روى العاهل الإسباني السابق، خوان كارلوس، واقعة مثيرة، حدثت أثناء إحدى لقاءاته بالديكتاتور الراحل “فرانكو” الذي كان يدعو، بين الفينة والأخرى، ولي العهد أو خليفته آنذاك، للاجتماع به لإطلاعه على قرارات أو لمجرد إبلاغه تعليمات محددة، يستمع إليها خوان كارلوس، مطأطأ الرأس دون أن يناقشه كما أوصاه بذلك والده الملك، دون خوان، ونصحه ذات يوم وهو يودعه، بأن يحني الرأس للعاصفة (فرانكو) حتى تمر، دون أن يتخلى عن ما استقر في ذهنه، حسبما ذكر، خوان كارلوس، في مذكراته التي رواها لصحافي إسباني في تسعينيات القرن الماضي ونشرت في كتاب.
المزيد: خوان كارلوس.. الملك الحزين!!
وفي إحدى اللقاءات، لاحظ فرانكو، أن خوان كارلوس، لا يصغي إليه بانتباه، ما أثار انزعاجه، فسأله بحدة: ماذا بك؟ ماذا جرى؟ فما كان من الأمير وقتئذ، إلا أن شرح للديكتاتور، أن الذي شغله هو حركة فأر صغير، يجول بأرجاء المكتب ويحدث أصواتا؛ وكأن خوان كارلوس، أراد أن يقول لفرانكو، أن نشاط الفأر المتسلل إلى المكتب، يثير الانتباه أكثر من أقوال الديكتاتور ونصائحه!
وأورد الملك السابق، تلك الواقعة في معرض فيلم وثائقي، أنجزته التلفزة الفرنسية (القناة الثالثة) بتعاون مع نظيرتها الأولى الإسبانية، سيبث في غضون الأسابيع المقبلة، ويتتبع الفيلم، الواقع في 150 دقيقة، أطوار حياة خوان كارلوس، منذ أن وفد على إسبانيا وهو طفل صغير، قادما من البرتغال حيث كان يعيش مع والده الملك دون خوان، في المنفى.
واتبع مخرج الفيلم الوثائقي ومعده، ميغيل كورتوا، وهو إسباني فرنسي، تقنية الحكي والتعليق على صور الأرشيف التي وفرها التلفزيون الإسباني أو من مصادر أخرى، حيث يبدو الملك جالسا في مكتبه بالقصر الملكي (لا ثرثويلا) بمدريد، يستعيد لقطات ومحطات من حياته ليعلق على بعضها، بعبارات لا تخلو من الحزن والسخرية أحيانا،حيث دامت التسجيلات حوالي ست ساعات.
ويبدأ الفيلم، على إيقاع خطاب التنازل عن العرش يوم الثاني من يونيو، عام 2014. إذ يعترف معد الشريط، كورتوا، ومساعدته، لورانس داي ( مؤلفة كتاب عن الملك السابق) أنهما لم يكونا على علم أثناء التسجيل أن عاهل إسبانيا، سيتنازل عن العرش لصالح ولي عهده الذي توج يوم التاسع عشر من يونيو، باسم الملك، فيليبي السادس؛ لكنهما أوضحا أن الملك السابق والحالي، كانا قد رتبا إعلان التنازل، وهو ما اشتماه من عبارات فاه بها الملك السابق.
المزيد: سنة مرت على تنازل الملك خوان كارلوس وتسليمه المشعل لابنه
وباستثناء واقعة الفأر المزعج، فإن الفيلم وحسب الملخص الذي نشرته جريدة الباييس، موجه للجمهور الواسع في فرنسا وإسبانيا أساسا؛ وبالتالي فإنه لا يتضمن أسرارا بالغة الأهمية تكشف لأول مرة، باستثناء ما قاله خوان كارلوس، عن علاقته المتوترة مع والده في فترة ما، إذ من المعلوم أن الملك، دون خوان، رفض إلى آخر لحظة فكرة التنازل عن حقه في عرش إسبانيا لفائدة ابنه، خوان كارلوس، كنوع من رد الاعتبار لنفسه، لكنه قبل التسليم بالأمر الواقع، أقدم على الخطوة التاريخية قبل وفاته؛ ما جعل وريثه وابنه، يثني عليه بتعاطف ويصفه بالملك الذي عانى كثيرا من أجل إسبانيا.
ومن بين الأحداث المحزنة التي وقف عندها، خوان كارلوس، في سرده، وهي معروفة أيضا، مقتل شقيقه في حادث تراجيدي تسبب فيه، خوان كارلوس نفسه، وظل الشعور بالذنب يلازمه طول حياته.
ولم توجه للملك أسئلة محرجة، من طرف معدي الفيلم، باستثناء سؤال يتعلق بقبوله التعاون مع فرانكو والعيش في ظله إلى حين وفاته ؟ ويجيب الملك المتنازل عن عرش إسبانيا، مبررا ومدافعا عن نفسه، بالقول .. لو لم أفعل ذلك لما عادت الديموقراطية إلى البلاد، مشيرا الى أن فرانكو، ترك له جميع السلطات المدنية والعسكرية، لكنه اختار السير في النهج السليم.
لو تطرق الفيلم، لموضوع التنازل عن العرش وأسبابه، لكان أكثر تشويقا وإثارة. ويبدو أن المعدين، حددا الغاية والهدف من عملهما الوثائقي، أي استعادة أحداث جرت والتعليق عليها من الفاعل الرئيس فيها.
تجدر الإشارة إلى أن يومية الباييس، تساءلت عن الأسباب التي جعلت التلفزيون الإسباني، وهو شريك في الوثائقي، لا يحدد موعد بثه، مستغربة أي الباييس، أن يشاهد الفرنسيون وثائقيا يتعلق بإسبانيا، قبل الإسبان؟ وللإشارة فإن مشاهدا تفرج على الوثائقي في عرض خاص، لاحظ أن النسخة بدون ترجمة من الفرنسية إلى الإسبانية.