا، بعد أن كانت الصلاة حميمة بين ويبر، ممثل ألمانيا، وهاي، ممثل إنكلترا، بحيث أنه حين كان ويبر يغيب عن المغرب، كان يعهد لهاي بتمثيل المصالح الألمانية. وفي موضوع الحماية، كان التعاون بين الرجلين وثيقا ضد تطرف فرنسا. ولوحظ أن ألمانيا لم تعط إسبانيا وإنكلترا جوابا عما إذا كانت ستشترك في مؤتمر مدريد حتى أعلنت فرنسا قبولها الاشتراك في هذا المؤتمر؛ وحينئذ أعلنت ألمانيا موافقتها.
وقد صرح بسمارك للسفير الفرنسي في برلين “أن لدى المندوب الألماني تعليمات بالاتفاق مع زميله الفرنسي ودعمه في المؤتمر”(39).
ولكن المندوب الألماني في المؤتمر لم يقدم المساندة التي وعدت بها فرنسا دون تحفظ. ذلك بأنه لم يؤيد توسعا ضخما في حق الحماية، وكان هذا التحفظ نتيجة تحذير ويبر الذي كان يخشى أن يؤدي التأييد الألماني الكامل لوجهة النظر الفرنسية إلى تدمير الجهود التي بذلها لإقامة علاقات جيدة مع المغرب، كما وقف المندوب الألماني إلى جانب الدول التي عارضت فرنسا في مسألة الوسطاء. ولكن تعليمات بسمارك الحازمة أعادته إلى صف المندوب الفرنسي وقدم له دعما مطلقا.
وغداة المؤتمر، استمر الدعم الألماني لفرنسا في المغرب بشكل واضح. فقد أكد بسمارك أكثر من مرة أنه ينظر إلى هذه المناطق وكأنها واقعة في المجال الطبيعي لنفوذها الشرعي. ودعت الصحافة الألمانية بإيعاز من بسمارك الفرنسيين إلى مد سيطرتهم على مجموع شمالي إفريقيا، وأشارت إلى أن ألمانيا لا يمكنها إلا أن تقف شاهدا مؤيدا لهذا العمل الحضاري العظيم(40)
وإبان ثورة بوعمامة في الجنوب الجزائري، حرص ويبر على البقاء بعيدا عن زعماء القبائل الذين جاءوا إلى المغرب يطلبون مساعدة السلطان. بل إنه نقل المعلومات التي أمكنه الحصول عليها عن خطط الثوار وقواتهم إلى وزارة الخارجية الفرنسية(41) .
وفي أواخر سنة 1881، وصل لاديسلاس أورديجا وزيرا مفوضا لفرنسا في المغرب، وكان صديقا لأوجين إيتيين أحد أبرز زعماء الاستعماريين الفرنسيين، كما كان صديقا لغامبيتا، وكان يريد أن يلعب في المغرب دور “روستان” في تونس، وكان يسمي نفسه “روستان المغرب”(42) .
كان فرنسيو الجزائر يطمحون دوما إلى مد الحدود الجزائرية حتى ملوية، وجاءت ثورة بوعمامة لتعطيهم الفرصة للتحرك نحو ملوية. وفي بداية 1882، طالبت جرائد وهران باحتلال واحة فجيج. كما نشط الحديث عن مشروع سكة حديدية عبر الصحراء تصل الجزائر بمستعمرات فرنسا في غربي إفريقيا، وذلك عبر توات. كان أورديجا متحمسا لهذه المشاريع، ولكن خروج صديقه غامبيتا من الوزارة، وتوقف الحكومة الفرنسية عن متابعة هذه المشاريع، دفعت أورديجا إلى الاندفاع في “سياسة الطرق” الصوفية التي ستسرع في تفكيك السلطة المغربية. منح شريف وزان سنة 1884 حق الحماية، مخالفا بذلك مقررات مؤتمر مدريد. كانت الطريقة الوزانية منتشرة في مناطق عديدة في المغرب. وبهذا العمل الذي أقبل عليه أورديجا، صار بإمكان فرنسا أن تجعل من هذه الطريقة دولة ضمن الدولة، وأن تغدي مطامع شريف وزان ليطالب بالعرش. وصار هناك – حسب تعبير صحافي في طنجة – “خطر تفجير السلطة”. كتب أورديجا إلى جول فري يقول: “إنهم بانتظارنا في المغرب، وسيستقبلوننا بأذرع مفتوحة”(43) . وفي حين وقفت إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا ضد هذا النشاط الذي يبديه أورديجا، وضد منحه حق الحماية لشريف وزان، ظل بسمارك على تأييده لفرنسا، بل اقترح على فرنسا التفاهم مع إسبانيا لتحديد مناطق نفوذ كل من الدولتين، وعرض خدماته لهذا الغرض. وهكذا وصل بسمارك إلى طرح فكرة تقسيم المغرب(44) . ولكن انشغال فرنسا في التونكين، واحتمال الحرب مع الصين دعياها إلى الهدوء في المغرب، وإبعاد أورديجا من المغرب إلى بوخارست، وعادت إلى سياسة المحافظة على الوضع الراهن.
كانت إيطاليا قد انضمت إلى الحلف الألماني النمساوي سنة 1882 لتحصل على دعم الدولتين ضد فرنسا. ولكنها لم تستطع أن تضمن المعاهدة شرطا حول المحافظة على الوضع الراهن في شمالي إفريقيا. ومع ذلك، شرعت في العمل على عرقلة النشاط الفرنسي في المغرب. لكن بسمارك لم يجارها في هذا العمل، بل كان يؤيد فرنسا تأييدا كاملا، ويتدخل في روما للضغط على إيطاليا للحد من نشاطها في المغرب. وكان ويبر متحفظا مع زميله الإيطالي. خاب أمل إيطاليا التي كانت تعتمد على دعم ألمانيا لمنع توسع فرنسي جديد في شمالي إفريقيا، كما كانت تأمل في أن يدعم الوزير الألماني المفوض زميله الإيطالي في جهوده لتقوية وضع ألمانيا في السلطة المغربية. وقد شكا الوزير الإيطالي المفوض أن التحالف الثلاثي غير موجود في المغرب(45) . وحين اشتكت إيطاليا من سلبية ألمانيا تجاهها في المغرب وحذرت بالقول: “سيكون لإيطاليا خيبة مرة إذا حصل في المغرب تغيير لغير صالحها ودون أن تعمل شيئا لمقاومته”، لم يكترث بسمارك.
ووقف بسمارك من إسبانيا الموقف نفسه الذي وقفه من إيطاليا. كانت إسبانيا تسعى إلى تقارب مع ألمانيا، وكانت تأمل في الحصول على تأييد بسمارك لسياستها المغربية. وحين قامت ثورة بوعمامة، خشيت إسبانيا أن تستغل فرنسا هذه الثورة للاندفاع نحو ملوية. ففكرت في الاستيلاء على العرائش وطنجة وطلبت مساعي بسمارك للحصول على موافقة إنكلترا وإيطاليا؛ ولكن بسمارك رفض، “لأن ندخل ألمانيا سيثير شكوك فرنسا ويؤذي مشاريع إسبانيا”(46) . عمل السفير الألماني في مدريد على تهدئة مخاوف الحكومة الإسبانية وفقا لتعليمات بسمارك، وكررأن مصالح ألمانيا لن يؤذيها عمل محتمل تقوم به فرنسا، وأن ألمانيا تأمل في رؤية فرنسا “تفطن إلى التعقيدات الكبيرة في إفريقيا”(47) . ورفض بسمارك تأييد إسبانيا التي رغبت في الدعوة لعقد مؤتمر دولي يعلن سلامة الدولة المغربية، وأعلن “أن المغرب يقع خارج المصالح الألمانية السياسية”.
3 – عودة التوتر في العلاقات الفرنسية الألمانية (1885 – 1890)
شهدت أوربا منذ العام 1885 أحداثا هامة كان لها تأثير كبير في العلاقات الدولية:
أ – انفجرت الأزمة البلقانية بسبب أحداث بلغارية أحدثت توترا في العلاقات النمساوية الروسية أدى إلى إنهاء اتفاق الأباطرة الثلاثة، وكاد أن يؤدي إلى تقارب روسي فرنسي لولا مهارة بسمارك.
ب – وتعكرت العلاقات الفرنسية الألمانية بعد سقوط وزارة جول فري، عقب هزيمة فرنسية في التونكين أمام الصين. وأسفرت الانتخابات عن فوز الملكيين والرادكاليين الذين علت صرختهم: “يسقط البروسيون”! . ودخل الجينرال بولانجيه في وزارة فرينية وزيرا للحرب في آذار 1886، وذلك بدعم من كليمنصو. كان بولانجيه طموحا دون وازع، وقد انساق وراء دعايتين كانتا تلهبان الرأي العام الفرنسي: إحداهما موجهة ضد النظام الذي فقد مصداقيته بسبب الفضائح السياسية والمالية التي وصلت حتى أسرة رئيس الجمهورية، والأخرى لصالح الانتقام من ألمانيا(48) . كان بولانجيه يصرح بأن ليس على فرنسا أن تخشى سيدان ثانية، وبدأ في تقوية الجيش، وأصبح يسمى “جنرال الانتقام” و “معبود باريس”(49) .
ساد الاعتقاد في برلين أن فكرة الانتقام تتقدم في فرنسا بالقوة نفسها التي تتقدم بها شعبية الجنرال. فأدى هذا إلى توتر العلاقات الفرنسية الألمانية. ومنذ ربيع 1886، بدأ الحديث عن حرب في الصيف.
سارع بسمارك إلى اتخاذ إجراءات مضادة بسرعة. ففي ألمانيا طلب من الرايخشتاع الموافقة على اعتمادات لتقوية الجيش. رفض الرايخشتاع؛ فحله بسمارك، واعتمد على دعاية شوفينية أدت إلى فوز أكثرية موالية له في الانتخابات صوتت على الاعتمادات. وفي الوقت نفسه، بدأ حملة دبلوماسية سنة 1887 أسفرت عن تجديد التحالف الثلاثي الألماني النمساوي الإيطالي، بعد أن قدم تنازلات لإيطاليا في شمالي إفريقيا وفي البلقان. وشجع على قيام اتفاقات المتوسط: اتفاق إنكليزي – إيطالي موجه ضد فرنسا روسيا وانضمت إليه النمسا، ثم اتفاق إيطالي إسباني موجه ضد فرنسا. وسعى بسمارك لإبقاء روسيا بعيدة عن فرنسا بعد انهيار اتفاق الأباطرة الثلاثة بسبب الأزمة البلقانية.
وكان قد ظهر له بوادر بين الدولتين. فقد أعلن قيصر روسيا في ربيع 11887 أنه لن يترك ألمانيا تشوش أوربا. فإذا هوجمت فرنسا وضعفت، فإن روسيا ستعدل الميزان(50) . نجح بسمارك في عقد معاهدة سرية مع روسيا (“معاهدة إعادة الضمان”) اعترف لها مقابل حيادها في حرب دفاعية مع فرنسا بتنازلات هامة في البلقان والمضايق، وبهذا حقق بسمارك عزل فرنسا.
ج – حتى منتصف الثمانينيات، كانت دوافع بسمارك في المغرب سياسة، ولم يكن اهتمامه بتنشيط الوجود الاقتصادي الألماني في المغرب إلا لخدمة هذه السياسة. وكانت سياسة بسمارك العامة قارية وتعارض أن تباشر ألمانيا سياسة استعمارية، لأن هذا سيخلق لها مشاكل وأعداء جددا، ويتيح لعدوته فرنسا أن تجد لها حلفاء ضد ألمانيا. ولكن ألمانيا كانت قد انقلبت بعد= وحدتها إلى آلة صناعية جبارة، واتجهت نحو الإنتاج الضخم لتخفض أسعار منتجاتها إلى أقصى حد كي تستطيع أن تجد لها مكانا في الأسواق العالمية. وقد ارتفع رقم تجارتها بين سنتي 1881 و 1885 من 6 ملايير مارك إلى 190 مليار مارك(51) . وبدأ قسم هام من الرأي العام الألماني تدركه حمى الاستعمار، وبدأ الضغط على بسمارك. كانت حجة الاستعماريين الألمان أن أقوى الدول سياسيا وعسكريا والأكثر نموا ديمغرافيا واقتصاديا، ينبغي أن تنال نصيبها في عمل تمديني؛ وأنه على الإمبراطورية الألمانية الحصول على مستعمرات يهاجر إليها أبناؤها الذين كانوا حتى الآن مكرهين على الاتجاه نحو مناطق أجنبية. وبدلا من الضياع بالآلاف عبر العالم، سيذهبون لإعمار أراض ألمانية(52) . ولم يعد بإمكان بسمارك أن يقاوم هذا الضغط، ولكنه عمل جاهدا للابتعاد عما سماه “أعشاش الدبابير” كالبلقان والمتوسط والخليج العربي ومبدأ موثرو(53).
بدأ النشاط الألماني الاقتصادي في المغرب يتزايد بوثيرة متسارعة بعد مؤتمر مدريد. ففي هذا المؤتمر، حصلت ألمانيا على حقوق مماثلة لبقية الدول التي كان لها علاقات قديمة. وقد أشار بسمارك في مفكرته سنة 1883 إلى فوائد “سياسية إفريقية اقتصادية تتابع بحذر”. وأعلن ما يمكن تسميته البرنامج المغربي. فقد كتب يقول: “كل خط ملاحة تجارية جديد يحمل راية الإمبراطورية لا يمكن إلا أن ينمي التجارة، حتى لو عانى من عجز في بداية الأمر”(54) . لقد سمحت الفترة الأولى (1873 – 1884) لألمانيا بأن تحصل سياسيا وتجاريا على موطئ قدم لها في المغرب، وبأن تتقن المعطيات الدبلوماسية للعبة المغربية، وبأن تقيم نقاط الضعف في موقعها والتدابير اللازمة لتحسين هذا الموقع.
بدأت ألمانيا نشاطا واسعا، تجاوبا مع تحريض المستكشفين الألمان كرولفس وباناخ وأصحاب السفن (سلومان) والتجار والصناعيين (كروب). وفي بادئ الأمر، باركت حكومة الأحرار البريطانية هذا التوجه، وصرح جلادستون في مجلس العموم قائلة: “إذا أصبحت ألمانيا دولة مستعمرة، قلت لها بارك الله جهودها. إنها ستكون حليفتنا لخير الإنسانية، وسأُسرُّ بأن تصبح شريكتنا في حمل مشعل الحضارة إلى البلاد الأقل حضارة، وسنبذل لها في هذا العمل عواطفنا الطيبة وكل التشجيع الذي بإمكاننا تقديمه”(55) .
وانعكس هذا التوجه على تعون إنكلترا مع حلفاء ألمانيا في اتفاقات المتوسط وفي المغرب. وكان هناك تعاون وثيق بين وزراء الدولتين المفوضين وبخاصة في عهد “تستا”، الوزير المفوض. التحق “تستا” بمنصبه في طنجة بعد مروره بلندن، وحصل في طنجة على مساعدة هاي، الوزير المفوض الأنكليزي في طنجة، بتوصية من الخارجية الإنكليزية(56) . وكان هي، أمام تزايد نشاط الوزير الفرنسي أورديجا، يفضل – كما كتب في 16/1885 – أن تستولي ألمانيا على المغرب بدلا من أن تستولي عليه فرنسا(57) . واستمر هذا التعاون بين الوزيرين بعد ذهاب هاي ومجيء وزير مفوض بريطاني جديد هو “كيربي غرين”. ولدعم النشاط الألماني في المغرب، أرسلت النمسا – التي كان الوزير المفوض البريطاني – إلى طنجة قائما بالأعمال؛ قد أعطى هذا ل”تستا” صوتا إضافيا في المجلس الدبلوماسي في طنجة. ومن الطبيعي أن يطابق ممثل النمسا موقفه مع موقف “تستا”.
تميزت هذه الفترة باستئناف المفاوضات من أجل عقد معاهدة تجارية. ففي أيلول 1885، حل البارون “شارل تستا” محل ويبر. وقد فسر هذا التعيين في طنجة بأنه علامة على توجه جديد في السياسة الألمانية. خدم تستا قبل ذلك ترجمانا في السفارة الألمانية في إستمبول، وكان يتقن اللغة العربية، ويملك خبرة جيدة بسياسة الدول الإسلامية، كما كان يملك رصيدا طيبا وعلاقات حميمة مع البلاط العثماني . وقبل أن يلتحق بعمله، أجرى مباحثات طويلة مع بسمارك. كانت مهمة “تستا” الرئيسية الحصول بسرعة على عقد معاهدة تجارية مع المغرب. وقد أعطاه بسمارك صلاحيات كاملة للعمل، واستدعى ويبر، بالرغم من تقاعده، للذهاب إلى طنجة وتقديم خبراته ل”تستا”.
أبلغت الخارجية الألمانية الخارجية الإنكليزية رغبتها في الشروع فورا في المحادثات، ورغبتها في أن يتم التعاقد بسرعة. وأبدت الخارجية الألمانية رغبتها في أن تعمل الحكومتان والمفوضيتان معا. وافق سولسبري، وذهب تستا و وبر إلى لندن لوضع مشروع معاهدة مشترك. كان بسمارك يرغب في توسيع المبادلات الجرمانية المغربية لأسباب اقتصادية وسياسية في آن واحد. فبعد أن خاب أمله في التقارب مع فرنسا، عاد المغرب – في نظره – وسيلة ضغط على السياسة الفرنسية بعد أن كان في الفترة السابقة وسيلة إغراء.
عمل “تستا” بالتعاون مع هاي في طنجة. وخوفا من أن تدرس فرنسا ضدهما لدى السلطان، حاولا إشراك الوزير المفوض الفرنسي معهما. لم يكن بسمارك موافقا، لأنه كان يخشى دسائس فرنسا، وطلب مسبقا موافقة الحكومة الفرنسية على المشروع الألماني الإنكليزي. لم توافق الحكومة الفرنسية التي كانت ترى أن نجاح المفاوضات سيشجع على خلق مصالح ألمانية في المغرب سيكون توسعها ضد مصالح فرنسا(58) .
اصطدم “تستا” بمماطلة الحكومة المغربية ومحاولتها التفريق بين المفوضيتين الألمانية والإنكليزية، وذلك بأجراء مفاوضات منفصلة بدلا من مفاوضات مشتركة. وقد تنبه الوزيران وقدما احتجاجا مشتركا، واضطر السلطان إلى التخلي عن هذه المحاولة. حاول السلطان التذرع برغبته في إرسال سفارة إلى برلين مكلفة بتأكيد صداقة المغرب لألمانيا، ولكن “تستا” رفض هذا الطلب بموافقة بسمارك: “لا يبدو أن هذه السفارة ملائمة، ما دام توقيع المعاهدة لم يحصل”. انتهت المفاوضات دون نتيجة، ووجهت ألمانيا وإنكلترا وفرنسا رسالة موحدة إلى الوزير الأعظم؛ فطالبه بالموافقة على الاتفاق التجاري المقدم. (كان مشروع المعاهدة يتضمن مكاسب للتجارة الأوربية أوسع مما كان في المعاهدات السابقة؛ وإذا ما وقع السلطان المعاهدة، فستستفيد مما جاء فيها كل الدول التي تملك حق الأمة الأكثر رعاية).
وقبل أن يجيب السلطان، أجرى استشارات واسعة مع أعيان فاس والتجار والفقهاء ورجال الدين: هل يوافق على مطالب دولة أجنبية بالسماح بتصدير الحبوب والمواشي؟ وكانت هذه أبرز نقاط الخلاف. وكان الجواب على العموم سلبيا. والحق أن السلطان كان يرفض التنازل عن الامتيازات التجارية التي كانت تطالب بها ألماني مدعومة من إنجلترا أو فرنسا دون مقابل، في الوقت الذي كان يسعى فيه لعقد مؤتمر لمراجعة ميثاق مدريد بخصوص الحماية.كان يريد تقديم تنازلات في التجارة مقابل تنازلات في مسألة الحماية.
وبالرغم من أن الحكومة الألمانية كانت ترغب في الوصول إلى اتفاق، فإنها لم تخرج عن تحفظها طيلة المباحثات, ولم تغير مصلحة التجار الألمان المتزايدة في عقد معاهدة تجارة مع المغرب في موقف بسمارك. كان هدفه الحصول على النفوذ وتوثيق العلاقات مع الحكومة المغربية. وهذا يتطلب تجنب أي ضغط من شأنه أن يستفز السلطان.
سبب سلوك تستا المتعالي ولهجته المتغطرسة استياء المخزن. وجاء حادث السفينة الألمانية غوتروب ليزيد في هذا الاستياء. فقد قامت هذه السفينة، وعليها نماذج من البضائع الألمانية، برحلة إلى المغرب بصفتها معرضا متنقلا وزارت عددا من الموانئ المغربية المفتوحة للتجارة. لكنها فشلت في النزول في وادي نون وهي منطقة محرمة، وهبت عاصفة وأسر المغاربة قادة المشروع وعلى رأسهم الدكتور ياناخ وقادوهم إلى السلطان. أرسل السلطان مذكرة احتجاج إلى السلك الدبلوماسي ضد روسو سفن أجنبية في غير الموانئ المفتوحة للتجارة. وزاد في استياء السلطان رسائل تستا التي تطالب بتحرير ياناخ بأسلوب فظ. أسرع بسمارك بعزل تستا.
ظل بسمارك حريصا على موضوع المعاهدة. وكي يظهر للسلطان خيبة أمله المريرة، دعا الإمبراطور إلى الرد على طلب السلطان في 15 آيار 1887 إرسال سفارة مغربية إلى ألمانيا، بأن لن يستقبل إلا سفارة مكلفة بعقد معاهدة تجارة. وحين اقترح السلطان في آب 1887 عقد مؤتمر دولي لوضع حد لمفاسد الحماية، أبدى بسمارك على الفور موافقته من حيث المبدأ. ولكنه أعلم السلطان أن إقرار نتائج المؤتمر لا يمكن أن تتم إلا بعد منح الحكومة المغربية فوائد تجارية.
لوحظ في هذه الفترة أنه بالرغم من حاجة الطرفين إلى بعضهما، فإن كليهما كان متحفظا في علاقاته بالآخر. فالسلطان لم يستجب لمطلب ألمانيا بعقد معاهدة تجارية، وبسمارك لم يندفع في تأييده للسلطان أمام تحرشات الفرنسيين على الحدود الجزائرية المغربية وفي الواحات. وبالرغم من حالة التوتر في العلاقات الفرنسية الألمانية، فإن بسمارك كان حريصا جدا في سياسته المغربية. ففي صيف 1886 ، لقي فاجنر مندوب كروب استقبالا حارا، وأسر له آل بركاش، وهم من الميالين للتعاون مع ألمانيا وعلاقتهم جيدة مع المفوضية الألمانية، أن السلطان يملأ صدره الشك
من فرنسا و إسبانيا، وهو يرغب في توثيق علاقات الصداقة مع الإمبراطور غليوم، وأن تعاونا عسكريا يمكن أن يقوم بين الدولتين: تعيد ألمانيا تنظيم الجيش المغربي وتزوده بالسلاح، ويتعهد المغرب بجعل الفرنسيين عبر هجوميين في الجزائر إذا نشبت حرب في أوربا.
و في مقابلات فاجنر في الخارجية الألمانية، ثم في رسالة تلتها مذكرة وجهها إلى بسمارك ومولتكه، طور فاجنر هذا الإمكان، فقال: “إن جيشا مغربيا حسن التنظيم يحيط بالحدود الجزائرية سيكون أهم لنا من فرقة إسبانية وراء البيرنية. وسيجمع السلطان قواته ليهاجم المستعمرة الفرنسية، وسيثير نفوذه الديني كل شمالي إفريقيا: “ثورة في الجزائر وأخرى في تونس”. ولما كان السلطان سيصل قريبا إلى الرباط، نصح فاجنر إرسال “تستا” إلى الرباط بكل سرعة مع أسطول لتحية السلطان بطلقات مدفعية : “إن ضجيج المدافع الألمانية سيسمع في الجزائر وتونس”. ولكن بسمارك رفض سلوك هذا الطريق ولم يكترث لعروض بركاش. ففي رأيه أن التوتر مع فرنسا لم يكن يتطلب تعاونا عسكريا وثيقا ولا استعراضيا، بل يتطلب حذرا شديدا(59).
أيد بسمارك عقد مؤتمر مدريد ثان لإعادة النظر في مسألة الحماية دعت إليه إسبانيا، ولكن المحاولة فشلت بسبب رفض فرنسا واختلاف وجهات نظر إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا. وقد سبب هذا خيبة أمل شديدة للسلطان الحسن، وبدا له أن توثيق العلاقات مع ألمانيا بات ضروريا. توجهت بعثة مغربية وعلى رأسها حاكم الشاوية بن رشيد لتهنئة الإمبراطور غليوم الثاني على جلوسه على العرش. وصلت البعثة إلى ألمانيا في 29 كانون الثاني 1889 واستقبلت رسميا في 6 شباط، وكانت موضع تكريم خاص. فقد زارت شخصيات ألمانية كبيرة رئيس السفارة ، كما كان استقبال الإمبراطور لها رائعا. مهد ذلك للوزير المفوض الألماني تاتنباخ ليستأنف المفاوضات من أجل معاهدة تجارة ونجح في عقد المعاهدة سنة 1890 تضمنت شروطا أفضل من معاهدة سنة 1856 مع إنكلترا.
محاولة ألمانيا إقامة علاقات دبلوماسية تركية مغربية
كان النفوذ الألماني في الثمانينيات في تركية، وكان ل”تستا” علاقات وثيقة مع المسؤولين الأتراك، سعى لاستخدامها في إقامة علاقات دبلوماسية بين الحكومتين الإسلاميتين. لم يكن “تستا” أول من فكر في هذا المشروع: فقد كانت هناك محاولات سابقة لإقامة هذه العلاقات بمبادرة من الباب العالي سنة 1877 كما يقول مييج(60) ، ومن السلطان الحسن كما يدعي إسماعيل سرهنك(61) . ثم جدد السلطان عبد الحميد المحاولة بوساطة بريطانية سنة 1879 ، وكانت علاقته بها آنذاك جيدة بسبب وقوفها إلى جانبه في صد التقدم الروسي نحو المضايق، وفي تحجيم مكاسب روسيا في معاهدة سان استفانو. قام الوزير المفوض الإنكليزي “هاي” بمساع لدى المخزن، وكان يرى في هذا التقارب ضربة لمحاولة ألمانيا إرسال بعثة عسكرية إلى المغرب كان ويبر يسعى إليها، وفي الوقت نفسه ليحول دون تنفيذ السلطان الحسن وعده للوزير الفرنسي بقبول بعثة عسكرية فرنسية لتدريب جيشه. لكن مساعي هاي لم تنجح. فقد امتنع السلطان عن الاستجابة لأسباب مالية لم يقتنع بها هاي، بل عزاها لأسباب تتعلق بالجفاء التقليدي بين الدولتين، وادعاء كل من السلطانين بأحقيته بالخلافة(62) . وتجددت المحاولة بعد احتلال فرنسا تونس، إذ لعب الوزير المفوض الإيطالي سكوفاسو دور المحرض سنة 1881. كتب سكوفاسو إلى الكونت جريبي وزير إيطاليا المفوض في مدريد قائلا: “بإمكاني أن أسأل الوزير الأعظم لمعرفة هل السلطان مستعد لإرسال سفارة فوق العادة إلى إستنبول… إني أعتقد أن حدوث تعاون بين الدولتين المسلمتين سيكون سياسة جيدة إلى حد ما، ذلك لأنه يجب تجربة كل الوسائل الممكنة لمنع هذه السلطة من الانهيار أو من السقوط تحت حماية فرنسا كما في تونس(63)
وكرر سكوفاسو المحاولة سنة 1882 وسنة 1883، وشجعت إسبانيا هذه المحاولات كذلك سنة 1884(64) . حتى سنة 1885، كان مشروع إقامة علاقات بين الدولة العثمانية والمغرب يمر عبر قنوات دبلوماسية بريطانية وإيطالية وإسبانية. ولكن منذ العام 1885، تسلم الألمان زمام المبادرة لتحقيق هذا المشروع. ولم يكن دور بسمارك واضحا في هذا الموضوع. قيل إنه كان حريصا على ألا يضعف مركز عبد الحميد بعد سقوط تونس ومصر بأيدي فرنسا وإنكلترا. كما كان يريد استخدام نفوذ عبد الحميد بصفته حليفا وزعيما للجامعة الإسلامية لصالح مشاريعه الاستعمارية في إفريقيا. وكان الاعتقاد سائدا أن وزير مفوضا عثمانيا في طنجة سيديم السياسة الألمانية في المغرب، وسيكون عميلا طيعا لسياستها. فبصفته مسلما، سيكون موضع ثقة المخزن وسيحصل على موافقة المخزن على الاقتراحات التي توجهها الحكومة الألمانية: ” إن وزيرا عثمانيا يساوي وزيرين”(65) . لعبت ألمانيا دور الوسيط بين تركيا والمغرب. ففي بداية 1886، أثار الصدر الأعظم أمام “رادويتز”، السفير الألماني في إستنبول، مشروع افتتاح مفوضية تركية في طنجة، وتساءل هل بإمكان الوزير الألماني أن يكون وسيطا. حين أعلم رادويتز بسمارك برغبة الباب العالي، أعطى موافقته وكلف تستا بأن يجس نبض الحكومة المغربية. ولكن المحاولة لم تثمر. كرر الصدر الأعظم المحاولة مع السفير الألماني، وبين لهه أن الحكومة التركية تعلق أهمية كبيرة على إقامة علاقات مع المغرب. نصح بسمارك الحكومة التركية بالقيام بالخطوة الأولى وإرسال رسالة إلى وزير الخارجية المغربية يطلب فيها إقامة مفوضية تركية، وسينقل ممثل ألمانيا الرسالة إلى الحكومة المغربية. وبالفعل، قام “سالديرن”، القائم بالأعمال الألماني في طنجة، والذي حل محل تستا، بنقل الرسالة التركية إلى الجانب المغربي. يورد ابن زيدان(66) نص الرسالة وفيها وصف الحكومة المغربية ب «حكومة فاس” والسلطان المغربي ب «حكمدار فاس”. وكان هذا كافيا لأن يرفض السلطان الحسن الطلب العثماني. اكتفت الحكومة المغربية في بادئ الأمر بتجاهل الرسالة والامتناع عن الرد. اتصل الوزير الألماني الجديد ترافرس بوزير الخارجية المغربي: “إن صمت الحكومة الطويل هذا لا يتجاوب مع حسن العلاقات بي بلدينا”. تحجج الوزير المغربي تارة بمرض السلطان، وتارة بانشغال السلطان بحملة على السوس. قرر بسمارك إرسال منصور ملحم إلى مكناس ليتصل مباشرة بالسلطان. أكد منصور ملحم للسلطان أنه إذا قبل وجود مفوضية تركية، فإن تركيا ستساند المغرب في المؤتمر. لم تثمر هذه المحاولة وجاء الرد المغربي رفضا مهذبا(67) .
ويعزى هذا الرفض إلى الخلاف التقليدي بين حكام تركيا والمغرب في موضوع الخلافة، وتعالي السلطان العثماني في مخاطبة السلطان المغربي ب «حكمدار فاس”. كما لعب الوزير المفوض الفرنسي دورا هاما في تحريض السلطان الحسن على الرفض. شارك الوزير الفرنسي وزراء إنكلترا وإيطاليا وإسبانيا المفوضين، بالرغم من أن حكوماتهم كانت تؤيد المشروع. كان هؤلاء الوزراء المفوضون يخشون أن يؤدي وجود مفوضية تركية بواسطة ألمانيا إلى تعزيز مركز ألمانيا. وحين علم بسمارك أن الوزير الأنكليزي المفوض كيربي غرين يؤيد الوزير الفرنسي، كلف سفيره في لندن بأن يعرب عن دهشة الحكومة الألمانية. استنكر سولسبري موقف وزيره المفوض قائلا: “إن لإنكلترا مصلحة تامة في دعم مشروع الباب العالي”(68) .
ولا شك أن في تردد السلطان الحسن وتأخره في الجواب يعود إلى خشيته إغضاب ألمانيا التي لا غنى عن تأييدها لتحقيق مشروع المؤتمر الدولي. وبرر الوزير المغربي سبب رفض العلاقات مع تركيا قائلا: “إن الوقت والحال لم يقتضيا ما أشرتم إليه لعلل شرحت للترجمان المذكور (منصور ملحم)
وبينت له تبيانا كافيا؛ وأهل مكة أدرى بشعابها”(69). ويرى جيلين أن بسمارك ل م يكن متحمسا لهذا المشروع، لأنه كان يعلم عداء المغاربة لتركيا، وأن أغلب الحكومات الأوربية لا تشجع هذا المشروع.
كما أن بسمارك لم يكن يرغب – في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها العلاقات الفرنسية الألمانية منذ صعود الحركة البولانجية * في أن يتخذ مواقف تزيد التوتر بين البلدين. كما أنه من أجل نجاح سياسة الاتفاقات المتوسطية، كان عليه أن يتجنب كل ما يمكن أن يثير شكوك إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا.
وتفسر هذه الاعتبارات – دون شك – الحذر الذي أظهره في هذه القضية كلها. وإذا كان قد أظهر بعض الإصرار، فينبغي أن نفتش عن السبب في صراع النفوذ بين فرنسا وألمانيا لدى عبد الحميد. كان بسمارك يخشى أن تستغل فرنسا نجاحها برفض الطلب التركي وتضخيم هذا النجاح في إستمبول، وتصويره نصرا دبلوماسيا على ألمانيا، وعلى النفوذ الكبير الذي تملكه في البلاد الإسلامية. وستكون نتيجة ذلك محزنة، لمركز ألمانيا في تركية(70) . ومنذ أن رفض السلطان الحسن طلب عبد الحميد، لم يعد بسمارك يكترث لهذه المسألة. وتلقت الحكومة العثمانية نصيحة بالتوجه إلى لندن وروما: “على الحكومة التركية التوجه نحو هاتين الدولتين التين لهما في المتوسط مصالح أكثر أهمية وأكثر مباشرة مما لنا”. وحين كررت تركية المحاولة، لم ترغب ألمانيا في أن تزج بنفسها في هذه المسألة قبل التأكد من مساندة أنكلترا وإيطاليا. سأل بسمارك سولسبري هل يرغب في إقامة علاقات بين تركية والمغرب، وهل ستدعم المفوضية الإنكليزية سلبا: “إن مولاي الحسن يظهر عداء لتركية، ومبادرات الباب العالي لا يمكن إلا أن تدفعه إلى أحضان فرنسا أو إسبانيا”. وبرر الوزير المفوض الإنكليزي معارضته بأن فرنسا ستسعى حينئذ لفتح مفوضية روسية… كما أنه ليس هناك أي تركي في المغرب، ولن يفعل ممثل تركية سوى المتاجرة بالحماية. وبررت إيطاليا رفضها بالحجج نفسها. وبعد ذلك، أخطر بسمارك عبد الحميد بأن مشاريعه ليس لها أي حظ في النجاح، ورفض التوسط(71).
حين استقال بسمارك سنة 1890 كان مركز ألمانيا في المغرب قد ترسخ اقتصاديا وسياسيا. فقد حصلت في مؤتمر مدريد على حقوق مماثلة للدول الأخرى كفرنسا وإنكلترا وإسبانيا، وأعطى المؤتمر ألمانيا – منذ الآن – الحق في أن تكون لها كلمة في المسألة المغربية. كما نجح بسمارك في تمهيد الطريق أمام التجارة والصناعة الألمانية، واكتسب لألمانيا مركزا متفوقا في البلاط المغربي. وفي الأزمات اللاحقة، كأزمة توات سنة 1899 والأزمة المغربية سنة 1905، كانت أنظار المغاربة تتجه نحو ألمانيا منتظرين الخلاص على أيديها. وستستمر الدبلوماسية الألمانية – بالرغم من اندفاع ألمانيا في السياسة الاستعمارية – في اعتبار المغرب ورقة ضغط وإغراء ومساومة.
(1) .Pierre Renouven, Histoire des relaations internationales, Tome 5, P. 383
(2) .Ibid., Tome 6, P. 28
(3) Kvostov et Mintz, Histoire de la diplomatie, Tome 2, PP. 13-14.
(4) Ibid., p. 14.
(5) Ibid..
(6) .Renouvin; op. cit., Tome 6, p. 28
(7) .Maurice Baumont, L’essor Industriel et Limpériaalisme colonial, P. 67
(8) Jacques Pirenne, Les grands courants de Lhistoire universselle, Tome 5, P. .
(9) ..Pierre Guillen, L’Allemagne et Maroc, P 6
(10) . Ibid., p. 7
(11) .Ibid., p. 8
(12) انظر .Boudet et poulier, Une mission pprussienne au Maroc :
(13) .P. Guillen, op. cit., p. 22
(14) .Ibid., pp. 18 – 19
(15) .Jean Brignon et autres, Histoire du Maroc, p. 297
(16) كان دزرائيلي الذي خلف جلاد ستون سنة 1874 قلقا من طرف السياسة الألمانية وأهدافه. كتب إلى الملكة فيكتوريا أن بسمارك هو نموذج من نابليون. ولكن الحكومة الانجليزية كعادتها تجنبت إعطاء فرنسا وعدا بالدعم. كل ما هنالك أنه إذا حاولت ألمانيا القيام بحرب وقائية ضد فرنسا، فإن انجلترا ستعلن استنكارها. وبالمقابل، أطلعت الحكومة الانجليزية بسمارك على وجهة نظرها. وبالرغم من أنها عرضت ذلك بصورة ودية، فقد كان مسعاها صريحا. إن الحكومة الألمانية مدعوة لتهدئة قلق أوربا. (op. cit., Tome 6 P. 55 Renouvin,).
(17) كان عمل روسيا مشابها لعمل انجلترا، ولكن كان له مدلول أكبر، لأن روسيا قد وقعت سنة 1873 اتفاقا عسكريا مع ألمانيا. تدخل القيصر الروسي شخصيا وقرر الذهاب بنفسه إلى برلين يصحبه المستشار غوتشاكوف، بقصد واحد وهو إبداء ملاححظات لبسمارك لتهدئة الموقف. وكان القيصر قد قال للسفير الفرنسي إنه يرغب في تهدئة التوتر الألماني الفرنسي دون اللجوء إلى التهديد و “سنصل إل ذلك”.
(Renouvin, op. cit., Tome 6, p. 56). وقال غورتشاكوف لبسمارك : “قلقكم يمنع أوربا من النوم”.
.(Henri Hawser et autres, du libéralisme à l’impérialisme, p. 355)
(18) . Jean-Louis Miège , Le Maroc et l’Europe , Tome 4, p. 19
(19) .Guillen, op. cit. , p.28
(20) .Ibid.
(21) .Ibid., p.33
(22) .J.L.Miège, op. cit., p.21-22
(23) .Guillen, op. cit., pp.32
(24) .Ibid ,. 71
(25) J. L. Miège, op . cit., p 24.
(26) .Jean Ganiage, Les origines du protectorat français en tunisie, pp. 408 – 409
(27) .Pierre Renouvin, op . cit., p. 57
(28) .Ibid.
(29) .Ibid., pp. 57-58
(30) .J. Ganiage , opp. cit., pp. 409
(31) . Ibid., p. 410
(32) Ibid., pp. 410 – 411
(33) .Guillen, op. cit., p. 98
(34) .Ibid. , p. 99
(35) .. P. Renouvin, op. cit., p 59
(36) .Ibid.
(37) .Baumont, op. cit., p. 67
(38) .J. L. Miège, op. cit., p. 22
(39) .Guillen, op . cit., p. 100
(40) .Ibid, p. 103
(41) .Ibid., p. 104
(42) .Ganiage, op. cit., p. 367
(43) .Ibid., p. 364
(44) .Ibid., p. 365
(45) . Miège, op. cit., p. 29
(46) .Guillen, op. cit., p. 105
(47) .Ibid.
(48) .Pirenne, op. cit., Tome 5, p. 516
(49) .Baumont, op. cit., p. 199
(50) .Renouvin, op. cit., pp. 110 – 111
(51) .Bulow, La oliitique d’Allemagne, p. 34
(52) .F.W. Foester, L’Europe et la question d’Allemagne, p. 172
(53) .Renouvin, op. cit., p. 94
(54) .Miège, op. cit., p. 29
(55) .Baumont, op. cit., p. 94
(56) .Miège, op. cit.,, p. 171
(57) .Ibid.
(58) .Guillen, op. cit., pp. 1167 – 169
(59) .Ibid., pp. 197 – 198
(60) .Miège , op. cit., pp. 173 – 174
(61) انظر: محمد المنوني، مظاهر يقضة المغرب الححديث، ج1 ض. 68.
(62) عبد الرؤوف ستو، “فكرة الجامعة الإسلامية بين السلطنة العثمانية والمغرب الأقصى” ، مجلة الاجتهاد،
ع 27 – 26، شتاء وربيع 1995، ص. 338
(63) .Miège, op. cit., p. 174
(64) مفاتحة بين وزير الدولة الإسباني وممثل تركيا في مدريد سرمد أفندي (Ibid ).
(65) .Guillen, op. cit., p. 182
(66) ابن زيدان، اتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، ج2 صص. 359 – 360.
(67) جاء في جواب الخارجية المغربية أنه رأت “من ملاحظة حق الأخوة في الدين ألا تفتقر الأحداث وسيلة من جانب الوداد، ورأت من اعتبار مرحم الإسلام في الوصلة إجراءها مجرى الاتحاد يقينا بأن نعمة هذه الأخوة لا يقبل حكمها التشكيك ولا يطرق من مركبه تفكيك. فلا داعي لتنزيل جانبها منزلة ملل الاختلاف. حتى تحتاج لنصب وسائط تمهيدا لائتلاف، ولتفهيم القواعد والقوانين والأعراف؛ لأن من المقرر المعلوم أن المقتضي لذلك هو ضرورة المعاملات المتوقفة على المفاوضة بين الأجناس المحتاجة لبيان الاصطلاحات واللغات. وذلك منتف في أهل الملة الإسلامية والأخوة الإيمانية لاتحاد جميعهم في أصول الأحكام والأعراف الشرعية واتفاقهم في سلوك المساعي الصالحة على متابعة اللسيرة” (ابن زيدان، مرجع مذكور، ج2، ص. 360).
(68) .Guillen, op. cit., pp. 180 – 181
(69) عبد الرؤوف ستو، مرجع مذكور، ص. 351.
(70) .Guillen, op. Cit., p. 188
(71) .Guillen, op. cit., p. 188