يُعدّ المغرب من البلدان الرائدة في مجال جراحة التقويم والتجميل. ويرى البروفسور صلاح الدين السلاوي، صاحب أول عيادة متخصصة في هذا المجال، أنّ المملكة المغربية من البلدان القليلة المنتمية إلى العالم الثالث التي تهتمّ بجراحة التقويم والتجميل.
تعرّف المغرب ‘لى التجميل، بحسب البروفسور السلاوي، منذ الخمسينيات من القرن الماضي، عندما خضع بعض الفرنسيين لمجموعة من العمليات الجراحية التجميلية التي لم تكن تُجرى حينذاك في أوروبا، لا سيما جراحة تغيير الجنس. يقول السلاوي لرصيف22: “يحظى المغرب اليوم بمكانة خاصة في العالم في هذا المجال، لأن لديه أطباء من ذوي الكفاءة”.
هل يتقبل المجتمع المغربي العمليات التجميلية؟ عند استطلاعنا لأراء بعض المواطنين المغاربة في مدينة الدار البيضاء حول موضوع الجراحة التجميلية، أجمعت أجوبتهم على رفضهم التام للعمليات الهادفة لتغيير الجنس، مقابل موافقتهم على إجراء عمليات جراحية للأشخاص الذين تعرّضوا لحوادث سير أو حروق من أجل إنقاذهم من التشوهات والعاهات المستديمة. ورفض البعض الآخر إجراء عمليات تجميلية للتشوهات الخلقية، معتبرين ذلك “شرك بالله ورفض لخلقه”.
وبين هذا وذاك، تبيٰن أنّ الغالبية العظمى تختلط عندها المفاهيم حول ماهية الجراحة التجميلية، ولا تدركها فعلاً. بحسب البروفسور محمد الزوبي، أستاذ جراح في المركز الوطني لعلاج الحروق والجراحة التقويمية، والكاتب العام للجمعية المغربية لجراحة التجميل والتقويم: “تختلف تعاريف الجراحة التجميلية والتقويمية من شخص إلى آخر”، ويرشدنا البروفيسور إلى إعلان منظمة الصحة العالمية الذي يشير إلى أن “صحة الفرد أو الشخص ليس انتفاء من المرض أو العاهة، ولكن هي حالة توازن جسدي عقلي نفسي واجتماعي”.
ولكن ما هي العمليات التجميلية فعلاً؟ يوضح د. الزوبي أن المصطلح الصحيح هو الجراحة التقويمية والتجميلية، وأن “التجميل” ليس سوى مصطلح تسويقي. وبحسبه، فإن الجراحة هي تناول الأنسجة التشريحية لجسم الانسان بمشرط أو ما شابهه، في حين أن التقويم هو عملية إعادة تموضع هذه الأنسجة التشريحية في أبعادها الثلاثة: الموضع، الشكل، الحجم. أما العملية التجميلية، فهي الحكم الذي يظهر للآخرين، بعد القيام بالتقويم وإعادة التموضع. ويشير الدكتور حسن التازي، طبيب اختصاصي في الجراحة والتقويم، ونائب رئيس الجمعية المغربية لجراحة التجميل والتقويم، إلى أن “في المغرب 73 طبيباً مختصّاً بالجراحة التجميلية والتقويمية يعملون وفق البروتوكول الطبي، البعيد كلّ البعد عن إجراء أي عمليات جراحية منافية للأخلاق ومبادئ الدولة المغربية. ولكن رغم تزايد الإقبال على هذا المجال الطبي، فإن عدد العيادات المتخصصة ما زال قليلاً جداً، لا يتعدّى الأربع، موزّعة بين مدينتي الرباط والدار البيضاء”.
وأضاف أنه، “إلى جانب العيادات المتخصصة، تُجرى العمليات التجميلية والتقويمية في عيادات متعدّدة الاختصاصات”.
شفط الدهون في أول القائمة، يليه تكبير الثديين تؤكد الطبيبة شرقاب لمياء المتخصصة في الجراحة التجميلية والتقويمية، على أن “هذا المجال شهد في السنوات العشر الأخيرة اهتماماً متزايداً لدى المغاربة، رجالاً ونساء”.
وأوضحت أن “العمليات الجراحية الأكثر طلباً هي الخاصة بشفط الدهون، التي تبلغ كلفتها نحو 280 دولاراً، تليها عمليات تكبير الثديين (نحو 1700 دولار) وشد البطن (بين 2000 و3000 دولار).
بعض العمليات التجميلية والتقويمية يتمّ إجراؤها من دون القيام بأي عملية جراحية، بل بواسطة “البوتوكس”. يستعمل البوتوكس لإزالة التجاعيد وإرخاء العضلات في مناطق محددة من الوجه كالخطوط العمودية، الناتجة من العبوس والتجاعيد حول زاويتي العينين.
وتلفت د. لمياء إلى أن “هذه التقنية تجعل البشرة تبدو شابة، من دون الحاجة إلى أي جراحة”، مضيفةً أنه “يتم حقن البوتوكس بواسطة إبرة رفيعة مباشرة في العضل المنقبض أو في منطقة التجاعيد، وتظهر النتائج في غضون ثلاثة أيام أو خمسة على أبعد تقدير”.
وتشير الى أن “هذه التقنية في متناول عدد كبير من الأشخاص لسعرها المناسب، الذي يراوح بين 200 و250 دولاراً”.
بدأ الاهتمام يتزايد في السنتين الأخيرتين ببعض العمليات التجميلية مثل زرع الشعر التي تبلغ كلفتها نحو 250 دولاراً، وتجميل الأذن التي تكلّف نحو 900 دولار. وبفضل المعطيات التي حصل عليها رصيف 22، تبقى أرخص عملية تجميل، هي عملية التقشير الكيميائي، التي لا تتعدى كلفتها 18 دولاراً.
وتؤكد د. لمياء أنها “في بعض الأحيان تفاجأ بطلبات غريبة ومبالغ فيها، ما يحتم عليها توجيه مرضاها إلى أطباء نفسيين لمناقشة مشاكلهم”.
وحرصاً منها على احترام مبدأ السرية المهنية، رفضت الكشف عن أمثلة لهذه الحالات، مكتفيةً بالقول إن “بعض الأشخاص تراودهم وساوس وهواجس، تدفعهم إلى طرق بوابة التجميل والتقويم، لإيجاد حلول لمشاكلهم وتكون في غالبها مشاكل نفسية لا غير”.
وفق د. الزوبي، تستحوذ النساء على النسبة الأكبر من المقبلين على العمليات التجميلية، بينما يشكّل الرجال نسبة 25 %.
يقبل الرجال على عمليات زرع الشعر، في حين تهتمّ النساء بعمليات شفط الدهون وتجميل الوجه. ويشير إلى أن “عمليات الجراحة التجميلية، مع انخفاض الأسعار، لم تعد حكراً على الأسر البورجوازية، بل إن الفئات المتوسطة الدخل بدأت تقبل عليها”.
ويقول نسيم .ب (45 سنة)، إنه “قصد عيادة د. لمياء في الدار البيضاء لإجراء عملية شفط الدهون، لأنه يُعاني من ترهل بسبب ازدياد الوزن (104 كلغ)”. فضل نسيم عملية التجميل عوضاً عن الرياضة لأن التمارين الرياضية لم تساعده على تحقيق ذلك، بسبب شراهته في الأكل وعدم قدرته على اتباع أي حمية غدائية.
من جهتها، قصدت نوال. ف (28 سنة) إحدى العيادات في العاصمة، للتشاور مع الطبيب بهدف تقويم أنفها، لإصابته بتشوّه خلقي منذ الصغر. تؤكد نوال أنها “ظلت مترددة كثيراً في زيارة الطبيب لإنهاء عذابها مع هذا التشوّه الذي حملته 28 عاماً”.
ومع اهتمام المغاربة المتزايد في عمليات التقويم والتجميل، دفع غياب التغطية الصحية لهذا النوع من العمليات عدداً من المقبلين عليها بمطالبة الحكومة المغربية بإعادة النظر في هذا الموضوع.
وبناء على مصادر بعض شركات التأمين الصحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يستحيل اعتماد هذه العمليات في التغطية الصحية، بحجة أن فرنسا التي يستمدّ منها المغرب معظم تشريعاته القانونية، لا تعترف بهذه العمليات ولا تقدّم أي تعويض عنها.