اليوم فاتح ماي، عيد العمال،الموعد السنوي لاستعراضات الطبقة الكادحة،التي تستغله للتذكير بلائحة مطالبها،والتعبير عن تطلعاتها نحو أفق يبشرها بأن حاضرها سوف يكون أفضل،ومستقبلها سيتطور نحو الأحسن.
لكن الواقع عنيد، مع كامل الأسف،ففي كل عام تتكرر نفس المشاهد، وترتفع الأصوات بالشكوى لتشق عنان السماء،منددة بتجاهل الحكومة لأحلامها المشروعة في حياة كريمة، بعدالة اجتماعية،وتكافؤ في الفرص،وضمان للحقوق الاقتصادية، التي ينص عليها القانون.
وفي الحقيقة،فإن هذه الفئة الاجتماعية المكافحة تعرضت في الخمس سنين الأخيرة، للكثير من الضرر، في عهد حكومة بنكيران،حسب تقارير المركزيات النقابية، في ظل جمود الحوار الاجتماعي،وارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية،بسبب تخلي صندوق المقاصة عن دعمها.
وإذا كانت المركزيات النقابية قد أعدت العدة للخروج إلى الشارع بمناسبة فاتح ماي،فإن نقابة الاتحاد العام للشغالين،الذراع النقابي لحزب الاستقلال،أقدم تنظيم سياسي في المغرب،قد أعلنت مقاطعتها لهذه الاحتفالات، احتجاجا على ما اعتبرته “تنكرا من الحكومة لالتزاماتها”.
ولعل أكبر وجه غائب هذا العام عن استعراضات فاتح ماي،الذي ستفتقده الصحافة بدون شك، هو عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية،رئيس الحكومة السابق، الذي اعتاد النزول إلى الشارع،رغم منصبه الرسمي لملاقاة الطبقة الشغيلة،طيلة السنوات الخمس التي تولى فيها مسؤولية تدبير الشأن العام.
هذا العام،فضل بنكيران أن يغادر المغرب نحو المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة، والتقاط الصور مع بعض المغاربة هناك،وقد ظهر معهم ، وهو في لباس الإحرام،وفق ما نشرته بعض الصحف الصادرة اليوم.
وفي العادة،كان وجود بنكيران، في استعراضات فاتح ماي يضفي نكهة خاصة على أجواء الاحتفال بعيد العمال، نظرا لقدرته التواصلية على الجدل.
ولا أحد يدري عما إذا كان خلفه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الحالي،سيشارك إلى جانب الاتحاد الوطني للشغل في استعراضات فاتح ماي،علما بأنه كان في السابق،وبصفته رئيسا للمجلس الوطني لحزب “المصباح”، من الحريصين على الظهور في منصة الذراع النقابي لتنظيمه السياسي.
لكن مصادر وتقارير أكدت أن العثماني ربما لن يقتفي خطى بنكيران في هذا السياق،ولربما سوف يكتفي بمتابعة مواكب العمال ولافتاتهم المحملة بمطالبهم الاجتماعية،عبر وسائل الإعلام العمومية.
وكان الطبيب النفسي، في أول خرجة إعلامية له عبر التلفزيون، من خلال قناة “ميدي 1 تي في”،والتي اجمع الكل على أنها كانت باهتة، قد تعهد بأن حكومته سوف تعمل على إعطاء دفعة جديدة للتشاور والجلوس حول طاولة الحوار الاجتماعي.
ومن بين الملفات التي تؤجج غضب المركزيات النقابية، الكيفية التي عولجت بها قضية إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد،وغياب الحريات النقابية،وتجميد الأجور،لدرجة أن هناك تنظيما نقابيا بدأ منذ الآن يهدد بالعودة إلى شن الحركات الاحتجاجية، من مسيرات وإضرابات واعتصامات وغيرها.
فكيف سيباشر العثماني كل هذه القضايا وغيرها؟ وماهي وصفته كطبيب نفسي لتجاوز كل هذه المشاكل؟ وهل في نيته إيجاد آليات ومقاربات وتصورات عملية لها؟أم أنه سوف يكتفي كأي سياسي بتوزيع الوعود، طمأنة للخواطر،وربحا للوقت في انتظار انفراج في الأفق، ربما تسمح به الظروف؟ !…
الزمن وحده هو الكفيل بالإجابة عن كل هذه الأسئلة..