لا تزال الكرة التي ألقاها العاهل المغربي الملك محمد السادس أمام قمة الاتحاد الأفريقي تتدحرج مخلفة المزيد من التفاعل، ومتسببة في صدمة كبيرة في أوساط جبهة البوليساريو ومؤيديها في الجزائر وجنوب إفريقيا. انتقال المغرب من سياسة الدفاع إلى الهجوم الدبلوماسي، وقراره أخيرا بالقطع مع سياسة “المقعد الفارغ”، تنبئ بعصر جديد للصراع حول مغربية الصحراء، عصر عنوانه نقل المعركة إلى عقر دار خصوم الوحدة الترابية، وخوض المواجهات المباشرة معهم داخل المنظمات الإقليمية والدولية.
المغرب، الذي لا يحتاج لاستعادة مقعده سوى لموافقة مكتوبة من قبل 28 دولة إفريقية عضوة في الاتحاد، يبدو أنه شرع في التعامل كعضو، وانتقل إلى أبعد من ذلك بعد ضمان العدد المطلوب، مع توقيع هذا العدد من الدول (ال 28) على مذكرة تطالب بالتعليق الفوري لعضوية الجمهورية الصحراوية الوهمية في الاتحاد الإفريقي ومختلف هيئاته، انسجاما مع القانون الدولي الذي لا تعترف أي من منظماته الإقليمية والدولية بهذا الكيان المصطنع.
هذا الهجوم الدبلوماسي المغربي، يلقي الضوء على حصيلة الجهود المبذولة مغربيا على الصعيد الإفريقي، رغم الغياب عن منظمته الإقليمية منذ 1984، ويزيد من أهمية التنبه للأشواط التي ينبغي أن تقطعها هذه الدبلوماسية، إن هي أرادت تحقيق نصر دبلوماسي حاسم خلال قمة الاتحاد الإفريقي المنتظر عقدها في إثيوبيا في يناير 2017، والتي سيشارك فيها المغرب كعضو لأول مرة منذ 33 عاما، حيث أن المغرب لا زال بحاجة لضمان أصوات 8 دول إفريقية أخرى من أجل ضمان أغلبية الثلثين، والتي ستعدد من خياراته وتفتح أمامه أفاقا واسعة للانتصار في معركته المقبلة.
واذا اعتمدنا لائحة الدول ال28 المطالبة بطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي معيارا لتتبع “النفوذ المغربي” في شرق وغرب وجنوب ووسط وشمال القارة السمراء، يمكن الخروج بجملة من الملاحظات حول المهمات التي لا يزال على الدبلوماسية المغربية أن تنجزها إن هي أرادت ضمان الأغلبية المطلوبة:
- بداية، هناك علامة استفهام كبيرة حول امتناع عدد من “أصدقاء المغرب” عن التوقيع على المذكرة الإفريقية، لأسباب ربما ستبديها الأيام المقبلة. فدول مثل مصر بمواقفها المساندة الصلبة داخل أروقة مجلس الأمن، ومالي وتونس اللتان سبق لهما مع مصر أن وقعا على مذكرة شبيهة بالمذكرة الحالية تحمل نفس الطلب (طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي) وذلك في ديسمبر 2013 رفقة كل من السنغال، ساحل العاج، الغابون وليبيا. فما الذي يدفع البلدان الثلاثة للتوقيع على هذا الطلب عام 2013 والامتناع عن نفس الأمر عام 2016؟؟
- ربما تكمن المفارقة أن المذكرة الشهيرة سجلت أضعف أداء داخل تجمع شمال إفريقيا، حيث امتنعت مصر والجزائر وتونس عن التوقيع ولم توقع سوى ليبيا، عرفانا ربما بالدعم الذي يقدمه المغرب للعملية السياسية في هذا البلد المغاربي. لكن يبقى الأمل قويا بالوصول إلى محطة المؤتمر المقبل للاتحاد وقد تسلح المغرب بموافقتي مصر وتونس، ليبقى الموقف الجزائري معزولا.
- ضعف آخر إن لم نقل شبه غياب تسجله الدبلوماسية المغربية على مستوى جنوب القارة، حيث من أصل خمس دول هي عماد هذا التجمع لم توقع على المذكرة سوى سوازيلاند، بينما لا تزال الدول الأربعة الأخرى تعترف بجمهورية الوهم، ونقصد: جنوب إفريقيا، بوتسوانا، ليسوتو، وناميبيا. وهو ما يظهر حجم العمل الكبير الذي يتوجب على الدبلوماسية المغربية أن تقوم به إن هي أرادت خلخلة المواقف غير المتفهمة لهذه البلدان، وتحديدا على مستوى الطرف الأقوى: جنوب إفريقيا، التي تشكل تقليديا رفقة الجزائر ونيجيريا، رأس حربة ضد الوحدة الترابية المغربية.
- عمل شاق آخر ينبغي على الدبلوماسية المغربية أن تضطلع به، مستفيدة من عدد من الاختراقات الهامة، تحديدا في منطقة شرق إفريقيا، المنطقة الجغرافية الأكبر، بدولها التسع عشرة. فرغم توقيع كل من زامبيا، بوروندي، سيشيل، جيبوتي، إريتريا، جزر القمر، الصومال، والسودان على المذكرة، إلا أن أحد عشرة دولة من دول المنطقة لا تزال خارج “النفوذ المغربي”، ونقصد: اثيوبيا، كينيا، تنزانيا، أوغندا، رواندا، زيمبابوي، موريشيوس، موزمبيق، مدغشقر، ملاوي، وجنوب السودان. ورغم ما يبدو على المهمة من صعوبة، فإن العديد من المؤشرات المشجعة قد ظهرت في الآونة الأخيرة، ومنها التأييد الواضح لرواندا لعودة المغرب إلى صفوف الاتحاد الإفريقي، والعلاقة التي تتطور باضطراد مع هذا البلد، وهو أمر يصدق على العلاقة مع قطب المنطقة إثيوبيا، مع البناء على قيام كينيا ومالاوي بسحب اعترافهما بجمهورية الوهم، من أجل مد جسور تواصل أفضل معهما، الأمر الذي يحصر المهمة الصعبة عمليا في الدول الأخرى التي لا تزال تعترف بالبوليساريو، ونقصد زيمبابوي، تنزانيا، أوغندا، موزمبيق، موريشيوس، وجنوب السودان. دول ينبغي مع ذلك تقوية العلاقات معها واستكشاف أوجه جديدة للتعاون، والاستعانة بجهود ووساطات دول صديقة للمغرب من داخل وخارج شرق إفريقيا والقارة، من أجل دفعها لتصحيح مواقفها تجاه المملكة.
- أما غرب إفريقيا، الساحة الخلفية للمغرب ومنطقة نفوذه التقليدية، فشهدت توقيع 12 دولة من دوله الست عشرة (سيراليون، توغو، ساحل العاج، الرأس الأخضر، بوركينافاصو، بنين، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، والسنغال) لتبقى نيجيريا والنيجر ومالي وموريتانيا خارج السرب. وإذا كانت المواقف النيجيرية التقليدية معروفة، فإن علامة الاستفهام ترتسم حول امتناع النيجر ومالي اللتان تعتبران تقليديا من ضمن أصدقاء المغرب ولا تعترفان بجمهورية الوهم. أما موريتانيا، فتبقى العلاقة بها خاضعة للشد والجذب، بشكل يصعب معه التنبؤ بحركتها.
- منطقة النفوذ المغربي الأخرى هي وسط إفريقيا، حيث وقعت ست دول من أصل دولها التسع على المذكرة (الغابون، الكونغو، افريقيا الوسطى، الكونغو الديمقراطية، غينيا الاستوائية، وساوتومي وبرنسيب). وأثار الاستغراب امتناع تشاد عن التوقيع، وهي التي أشاد رئيسها بعودة المغرب لصفوف الاتحاد، ناهيك عن الكاميرون التي لم تعترف يوما بالبوليساريو. أما تاسع الدول أنغولا، التي تعترف بجمهورية الوهم وتخوض أشرس المعارك ضد المغرب في أروقة مجلس الأمن، فلم يكن متوقعا منها موقف مغاير.
وإذا أردنا إجمال الصورة، يمكن القول أن مهمة الدبلوماسية المغربية من أجل تأمين أغلبية الثلثين داخل الاتحاد خلال الستة أشهر المتبقية على عقد القمة الإفريقية المقبلة، على صعوبتها، ليست مستحيلة، بل وتبدو الحظوظ وافرة في كسب هذا الرهان، إن هي كثفت العمل على الدول القريبة من المغرب والصديقة لها تقليديا من قبيل مصر، تونس، مالي، النيجر، تشاد، ورواندا، وفتح خطوط جديدة وقوية مع الدول التي لا تعترف بالبوليساريو أو سحبت اعترافها بها من قبيل كينيا، مدغشقر، مالاوي، والكاميرون. عشر دول يمكن لأية ثمانية منها أن تفي بالغرض، وهو تأمين أغلبية الثلثين التي ستمكن المغرب من الانتصار على خصوم وحدته الترابية داخل قارته السمراء.
أما الدول الأخرى، فما يجب التنبه إليه وعدم إغفاله هو أن الجهود التي بذلت في مساحات أخرى، ساهمت في سحب عشرات الدول لاعترافها بالجبهة، مع التذكير بأن السياسة هي لعبة مصالح متغيرة لا وجود فيها للثوابت. وعليه، يمكن الدخول على خط التنافس الجزائري- النيجيري على منصب مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي من أجل جر نيجيريا من خانة المعادين للوحدة الترابية. كما أن العديد من دول شرق القارة ترتبط بعلاقات وثيقة مع دول عربية من خارج القارة الإفريقية، ممن يعتبرون حلفاء للمغرب، ومن شأن مساعدتهم أن تغير واقع الحال في ثلاث أو أربع دول منها.
خلاصة القول، هي معركة قد بدأت، مداها الزمني ستة أشهر، ومن شأن الانتصار فيها أن يريح المغرب على صعيد علاقاته مع المنتظم الأممي. انتصار نرى جميع مقوماته ظاهرة للعيان، لنشهد في يناير المقبل انتهاء وهم الدولة الصحراوية المستقلة، تمهيدا لإقفال هذا الملف إلى غير رجعة.