على الرغم من تسخير كامل جهاز السلطة في الجزائر، والمحاولات العديدة للأحزاب ووسائل الإعلام في الجزائر، تؤكد معظم التحليلات والتوقعات بأن هذه الجهود لن تنجح في دعم رهان السلطة على الحفاظ على نسبة المشاركة السابقة الممثلة في 43 بالمائة، لأنها ببساطة، لم تنجح في إثارة حماس، أو إقناع المواطنين الجزائريين بأنها يمكن أن تححق أيا من مطالبهم.
وبعيدا عن دعوات الالمقاطعة ومبررات المقاطعين، فإن الخبرة التاريخية للجزائريين تجعلهم في غنى عن تأكيد أن السلطة التشريعية في بلادهم منقطعة الصلة بمهمتها الأساسية المتعلقة أساسا بالتشريع والرقابة، ليبقى الحدث مناسبة خاصة تهم فقط حفنة من النواب وعددا من الأحزاب لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، جرت العادة أن تحجز مكانا لها تحت قبة البرلمان.
ولعل المعطى الوحيد الذي يحظى بمتابعة وترقب وسائل الإعلام أساسا، هو انتظار نتيجة معركة “تقاسم كعكة” البرلمان، بين طرفي التحالف الرئاسي: جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. أما باقي مظاهر التنافس الانتخابي، بما فيها نتائج الأحزاب الإسلامية، فتبدو بعيدة جدا عن إثارة انتباه أحد. وحتى في هذا الصراع الثنائي الذي يتغنى بمساندة وتبني “برنامج الرئيس بوتفليقة”، والذي نجح في احتلال أزيد من 60 بالمائة من مقاعد مجلس الأمة المنتهية ولايته، فيصعب تصور أن في تنافسهما ما يمكن أن يثير حماس أي مواطن جزائري، لأن السلطة التنفيذية التي يشكلانها، تعمل بمعزل عن نوابهما في البرلمان، ولا تحتاج هؤلاء النواب إلا من أجل المصادقة السنوية على قانون المالية!!
الجزائريون المتعودون على غياب وجود أية معارضة برلمانية، واقتصار المعارضة السياسية بدورها على بعض المشاغبات الخالية من التأثير، والأقرب إلى تبرير الوجود، من هذه الشخصية الحزبية أو تلك، مشغولون بإدارة همومهم المعيشية اليومية، محاطون بحالة غموض تام حول مصيرهم، في ظل الغياب المطبق لرئيسهم العاجز، الذي لا يعلمون حقيقة من يحكمون باسمه، سوء الواقع، وغموض المستقبل، وتعدد مصادر القرار، وعدم اليقين فيما يخص خلافات معسكر الرئاسة، مضافا إليها الانقلاب الذي حصل بتغييب الفريق توفيق الذي تعود الجميع على أنه من يملك الكلمة الفصل بخصوص المستقبل، كلها عوامل تتظافر لتفسير حالة اللامبالاة التي يواجه بها الجزائريون عملية انتخاب “نوابهم” في مجلس الأمة.
وهكذا، فما هي سوى أيام، وتستقر السلطة على نسب توزيع المقاعد بين طرفي معسكر السلطة، ويخرج بضعة مراقبين بشهادة حول عدم تسجيلهم لأية خروق انتخابية، ويبتسم وزير الداخلية وهو يعلن نتائج الاقتراع والمشاركة التي بدورها لن تمنع من يسمون أنفسهم معارضة من الاحتجاج والتشكيل في هذه الأرقام، مكررين اتهامهم للسلطة بالتزوير، وتجد وسائل الإعلام والمحللين فيها مناسبة يمارسون فيها حديثهم غير ذي الصلة بالواقع، ويستمر المواطنون في معاناتهم اليومية، مبتهجين فقط بأن هذه “المندية الكبيرة” قد وضعت أوزارها أخيرا، رغم أن ميتها معلوم منذ البداية أنه لا يعدو أن يكون “فأرا”!!!