في مقال يتحدث عن موت العلمانية في تركيا ، كتب الأستاذ الجامعي الإسرائيلي شلومو أفينيري قائلا إن تركيا، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب “العدالة والتنمية” تشهد تحولا “تكتونيا” مشابها لما يقع في غالبية الدول المسلمة بالشرق الأوسط.
الأستاذ بالجامعة العبرية بالقدس، اعتبر في مقاله المنشور بموقع Project Syndicate أن التحول الحاصل في تركيا مرتبط بالابتعاد عن النموذج العلماني الكمالي، نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك.
العلمانية في تركيا على عهد أتاتورك لم ترسي نظاما ديمقراطيا على الشاكلة الغربية، كما يقول شلومو أفينيري، بل أسست لنظام سلطوي، متمحور حول شخصية أتاتورك، وكان أشبه في سنوات الثلاثينات بالنظام الفاشي في إيطاليا، مضيفا أن طبيعته السلطوية لم تخف خدتها سوى في الخمسينات.
علمانية أتاتورك لم تكن تعبيرا عن القاعدة الجماهرية في تركيا، بل إنها فرضت من فوق من قبل نخبة حضرية صغيرة، عسكرية وفكرية، على ساكنة في غالبيتها تقليدية وقروية، يضيف الكاتب.
وبالإضافة إلى إدخالها الحرف اللاتيني الذي فصل تركيا تماما مع تاريخها وثقافتها، فقد عملت العلمانية الأتاتوركية إلى حظر مظاهر الزي التقليدية من بينها الحجاب، وفرضت نظام لباس غربي على غالبية السكان وأرغمت السكان على تغيير أسمائهم المأخوذة عن الأسماء العربية والإسلامية.
وبالتالي فإن العلمانية في تركيا كانت على خلاف ما شهدته دول الغرب التي يقول شلومو أفينيري أن حركة العلمنة فيها سارت جنبا إلى جنبا مع المشروع التنويري الديمقراطي والليبرالي. أما في تركيا، وبصورة أقل راديكالية في إيران في عهده الشاه والدكتاتوريات العسكرية في دول مثل مصر وتونس وسوريا والعراق، يضيف الكاتب الإسرائيلي، فإن الساكنة لم يكن لها خيار.
لذلك، يمكن حسب شلومو أفينري، قراءة الانتصارات الانتخابية لحزب “العدالة والتنمية” في تركيا، كما الشأن بالنسبة لتطورات مشابهة في دول إسلامية أخرى، كرد اعتبار من طرف الساكنة المضطهدة، حيث سمح إقرار التعددية الحزبية للتوجهات المحافظة أن تعبر عن نفسها بعد أن حرمت من ذلك لمدة طويلة.
التطور الاقتصادي ساهم أيضا في ظهور برجوازية محافظة ظلت متشبثة بقيمها الدينية حيث كانت للنخبة الأتاتوركية على أنها تضطهدهم. هاته الطبقة المحافظة هي التي شكلت القاعدة الانتخابات التي ساهمت في انتصارات حزب “العدالة والتنمية” ومصدر شرعيته الديمقراطية.
المحاولة الانقلابية الأخيرة التي قامت بها عناصر في الجيش، الذرع الذي ظل يحمي العلمانية الأتاتوركية، تؤكد استمرار الصدام بين الديمقراطية والعلمانية في تركيا.
ورغم فشل سياسته الخارجية في السنوات، والتي بدأت بتبني سياسة “0 مشاكل مع الجيران” وانتهت بعلاقات متدهورة مع أرمينيا وإسرائيل ومصر وروسيا، إلا أن رجب طيب أردوغان ما يزال يحظى بدعم داخلي، وهو ما جعل الولايات المتحدة والاتحاد في موقف يضطرهما لدعمه على مضض، إبان العملية الانقلابية الأخيرة، يقول الكاتب.
الدعم الأوروبي مرتبط بالرغبة في مواصلة التعاون في مجال وقف المهاجرين، أم الدعم الأمريكي فهو قائم على مبدأ مواجهة “داعش”، وبالتالي، فرغم مواصلة أردوغان مطاردة “أعدائه” داخليا، سواء كانوا حقيقيين أو متخيلين، لن يمنع أوروبا والولايات المتحدة من السعي وراء التعاون التركي.
قبل المحاولة الانقلابية، سعى أردوغان إلى تحسين علاقاته مع روسيا وإسرائيل، وهي السياسة التي يتوقع أفينيري أن تتواصل، لكن استمرار موقفه من سوريا سيستمر في تهديد التجانس الاجتماعي في تركيا ويطرح تحدياتها على نخبتها السياسية، مع تواصل تدفق المهاجرين السوريين.
وفي حين رافقت عملية تهديم أسس العلمانية الأتاتوركية داخل مؤسسة الجيش بتأييد كبير، إلا أن الانقلاب الفاشل من شأنه أن يعزز المظاهر غير الليبرالية في الديمقراطية التركية في ظل حكم أردوغان، والتي تجعل إرادة الشعب وحكم الأغلبية في موقف معارض للتعددية وحقوق الإنسان وحرية التعبير.
شلومو أفينيري اعتبر أن يجب انتظار المستقبل لمعرفة ما إذا كان هذا النظام قادرا حقا على الصمود.