ليس المقام مقام تحليل لأبعاد تفجيرات بروكسيل التي لا تعدو كونها مجرد حلقة جديدة من الحرب المفتوحة تحت راية عريضة “محاربة الإرهاب”، وهل جاءت ردا أم انتقاما لاعتقال صلاح عبد السلام، الذي دبر أو شارك في التخطيط لتفجيرات مماثلة في باريس. المقام هو مقام التضامن مع ضحايا ساقهم قدرهم للتواجد في مطار بروكسيل أو محطة الترامواي الرئيسية فيها، من مختلف الجنسيات والأديان والأعمار، يقصدون أعمالهم أو يهرعون للقاء أحبتهم، دون أن يعلموا أن يد الغدر لهم بالمرصاد.
تفجيرات بروكسيل، وقبلها كل التفجيرات التي تستهدف المدنيين على أي أرض كانوا، ركعا في مسجد، مصلين في كنيسة، محتفلين في عرس، معتكفين في كنيس، مسافرين في محطة، متفرجين في مسرح، أو لاهين في مرقص أو مقهى، الإدانة هي هي، للإرهاب الذي يحمل نفس المعالم سواء أتى بحزام ناسف أو عبوة متفجرة أو قصف بطيارة من دون طيار، لأن استهداف المدنيين من أي دين أو جنس، مناف لقول رب العزة: “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”، دون أن نبرر هذا القتل، بحق أو دون وجه حق، بأفعال حكوماتهم، لأن ديننا يعلمنا أنه “لا تزر وازرة وزر أخرى”.
المصيبة أن هذه الأفعال المدانة، لا تفعل سوى تغذية العداء للأجانب والمسلمين على وجه الخصوص، وتزيد من حدة العنصرية التي يواجهونها بشكل متزايد في دول الغرب، رغم أن معظمهم برئ منها، بل واكتوى بنارها عبر فقد عزيز أو قريب، تماما ككل من تصادف وجودهم في ساحة الجريمة.
ومما يزيد من استنكار استمرار هذا الإرهاب الإجرامي الذي لا يملك شرعية الانتساب لأي دين، كونه “عبثي” يفتقر لأي هدف معلن أو مضمر، ولا يعرف له غاية سياسية أو عسكرية. فمثل هذه الهجمات التي تستسهل استهداف المدنيين، مستغلة ثغرة أمنية هنا أو هناك، لا يمكن لها أن تهزم بلدا كيفما كان، غربيا أو عربيا، إفريقيا أو أمريكيا. أما “وهم الخلافة” التي نجحوا في “إقامتها” في بعض أماكن غياب السلطة المركزية لدول فاشلة مثل أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، فهو لا يملك مقومات الاستمرار بأي منطق حوكم، ولا يمكن له أن يجلب للناس لا خير الدنيا ولا نعيم الآخرة.
أخيرا، لا يسعنا إلا تمني أن يستطيع “القانون” الذي تتباهى به الديمقراطيات الغربية، حماية الأقليات المسلمة داخل هذه البلدان، وأن لا يدفع أبناء المهاجرين الثمن مرتين، وأن تنجو هذه المجتمعات من زحف اليمين العنصري المتطرف الذي يدق بقوة أبواب أعتى الديمقراطيات الغربية، مستغلا مزاجا عاما معاديا لكل من يحمل سحنة غير شقراء، لأن فوز هذا اليمين العنصري المتطرف لن يجلب بدوره أي أمن أو أمان، ولن يحفظ تماسك هذه المجتمعات التي هي أحوج ما تكون إليه، إن هي أرادت الانتصار في معركتها ضد الإرهاب الأعمى.