بسلاسة ويسر، أحسن الملك محمد السادس عرض المرتكزات التي يستند إليها ما يشهده المغرب من أمن واستقرا، وما يجب على المواطنين والسلطات فعله معا من أجل تكريس هذه الحالة الفريدة والمتمايزة عن كل ما يحيط بها عربيا. وهكذا، بدا خطاب العاهل المغربي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب كثيفا ومختصرا، مسميا الأشياء بمسمياتها، رابطا ما هو داخلي بما هو خارجي، وقاطعا مع ثقافة سائدة لطالما استسهلت إلقاء المسؤوليات على المواطنين عند كل إخفاق تشهده الدولة. انتصر للمواطنين، دون أن يعفيهم من المسؤولية عما يعيشونه يوميا. برأهم من تهمة التقصير في المشاركة في الاستشارات الانتخابية، بإرجاعه سبب هذا العزوف إلى سلوك المنتخبين أنفسهم الذين لا يرى المواطنون أثر ما يصنعونه إلا على هامش الانتخابات التي تجري كل خمس أو ست سنوات.
للمزيد: استمرارية ثورة الملك والشعب
ولأن تحفيز المواطنين على المشاركة يجب أن يكون مقترنا بشرح مواطن القوة التي يعطيها لهم الدستور، فقد حرص الملك محمد السادس على التمييز بين مهام المنتخبين الجماعيين والبرلمانيين، وفصل كل ذلك عما هو منوط بالحكومة من صلاحيات، الأمر الذي يدخل المواطنين بدورهم دائرة الفعل والتأثير، من أجل مغادرة “المقعد المريح” الذي يستستهل إلقاء تبعات سوء أوضاعهم المعيشية على عاتق الحكومة والمنتخبين، حيث كان الملك واضحا عندما أشار إلى أن المواطن الذي لا يمارس حقه في الانتخاب واختيار الأصلح لمهام إدارة الشأن العام، يفقد مبرر الاحتجاج على تدهور مستوى ما يقدم له من خدمات.
وبنفس الذكاء، مر العاهل المغربي من حقيقة أن الانتخابات المحلية المقبلة ستكون ركيزة أساسية في صرح بناء الجهوية المتقدمة، إلى حقيقة أن مهمة تحصين المغرب أمام الإرهاب في محيط إقليمي متفجر هو استكمال لهذه المهمة الداخلية، كون الأمرين معا مترابطان، ويقومان على ما أسماه “المقاربة التشاركية” التي يتحمل المواطنون ومختلف أجهزة الدولة مهمة إنجازها. فمغرب مستقر وآمن لا تعني أن يتم استثناؤه من مخاطر الاكتواء بنار الإرهاب. ويأتي ذكاء المقاربة الملكية من كونها تخالف ما درجت معظم أن لم يكن كل الدول العربية عليه، والتي تقصر مقاربتها للإرهاب ومحاربته في المهمة الأمنية دون ربطها بعوامل استقرار داخلي حقيقية، وحياة ديموقراطية مستندة إلى بنية دستورية متينة، مما يؤهلها لإشراك مختلف المواطنين في القيام بأعبائها، وهو الشرط الضروري والمفتقد للأسف عند باقي بلدان الجوار.
من هنا تأتي عظمة المسؤولية الملقاة على عاتق الأحزاب والمواطنين وباقي أجهزة الدولة، بأن تحافظ على التجربة الديمقراطية في كامل عافيتها، لتكسب المواطنين الثقة الكاقية بالعملية السياسية، وينخرطون تاليا في جهود تحصين مكاسبهم بالأساس، ويحمون بلادهم من الآفة التي لم توفر مكانا في الأرض إلا ضربته.
وكعهده دائما، أعاد الملك محمد السادس التأكيد على القيم المغربية العظيمة الراسخة في معاملة ضيوفها المهاجرين، وتمكينهم من أسباب العيش الكريم، مشددا على حقيقة كون المغرب بلد معبر وليس مستقر، وأن هذه الحقوق المكفولة رهينة باحترام هؤلاء المهاجرين قوانين وقيم المملكة، مؤكدا في الختام على أن تظافر جميع هذه الجهود داخليا وخارجيا، ما هو إلا وسيلة يوجد المواطن ورفاهه وأمنه في صلبها. وبهذه الطريقة فقط، يمكن التأكد بأن هذا الوفاء والرباط المقدس بين أبناء المغرب ومن قلدوه أمرهم، والذي يمثله بامتياز ملحمة “ثورة الملك والشعب”، سيبقى دون انفصام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يبادل عبره المواطنون مليكهم حبا بولاء، وحرصا بإخلاص.