بالأمس، أطفأنا في “مشاهد 24” شمعتنا الثانية، وها نحن نشعل اليوم شمعتنا الثالثة. ففي الثامن عشر من يناير 2014 أطلقنا موقعنا عبر الفضاء الافتراضي، لتتزامن مع انعقاد “لجنة القدس” في مراكش. ومنذ البداية، كانت خياراتنا التحريرية واضحة: نريد تجربة صحفية تقطع مع “الإثارة” منهجا وفلسفة عمل، مع الانحياز طبعا لتقديم مادة “جذابة” تتمتع بالمصداقية، تفيد الناس وتراعي كونها ممتعة. معادلة صعبة، لا ندعي أننا نجحنا في ترجمتها دائما، لكنها الإطار الذي نعمل فيه، وأدعي أنها كانت، رغم عثراتها، تجربة ممتعة لجميع أفراد طاقمنا، وتمرينا يوميا في البحث عما “ينفع الناس” ويغريهم بالضغط على روابطنا.
لقد عانينا كثيرا من التعثر التقني بالأساس، إضافة لذلك الخاص بهويتنا البصرية، وبخلق فريق عمل صحفي يؤمن بأن “الإثارة” ليست شرطا مسبقا من أجل جعل المادة الصحفية مقروءة. ونحن نحس اليوم، أننا أكثر قدرة من الناحية التقنية، وقريبون من إطلاق هويتنا البصرية الجديدة (New Look) نتمنى أن تكون مريحة وجذابة لعين القارئ دون أن تحرف بصره عن المحتوى، الذي نحس أننا أصبحنا أكثر نضجا في ضبط إيقاعه ومفرداته.
وبخصوص هويتنا الفكرية والسياسية، فندعي أنها أوضح من سياستنا التحريرية، وأن الالتزام بها أكبر. حيث كنا وسنبقى دائما إن شاء الله، ساحة لقاء بين أبناء المغرب الكبير وأشقائهم في الوطن العربي، في إطار احترام المشترك الإنساني الذي يجمعنا مع باقي شعوب الأرض. وندعي أن لا تناقض بين اعتمادنا لمصطلحين قد يبدوان للوهلة الأولى متناقضين، وإن كانا في العمق غير ذلك: المغرب الكبير، والوطن العربي. وكلمة السر في رأينا تكمن في التعامل مع “العربية” كلغة وهوية حضارية وليست عرقا. وعليها فالوطن العربي بالنسبة لنا، هو الجغرافيا التي تحتضن المتحدثين بالعربية من العراق وحتى المغرب، بأعراقهم ودياناتهم ولهجاتهم وطوائفهم لا نفرق بين أحد منهم، وهو الأمر الذي يقودنا لرفض النظريات الشوفينية المتعصبة القائلة بوجود نقاء عرقي، وباحتكار “ملكية” هذا القطر أو المنطقة أو تلك، ومعها نرفض كل حركة تسعى إلى تفتيت هذا الجسد العربي تحت أية راية أو مسمى. لكن في المقابل، نؤمن بالخصوصية الثقافية والتمايزات الاجتماعية لكل مكونات هذا الوطن، ونحترمها ونعتبرها مصدر غنى، ولا نقبل بأية ممارسة تمييزية تقوم بها الأغلبية العرقية أو الدينية أو المذهبية ضد أية أقلية هنا وهناك. وهكذا، نرفض الظلم الممارس ضد أية أقلية شيعية أو مسيحية أو إباضية من أية جهة جاء، والعكس صحيح. كما نرفض كل اللغو المحيط بجدلية “الأمازيع والعرب” في أقطار المغرب الكبير، الذي نتعمد تسميته بهذا الاسم لتبيان خيارنا الوحدوي، ورفضنا لمنطق التعصب من غلاة العرب والأمازيغ على حد سواء. إن المغرب الكبير، جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، وعليه لسنا في حاجة لتكرار كلمة “العربي” في المصطلحين.
واحتراما للإنسان في كل مكان، ندين ما يمارس ضده من تعسف وقتل وتشريد، مهما كانت هوية الظالم والمظلوم. وعليه نرفض جميع أشكال العنف الممارس باسم الدين، والذي تمارسه جماعات هي أبعد ما تكون عن حقيقة الإسلام، بنفس درجة رفضنا لكل من يوجه الإهانات لديننا ونبينا تحت يافطة “حرية التعبير”، وكذا جميع المظالم التي يتعرض لها أبناء الأقليات والمهاجرين على اختلاف جنسياتهم، وعلى امتداد جغرافيا العالم الغربي.
وداخليا، قاومنا ولا نزال، كل من يسعون إلى تحنيط ديننا وإلباسه “هويات” مصطنعة وإن انتسبت لحقبة صدر الإسلام، بنفس درجة مقاومتنا لكل “المتغربين” بين ظهرانينا، الذين يدافعون عن “حداثة” زائفة تسعى للتماهي مع الآخر الغربي بدعوى كونية المفاهيم الحقوقية. وفي الحالتين، نحن أوفياء لرفضنا استنساخ نماذج “متخيلة” لواقعين غريبين عنا حضاريا أو زمنيا، ونشدد على ضرورة أن نشتغل جميعا لإيجاد إجابات أصيلة لأسئلة واقعنا “الحقيقي” الذي نعيشه الآن، بدل استنساخ أسئلة وإجابات “عصر الصحابة” أو “عصر أوروبا والولايات المتحدة”.
قد لا نكون قد وفقنا دائما في ترجمة جميع هذه المعاني من بين أخرى تحترم الإنسان، وتراعي المعايير المهنية الموضوعية والنزيهة، لكنه هاجسنا، الذي نشهد الله على صدق مقصده، ونطلب مؤازرتكم ومراقبتكم لنا في كل ما نكتب وننشر، بالتعليق والتصحيح والتقويم، حتى نصل سويا إلى أن نكون جزءا من مشهد إعلامي”محترم”؛ محترم باحترامه خصوصيات الناس، أحلامهم، ذوقهم، مفردات هويتهم، وما نراه في الأخير محققا لمصالحهم. لا ندعي قدرات خارقة أو استثنائية، وإنما إيمانا لا يهتز وعزيمة لا تفتر بأن من سيصلون إلى الناس هم الأكثر صدقا من بيننا، متخذين نبراسا لنا قوله تعالى: “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.. صدق الله العظيم.