بعد أن كانت تشكل قوة ضغط تطالب الحكومة بصوت واحد بسحب مشروع إصلاح أنظمة التقاعد، لكونها تعتبره ترقيعيا وغير كفيل بحل أزمة تمس آلاف الموظفين المغاربة، تفرق شمل النقابات في وقت تقترب فيه الحكومة من تحقيق مبتغاها، وتطبيق الإجراءات التي حددتها.
التوتر بدأ بين النقابيين الذين يعول عليهم العمال المغاربة في ثني الحكومة عن تنفيذ إصلاح سيرفع إثره سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة، حين قرر مستشارو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل بتنسيق مع الاتحاد العام للشغالين، مقاطعة جلسات لجنة المالية والشؤون الاقتصادية بمجلس المستشارين لمناقشة قوانين إصلاح النظام الذي يعرف اختلالات كبرى، لكن سرعان ما اصطف الذراع النقابي لحزب الاستقلال، إلى جانب المناقشين وحضر الجلسات.
في هذه المرحلة، لم يستسغ ممثلو الكونفدرالية والاتحاد، خطوة نقابة الحزب الذي كشفت مواقفه الأخيرة أنه سيقف في صف حزب العدالة والتنمية المتزعم للحكومة الحالية في القادم من الأيام، واعتبروها بمثابة نقض لتنسيق نقابي حول ملف مصيري دون مبررات أو أسباب.
وحينها كان عبد الحق حيسان المستشار البرلماني عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قال في تصريح لموقع ”مشاهد24”، إن ”الاتحاد العام للشغالين فاجأنا بحضوره الجلسات، بعد اتفاقنا كنقابات نمثل نفس الطبقة على مقاطعة الجلسات”.
وأبرز أن مقاطعة الجلسات ستستمر، وستوازيها اعتصامات بالغرفة الثانية للبرلمان، على الرغم من خطوة نقابة الاتحاد العام للشغالين التي كانت موجعة، وفعلا ذلك ما حصل.
وبحلول آخر جلسات اللجنة التي تم خلالها التصويت على القوانين، انقلبت الآية، وصارت أصابع الاتهام موجهة نحو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث إن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين، اعتبر أن قرارها بالانسحاب كان سببا رئيسيا في تشتت المعارضة، وفي تمرير الأغلبية لهذه المشاريع.
الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين لم يقف عند ذلك، بل قال في بلاغ أصدره بعد مصادقة مجلس المستشارين على قوانين إصلاح التقاعد، ”إن بعض الأطراف التي تروج مغالطات ومعطيات غير صحيحة مشاركة في مؤامرة للإجهاز على مكتسبات الطبقة الشغيلة”، مضيفا ”هذه الأطراف المتموقعة في المعارضة التي تدعي نصرة حقوق وقضايا الشغيلة وهي من ذلك براء”.
وبرر موقف ذراعه النقابي بالمشاركة في جلسات المناقشة، بأنه ”وجد نفسه مضطرا للمشاركة في مناقشة مشاريع القوانين بعد صدور قرار مكتب مجلس المستشارين بتحديد شهر كأجل أقصى للانتهاء من دراستها داخل اللجنة، لقطع الطريق على المتآمرين على مصالح الشغيلة، من خلال إدخال التعديلات الجوهرية الضرورية”.
لكن امتناعه عن التصويت التي ذكرت مصادر الموقع بأنه تقرر في آخر اللحظات ضدا في حزب الأصالة والمعاصرة الذي أعلن شباط بالبند العريض انفصاله عنه قبل أيام، فلم يتطرق إليه أو يقدم توضيحات حوله، وعوض ذلك بتحميل المسؤولية إلى باقي مكونات المعارضة، معتبرا أن عدم تصويتهم بالإيجاب على التعديلات التي تقدم بها فوت الفرصة لتعديل هذه المشاريع.
وحفظا لماء وجهه، أوضح الاتحاد العام للشغالين من جهته، أن موقف عدم الانسحاب من لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين أثناء دراستها لمشاريع قوانين التقاعد، تم بناء على رغبته في طرح تعديلاته التي تعكس تصور عموم الطبقة الشغيلة لإصلاح نظام مهم، وهي نفسها مقترحات باقي النقابات الممثلة بمجلس المستشارين.
وفي مرحلة الشد والجذب هاته، التي تجزأت فيها المعارضة، مانحة الحكومة فرصة ثمينة لتنفيذ الإصلاح بسلاسة، أكد حيسان في اتصال هاتفي مع الموقع، أن خرق نقابة الاستقلال اتفاق مقاطعة الجلسات هو الذي أضعف موقف النقابات، وقوى الطرف الآخر.
وأبرز أن الكونفدرالية، فعلت ما في وسعها لعرقلة تمرير قوانين إصلاح التقاعد وتشبثت بموقفها في كل المراحل بمختلف الوسائل، قائلا ”خاص الناس اللي كيتهمونا يعرفوا أننا ميمكنش نصوتو على أمر حنا عارضناه سابقا، وكنقول ليهم حنا راه درنا كل ما في جهدنا وما بقا لينا غير السلاح نهزوه”.
بين رواية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين، وباستحضار المعطيات والتطورات التي أفرزها نقاش استغرق وقتا طويلا، فإن الخلاصة التي لايختلف عليها اثنان هي أن حكومة بن كيران نجحت رغم الاحتجاجات والاعتصامات، في الحصول على تأشيرة الغرفة الثانية للبرلمان على مشروعها لإصلاح نظام التقاعد، وتقترب من تطبيقه بعد منحها الضوء الأخضر من طرف النواب.