كل من يتأمل أو يتابع ما يجرى حاليا من تراشق بالألفاظ،ولعبارات السب والشتم بين أقطاب الكتلة الديمقراطية في ضوء التطورات السياسية الراهنة،يجعله يتساءل: هل دقوا آخر مسمار في نعشها،بعد أن دب الموت إلى أوصالها منذ مدة؟.
لقد تأكد بالفعل أن الثقة مفقودة نهائيا بين زعماء الأحزاب المنتمية للكتلة الديمقراطية، وهي حزب الاستقلال،والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،والتقدم والاشتراكية،واتضح ذلك بشكل جلي لاغبار عليه، خلال التعثر الذي يعرفه حاليا مسار تشكيل الحكومة،لدرجة أن اللياقة السياسية المفروص توفرها في النقاش،مهما كان عمق الخلاف،غابت نهائيا في خطابات وبلاغات وتصريحات الزعماء.
وبدل أن تكون الكتلة الديمقراطية رمزا لوحدة الكلمة،أو على الأقل منبرا للتفاهم، أمعن اعضاؤها في الآونة الأخيرة،في خلق أسباب التفرقة والتشتت، وتبادل الاتهامات بينهم،حول من يتحمل مسؤولية “البلوكاج” الذي يقف حجر عثرة في طريق تشكيل حكومة حطمت كل الأرقام القياسية في تأخير ميلادها،وبالتالي تعطيل مؤسسات البلاد، في إهدار مجاني للزمن السياسي.
وتكفي إطلالة سريعة على مواقف زعماء الكتلة المسجلة مؤخرا بالصوت والصورة،للتأكد من مستوى الدرك الأسفل الذي وصلت إليه العلاقة بين مكوناتها،في غياب تام لأبسط مباديء الحوار والاحترام والاستماع للرأي الآخر.
فما أن استوى الحبيب المالكي،القيادي الاتحادي، على كرسيه في مجلس النواب،الغرفة الأولى للبرلمان،حتى سارع حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال،الذي كان قد انسحب من جلسة الانتخاب،إلى وصف ذلك بأنه “مهزلة”،مشيرا إلى أن الاتحاد الاشتراكي لاتهمه سوى المقاعد.
وقال شباط أيضا، وهو يتحدث أمام شبيبة حزبه:”كان عندنا أمل في تشكيل الحكومة من أحزاب الكتلة،” ملمحا إلى أن “الحسابات الضيقة والبحث عن المناصب وتغليب منطق الشعب في خدمة السلطة” كانت وراء عدم تحقيق هذا الهدف.
وما أن أتيحت الفرصة أمام ادريس لشكر،الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،خلال ظهوره في برنامج”ضيف الأولى” حتى نفى احتضان حزبه يوم 8 اكتوبر لاجتماع مع احزاب أخرى، كان شباط قد وصفه بأنه “مؤامرة” للانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية،حتى لاتؤول رئاسة الحكومة إلى حزب العدالة والتنمية.
لكن الحيز الأكبر من انتقادات لشكر هي التي كانت من نصيب حزب التقدم والاشتراكية، حليفه في الكتلة الديمقراطية،وذلك باعتباره لايتوفر لا على فريق في مجلس النواب،ولا فريق في مجلس المستشارين،مستغربا من كون عبد الإله بنكيران،رئيس الحكومة،دشن المشاورات معه قبل أحزاب أخرى تتوفر على مقاعد أكثر منه في الغرفة الأولى للبرلمان.
سكوت حزب رفاق نبيل بنعبد الله لم يدم طويلا،فقد انبرى للرد عبر موقعه الاليكتروني من خلال مقال مفصل، اشتمل على العديد من المفردات الجارحة والقاسية في حق لشكر،حليف الأمس،وخصم اليوم،ويكفي نقل هذه الفقرة من الموضوع،للاستدلال على مدى المسافة التي أصبحت تفصل بين الحزبين:
“لقد بدا للكل أن من شرب حليب السباع مؤخرا واستجمع كل ملابسه و”حزموه ورزموه”لكي يشن هجوما كلاميا ضد الأمين العام لحزب التقدم والإشتراكية لم ينجح في القيام بالدور، وكانت الحاجة لمن يجيد”تخراج العينين”أكثر، ويجيد خبز”المعيار”وطهيه، وتطوع، مع الأسف، أخونا زعيم الإتحاديين لتنفيذ هذه المهمة ضد حزب التقدم والإشتراكية.
الدور كان حقا بئيسا، والأداء كان مبتذلا، والخطاب ومنتجه كانا معا غارقين في البؤس، وبلغا الدرجة الصفر في الأخلاق.”
والخلاصة التي لابد من تسجيلها،تأسيسا على ما جرى ويجري من صدام لفظي وقصف سياسي متبادل بين هذه الأحزاب،أمام سمع وبصر الرأي العام، هي أنه لم يعد هناك أي أمل في إحياء الكتلةالديمقراطية أو إخراجها من غرفة الإنعاش،مع الأسف،فلقد توقفت منذ سنوات عن التنفس،ولم يعد أي أحد يسمع لها حسا ولا خبرا،ولا موقفا، وآن موعد الترحم على روحها وإكرامها بالدفن.
ولاشك أن مؤسسي الكتلة الديمقراطية،وهم يوقعون على شهادة ميلادها يوم 17 ماي 1992، لم يتوقعوا أبدا أن تكون نهايتها بهذا الشكل المهين على يد أقطابها وزعمائها سنة 2017.
وللتاريخ، بدأت الكتلة الديمقراطية بخمسة أحزاب هي الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي،وانتهت بثلاثة أحزاب لم تعرف كيفية الحفاظ عليها أمام تحولات المشهد السياسي وضبابيته.