سقوط المطر دائما يبعث البهجة والأمل في القلوب،ويغسل النفوس من البخار الداخلي العالق بها، ويطهر الشوارع والأشجار والبنايات من الغبار، ويزيل بقايا المخلفات من قنوات الصرف الصحي،نيابة عن المجالس البلدية المتكاسلة،ويزرع الخضرة في الحقول والبراري.
لكنه هذا العام،ما أن لاحت البشرى في الأفق، معلنة عن نزوله بغزارة، بعد انتظار طويل،حتى علت الأصوات بالشكوى من ارتفاع موجة غلاء الأسعار في أسواق الخضر،الأمر الذي بات يهدد القدرة الشرائية للمواطنين.
المستهلكون الذين ألفوا حمل قففهم للتزود من حصتهم اليومية من الخضر،فوجئوا مؤخرا، بأن أسعار بعض الخضر،صارت لها أجنحة تؤهلها للتحليق نحو السماء،وخاصة منها تلك التي يكثر عليها الإقبال في فصل الشتاء،طلبا لتدفئة الجسد، عن طريق التغذية.
وهنا تتناسل التفسيرات،هناك من عزا سبب هذا الارتفاع في أسعار الخضر لصعوبة النقل في الطريق،ووعورة المعابر للوصول إلى بعض الضيعات من أجل جلب الخضر، وهناك من رأى أن الأمر ينحصر في قلة اليد العاملة في موسم الأمطار،نظرا للظروف السيئة للطقس.
عبداتي شمس الدين، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، يؤكد أن سقوط الأمطار، يشكل سببا من أسباب ارتفاع الأسعار في ظل بنيات تحتية هشة ( قناطر منهارة ،انقطاع في الطرق،ضعف في وسائل المواصلات ..).
المتحدث ذاته، أضاف في تصريح لموقع”مشاهد24″ أن هناك أسبابا أخرى، في نظره، منها تدخل الوسطاء، وضعف المراقبة على أسواق الجملة،والأسواق العشوائية التي تجعل من عملية ضبط الأسعار أمرا في غاية الصعوبة.
وعاب عبداتي على الجماعات المحلية،عدم قدرتها على تنظيمها للأسواق بشكل يسمح بتوفير المواد، حتى في أوقات الأزمات،ملاحظا عدم وجود سياسات للطوارئ تضمن مخزونا من الأغذية والخضر، لسد الحاجيات الغذائية للمواطنين، المستهلكين، لأنها لاتملك أماكن للتخزين الاحتياطي( وسائل التبريد مثلا).
وأوضح رئيس نادي المستهلك أن هناك عاملا آخر، يتجلى في ضعف ثقافة الاستهلاك لدى المواطنين، إذ يحدث أحيانا أن يكون هناك تهافت على الشراء، مما يؤدي لخلق أزمة مصطنعة ،يستغلها لعض التجار والسماسرة،الوسطاء، من اجل الربح السريع بذريعة ندرة المواد الغذائية.
وأردف أن الحالة الراهنة، الناتجة عن سوء تحولات الطقس والتساقطات المطرية، تمنع تزويد الأسواق بانتظام بالمواد المطلوبة، علما أن هناك أيضا عوامل أخرى متدخلة في نفس العملية، مثل الزيادات في أسعار النقل والتأمين اعتبارا للظروف الجوية الخاصة، وذلك في غياب سياسات استباقية وتوقعية،وأماكن لتخزين المواد، بما يكفي لعدة شهور تتراوح بين 3 و 4 اشهر، على الأقل.
ويرى عبداتي أن السلطة بإمكانها كبح جماح ارتفاع الأسعار،وعدم ترك المواطنين عرضة لحيف فوضى السوق، وذلك من خلال تدخلها بناء على قانون حماية المنافسة والأسعارالذي يسمح لها بالتدخل في حالة تجاوز الأسعار الحد المقبول، كما هو الأمر في قانون حماية المستهلك ( عدم استغلال حاجة المستهلك والتعسف عليه).
ويلح عبداتي على ضرورة تفعيل القوانين التي تحارب الغش، مذكرا أن مدونة التجارة اعتبرت في تعديلاتها الأخيرة، أن الزيادة في الأسعار، تعد بمثابة عملية غش يعاقب عليها القانون بغرامات كبيرة.
وفي الختام، يشدد عبداتي على القول، إن الأنظمة القانونية متقدمة في حماية المستهلك، ولكن تطبيقها متخلف عن المواكبة وفاقد للفعالية،”فحماية المستهلك هي من النظام العام، وبالتالي فإن مسوؤلية الدولة والحكومة ثابتة في حماية القدرة الشرائية للمواطنين” .