الرئيسية / إضاءات / كاتب فرنسي: “الجزائر تغرق في صمت”
الجزائر تغرق
عجز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أحد مظاهر الأزمة في الجزائر

كاتب فرنسي: “الجزائر تغرق في صمت”

“الجزائر تغرق في صمت”، هكذا عنون موقع Orient XXI الفرنسي، الذي يقدم تحليلات وتقارير عن الأوضاع في الشرق الأوسط والمغرب الكبير، إحدى مقالاته التي حملت توقيع الكاتب جون بيير سيريني.

من خلال استعراض العناوين العريضة للوضع في الجزائر، نجد أنفسا أمام بلد يواجه الصدمة النفطية الأعنف خلال الثلاثة عقود الأخيرة، حيث رئيس الجمهورية غائب عن المشهد، وعجز الميزانية بلغت قيمته 30 مليار دولار، فيما المرشحون لخلافة الرئيس لا يبدو أنه يتفقون على أي شيء، ما يجعل الضبابية تلف المشهد الخاص بالعهدة الرابعة لعبد العزيز بوتفليقة.

سيريني كتب أنه بعد سنتين من اندلاع الأزمة البترولية الدولية، صارت الجزائر مصابة بشلل وانسداد ثلاثي الأوجه يهدد بأن يقود إلى ما هو أسوأ. فمن جهة، هناك المأزق المرتبط بعدم توافق أجنحة النظام على خليفة للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة برغم عجزه عن الإمساك بزمام السلطة، ما يحول دون حصول أي تطور جدي لإيجاد حل للأزمة المالية الخانقة التي تمر بها الدولة والقطاع العام في الجزائر.

من جانب آخر فإن الجزائر، التي تعيش بدورها من عائدات البترول والغاز الذي تقوم بتصديره، هي اليوم عاجزة، على عكس السعودية والعراق وإيران وروسيا، على رفع صادراتها من أجل تعويض تراجع أسعار النفط.

الكاتب الفرنسي ذكر بكون إنتاج الجزائر من النفط يتراجع منذ عشر سنوات مقابل ارتفاع الاستهلاك الداخلي ما يساهم في تناقص الفائض القابل للتصدير. من أجل تغيير هذا الوضع، تحتاج الجزائر إلى مجهود استثماري كبير، وهو هما يصطدم بكون الشركات الأجنبية تشيح بوجهها عن الجزائر منذ 2010 بسبب الشروط المعروضة عليها من طرف الدولة. وبرغم كون الشركة النفطية الوطنية “سوناطراك” كانت السنة الماضي تعاني من عجز مالي، إلى أن المأزق السياسي الحالي يحول دون مراجعة هذه الشروط الموضوعة أمام الشركات الأجنبية.

الكاتب الفرنسي يؤكد أنه لكي تخرج الجزائر من هذه الحلقة المفرغة عليها أولا أن تحل إشكالية خلافة بوتفليقة المعلقة منذ ربيع 2013 عندما نقل الرئيس لأول مرة إلى مستشفى فال دوغراس بباريس بعد نوبة قلبية لم يتعافى منها أبدا.

قبل الانتخابات الرئاسية في 2014، يقول جون بيير سيريني، تم تداول اسم الوزير الأول عبد المالك سلال كمرشح قبل أن يتدخل قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، في آخر لحظة. على نحو مشابه، بدأ الحديث في مطلع 2016 عن أحمد أويحيى، مدير ديوان الرئيس بوتفليقة، لقيادة الوزارة الأولى التي شغلها ثلاث مرات سابقا. لكن تخوف خصومه من وجود طموحات رئاسية لديه دفعهم للتحرك لقطع الطريق أمام أي رغبة قد تراود أويحيى لخلافة رئيسه.

جون بيير اعتبر أن الثلاثي المشارك في هذه المأساة – الملهاة، وهم الجيش ومصالح الأمن وعائلة بوتفليقة، لا يتفق سوى على استمرار الوضع القائم. ورغم أن رئيس أركان الجيش، قايد صالح، يبدو مستعدا لخلع جبة العسكري وارتداء زي الرئاسة، إلا أنه يلقى معارضة من قادة العسكر الذي يفضلون تفويض هذه المهمة إلى شخص مدني خاصة في ظل ظروف عصيبة كهاته. أما شقيق الرئيس الأصغر، السعيد بوتفليقة، فهو لا يملك الحظوة لدى الرأي العام ولا الجدية التي يتطلبها منصب الرئيس. بدوره لا يتمتع الوزير عبد المالك سلال بالدعم والمصداقية الكافية لشغل المنصب.

هذا التخبط السياسي يتسبب في تعطيل الإصلاحات التي تطالب بها المؤسسات الدولية والخبراء من أجل مواجهة الأزمة الحالية، ويجعل الجزائر مهددة بأن تدفع غاليا ثمن عدم تحركها. فعائدات الفورة النفطية بدأت تستنزف وعجز الميزانية مرشح لأن يصل خلال السنة الجارية إلى 30 مليار دولار، أي 20% من الناتج الداخلي الخام، ما قد ينجم عنه فراغ “صندوق ضبط الإيرادات”، الذي ظل لسنوات يمول عجز الميزانية، مع نهاية 2016.

ومع قرار الجزائر العودة إلى الاقتراض، تجد البلاد نفسها أمام صعوبة الحصول على ما يكفي من الأموال من البنك الدولي أو البنك الإفريقي للتنمية. سيريني أوضح أن الجزائر ستجد صعوبة في الولوج إلى السوق المالية الدولية من دون ضمانات من الخزينة الأمريكية أو اليابانية على غرار ما قامت به تونس، لكن الجزائريين، الذين ما يزالون يتذكرون الأزمة المالية لسنوات التسعينات والتي قادت إلى برنامج تقويم هيكلي كانت له نتائج وخيمة على القطاع العام والمستهلكين، سيرون في اللجوء إلى ضمانات هذه المؤسسات إهانة وطنية.

مشروع الاقتراض الوطني الذي تم إطلاقه مني بالفشل على حد قول الكاتب الفرنسي، وكان من نتائجه أنه تسبب في إقالة وزير المالية عبد الرحمان بن خالفة، ما يطرح التساؤل عن الحلول المتبقية لخلفه، ثالث وزير يشغل المنصب في ظرف سنتين، سوى القيام بخفض كبير لقيمة العملة الجزائرية بتعاون مع مدير البنك المركزي، ما سيترتب عنه تضخم ونقص في المواد الاستهلاكية وتفقير للمواطنين، وهو تهديد ثلاثي للاستقرار والسلم الاجتماعي، وهو ما يعني أيضا تهديدا للنظام.

المؤتمر الثلاثي الأخير بين الحكومة وأرباب العمل والاتحاد العام للعمال الجزائريين في 5 يونيو المنصرم أثبت عجز النظام، يقول جون بيير سيريني، عن “الإمساك بالثور من القرنين” كما يقول المثل الفرنسي، أي مواجهة المشاكل بدل الفرار منها خاصة بالنظر إلى استعجالية الوضع.

نفس المنطق التأجيلي رصده الكاتب في مجال النفط، مستشهدا بالمنتدى الذي نظمته وزارة الطاقة الجزائرية نهاية ماي الماضي بتعاون مع الاتحاد الأوربي بغية إقناع الشركات الدولية بالعودة للتنقيب في باطن الأرض الجزائرية عن الغاز بالخصوص.

النقاش تحول إلى “حوار الطرشان”، يقول جون بيير سيريني، حيث تم رفض مطالب الدولة بالحفاظ على أثمنة الغاز كما هي وبامتلاك الدولة لنسبة 51% في الحقول البترولية ما يعني فرار الاستثمارات الأجنبية مجددا. الكاتب أكد أنه في ظل تراجع موارد الشركة النفطية والمزايدات التي تقوم بها الدول المنتجة للنفط، أصبحت الجزائر أقل جاذبية في نظر هذه الشركات. القرار الوحيد الذي اتخذ بشأن هذا الفشل كان هو إقالة وزير الطاقة صلاح خبري، لكن ذلك لا يعني في نظر الكاتب أن خليفته سيكون أكثر توفيقا بالضرورة.

على مستوى آخر، يرى كاتب المقال أن القوى الكبرى أرادت تصديق كون إحالة رئيس المخابرات السابق، الفريق محمد مدين “توفيق”، وإعادة هيكلة هذا الجهاز القوي، سيقود إلى الانتقال نحو دولة “مدنية” يتم فيها احترام الحريات والمعارضة وتبدأ فيها عملية تحديث النظام. لكن المؤشرات الإيجابية تبدو نادرة حيث “ما تزال العدالة تتحرك بالأوامر والبرلمان مهمشا والمنتخبون المحليون مدجنون وأربعة صحف يومية مستقلة مهددة ومحرومة من الإشهار العمومي”.

بالإضافة إلى ذلك، يرى جون بيير سيريني أن عملية احتجاز جنرال متقاعد (حسين بن حديد) لأنه تجرأ على انتقاد شقيق الرئيس بوتفليقة، والمضايقات التي يتعرض لها رجل الأعمال يسعد ربراب تدفع إلى الخشية من أن ينضاف القمع إلى حالة الجمود التي تطبع عمل السلطة والتفقير الذي يعاني منه الشعب.