ربما تكون كلمة “الشرعية” أو “المشروعية” ومشتقاتهما اللغوية، هي أكثر كلمة انتهكت في لغتنا العربية، لكثرة ما استخدمها فرقاء مختلف الأزمات التي مرت بها أمتنا العربية منذ قرونها الأولى، ولا نبالغ إن قلنا منذ الفتنة الكبرى، والتي حمل خلالها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام السيوف في وجه بعضهم البعض، منضوين تحت راية زوجته أم المؤمنين “عائشة بنت أبي بكر” في مقابل ابن عمه “علي بن أبي طالب”. صراع على المشروعية لا نزال نعيش بعض تداعياته حتى هذه اللحظة عبر الصراع السياسي الذي يصر طرفيه على إعطائه بعدا طائفيا بين السنة والشيعة.
مناسبة الحديث، هي الطور الجديد من الصراع بين العرب والفرس، بين السنة والشيعة، بين الشرعية والتمرد، ….الخ، والذي يجري على أرض اليمن السعيد، ملتحقا بسابقيه في لبنان والعراق وسوريا وبدرجة أقل في البحرين والسعودية، والذي يمكن أن نضيف إليه الصراع على “الشرعية” في كل من مصر وليبيا، رغم ضعف البعد الطائفي في الحالتين.
لقد قررت السعودية وثمان دول عربية، إضافة إلى دعم وإسناد تركيا وباكستان، الانتصار “للشرعية” التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي، كما سبق لإيران تماما أن انتصرت “لشرعية” الرئيس السوري بشار الأسد، و”شرعية” نوري المالكي وخلفه العبادي. والمفارقة هنا، أن إيران تهاجم السعودية وحلفائها بسبب “الاعتداء” على اليمن الدولة ذات السيادة، من أجل الدفاع عن رئيس “فاقد للشرعية”، متناسية أو متجاهلة أن هذا التدخل هو نفس ما فعلته في سوريا والعراق، عندما أرسلت قواتها العسكرية لتقمع جموع السوريين الثائرين ضد رئيسهم “فاقد الشرعية”.
نفس الأمر يصدق على تنازع الشرعية القائم بين مناصري الرئيسين المصريين السابق “محمد مرسي” والحالي “عبد الفتاح السيسي”، وبين الميليشيات الليبية المستندة “لشرعية” مجلس النواب في طبرق، و “شرعية” المؤتمر الوطني في طرابلس. صراعات يدفع ثمنها الغالي جموع المواطنين على امتداد هذه الجغرافيا العربية، وتهدر من أجلها ثرواتهم الحالية والمستقبلية.
إن ما تشهده بلادنا العربية من نزاعات معلنة ومستترة، بين القوى الإقليمية والدولية، ووكلائها المحليين للأسف، هي نزاعات عبثية ناهيك عن دمويتها، ولا يبرر استمرارها سوى عجز من يتصدون لها عن امتلاك الإرادة الحرة لإيقافها، والوعي الكافي للوصول إلى قناعة استحالة القضاء على شركاء الوطن بإقصائهم وإبادتهم، وبالتالي القبول بالاحتكام إلى قانون إدارة الشأن العام عبر البرامج والرؤى التي يختار الناس أنسبها، ويعدلون اختيارهم كلما تدرجوا في إتقان قوانين اللعبة وخبروا مسالكها.
إن نجاح العرب في قطع أصابع إيران التي تعبث في اليمن، ونجاح إيران في استكمال هيمنتها على العراق، واستمرار لعبة عض الأصابع بين الطرفين في سوريا، لا تعفي هذه القوى الإقليمية، ووكلائها المحليين التي تشترك في كلمة التوحيد من الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لتوقف شلال الدم المرشح لمزيد من التدفق، وتوفر مليارات الدولارات التي تهدر على هذه الحروب المجرمة، بغض النظر عن “المشروعية” المفترضة للأطراف الداخلة فيها، إذ لا “مشروعية” إلا لمن يحقن دماء الناس، ويقبل بأهليتهم لامتلاك الحق في تقرير الطريقة التي تدار بها شؤونهم، والأطراف التي تسهر على هذه الإدارة.
اقرأ أيضا
سوريا.. اجتماع أوروبي لتدارس كيفية التعامل مع القيادة الجديدة وبلينكن يدعو لتجنب عزلة طالبان
لتقي القادة الأوربيون اليوم الخميس لأول مرة منذ الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، حيث تواجه الكتلة الأوروبية قرارات بشأن كيفية التعامل مع القيادة الجديدة في البلاد، بينما دافعت الولايات المتحدة
سوريا.. مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع يدعو لعملية سياسية شاملة
تبنى مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه الـ15، بمن فيهم روسيا والولايات المتحدة، بيانا بشأن الانتقال السياسي في سوريا، وذلك بعد 10 أيام من الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
بعد سقوط الأسد.. وفود دبلوماسية أوروبية تتقاطر على سوريا لبحث عملية الانتقال السياسي
أجرى دبلوماسيون ألمان محادثات، اليوم الثلاثاء، مع أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي قاد تحالفًا معارضًا أطاح بالرئيس السوري بشار الأسد، للتباحث حول “العملية الانتقالية السياسية”، وفق ما ذكرته وكالة "فرانس برس".