الرئيسية / إضاءات / نتائج الانتخابات الإسبانية أحيت آمالا في تجاوز الأزمة السياسية بالبلاد
الانتخابات الإسبانية

نتائج الانتخابات الإسبانية أحيت آمالا في تجاوز الأزمة السياسية بالبلاد

لم تنه الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد 26 يونيو، بإسبانيا الأزمة السياسية التي غرقت فيها البلاد منذ أكثر من ستة أشهر؛ لكنها فتحت بالتأكيد أمالا ضعيفة لتجاوزها بتشكيل حكومة تنتظرها البلاد ويفرضها السياق السياسي المتقلب في أوروبا ، جراء الأثر الناجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أفرز الاقتراع التشريعي معطى هاما استخفت به أغلب استطلاعات الرأي، تمثل في استعادة “الحزب الشعبي” لجزء من ثقة الناخبين الذين خذلوه في انتخابات 20 ديسمبر الماضي .ارتفعت مقاعده في مجلس النواب من 123 إلى 137 مثلما تحسن وضعه في مجلس الشيوخ.
ولم يكتف الحزب الشعبي، بتعزيز موقعه كمتصدر للنتائج من حيث عدد الأصوات والمقاعد النيابية، بل ابعد عن طريقه القوى الحزبية المتربصة التي ناصبته العداء خلال المحاولتين الأولى والثانية ومنعت على “ماريانو راخوي” تشكيل الحكومة عقب الجولة الأولى من التشريعيات؛ دون أن يعني ذلك أن الطريق أصبحت الآن سالكة أمامه بالكامل نحو قصر” لامنكلوا” فبات لزاما عليه فتح قنوات التفاوض مع الحزبين الاشتراكي والعمالي وثيودادانوس، لبحث ترتيبات اقتسام وتوزيع المسؤوليات في مجلس النواب أولا ووضع تصور لبنيان حكومة المستقبل.
ولن يكون التفاوض سهلا مع الحزبين المذكورين ؛فهناك اشتراطات من كل جهة أصعبها إقناع الاشتراكيين المشاركة في حكومة يرأسها، ماريانو راخوي ، فقد سبق للاشتراكي أن أشهر “الفيتو” في وجه الشعبي ورئيسه شخصيا ، ما فوت على الأخير فرصة تشكيل الحكومة بعد ديسمبر وتجنيب البلاد أعادة انتخابات كلفت الخزينة الإسبانية نفقات باهظة ،دون أن تسفر عن نتيجة تمناها هذا الحزب أو ذاك .ومن حق الاشتراكي بدوره توجيه ذات اللوم لغريمه “الحزب الشعبي” فقد أجهض رغبة” سانشيث”في قيادة الحكومة.,
ربما تنفس الإسبان الصعداء ليلة الأحد الماضي وبات أمامهم مشهد سياسي أقل تعقيدا من الذي فرض عليهم التوجه مجددا لصناديق الاقتراع
ضاع حلم اليسار المتطرف الشعبوي، ولم يحصل على نتيجة تمكنه من التحكم في اللعبة وفرض شروطه على باقي المكونات الحزبية وخاصة تلك التي تعتبر نفسها أحزابا ذات مرجعية دستورية وحدوية وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي الذي واجه بمفرده، التحالف الاضطراري بين” بوديموس واليسار الموحد ” الذي أبرم من أجل غاية واحدة هي إضعاف الاشتراكيين وإبعادهم عن زعامة اليسار الإسباني الذي هيمنوا عليه عقودا من الزمن .
صحيح أن الاحتراب الضاري وتبادل التهم بين الاشتراكي وبين من يسمون” اليسار الجديد” أضعف الأول وأفقده خمس مقاعد من التسعين التي فاز في استحقاقات ديسمبر، لكن خسارة، بوديموس، وحلفائه كانت أقسى وأمر، لدرجة أن المسئول الثالث في الحزب عن التنظيم (بابلو إيشينيكي) عجز عن تفسير سر فقدان تحالف “بوديموس أونيدوس”لأكثر من مليون صوت وهم الذين دعوا أنصارهم للاحتفال بليلة النصر العظيم والتهيؤ لاقتحام قصر “لا منكلوا” وإخراج اليمين منه.
ساهمت عوامل كثيرة في إخفاق ” بوديموس ” بينها استفتاء بريطانيا ، مع فارق أن اليمين الإنجليزي المنغلق هو الذي دفع المملكة المتحدة نحو التحرر من فلك الاتحاد الأوروبي ، ما تسبب في رجة قوية ، علما أن “الشعبويين” الإنجليز قد يلتقون مع اليسار الفوضوي الإسباني،على الأقل فيما يخص التشكيك في جدوى الانتماء إلى أوروبا الموحدة .
وهذا التشابه في المواقف أيقظ وحده مخاوف شريحة من المصوتين لصالح اليسار في إسبانيا ، خشية غرق بلادهم في بئر عميقة، وقد اكتشفوا حقيقة النزوع الفوضوي المعادي للمؤسسات المتحكم في فكر زعيم” بوديموس ” ما قد يجر البلاد نحو متاهة أللاستقرار. هذا لا يعني أن الناخبين الإسبان راضون عن سياسات اليمين ، ولكنهم ينشدون التغيير دون حرق المراحل ؛ ما جعل اليسار المحتج ، يلجأ إلى سلاح مزدوج : الحيلولة دون إضعاف الحزب الاشتراكي العمالي، بأن لا يتحول إلى قوة هامشية ووقف طموح “بوديموس” عند حده . كانت صفعة قوية تلقاها ، ،بابلو إيغليسياس، حدت من غروره وبالتالي سيراجع الكثير من حساباته الإيديولوجية والتنظيمية .
غير أن محاسبة النفس والقيام بنقد ذاتي لتفسير أسباب الهزيمة ، لن تقتصر على بوديموس. التململ واضح في صفوف الحزب الاشتراكي ، بين دعاة إتاحة الفرصة لحكومة يتزعمها الحزب الشعبي ، بالتغيب أو الامتناع عن التصويت تيسيرا للمنهجية الديمقراطية ، وبين من يرفض ذلك وترك” ماريانو راخوي” يسبح وحده ضد كل التيارات.
ولا يخلو حزب ،ثيودادانوس ، من نقاش مماثل، ولكنه هادئ رغم أنه فقد 8 مقاعد مقارنة باستحقاقات ديمسبر ،إلا أن الاستقطاب في الحزب والتجاذب في قيادته أقل حدة .
ومن الواضح أن” ثيودادانوس” يسعى لبلورة قوة وسطية، قادرة على التأليف بين الكتل الحزبية مستقبلا ،بعد تخلي إسبانيا عن القطبية الثنائية التي تناوبت على السلطة في الماضي.
سيكون المخاض عسيرا في المعسكر اليساري : فالاشتراكي العمالي ، مطالب بالبحث عن زعامة جديدة ، لأن الأمين العام الحالي تنقصه “الكاريزما” الشعبية المطلوبة ، مثلما أنه مطالب بتجديد آليات اشتغاله ووعائه الفكري، بشكل يمكنه من استعادة الغاضبين والمحتجين والمتخلين عنه ..
نفس المبدأ سينسحب بحدة أكبر على اليسار الفتي ،فقد يعود إلى حجمه الطبيعي بعد عمليات النفخ المتتالية. ومن المحتمل أن يفك “اليسار الموحد”ارتباطه ب ،بوديموس، والعودة إلى معقله التقليدي (الحزب الشيوعي ) دون استبعاد حدوث شرخ في حلقة، بابلو إيغليسياس ،خاصة وقد لمح بعضهم إلى مسؤوليته فيما جرى يوم الأحد 26 يونيو لدرجة إن أحد مؤسسي الحركة وصف أداءه الزعيم ب “الطفولي اليساري”
قد تأخذ المشاورات وقتا يتوقف مداه على مهارة ، ماريانو راخوي، في إدارة الحوار والاتفاق مع الفاعلين الحزبيين على إبرام ميثاق تحالف لا يضمن تشكيل الحكومة فقط وإنما استمرار الولاية التشريعية واستقرار البلاد.
ليس لزعيم الحزب الشعبي الأغلبية العددية ، لكنه يتوفر قطعا على شرعية دستورية وأخلاقية أكدها استحقاق يوم الأحد الماضي،بحيث سيخجل من يطمح ليحل محله بينما الفارق بينهما أكثر من خمسين نائبا .
ستكون المقابلة حامية الوطيس، زاخرة بالمفاجآت ، لكن الحكم لن يستعمل صفارته إلى بعد اتفاق اللاعبين ليقوم عاهل البلاد بالتكليف الدستوري ؟
Buena suerte